الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: موقف المشركين من دعوته (صلى الله عليه وسلم
-)
المطلب الأول: أعذار المشركين والرد عليها
المناسبة
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 57 -61.
قال البقاعي: " ولما عجب من حال قريش في طلبهم من الآيات مثل ما أوتي موسى (عليه السلام) ، ثُمَّ كفرهم به، وبما هو أعظم منه، وختم بِأَنَّهُ أعلم بأهل الخير وأهل الشرّ إلى الإعراض عن الأسف على أحد، والإقبال على عموم الدعاء للقريب والبعيد على حد سواء، قال دليلاً لأنهم إنما يتبعون أهوائهم عاطفاً على قولهم: {لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} ((1)) ، {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} ((2)) ، كان الرد بقوله تعالى: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} "((3)) . ومناسبة هذه الآيات على موقعها أنها جاءت لبيان حال قريش في كفرهم برسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وكيف أن الله بين تفاهة حججهم بعد تعداد نعمه عليهم.
ثُمَّ دعتهم الآيات إلى الاعتبار بإهلاك الله للأمم السابقة لأنهم تنكروا لنعم الله، وبطروا بها، فنلاحظ كيف أن الآيات جاءت متناسقة متناسبة فيما بينها، ولتعطي القارئ صورة لعناد قريش، ثُمَّ تربطه بما جرى للأمم السابقة لغرض العبرة والعظة، ولكي يستمر الاتعاض بها في كلّ زمان ومكان من خلال نبذها للدنيا، وتذكير الإنسان بأن ما عند الله خير وأبقى ((4)) .
أسباب النزول
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 48.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 57.
(3)
نظم الدرر: 5 /502.
(4)
ينظر مُحَمَّد والقوى المضادة. مُحَمَّد أحمد خلف الله. الطبعة الثالثة. القاهرة. 1982 م: ص 42 –143.
نقل الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الحارث بن نوفل الذي قال {إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} . وقال أيضاً: قد علمنا أنك رسول الله، ولكن نخاف أن نتخطف من أرضنا، فقال تعالى:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا} ((1)) .
ونقل الزمخشري " عن الزجاج إجماع المسلمون أنها نزلت في أبي طالب، وذلك أن أبا طالب قال عند موته: يا معشر بني هاشم أطيعوا محمد أو صدقوه، تفلحوا وترشدوا، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : يا عم تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك؟ قال: فما تريد يا ابن أخي؟ قال: أريد منك كلمة واحدة، فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا أن تقول: لا اله ألا الله أشهد لك بها عند الله، قال: يا ابن أخي قد علمت أنك لصادق، ولكن أكره أن يقال: خرع عند الموت، ولولا أن تكون عليك وعلى بني أبيك غضاضة ومسبة بعدي لقلتها، ولأقررت بها عينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ولكني سوف أموت على ملة الأشياخ عبد المطلب، وهاشم، وعبد مناف.
قالت قريش ـ وقيل: إن القائل الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف ـ نحن نعلم أنك على الحق، ولكن نخاف أن اتبعناك وخالفنا العرب بذلك وإنما نحن أكلة راس ـ أي: قليلون ـ يتخطفونا من أرضنا " ((2)) .
وجاء في بيان نزول قول تعالى: {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ}
والتي اختلف أهل التأويل فيمن نزلت هذه الآية؟
قال مجاهد: نزلت في النبي (صلى الله عليه وسلم) وفي أبي جهل بن هشام.
(1) جامع البيان: 10 /89. لُبَاب التَأَوْيِل: 3 /437. أسباب النزول (السيوطي) : ص 306.
(2)
جامع البيان: 21 /139. الكَشَّاف: 3 /185.
وعن مجاهد أنها نزلت في حمزة، وعلي بن أبي طالب، وأبي جهل ((1)) .
وقيل: نزلت في عمار، وفي الوليد بن المغيرة ((2)) .
والذي أرجحه جمعاً بين الروايات أنها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن معه ـ رضوان الله عليهم ـ وفي قريش ومن معهم من الكافرين أخذاً لظاهر المعنى وتوجيههاً للقراءات المختلفة فيه.
تحليل الألفاظ
1.
{نُتَخَطَّفْ} :
" الخَطْفُ: الإِسْتِلابُ، وقيل: الخَطْفُ الأَخْذُ في سُرْعةٍ واسْتِلابٍ. خَطِفَه، بالكسر، يَخْطَفُه خَطْفاً، بالفتح، وهي اللغة الجيّدة، وفيه لغة أُخرى حكاها الأَخفش: خَطَفَ، بالفتح، يَخْطِفُ بالكسر، وهي قليلة رديئة لا تكاد تعرف: اجّتَذَبه بسُرْعة "((3)) .
وقال الراغب الأصفهاني: " الخطف والاختطاف: الاختلاس بالسرعة، يقال: خَطِفَ يَخْطِف، وخَطَف يَخْطَف، وقرئ بهما جميعاً "((4)) .
2.
{نُمَكِّنْ} :
المَكْنُ والمَكِنُ: بيضُ الضَّبَّةِ والجَرَادة ونحوهما واحدته مَكْنةٌ. ومَكِنة، بكسر الكاف. وقد مَكِنَتِ الضَّبَّةُ وهي مَكُونٌ وأَمْكَنتْ وهي مُمْكِنٌ إِذا جمعت البيض في جوفها، والمكنة التمكن، تقول العرب: إِن بني فلان لذوو مَكِنةٍ من السلطان أَي تَمكُّنٍ. قال ابن بري: لا يصح أَن يقال في المَكِنة إِنه المكان إلا على التَّوَسُّع لأن المكنّة إنما هي بمعنى التمكن.
(1) جامع البيان: 10 /91 –92.
(2)
مجمع البيان: 7 /261.
(3)
لِسَان العَرَب: مَادة (خطف) 9 /57.
(4)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 152.
والطَّلِبَة بمعنى التَّطَلُّبِ والتَّبِعَةِ بمعنى التَّتُّبع. يقال: إِنَّ فلاناً لذو مَكِنةٍ من السلطان، فسمي موضع الطير مَكِنةً لتَمكُّنه، والمَكانةُ المَنْزلة عند الملك. وقال أبو منصور: المكان والمكانة واحد. قال ابن سيده: تَمَكَّنَ من الشيء واستمكن: ظفر ((1)) .
3.
{يُجْبَى} :
جَبَى الخراجَ والماء والحوضَ يَجْبَاهُ ويَجْبِيه: جَمَعَه. جَبَيْتُ الماء في الحوض وجَبَوْته والجابي: الذي يجمع الماء للإبل. والجِباوةً اسم الماء المجموع، والجبا بالفتح الحوض الذي يجبى فيه الماء ((2)) .
قال الراغب الأصفهاني: جبيت الماء في الحوض: جمعته، والحوض الجامع له: جابية، وجمعها جواب. ومنه استعير: جبيت الخراج جباية على طريق الاصطفاء ((3)) .
4.
{بَطِرَتْ} :
البَطَرُ: النشاط، وقيل: التبختر، وقيل: قلة احتمال النِّعمة، وقيل: الدَّهَشُ والحَيْرَةُ. وقيل: البَطَرُ الطُّغيان في النِّعْمَة. وقيل: هو كراهة الشيء من غير أَن يستحق الكراهية. بَطِرَ بَطَراً، فهو بَطِرٌ. والبَطَرُ: الأَشَر، وهو شدّة المَرَح. وبَطِرَ النِّعْمَةَ بَطَراً، فهو بَطِرٌ: لم يشكرها ((4)) .
وقال الراغب الأصفهاني: " البطر: دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها، وصرفها إلى غير وجهها "((5)) .
5.
{مُهْلِكَ} :
الهَلْكُ: الهلاك. هَلَكَ يَهْلِكُ هُلْكاً وهَلْكاً وهَلاكاً: مات. واستعمل أبو حنيفة الهلكة في جفوف النبات ((6)) .
(1) ينظر لِسَان العَرَب: مَادة (مكن) 13 /412 –413.
(2)
ينظر لِسَان العَرَب: مَادة (جبي) 14 /129 –131.
(3)
ينظر معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 85.
(4)
ينظر لِسَان العَرَب: مَادة (بطر) 4 /68 –69.
(5)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 48.
(6)
ينظر لِسَان العَرَب: مَادة (هلك) 10 /503.
وقال الراغب الأصفهاني: " الهلاك على أربعة أوجه:
افتقاد الشيء عنك، وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى:{هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} ((1)) .
وهلاك الشيء باستحالة وفساد، كقوله:{وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} ((2)) .
والثالث: الموت، كقوله:{إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ} ((3)) .
بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا، وذلك المسمى فناء المشار إليه بقوله:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَا وَجْهَهُ} ((4)) ، ويقال للعذاب والخوف والفقر: الهلاك ((5)) .
6.
{الْمُحْضَرِينَ} :
الحُضُورُ: نقيض المَغيب والغَيْبةِ؛ حَضَرَ يَحْضُرُ حُضُوراً وحِضارَةً؛ وقال الجوهري: حَضْرَةُ الرجل قُرْبهُ وفِناؤه. وقال الأَزهري: الحَضْرَةُ قُرْبُ الشيء، تقول: كنتُ بِحَضْرَةِ الدار، أي: بقربه ((6)) .
القراءات القرآنية
1.
{الْهُدَى} :
قرأها بالإمالة حمزة، والكسائي، وورش ((7)) .
2.
{نُتَخَطَّفْ} :
قرأ المنقري: (نُتَخَطَّفُ) برفع الفاء ((8)) .
3.
{يُجْبَى} :
قرأ نافع، وعاصم، وأبو جعفر:(تُجْبَى) بتاء التأنيث، وقرأ الباقون بالياء، وحجة من قرأ بتاء التأنيث (الثمرات) ، وحجة من قرأ بالياء أنه فرق بين المؤنث وفعله بـ (إليه) لأنه تأنيث غير حقيقي، ولأن معنى الثمرات الرزق، فحمل على المعنى فَذُكِّر ((9)) .
4.
{ثَمَرَاتُ} :
(1) سُوْرَة الحَاقَّة: الآية 29.
(2)
سُوْرَة البَقَرَةِ: الآية 205.
(3)
سُوْرَة النِّسَاءِ: الآية 176.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 88.
(5)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 542- 543.
(6)
ينظر لِسَان العَرَب: مَادة (حضر) 4 /196 –197.
(7)
غيث النفع: ص 317.
(8)
البَحْر المُحِيْط: 7 /129.
(9)
الحجة في علل القراءات: 5 /424. الكشف عن وجوه القراءات: 2 /175.