الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. . .)، فالذين يأكلون الربا أو يدعون إليه، أو يسهلون أمره أو يوطئون أحكام الشريعة لأحكام الكافرين يحاربون الله ورسوله.
* * *
(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
(132)
* * *
جاء الأمر بالطاعة لله ولرسوله بعد ذلك النهي القاطع، لأن ما يتعلق بالأموال يتحكم فيه الأهواء، وتستولي عليه المنازع المختلفة فيكون مظنة العصيان بتأويل فاسد، أو تحريف مقصود، أو انحراف بسبب الطمع فينساق الشخص في طاعة من لَا يطاع، ويترك طاعة الله والرسول، وفى ذكر طاعة الرسول مقترنة بطاعة الله في قرن واحد إشارة إلى أن طاعة الرسول طاعة الله، وأن الرسول مطاع فيما يقول عن الله، ومعنى النص: أطيعوا الله والرسول رجاء أن تكونوا في رحمة لَا في شقاء، وفي هذا إشارة إلى أن تحريم الربا فيه رحمة عامة شاملة، اللهم اجعلنا في طاعتك وطاعة رسولك دائما.
* * *
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)
* * *
هذه الآيات موصولة بالآيات التي قبلها إذ الآيات التي قبلها ختمت بالأمر بطاعة الله ورسوله، فقد قال سبحانه:(وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكمْ ترْحَمونَ) وفى هذه الآيات بيان معنى هذه الطاعة المطلوبة التي تؤدي إلى التراحم والتواصل والتواد، ولذلك كانت هناك رواية بالقراءة من غير وصل بالواو (سَارِعوا)(1) بدل) وَسَارِعوا. وإن رواية القراءة من غير وصل واضحة من حيث النسق في أنها تفصيل لمعنى الطاعة المطلوبة، والقراءة المشهورة التي عليها القراء السبعة فيها ما يدل على أنها لبيان معنى الطاعة بالمعاني لَا بالنسق.
(1) قرأها بلا واو: نافع وأبو جعفر المدنيان، وابن عامر الشامي، وقد رسم هذا الحرف بغير واو قبل السين في مصاحف أهل المدينة والشام.
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ من رَّبِّكُمْ) المسارعة هنا معناها المبادرة والاتجاه الذي لا تراخي فيه، ومعنى المسارعة إلى مغفرة الله تعالى المبادرة باتخاذ طريقها، بأن يطهر قلبه من المعاصي ونفسه من الأدران، ويتجه إليه سبحانه بقلب سليم قد رحض عنه المعاصي كما رحض الثوب من الأوساخ، ولقد فسر ذو النورين قوله تعالى (إِلَى مَغْفِرَةٍ من رَّبِّكُمْ) بالإخلاص، أي بادروا بالإخلاص وتنقية القلوب إلى مغفرة الله تعالى فإن ذلك هو الطريق المستقيم لطلب رضا الله تعالى، ولقد عظَّم سبحانه وتعالى شأن المغفرة التي ينبغي طلبها والاتجاه إليها فذكر بأنها تجيء من ربكم الذي خلقكم ونماكم ورعاكم، فهي مغفرة تعلو بعلو مصدرها وهي الأمان والاعتصام.
ويلاحظ أن القرآن يعدى المسارعة في الخير بـ " إلى "، والمسارعة في الشر بـ " في "، فيقول سبحانه:(يسارعون في الكفر)، ويقول هنا:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ)، لأن المسارعة في الكفر تنقُّل في براثنه فهم في قبته المظلمة التي تحيط بهم يتنقلون بالضلال في أرجائها، وهم في مرتبة واحدة، أما المسارعة إلى الخحِر، فإنها انتقال من رتبة إلى رتبة، ومن مقام صالح إلى مقام أصلح منه.
(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) هذا عطف على مغفرة، وفيها إشارة إلى أن مغفرة الله سبحانه تُطلب وحدها؛ لأن فيها طلب رضا الله تعالى، ورضا الله تعالى أكبر غايات المتقين، ولذا قال تعالى في جزاء المتقين:(وَرِضْوَانٌ منَ اللَّهِ أَكْبَرُ). فأكابر المتقين يطلبون رضا الله لذاته لا خوفا من ناره ولا طمعا في جناته.
فالمطلب الأكبر هو المغفرة، والمطلب الذي يليه هو " جنة عرضها السماوات والأرض " وهو ما يطلبه الذين دون الصدِّيقين والشهداء، والعَرض ضد الطول، وهو أقصر منه في الغالب، والنص لبيان سعة الجنة، لأنها رحمة الله تعالى بعباده الأتقياء، ولذا عبر عن هذه السعة بأوسع ما يدركه الحس، وأوسع ما يعلمه الناس من خلقه سبحانه، وقد يقول قائل: لِمَ ذكر العرض، ولم يذكر الطول، وهو أدل على الانفراج والبسط؟ والجواب عن ذلك أن ذكر العرض أبلغ في الدلالة، لأنه إذا كان عرضها كعرض السماوات والأرض فإنه يذهب العقل في إدراك طولها كل مذهب، ويتصور الكثير من الصور، وذلك كقول الله تعالى:(بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ. . .)، فإنه إذا كانت البطانة من الحرير الثمين فكيف يكون ما فوق البطانة مما تراه الأعين ويسر الناظرين؛ وقد يقال إن ذكر العرض ذكر للطول فإن تنسيق البيان يوجب المساواة بين طول الجنة وطول السماوات والأرض، كما أن عرضها كعرضهما، ويكون ذلك من الإيجاز البليغ.
وقد فسر أبو مسلم الأصفهاني - العرض هنا - بالأشياء القيمية المعروضة للبيع التي جمعها عروض، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:" ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس "(1)، ويكون المعنى على هذا التفسير أن الجنة في قيمتها وعلوها وسموها ومكانتها تعادل السماوات والأرض في قيمتهما، فهي الحياة وهي النعيم المقيم الدائم:(أُعِدَّتْ لِلْمُتَقِينَ) أي هيئت ووضعت للمتقين، وهم
(1) متفق عليه رواه البخاري: الرقاق - الغنى غنى النفس (5965)، ومسلم: الزكاة: ليس الغنى عن كثرة العرض (1015) عن أبي هريرة رضي الله عنه.