المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ١

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: التمهيدي

- ‌المبحث الأول: دراسة عامة عن السّورة

- ‌المطلب الأول: اسمها

- ‌المطلب الثاني: التعريف اللغوي والاصطلاحي للقصص

- ‌المطلب الثالث ترتيب سورة القصص في المصحف

- ‌المطلب الرابع فضلها

- ‌المطلب الخامس: سورة القصص أمكية هي أم مدنية

- ‌المطلب السادس: الأغراض العامة لسورة القصص ومقاصدها

- ‌المطلب السابع: التناسب والتناسق بين سورة القصص وما قبلها وما بعدها

- ‌المطلب الثامن: التناسب بين بداية السورة وخاتمتها

- ‌المبحث الثاني: الحروف المقطعة في الَقُرْآن الكَرِيم وسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في معاني الحروف المقطعة

- ‌المطلب الثاني: إعراب الحروف المقطعة

- ‌المبحث الثالث: شبه وجود الأساطير والتكرار في القصة القرآنية والرد عليها

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة القائلين بوجود الأساطير والتكرار في القرآن الكريم والرد عليهم

- ‌المطلب الثاني: قضية التكرار

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من التكرار

- ‌المطلب الرابع: فوائد القصص القرآني

- ‌الفصل الثاني: وقفات بين يدي السّورة

- ‌المبحث الأول: نظرات توجيهية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

- ‌المطلب الثاني: توجيه الآيات التي أشكل إعرابها

- ‌المطلب الثالث: التوجيه المضموني في سورة القصص ودلالاته

- ‌المطلب الرابع: التوجيه البياني التفسيري في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الخامس: الصورة البلاغية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السادس: الحكمة من استخدام الجمل والصيغ والعبارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السابع: الرسم الَقُرْآني في سُوْرَة الْقَصَصِ وعلاقته بأداء المعنى

- ‌المبحث الثاني: الأطر العامة لسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: دلالة التوحيد في سورة القصص

- ‌المطلب الثاني: المرأة في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: الزمن في سورة القصص

- ‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: النظرة القرآنية لليهود في سورة القصص

- ‌المطلب السادس: المال مفهومه وغاياته في سورة القصص

- ‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

- ‌المطلب الثامن: النظرة القرآنية للإنسان في سورة القصص

- ‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

- ‌الفصل الثالث: الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: مفهوم الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: علو فرعون في الأرض

- ‌المطلب الثاني: نصرة المستضعَفين

- ‌المبحث الثاني: الاستعلاء والطغيان بالثروة والمال

- ‌المطلب الأول: قارون وكنوزه

- ‌المطلب الثاني: تجبر قارون واستكباره

- ‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

- ‌الفصل الرابع: نشأة سيدنا موسى عليه السلام والظروف المحيطة به

- ‌المبحث الأول: ولادة سيدنا موسى عليه السلام

- ‌المطلب الأول: إلقاء سيدنا موسى (عليه السلام) في اليم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى في بيت فرعون

- ‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) في مرحلة البلوغ

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يهبه الله الحكم والعلم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) يقتل قبطياً خطأً

- ‌المطلب الثالث: فرعون يريد قتل موسى (عليه السلام) لقتله القبطي

- ‌الفصل الخامس: هجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المبحث الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) على ماء مدين

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يسقي الماء لبنات شعيب (عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: زواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: المسائل الفقهية المتعلقة بهجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المطلب الأول: المسائل المتعلقة بزواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌أولاً ـ تعريفه وألفاظه ومسائله:

- ‌ثانياً ـ ألفاظ عقد النكاح (الإيجاب ـ القبول)

- ‌ثالثاً ـ مسائله:

- ‌المسألة الأولى - الإشهاد على عقد الزواج

- ‌المسألة الثانية - الولاية في عقد الزواج

- ‌المسألة الثالثة - تعين الزوجة

- ‌المسألة الرابعة - المهر

- ‌المسألة الخامسة - مسألة الدخول قبل النقد

- ‌المسألة السادسة - اشتراط الولي شيئاً من المهر لنفسه

- ‌المطلب الثاني: الإجارة

- ‌تعريفها، وأركانها، ودليل مشروعيتها، والمسائل المتعلقة بها

- ‌المسألة الأولى: ذكر المدة دون ذكر الخدمة

- ‌المسألة الثانية: الإجارة على رعاية الغنم

- ‌المسالة الثالثة: اجتماع إجارة ونكاح

- ‌المسالة الرابعة: شبهات وردها

- ‌الفصل السادس: عودة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مصر

- ‌المبحث الأول: بعثة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌‌‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الثاني: تكليم الله لسيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

- ‌المطلب الرابع: المقارنة بين سورة النمل وسورة القصص

- ‌المبحث الثاني: موقف فرعون وقومه من دعوة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الأول: اتهام سيدنا موسى بالسحر

- ‌المطلب الثاني: ادعاء فرعون الألوهية وتكبره وملؤه في الأرض

- ‌المطلب الثالث: عاقبة فرعون وجنوده

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرواية التوراتية وسفر الخروج وبين الرواية القرآنية في سُوْرَة الْقَصَصِ لقصة موسى (عليه السلام

- ‌الفصل السابع: الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ودعوته في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: الدلائل الَقُرْآنية على صدق الرَّسُول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) في دعوته

- ‌المطلب الأول: دلالة قصة سيدنا موسى (عليه السلام) على صدق دعوة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: إيمان طوائف من أهل الكتاب بدعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: الهداية البيانية والهداية التوفيقية

- ‌المبحث الثاني: موقف المشركين من دعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: أعذار المشركين والرد عليها

الفصل: ‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

‌الفصل الثاني: وقفات بين يدي السّورة

‌المبحث الأول: نظرات توجيهية في سُوْرَة الْقَصَصِ

‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

من الواضح للعيان أن السمة الغالبة على سورة القصص هي نظام الجملة الطويلة، المؤدية للبيان في تفخيم اللفظ وتعظيم المعنى، وذلك أن اختلاف سياق قصة نبي الله موسى (عليه السلام) فيها، يختلف كل الاختلاف عن قصة النبي الكريم نفسه في باقي مواضعها من القرآن الكريم.

وقد علل ذلك الدكتور راجي رفاعي بقوله: " وقصة نبي الله موسى (عليه السلام) في سورة القصص تأخذ بعداً شمولياً مؤدياً لذاتية حقيقة القصة في إطالة مقصودة بذاتها، لتشمل فيما تشمله من أشياء:

أولاً: زيادة التبيين للسياق الذي تسير فيه القصة بأسلوب جديد.

ثانياً: الإكثار من ذكر الجزئيّات القصصية التي لم تعرف من قبل.

ثالثاً: إعادة الرواية الحقيقية التي حرفت في التوراة المنحولة " ((1)) .

ونحن نوافق هذا الباحث فيما ذهب إليه، ونزيد عليه في توجيه المعنى الذي هو:

(الأخذ بسياق النص نحو إبراز تأويلاته المؤدية إلى معناه)((2)) . بأن نحاول بناء مخطط بياني بخطوط عريضة لذاتية سورة القصص، فهذا المخطط سوف يشمل ((3)) :

علو فرعون في الأرض.

استضعاف بني إسرائيل.

ولادة موسى (عليه السلام) والتقاط آل فرعون له.

قصة إرضاع موسى (عليه السلام) .

حادثة قتل موسى (عليه السلام) لعدوه.

هم موسى (عليه السلام) بالبطش بالعدو الآخر.

خروج موسى من المدينة بعد التآمر عليه.

وصول موسى (عليه السلام) إلى مدين وسقيه الماء للمرأتين.

زواج موسى (عليه السلام) من بنت شعيب (عليه السلام) .

(1) موسى (عليه السلام) في الكتاب والسنة. د. راجي رفاعي. الطبعة الأولى. دار النشر الأكاديمية. القاهرة. 1992 م: ص238. وراجع قصص الأنبياء في المرويات الإسلامية. دراسة مقارنة. فهيمة مُحَمَّد علي. الطبعة الأولى. . دار الشرق. القاهرة. 1994 م: ص 299. إذ تؤيد مؤلفته ما نقلناه بقولها: " إن في سُوْرَة الْقَصَصِ انسجاماً في إعطاء تشخيص كلي لصورة موسى عليه الصلاة والسلام ".

(2)

التحليل التطبيقي للنصوص. حكيمة محسن. الطبعة الثانية. مكتبة الفكر. بيروت، لبنان. 1988 م: ص 337.

(3)

استناداً إلى السورة نفسها.

ص: 53

ونلاحظ ههنا أن اسم الأب لم يذكر صراحة في سورة القصص ولا في سواها، غير أن الآثار الصحيحة وردت بذلك ((1)) .

قضاء سيدنا موسى (عليه السلام) الأجل.

قصة إرسال موسى (عليه السلام) وكلام الله تعالى له.

إرسال هارون مع موسى (عليه السلام) .

أمر فرعون لهامان ببناء الصرح.

إغراق جنود فرعون معه.

المنة على موسى (عليه السلام) .

تذكير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما جرى، وذكر كفر قومه.

صفات المؤمنين.

شروط إهلاك القرى.

آلاء الله عز وجل يوم القيامة.

صفات الله عز وجل.

ذكر قصة قارون.

تذكير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما لله من قوة.

والملاحظ على هذا المخطط الذي يختصر لنا مقاصد سورة القصص أنه يشمل أموراً يرتبط بعضها ببعض، ويأخذ بعضها برقبة بعض.

(1) ينظر قصص الأنبياء في المرويات الإسلامية: 299، وراجع قصص الأنبياء. الحَافِظ عماد الدِّيْن إسماعيل بن عمر بن كَثِير القُرَشي الدَّمَشْقي أبو الفِداء. ت 774 هـ. الطبعة الثانية. تحقيق وتعليق: مُحَمَّد عَلِيّ الصابوني. دار القُرْآن الكَرِيْم. مصر. 1981م: ص224. قصص الأنبياء. عبد الوهاب النجار. مكتبة النهضة العربية. الطبعة الثالثة. مصر. (د. ت) : ص169، وهو يشكك في ذلك.

ص: 54

ومن قبل تنبه القدماء لذلك، فقال ابن جماعة المقدسي:" وقد تضمنت سورة القصص جماع قصة موسى ـ عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ـ، وجاءت القصة في موضعها ناصعة كالشمس في رابعة السماء، ثم بعد ذلك أثنى الله جل جلاله على نفسه وعدد على رسوله (صلى الله عليه وسلم) نعمه حتَّى انتهاء السورة "((1)) .

ويزيد هذا النص المهم وضوحاً ما ذكره بعض الباحثين المحدثين، إذ قال:" والمتتبع لما احتجنته سورة القصص يجد جانباً من جوانب إبراز النص المكرر بصيغة لا تشعر بتكراره، ولم يأت ذلك إلا في كلام الله تعالى، فقصة نبي الله موسى (صلى الله عليه وسلم) متفرقة في عدة آيات، إلا أن صيغتها الإلهية في سورة القصص تجعلها من الروعة بمكان، ثم إن وجه الإعجاز يظهر بعد ذلك في المقارنة القرآنية بين فرعون وجنوده وقريش وأظن ظناً يقرب من اليقين أن خواتيم سورة القصص التي احتوت على قصة قارون، هي إشارة لقريش وعظماء أغنياء رجالها بأنهم إن لم يسلموا ويؤمنوا ويتقوا، فإنهم سيواجهون الخسف ـ مصير قارون ـ وفي ذلك ما يدلنا على الرابط المعنوي لأوائل السور بنهاياتها، وما فيها من إشارات"((2)) .

(1) رسالة في فضائل السّور. مُحَمَّد بن إبراهيم بن سَعَد الله بن جماعة. (639 ـ 727) . تحقيق: مُحَمَّد رشاد. الطبعة الأولى. دار الحديث. مصر. 1408 هـ.

رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية. غانم قدوري الحمد. الطبعة الأولى. اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري. مؤسسة المطبوعات العربية. 1402 هـ ـ 1982 م: ص 47-48.

(2)

الوحدة الموضوعية في الَقُرْآن الكَرِيم. سليم سليمان. الطبعة الثانية. الدار التونسية للنشر. تونس. 1988 م: ص391.

ص: 55

ونحن إِذَا اتجهنا ناحية التوجيه المعنوي لذاتية السورة في محاولتنا لإبراز مكامن التحليل البحثي لهذه السورة نجد أن آيات سورة القصص تأخذ طريقاً مبيناً في الإيضاح فقوله تعالى: {َلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((1)) قد سبك في صياغته اللفظية بجملة غير مسبوقة، في التعبير القرآني {وَصَّلْنَا} ، واقتران هذا الإيصال والتوصيل بالتذكير بالفعل المضارع يرينا وجهاً من وجوه آفاق النص القرآني، ويمكن فهم هذا الوجه بأن جملة {لَهُمُ الْقَوْلَ} مقترنة بما بعدها لا بما قبلها، فينتج عن ذلك أن نخرج بالمعنى العام: إنا نواصل إرسال رسلنا بكلماتنا للناس كافة لأجل ان يتذكروا الإيمان ((2)) .

وهو بعض ما تنبه له قدماء المفسرين ((3)) ، فإذا ما أخذنا آية أخرى وحاولنا تحليلها تحليلاً موضوعياً فإننا سنأخذ على سبيل المثال لا الحصر في ذلك قوله تعالى:{وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ((4)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 51.

(2)

ينظر الإِتقَان فِي علُوم القُرْآن: 1 /177.

(3)

جامع البَيَان عَنْ تَأوِيل آي القُرْآن المعروف بتفسير الطَّبَري. أبو جعفر مُحَمَّد بن جَرِير الطَّبَري. ت 310 هـ. حققه وخرج أحاديثه: محمود مُحَمَّد شاكر. راجع أحاديثه: أحمد مُحَمَّد شاكر. دار المعارف بمصر ج 8 سنة 1971. ج 11 سنة 1957 م: 8 /199. وقارن مَفَاتِيح الغَيْب: 12/ 262.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 57.

ص: 56

فإن سياق المعنى في الآية هو خطاب أهل مكة من الكفار والمشركين لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والملاحظ أن الصيغة التي أتت بها بعض ألفاظها تحمل إعجازاً محسوساً في حد ذاتها فقوله تعالى:{نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} يكاد أن يشخص حالهم بين الخوف والاستهزاء، وهو ماتنبه له بعض المفسرين المعاصرين فقال:" وقوله تعالى: {نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} مشعر في جوهره ومضمونه أنهم ـ أي الكفار من قريش ـ مزجوا رفضهم الانكاري بمحاولة إبراز ما في دواخل أنفسهم من خوف من أنهم إِذَا ما اسلموا اخرجتهم العرب من الحرم ـ هكذا تصوروا وزعموا ـ فمنّ الله عليهم بتمكين الحرم، ووصف أكثرهم بعدم العلم "((1)) .

فتوجيه المعنى واضح هنا كلّ الوضوح في سياقه من سُوْرَة الْقَصَصِ، ونحن في توجيهنا للمعنى العام نلاحظ أن هنالك تواصلاً بين قصة موسى (عليه السلام) وهذه الآية، فبنو اسرائيل بعد أن أنجاهم الله تعالى من فرعون وجنوده جادلوا رسولهم ورفضوا دخول الارض المقدسة. والسياق التعبيري القرآني يشعر في بعض معانيه بأن حال هؤلاء كحال هؤلاء ((2)) ، أي: إن بني إسرائيل كادوا يتخطفون في رفضهم دخول الأرض المقدسة، وهو أمر إلهي.

(1) تفسير آيات الجدل في القرآن الكريم. حسن رفاعي. الطبعة الأولى. القاهرة. 1994 م.: ص497.

(2)

ينظر التفسير الحديث. مُحَمَّد عزة دروزة. الطبعة الرابعة، بيروت، لبنان. 1984 م: 7/118.

ص: 57

ونجد من هذا التوجيه للمعنى في داخل السورة أن قوله تعالى فيها: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ((1)) ، يتوجه نحو تقرير موضوع جديد في النفوس بواسطة ابراز مآل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وهي آية طالما آثارت عند المفسرين نقاشات لإبراز المعاني الأولى، والمعاني الثانية، لا بل والمعنى الكامن في سياق النص، فقال ابن قتيبة: " معاد الرجل بلده، لانه يتصرف في البلاد، ثُمَّ يعود إليه. وفي الآية تقديم وتاخير، والمعنى أن الذي فرض عليك القرآن، أي: جعلك نبياً، ينزل عليك القرآن، وما كنت ترجو قبل ذلك أن تكون نبياً يوحى اليك الكتاب، لرادك إلى مكة ظاهراً

قاهراً " ((2)) .

وهو تأويل معنوي يشعر بإحساس ابن قتيبة بتحليل المضمون بدلالة الفظ، بينما يقرر مفسر من المحدثين في توجيهه للمعنى أنه: " اختلفت الآراء في هذا المعاد الذي تقرره الآية الكريمة، فقال قوم: أي إلى وطنك مكة.

وقال قوم: أي إلى يوم القيامة.

وعزز الرأي الاول ما تلاها من قوله تعالى: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} ((3)) ، فإن السياق مشعر بالرأي الاول " ((4)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.

(2)

تَأوِيل مُشْكِل القُرْآن. ابن قتيبة أبو مُحَمَّد عَبْد الله بن مسلم. ت 276. الطبعة الثالثة. تحقيق: أحمد صقر. المكتبة العلمية. المدينة المنورة. 1981 م.: ص 425.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.

(4)

مكامن العرفان في تفسير الَقُرْآن. الشيخ حازم عَبْد الله. الطبعة الأولى. الدار الإسلامية، بيروت، لبنان. 1995 م: 4 / 266-267.

ص: 58

وهكذا يستبين لنا أن آفاق النص المفتوح توجه المعاني في تأويله، ومثل ذلك قوله تعالى فيها:{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} ((1)) ، وهي آية صيغت صياغة جميلة ذات دلالة على ما يرضي الله عزوجل، غير أن كلمة {الْفَرِحِينَ} تفتح أبواباً لتفسيرها وتأويلها بين كونها على الحقيقة، أو على المجاز. فقال مجاهد:" يعني المبذخين الأشرين البطرين الذين لايشكرون الله فيما أعطاهم "((2)) ، فأول الفرحين بمن هذه صفتهم، ولا ريب في أن توجيه هذا التأويل يتطلب أن يكون قد تم نقله من المعنى الحقيقي الذي هو كل فرح ضمن سياق الفرح الانساني. الى المعنى المجازي، الذي هو: الفرح، كل من أوتي نعمة فكفرها وجحدها وفرح بكفره وجحوده في الدنيا، أو بمعنى آخر هو أن مجازية معنى (الفرح) انتقلت إلى حال من نهي عن الفرح بما أوتي في الدنيا، ولم يحبه الله سبحانه وتعالى.

فيتوجه المعنى في ذلك إلى سياق جديد مجازي، وهو ما تنبه عليه بعض الدارسين للنص القرآني، فقال: " الفرح مفهوم مجازي حقيقته السرور، ومجازه الحب الدنيوي، والأطمئنان لها، وفي سورة القصص جاء قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} ((3)) .

وفسرت كلمة {الْفَرِحِينَ} بمعنىالكفار، فنقلت إلى المجاز، ولا ريب أن نقل الكلمة من الحقيقة إلى المجاز لا يتم الا بقرينة صارفة " ((4)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 76.

(2)

تفسير مجاهد. مجاهد بن جبر المخزومي التابعي أبو الحجاج. (21 ـ 104) . تحقيق: عَبْد الرَّحْمَن الطاهر مُحَمَّد السورتي. المنشورات العلمية. بيروت. (د. ت) : ص490.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 76.

(4)

الألفاظ الَقُرْآنية بين الحقيقة والمجاز. دراسة نقدية. عَبْد الله إمام عَبْد الله. الطبعة الأولى. مطبعة الرحمة. القاهرة. 1991 م: ص 322 –323.

ص: 59

ونحن نعتقد أن الأسلوب القرآني في سورة القصص من أولها إلى أخرها جاء في شكل من أشكال التعبير الإنسيابي الذي فتح المعنى الكامن في سياق الألفاظ؛ ليتوجه تأويل قدماء المفسرين ومحدثيهم، فالمعنى في سورة القصص يجري في شكل يأخذ بمجامع القلوب.

وقد تنبه دارسو الأسلوب القرآني على حقيقة ذلك، وقرروا أن نص آيات سورة القصص في أسلوبه يحمل من أوجه الإعجاز ما يفتح المعاني لتنساب انسياباً وفق البناء اللغوي المعنوي ((1)) .

وقد وجدنا أثناء التحليل الشمولي لسورة القصص أن في ضمن آياتها معاني لا تتأتى من مجرد القراءة الأولى ولا الثانية، بل تحتاج إلى قراءات وقراءات ليتفتح للعقل من إعادة استقرائها استنباط إشارات النص وهو أمر يمس توجيه المعنى يحبث يكون متواصلاً ومترابطاً معه، ولا بأس باستعراض نموذج سوى ما قدمناه في استعراضنا للنماذج الأخرى المنتقاة من سورة القصص، قال تعالى:{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ((2)) .

فإن سياق الآية في توجيهها المعنوي يختلف عن آيات أخرى جاءت بالمعنى نفسه في مواضع أخرى من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى:{وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} ((3)) ، وقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} ((4)) .

(1) ينظر دراسات في أساليب القرآن الكريم. مُحَمَّد عبد الخالق عظيمة. الطبعة الثالثة. مَكْتَبَة الخانجي بالقاهرة. 1986 م: 5 / 351.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 68.

(3)

سُوْرَة النَّحْلِ: الآية 8.

(4)

سُوْرَة الرَّعْدِ: الآية 16. سُوْرَة الزُّمَرِ: الآية 62.

ص: 60