الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا
(10)
* * *
إن اليتامى مظنة أن يبخسوا في الميراث، فأكل مالهم هنا ظلما هو بخسهم حظهم في الميراث، أو أكل الأوصياء أموالهم والأخذ من مال اليتيم سماه الله تعالى أكلا لما فيه من معنى الأخذ وأن يقصد به تنمية ماله كما ينمي جسمه بالأكل، ولكنها تنمية آثمة مالها البوار " ومن نبت لحمه من حرام فالنار أولى به "(1) وقال سبحانه (ظُلْمًا) لكمال التشنيع على الأكل، إذ هم يظلمون ضعيفا لا يقوى على الانتصاف منهم، وقد ذكر سبحانه إثم ذلك الأكل بقوله:(إِنَّمَا يَأْكلُونَ فِى بُطُونِهِمْ) وهذا تصوير لضرر الأكل عليهم؛ لأنه يكون أكلهم كمن يأكل النار ويضعها في بطنه أي يملأ بطنه بها فهو في ألم دائم حتى يهلك، وكذلك دائما من يأكلون أموال اليتامى لَا يأكلون أكلا هنيئا ولا مريئا، بل هم في وسواس دائم حتى يقضى الله عليهم، وقد رأينا بيوتا خربت لأنها أكلت مال اليتيم. وهذا عقابهم في حاضرهم، أما العقاب الذي ينتظرهم في الآخرة فقال:(وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) أي ستوقد بهم نار شديدة الأوار، يستمرون في بلاء شديد منها. اللهم ارزقنا رزقا حسنا، وجنبنا ما حرمت، وأقنعنا بالحلال الطيب، إنك سميع الدعاء.
* * *
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ
(1) جاء في كشف الخفا (1973): " كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ". رواه البيهقي وأبو نعيم عن أبي بكر، قال المناوى: وسنده ضعيف، والمشهور على الألسنة:" كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به ".
فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)
* * *
قد بين الله سبحانه وتعالى الواجب بالنسبة لليتامى ورعاية حقوقهم، في الأموال التي يرثونها، والأموال التي تئول إليهم. كما بين سبحانه حق الفقراء والمساكين وذوي القرابة الذين لَا ميراث لهم عند تقسيم التركات. وفي هذه الآية يبين حقوق أكثر الوارثين، وهي تقسيم الله سبحانه وتعالى.
إن الميراث قد تولَّى القرآن بيان أكثر أحكامه، ولم يُفصِّل أحكاما كما فصّل
أحكام الميراث، وقد قال صلى الله عليه وسلم:" العلم ثلاثة: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة "(1) وقد عده نصف العلم، وهذا العدد دليل على مقدار وجوب العناية به، فقد قال صلى الله عليه وسلم:" تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإنه نصف العلم، وهو أول شيء ينسى، وأول شيء ينتزع من أمتي "(2).
والميراث هو وصية الله تعالى بتوزيع التركات على مستحقيها، فإنه إذا كان للعبد وصايا في أمواله من بعد وفاته، فالميراث هو وصيته سبحانه وتعالى ووصية الله تعالى أولى بالإيجاب وأحق بالتنفيذ. ولكي تكون وصية الله تعالى لها مكانتها فإنه قد جعل لها الثلثين، ولوصية صاحب المال الثلث، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى قد تصدق عليكم في آخر أعماركم بثلث أموالكم فضعوه حيث شئتم ". وقد أراد بعض الصحابة أن يوصي بماله كله، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أراد أن يوصي بالثلث فأجازه، وقال:" والثلث كثير، إنك إن تذَر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس "، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وفى هذه الآيات كما قلنا بيان حقوق طائفة من الوارثين، وهم الأولاد والآباء، والأزواج وأولاد الأم، وقد مزج بين الآباء والأولاد في الحقوق؛ لأن الأولاد لَا يحجبون الآباء أي لَا يمنعونهم من الميراث، ولذلك يعدون طبقة واحدة، وقد قال تعالى في ذلك:
(1) عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ ان رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " العِلْمُ ثَلاثَةٌ: وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ: آيًةٌ محْكَمَةٌ أوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ ". [رواه أبو داود: الفرائض - ما جاء في تعليم الفرائض (2885)، وابن ماجه: المقدمة - اجتناب الرأي والقياس (54)، وفي إسناده مقال.
(2)
رواه ابن ماجه: الفرائض - الحث على تعليم الفرائض (2719).
(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) هذا النص الكريم يبين ميراث الأولاد، وقد ذكر لهم ثلاث أحوال: الحال الأولى إذا كانوا ذكورا وإناثا فإن الميراث بينهم يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، والحظ هنا النصيب، والتعبير بالحظ إشارة إلى أن عطاء الأنثى، ولو كان نصف عطاء الرجل، قدر كبير لها فيه حظ، أي عطاء فيه كرم وسخاء؛ لأن التكليفات المالية عليها دون التكليفات المالية على الرجل بقدر كبير يعدّ أكثر من النصف.
الحال الثانية: أن الأولاد إن كن نساء فقط، يكون نصيبهن الثلثين، والنص الكريم يقول:(فَإِن كنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ) يفيد بيان نصيب الأكثر من اثنتين، ولم يبين الاثنتين، ولكن يفهم من آية أخرى أن نصيب الثنتين هو الثلثان أيضا؛ لأن الله تعالى قال في توريث الإخوة والأخوات:
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ. . .).
ففي الأخوات نص على أن نصيب الأختين الثلثان، وبالأولى يكون نصيب البنتين الثلثين؛ لأن البنتين أقوى قرابة وأكثر اتصالا، وأجدر بالرعاية، فماذا كانت الأختان تأخذان الثلثين فأولى أن تأخذ البنتان الثلثين، فما حذف في آية البنات وجد ما يدل عليه في آية الأخوات. وكذلك حذف في آية الأخوات نصيب الأكثر من أختين، وصرح به في آية البنات، ففهم بطريق الأولى أن الأكثر من أختين تأخذان الثلثين؛ لأنه إذا كان أثر من بنتين يأخذ الثلثين فقط، فأولى أن يأخذ الأكثر من أختين الثلثين. والمعنى أنه حذف من آية البنات ما يفهم بالأولى من آية الأخوات، وحذف من آية الأخوات ما يفهم بالأولى من آية البنات، وذلك بلاغة الإيجاز، وهو من سر الإعجاز.
الحال الثالثة: أن يترك الشخص بنتا واحدة، وهي في هذه الحال تستحق النصف بصريح الآية:(وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْف).
هذا توريث الأولاد، ويلاحظ ما يأتي:
أولا: أن نصب الأولاد إذا كانوا ذكورا وإناثا يكون بعد أن يأخذ الأبوان والأجداد والجدات وأحد الزوجين أنصبتهم. فإذا كان للمتوفى أب وزوجة وأبناء وبنات، فإن القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين تكون بعد أخذ الأب والزوجة نصيبهما.
ثانيا: أن الأولاد يطلقون على كل فروع الشخص من صلبه، أي أبناؤه وأبناء أبنائه، وبنات أبنائه. أما بنات بناته، فإنهن لَا يكن من أولاده. وقد خالف في ذلك الشيعة فلم يفرقوا في نسبة الأولاد بين من يكون من أولاد الظهور ومن يكون من أولاد البطون، أي لَا يفرقون بين من تتوسط بينه وبين المتوفى أنثى ومن لا تتوسط.
ثالثا: أن أبناء الشخص وبناته يقدمن على أبناء أبنائه وبنات ابنه، أي أن الطبقة الأولى تمنع من يليها.
رابعا: إن بنات الابن يأخذن حكم البنات تماما إذا لم يكن للشخص أولاد قط، لَا ذكور ولا إناث، بل إن جمهور الفقهاء يجعل لبنات الابن السدس، وإذا كان للمتوفى بنت واحدة تأخذ النصف، وذلك لحديث ابن مسعود الذي سئل فيه عن رجل توفى عن بنته وبنت ابن ابنه وأخته. . . فأعطى البنت النصف، وبنت الابن السدس، والأخت الباقي، وقال: ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
(1) روى البخاري: الفرائض - ميراث ابنة الابن (6736) عن هُزَيْلَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ بِنْتٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَسَيُتَابِعُنِي، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لِلاِبْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ ابْنٍ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ» فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحَبْرُ فِيكُمْ ".
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ) هذا ميراث الأبوين، وقد ذكر القرآن الكريم حالا يشترك فيها الأب والأم، وهي أن يأخذ كل واحد منهما السدس إذا كان للمتوفى ولد. والمراد من الولد الفرع الذي لَا يتوسط بينه وبين المتوفى أنثى، وذلك عند الجمهور، وعند الشيعة الإمامية: كل من يتصل إلى الميت من الفروع بطريق الإناث أو الذكور فهو ولد.
والأب قد يأخذ مع السدس باقي التركة إذا كان للمتوفى فروع من الإناث فقط، فإنه عند الجمهور يأخذ السدس مع الباقي، والباقي ثبت بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما بقي بعد أصحاب الفروض فلأقرب رجل ذكر "(1) فبهذا الحديث يأخذ الباقي، وبنص الآية يأخذ السدس.
وحالا ثانية ذكرها للأم صراحة، وللأب ضمنا، فقال سبحانه:(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ) فإن هذا النص يفيد أمرين: أحدهما - أن
الميراث للأبوين إن لم يكن أولاد، وثانيهما - أنه يكون للأم الثلث، وما دام الميراث منحصرا في الأبوين؛ فإنه يكون للمم الثلث والباقي للأب.
وإذا كان معهما زوج أو زوجة، فهل الآية تفيد الحكم؛ ونقول إنها لَا تفيده صراحة، بل تفيده ضمنا، وذلك أنها قررت أنه في حال انحصار الإرث في الأبوين يكون نصيب الأم الثلث، ونصيب الأب الثلثين فهذه الآية قد حددت النسبة، أي أن نصيب الام يكون على النصف من نصيب الأب، وبتطبيق ذلك على حال وجود أحد الزوجين، فإن أحدهما يأخذ فرضه وتأخذ الأم ثلث الباقي، ويأخذ الأب ثلثيه، وهذا رأى ابن مسعود وزيد، وعلي، على أرجح الروايتين عنه، وعمر وعثمان، وهو الذي اختاره الأئمة الأربعة وأكثر فقهاء الأمصار.
(1) عَنْ ابْنِ عَباس رضي الله عنهما عَن النَبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: " ألْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لأوْلَى رَجُل ذَكَرِ "[رواه البخاري: الفرائض - ميراث الرجل من أبيه وأمه (6732)، ومسلم: الفرائض - ألحقوا الفرائض (1615)].
وهناك رأيان آخران أحدهما - أنها تأخذ ثلث التركة كلها، وقد أخذ هذا القول من صريح الآية، وهو يؤدي إلى ألا يكون نصيب الأم على النصف من نصيب الأب، بل يؤدي إلى أن الأب يأخذ أقل من الأم، كأن يكون زوج وأم وأب، فإن الزوج يأخذ النصف والأم تأخذ الثلث، والأب يأخذ الباقي وهو السدس، أي أن الأب يأخذ نصف نصيب الأم، وهذا الرأي رأى الإمامية، وفيه شذوذ كما ترى، وقد نسب إلى ابن عباس، وقيل إنه روي عن علي ومعاذ بن جبل. والثاني - أنها تأخذ ثلث الكل في حال ما إذا كانت زوجة وأب وأم، وتأخذ ثلث الباقي إذا كانت المسألة فيها زوج بدل الزوجة، وذلك لكي لَا يأخذ الأب أقل من الأم. وأسلم الآراء أولها، وهو أوضحها وأعدلها.
وحالا ثالثة بالنسبة للأم أنها تأخذ السدس إذا كان هناك إخوة أو أخوات زادوا على واحد، فإنها تأخذ السدس، وهذه الحال خاصة بالأم، لأن الأب لا يؤثر في نصيبه على الإخوة والأخوات، بل إنهم لَا يرثون معه.
هذا ميراث الأولاد والأبوين، وقد بين سبحانه وتعالى حكمة ذلك وأكد تقسيمه بقوله سبحانه:
(آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) يبين الله أن هذه قسمته، ولا يصح أن تحكِّموا أهواءكم في أموالكم بعد وفاتكم، فإنكم لَا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا، آباؤكم أو أبناؤكم، لأنه عند حكم الهوى يففد العقل تقديره وميزانه فلا يدري أين يكون النفع، وقد صدر الآية بذكر الآباء والأبناء لقوة قرابتهم واتحاد اتصالهم، ومع ذلك لَا يعلمون النافع منهم. وقد أكد الله معنى هذا التقسيم بتأكيدين: أحدهما - قوله سبحانه (فَرِيضَةَ مِّنَ اللَّهِ) أي فرض الله ذلك فريضة وقدره تقديرا فلا يجوز خلافه، لأنه تقدير الله وقسمته، وليس لأحد أن يخالف قسمة الله جلت قدرته - التأكيد الثاني: قوله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا). فإن الله تعالى ذيل النص الكريم بهذه الآية تأكيدا للنفع في هذا التقسيم؛ لأن الله هو الذي قسَّم تلك القسمة العادلة، وهو