الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا ـ إذا كلف والي أمر المسلمين أحداً بمهمة ما، أو أسند إليه مسؤولية ما، لا ضير عليه أن يطلب إشراك غيره معه في المهمة إذا كانت نيته خالصة لله، ويريد الإخلاص والنجاح في مهمته، حتَّى ولو كان ذلك المستعان به أخوه، أو ابنه، إذا كان ينطبق عليه الشرط السابق للعمل {إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} ((1)) ، وشرط أن يكون العمل المكلف به مما يرضي الله أولاً.
ثانياً ـ وكذلك على المكلف بواجب أو مهمة أن يبين لمن كلّفه ويصارحه بكل شيء يمكن أن يفسد عليه مهمته ويقترح ما يعتقده كافٍ في إزالة هذه العوائق {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي * وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي} وقد أجابه الله تعالى بإرسال هارون معه إلى فرعون وملائه ((2)) .
المطلب الرابع: المقارنة بين سورة النمل وسورة القصص
من خلال الآيات الخاصة ببعثة
سيدنا موسى (عليه السلام)
سورة النمل
سورة القصص
إِنِّي آنَسْتُ نَارًا
------
سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ
أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ
فَلَمَّا جَاءَهَا
نُودِيَ أَنْ بُورِكَ
وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
يَامُوسَى
إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
وَأَلْقِ عَصَاكَ
يَا مُوسَى لا تَخَفْ
إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ
إِلَاّ مَنْ ظَلَمَ
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ
فِي تِسْعِ آيَاتٍ
-------
إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ
آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا
امْكُثُوا
لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ
أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ
فَلَمَّا أَتَاهَا
نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 26.
(2)
ينظر المستفاد من قصص القران: 1/ 373.
------
أَنْ يَامُوسَى
إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ
يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ
إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ
------
اسْلُكْ يَدَكَ
فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ
وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ
من خلال استعرضنا لقصة سيدنا موسى (عليه السلام) في القران الكريم نلاحظ أنها ذكرت مرات عديدة وبصيغ مختلفة، وقد تكلمنا في الفصل التمهيدي عن فوائد وأغراض التكرار في القصة القرآنية، وسنتكلم الآن عن الأوجه المناسبة والاختلاف في بعض الألفاظ بين سورتي النمل والقصص فيما يخص بعثة سيدنا موسى (عليه السلام) ، فقد لا حظنا هناك اختلاف في الزيادة والنقصان في بعض الكلمات، وسنبين أسباب هذا الاختلاف وماذا يعني ذلك.
فكما نعرف أن سورة القصص قد استوعبت تقريباً كل مراحل حياة سيدنا موسى (عليه السلام) تقريباً ابتداء من اللحظات التي سبقت ولادته إلى بعثته وما بعدها من أحداث، أما ما ورد في سورة النمل فلم يكن بهذا التوسع، وورد بصورة مجملة.
وقد درسها الدكتور فاضل صالح السامرائي بالتفصيل في كتابه لمسات بيانية في نصوص من التنزيل ((1)) . وفيما يأتي بعض من هذه المقومات:
قال تعالى في سورة النمل {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} وقال في سورة القصص: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ} . في سورة القصص زاد {مِنْ جَانِبِ الطُّورِ} ، وذلك لمقام التفصيل الذي بنيت عليه القصة في سورة القصص.
قال في سورة النمل: {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} وقال في سورة القصص: {قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} بزيادة {امْكُثُوا} وذلك لمقام التفصيل في سورة القصص أيضاً.
(1) لسمات بيانية في نصوص من التنزيل: ص 69- 86
قال في سورة النمل: {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} ، وقال في القصص:
{لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} ، فبنى الكلام في سورة النمل على القطع
{سَآتِيكُمْ} وفي القصص {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} إن مقام الخوف في القصص لم يدعه يقطع بالأمر، فإن الخائف لا يستطيع القطع بما سيفعل بخلاف الأمن، ولما لم يذكر الخوف في سورة النمل بناه على الوثوق والقطع بالأمر.
إن الترجي من سمات سورة القصص، والقطع من سمات سورة النمل واليك الشواهد.
قال تعالى: {عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ((1)) وهو ترجي
{عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} ((2)) وهو ترج أيضاً.
{لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} ((3)) .
{لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} ((4)) .
{لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} ((5)) .
{لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((6)) .
{فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ} ((7)) .
وقال: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ((8)) .
أما سورة النمل لم يرد ترجي إلا في موطنين وهما:
قوله: {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} ((9)) .
وقوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} ((10)) .
فناسب الترجي ما ورد في القصص، وناسب القطع واليقين ما ورد في سورة النمل.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 9.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 22.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 29.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 29.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 38.
(6)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 43، 46، 51.
(7)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 67.
(8)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 73.
(9)
سُوْرَة النَّمْلِ: الآية 7.
(10)
سُوْرَة النَّمْلِ: الآية 46.
وكذلك كرر فعل الإتيان في سورة النمل فقال: {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ} ، ولم يكرر في القصص بل قال:{لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ} ، فأكد الإتيان في سورة النمل لقوة يقينه في حين لم يكرر فعل الإتيان في القصص مناسبة لجو الخوف.
قال في سورة النمل: {أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} وقال في القصص: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} . فذكر في سورة النمل أنه يأتيهم بشهاب قبس والشهاب هو شعلة من النار ساطعة ومعنى (القبس) : شعلة نار تقتبس من معظم النار. (والجذوة) العود الغليظ في رأسه نار (1)، والشهاب الشعلة والقبس: النار المقبوسة ((2)) .
أولا: المجيء بالشهاب أحسن من المجيء بالجمرة، لأن الشهاب يدفئ أكثر من الجمرة لما فيها من اللهب الساطع، كما أنه ينفع في الاستنارة أيضاً، فهو أحسن من الجذوة في الاستضاءة والدفء.
وثانياً: إنه سيأتي بالشهاب مقبوساً من النار، وليس مختلساً أو محمولاً منها، لأن الشهاب يكون مقبوساً وغير مقبوس ((3)) ، وهذا أدل على القوة والثبات، لأن معناه أنه سيذهب إلى النار ويقبس منها شعلة ساطعة، أما في القصص فقد ذكر أنه ربما أتى بجمرة من النار ولم يقل إنه سيقتبسها منها، ولا شك أن الحالة الأولى أكمل لما فيها من زيادة دفع كل تعبير في موطنه اللائق به، ففي موطن الخوف ذكر الجمرة، وفي غير موطن الخوف ذكر الشهاب القبس.
(1) الكشاف 3/ 244
(2)
الكشاف 3/ 137
(3)
ينظر: الكَشَّاف: 3 /137. البحر المحيط: 7/55.
قال في سورة النمل: {فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ} ، وقال في القصص:{فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي} ، وقد فرق الراغب بين المجيء والإتيان فقال:" المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعم لأن الإتيان مجيء بسهولة، والإتيان قد يقال باعتبار القصد وأن لم يكن منه الحصول، والمجيء يقال اعتباراً بالحصول "((1)) ، فإن ما قطعه موسى على نفسه في سورة النمل أصعب مما في سورة القصص، فقد قطع على نفسه أن يأتيهم بخبر أو بشهاب قبس، في حين ترجى ذلك في القصص، والقطع أشق وأصعب من الترجي، وغالباً ما يستعمل القران الكريم المجيء لما فيه صعوبة ومشقة ((2)) .
ذكر في القصص جهة النداء {نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ} ، ولم يذكر الجهة في سورة النمل، وذلك لأن موطن القصص موطن تفصيل وموطن النمل موطن إيجاز.
قال في سورة النمل: {نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . وقال في القصص: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} . قال الرازي: " ولا منافاة بين هذه الأشياء فهو تعالى ذكر الكل، إلا أنه حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء "((3)) ، ولأن الموقف في سورة النمل موقف تعظيم.
(1) معجم مفردات ألفاظ القران: ص 120.
(2)
ينظر: لمسات بيانية في نصوص من التنزيل. د. فاضل صالح السامرائي. الطبعة الأولى. دار الشؤون الثقافية العامة. بغداد. 1999 م: ص 74 - 80.
(3)
مفاتيح الغيب: 12/ 425. البحر المحيط: 7/ 117.
قال في سورة النمل: {يَا مُوسَى} ، وقال في القصص:{أَنْ يَا مُوسَى} ، فجيء بـ (أن) المفسرة، وذلك لأن المقام في سورة النمل مقام تعظيم لله سبحانه وتعالى وتكريم لموسى فشرفه بالنداء المباشر، في حين ليس المقام كذلك في القصص، فجاء بما يفسر الكلام، أي: ناديناه بنحو هذا، أو بما هذا معناه ((1)) .
قال في سورة النمل: {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، وقال في القصص:{إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، فجيء بضمير الشان الدال على التعظيم في آية النمل (إِنَّهُ أَنَا) ، ولم يأت به في القصص، ثم جاء باسميه الكريمين (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في سورة النمل زيادة في التعظيم.
قال في سورة النمل: {وَأَلْقِ عَصَاكَ} ، وقال في القصص:{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} ، فجيء بـ (أن) المفسرة أو المصدرية، ويقال فيها مثل ما قيل في الفقرة العاشرة من النمل {يَا مُوسَى} ، وفي القصص {أَنْ يَا مُوسَى} .
قال في سورة النمل: {يَا مُوسَى لَا تَخَفْ} . وقال في القصص: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ} بزيادة {أَقْبِلْ} ، وذلك أن مقام الإيجاز في سورة النمل يستدعي عدم الإطالة، ولأن شيوع جو الخوف في القصص يدل على إيغال موسى في الهرب، فدعاه إلى الإقبال وعدم الخوف ((2)) .
قال في سورة النمل: {إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} ، وقال في القصص:{إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ} ، وذلك أن المقام في سورة القصص مقام الخوف، والخوف يحتاج إلى الأمن، فأمنه قائلاً:{إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ} ، وأما في سورة النمل فالمقام مقام تكريم وتشريف. فقال:{إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} ((3)) .
(1) لمسات بيانية: ص 80.
(2)
المصدر نفسه: ص 80.
(3)
لمسات بيانية: ص 83.
قال في القصص: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ} ، ولم يذكر مثل ذلك في سورة النمل، والرهب هو الخوف، وهو مناسب لجو الخوف الذي تردد في القصة، ومناسب لجو التفصيل فيها ((1)) .
يقول الباحث: بعد هذا العرض لأوجه الاختلاف بين هذين النصين يمكن أن نقول أن ذلك يعود إلى ثلاثة أسباب:
السبب الأول ـ هو أن سورة القصص جاءت مفصلة استوعبت كلّ جوانب حياة سيدنا موسى تقريباً، بينما وردت هذه القصة بصورة مجملة في سورة النمل، فكان ذلك سبباً من أسباب الاختلاف.
السبب الثاني ـ طابع الخوف الذي كان سمة من سمات سوره القصص فكان سبباً أخراً من أسباب الاختلاف.
السبب الثالث ـ إن المقام في سورة النمل مقام تكريم لسيدنا موسى (عليه السلام) أوضح مما هو في القصص ((2)) .
ففي سورة القصص كان جو القصة مطبوعاً بطابع الخوف، وفيما يأتي جرد لعبارات الخوف التي جاءت في سُوْرَة الْقَصَصِ:
فقد خافت أم موسى (عليه السلام) على ولدها من فرعون وملائه قال تعالى:
ومن شدة الخوف اصبح فؤادها فارغاً من الحزن قال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} ((4)) .
خوفه بعد قتل القبطي: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} ((5)) .
وبعد خروجه من مصر قال تعالى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} ((6)) .
(1) المصدر نفسه: ص 83.
(2)
المصدر نفسه: ص 70.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 10.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 18.
(6)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 21.