المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ١

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: التمهيدي

- ‌المبحث الأول: دراسة عامة عن السّورة

- ‌المطلب الأول: اسمها

- ‌المطلب الثاني: التعريف اللغوي والاصطلاحي للقصص

- ‌المطلب الثالث ترتيب سورة القصص في المصحف

- ‌المطلب الرابع فضلها

- ‌المطلب الخامس: سورة القصص أمكية هي أم مدنية

- ‌المطلب السادس: الأغراض العامة لسورة القصص ومقاصدها

- ‌المطلب السابع: التناسب والتناسق بين سورة القصص وما قبلها وما بعدها

- ‌المطلب الثامن: التناسب بين بداية السورة وخاتمتها

- ‌المبحث الثاني: الحروف المقطعة في الَقُرْآن الكَرِيم وسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في معاني الحروف المقطعة

- ‌المطلب الثاني: إعراب الحروف المقطعة

- ‌المبحث الثالث: شبه وجود الأساطير والتكرار في القصة القرآنية والرد عليها

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة القائلين بوجود الأساطير والتكرار في القرآن الكريم والرد عليهم

- ‌المطلب الثاني: قضية التكرار

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من التكرار

- ‌المطلب الرابع: فوائد القصص القرآني

- ‌الفصل الثاني: وقفات بين يدي السّورة

- ‌المبحث الأول: نظرات توجيهية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

- ‌المطلب الثاني: توجيه الآيات التي أشكل إعرابها

- ‌المطلب الثالث: التوجيه المضموني في سورة القصص ودلالاته

- ‌المطلب الرابع: التوجيه البياني التفسيري في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الخامس: الصورة البلاغية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السادس: الحكمة من استخدام الجمل والصيغ والعبارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السابع: الرسم الَقُرْآني في سُوْرَة الْقَصَصِ وعلاقته بأداء المعنى

- ‌المبحث الثاني: الأطر العامة لسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: دلالة التوحيد في سورة القصص

- ‌المطلب الثاني: المرأة في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: الزمن في سورة القصص

- ‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: النظرة القرآنية لليهود في سورة القصص

- ‌المطلب السادس: المال مفهومه وغاياته في سورة القصص

- ‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

- ‌المطلب الثامن: النظرة القرآنية للإنسان في سورة القصص

- ‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

- ‌الفصل الثالث: الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: مفهوم الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: علو فرعون في الأرض

- ‌المطلب الثاني: نصرة المستضعَفين

- ‌المبحث الثاني: الاستعلاء والطغيان بالثروة والمال

- ‌المطلب الأول: قارون وكنوزه

- ‌المطلب الثاني: تجبر قارون واستكباره

- ‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

- ‌الفصل الرابع: نشأة سيدنا موسى عليه السلام والظروف المحيطة به

- ‌المبحث الأول: ولادة سيدنا موسى عليه السلام

- ‌المطلب الأول: إلقاء سيدنا موسى (عليه السلام) في اليم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى في بيت فرعون

- ‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) في مرحلة البلوغ

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يهبه الله الحكم والعلم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) يقتل قبطياً خطأً

- ‌المطلب الثالث: فرعون يريد قتل موسى (عليه السلام) لقتله القبطي

- ‌الفصل الخامس: هجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المبحث الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) على ماء مدين

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يسقي الماء لبنات شعيب (عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: زواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: المسائل الفقهية المتعلقة بهجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المطلب الأول: المسائل المتعلقة بزواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌أولاً ـ تعريفه وألفاظه ومسائله:

- ‌ثانياً ـ ألفاظ عقد النكاح (الإيجاب ـ القبول)

- ‌ثالثاً ـ مسائله:

- ‌المسألة الأولى - الإشهاد على عقد الزواج

- ‌المسألة الثانية - الولاية في عقد الزواج

- ‌المسألة الثالثة - تعين الزوجة

- ‌المسألة الرابعة - المهر

- ‌المسألة الخامسة - مسألة الدخول قبل النقد

- ‌المسألة السادسة - اشتراط الولي شيئاً من المهر لنفسه

- ‌المطلب الثاني: الإجارة

- ‌تعريفها، وأركانها، ودليل مشروعيتها، والمسائل المتعلقة بها

- ‌المسألة الأولى: ذكر المدة دون ذكر الخدمة

- ‌المسألة الثانية: الإجارة على رعاية الغنم

- ‌المسالة الثالثة: اجتماع إجارة ونكاح

- ‌المسالة الرابعة: شبهات وردها

- ‌الفصل السادس: عودة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مصر

- ‌المبحث الأول: بعثة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌‌‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الثاني: تكليم الله لسيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

- ‌المطلب الرابع: المقارنة بين سورة النمل وسورة القصص

- ‌المبحث الثاني: موقف فرعون وقومه من دعوة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الأول: اتهام سيدنا موسى بالسحر

- ‌المطلب الثاني: ادعاء فرعون الألوهية وتكبره وملؤه في الأرض

- ‌المطلب الثالث: عاقبة فرعون وجنوده

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرواية التوراتية وسفر الخروج وبين الرواية القرآنية في سُوْرَة الْقَصَصِ لقصة موسى (عليه السلام

- ‌الفصل السابع: الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ودعوته في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: الدلائل الَقُرْآنية على صدق الرَّسُول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) في دعوته

- ‌المطلب الأول: دلالة قصة سيدنا موسى (عليه السلام) على صدق دعوة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: إيمان طوائف من أهل الكتاب بدعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: الهداية البيانية والهداية التوفيقية

- ‌المبحث الثاني: موقف المشركين من دعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: أعذار المشركين والرد عليها

الفصل: ‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

ودلت الآية على أنه لا بأس للداعية أن يحذر ما يعتقد أنه يمنعه من تنفيذ مهمته {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي} . والمعنى أخاف أن يذكروا قتلي القبطي فيقتلوني، فأراد ان يكون في أمن إلهي من أعدائه، فهذا تعريض بالدعاء ومقدمة لطلب تأييده لهارون أخيه ((1)) .

‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

-)

{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} ((2)) .

المناسبة

لما أمر الله جل وعلا سيدنا موسى (عليه السلام) في الآيات السابقات بالتوجه إلى فرعون وملأه ودعوتهم إلى عبادة الله وحده وزوده بالمعجزات المناسبة لزمن فرعون وما اشتهروا به من السحر، وذلك بقلب العصا حية، وخروج اليد بيضاء من غير سوء، عرض سيدنا موسى بالدعاء من الله بأن يحميه من أعدائه، ويكون بمأمن منهم، ومقدمة لطلب تأييده بهارون أخيه {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي} ((3)) ، ولما تسبب عن ذلك طلب الإعانة بشخص فيه كفاية وله عليه شفقة، وكان أخوه هارون أحق الناس بهذا الوصف، كان التقدير فأرسل معي أخي هارون، الخ.

(1) التحرير والتنوير: 20 /115.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 34 - 35.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 33.

ص: 419

غير أنه قدم ذكره اهتماماً بشأنه فقال: {وَأَخِي هَارُونُ} ، أي: إنه يخاف أن يفوت مقصود الرسالة، إما بقتله، أو لعدم بيانه، فاكتفى بالتلويح في الكفاية من الأول لأنه لا طاقة لأحد غير الله بها، وصرح بما يكفي من الثانية، فكان التقدير: إني أخاف أن يقتلوني فيفوت المقصود ولا يحمني من ذلك إلا أنت، وأن لساني فيه عقده وأخي هارون

الخ. وزاده في تعظيمه بضمير الفصل فقال: {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} ، فنلاحظ هنا وجه أخر من وجوه الإعجاز في الآيات القرآنية هو التناسق والتناسب، فكل حرف وضع بعناية ليؤدي غرضاً بعينة بحيث لو وضعنا غيره لما أعطى المعنى المراد. وشاهدنا ترابط الآيات فيما بينها، وترابط الحروف مع بعضها.

تحليل الألفاظ

1.

{أَفْصَحُ} :

الفصاحة: البيان فَصَحَ الرجل فَصَاحَةً فهو فَصِيْح من قوم فُصَحَاء وفِصاح وفُصَح وامرأة فَصِيحة من نسوة فِصاح وفَصَائِح. وتقول: رجل فَصِيح، وكلام فَصِيح، أي: بليغ، ولسان فَصِيح، أي: طلق ((1)) .

2.

{رِدْءاً} :

رِدْأ رَدْأ الشي بالشيء، جعله له رِدْءاً.

وأَرَدَأَهُ: أعانه وترادأ القوم: تعاونوا، وأرْدَأتُه بنفسي إذا كنت له رِدْءاً، وهو العون، وفلان رِدْءٌ لفلان، أي: ينصره ويشد ظهره ((2)) .

3.

{عَضُدَكَ} :

(1) لِسَان العَرَب: مَادة (فصح) 2/ 544.

(2)

لِسَان العَرَب: مَادة (ردء) 1/ 84.

ص: 420

العُضُدُ والعَضِدُ والعَضُدُ من الإنسان وغيره الساعد، وهو ما بين المرفق إلى الكتف، والكلام الأكثر العَضُدُ والعَضُدُ: القوة، لأن الإنسان إنما يَقْوي بعَضُدِهِ فسميت القوة به. وقال الزجاج في معنى قوله تعالى:{سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} ، أي: سنعينك بأخيك. وكل معين فهو عَضُد ((1)) .

القراءات القرآنية

1.

{رِدْءاً} :

هذه قراءة الجمهور. وقرأ نافع، والمدنيان بحذف الهمزة، ونقل حركتها إلى الدال (رِدًاً) والمشهور عن أبى جعفر بالنقل ولا همز ولا تنوين، ووجهه أنه أجرى الوصل مجرى الوقف ((2)) .

2.

{يُصَدِّقُنِي} :

قرأ عاصم، وحمزة بضم القاف فاحتمل الصفة لـ (ردأ) ، والحال احتمل الاستئناف. وقرأ الكسائي، وابن عامر، وأبو عمرو، وابن كثير، ونافع، وأبو جعفر، وخلف، ويعقوب بالإسكان:(يُصَدِّقْنِي) . وقرأ أبي، وزيد بن علي:

(يُصَدِّقُوْنِي) والضمير لفرعون وقومه. وقال ابن خالويه: هذا شاهد لمن جزم لأنه لو كان رفعاً لقال: يصدقونني ((3)) .

3.

{إِنِّي أَخَافُ} :

قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر:(إنِّيَّ)((4)) .

4.

{يُكَذِّبُونِي} :

قرأ يعقوب وصلاً (يكذبوني)((5)) .

5.

{عَضُدَكَ} :

(1) لِسَان العَرَب: مَادة (عضد) 3/ 292- 293.

(2)

ينظر الكشاف: 3/ 176. البحر المحيط: 7/ 118. إتحاف فضلاء البشر: ص 342. غيث النفع: ص 316.

(3)

ينظر السبعة في القراءات: ص 494. التيسير في القراءات السبع: ص 171. الكشاف: 3/ 176. البحر المحيط: 7/ 118.

(4)

النشر في القراءات العشر: 2/ 242. الكشف عن وجوه القراءات: 2 /176. غيث النفع: ص 316.

(5)

النشر في القراءات العشر: 2/ 342. إتحاف فضلاء البشر: ص 343.

ص: 421

قرأ الحسن، وعيسى بالفتح:(عَضَدَكَ) . وقرأ زيد بن علي، وقرأ الحسن أيضاً بالضم (عُضُدَك) . وعن الحسن أيضاً بضم العين وإسكان الضاد

(عُضْدُكَ) . وعن بعضهم بفتح العين وكسر الضاد وإسكانها (عَضِدُك، عَضْدُك)((1) .

القضايا البلاغية

1.

الإسناد المجازي في قوله تعالى: {رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} قال الزمخشري: " ليس الغرض بتصديقه أن يقول له صدقت أو يقول للناس صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الحق، ويبسط القول فيه، ويجادل به الكفار كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة، فذلك جار مجرى التصديق المفيد كما يصدق القول بالبرهان، ألا ترى إلى قوله: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي} ، وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك، لا لقوله صدقت، فإن سَحْبَان وبَاقِلاّ يستويان فيه، أو يصل جناح كلامه بالبيان حتى يصدقه الذي يخاف تكذيبه، فأسند التصديق إلى هارون، لأنه السبب فيه إسناداً مجازياً، ومعنى الإسناد المجازي: أن التصديق حقيقة في المصدق، فإسناده إليه حقيقية، وليس في السبب تصديق، ولكن استعير له الإسناد لأنه لابس التصديق بالتسبب كما لابسه الفاعل بالمباشرة، والدليل على ذلك قوله: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي} "((2)) .

2.

الاستعارة التمثيلية في قوله تعالى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ} " شبّه حال موسى (عليه السلام) في تقويته بأخيه بحال اليد في تقويتها بعضد شديد، ويجوز أن يكون هناك مجاز مرسل من باب إطلاق السبب على المسبب بمرتبتين بأن يكون الأصل سنقويك به، ثم نؤيدك، ثم سنشد عضدك به "((3)) .

المعنى العام

(1) ينظر المحتسب: 2 /152. البحر المحيط: 7/ 118.إتحاف فضلاء البشر: ص 343 غيث النفع: ص 316.

(2)

الكَشَّاف: 3 /176.

(3)

محاسن التأويل: 13/ 4706 وينظر الجدول في إعراب القران: 20/ 256- 258.

ص: 422

{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي}

قال: رب إني قتلت من قوم فرعون نفساً فأخاف إن أتيتهم ولم أُبِنْ عن نفسي بحجة أن يقتلوني، لأن ما في لساني من عقدة يحول بيني وبين ما أريد من الكلام، وأخي هارون هو أَفْصَحُ مني لساناً واحسن بياناً فأرسله معي عوناً يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل ويجنب الشبهات ويجادل هؤلاء الجاحدين المعاندين، وإني أخاف أن يكذبوني ولساني لا يطاوعني حين المحاجة، فأجابه سبحانه وتعالى: سنقويك ونعينك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً عظيماً وغلبة على عدوكما، فلا يصلون إليكما بوسيلة من وسائل الغلبة ((1)) .

هل كان سيدنا هارون نبياً:

لقد وردت آيات كثيرة في القران الكريم تؤكد على نبوة هارون (عليه السلام) منها:

قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} ((2)) .

قال تعالى: {وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي} ((3)) ، فإرشاده لهم باتباعه يدل على أنه نبي.

(1) تفسير المراغي: 20/ 57.

(2)

سُوْرَة النِّسَاءِ: الآية 163.

(3)

سُوْرَة (طَه) : الآية 90.

ص: 423

قال تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} ، فهذه الدعوة من سيدنا موسى بأن يرسل إلى أخيه هارون كما أرسله فاستجاب الله لدعائه وأعطاه ما أراد بقوله:{قَالَ كَلَاّ فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} ((1)) .

قال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} ((2)) ، ففي هذه الآية دلالة واضحة على إرسال سيدنا هارون (عليه السلام) .

قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} ((3)) .

{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} ((4)) .

قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} ((5)) .

فقد نقل الرازي أقوال العلماء فيها:

" قال مقاتل: المعنى كي يصدقني فرعون، والمعنى أرسل معي أخي هارون حتى يعاضدني على إظهار الحجة والبيان، فعند اجتماع البرهانين ربما حصل المقصود من تصديق فرعون.

قال السدي: إن نبيين وآيتين أقوى من نبي واحد وآية واحدة.

(1) سُوْرَة الشُّعَرَاءِ: الآية 13-15.

(2)

سُوْرَة المُؤْمِنُوْنَ: الآية 45.

(3)

سُوْرَة مَرْيَمْ: الآية 53.

(4)

سُوْرَة الأنْبِيَاءِ: الآية 48.

(5)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 33- 35.

ص: 424

وقال القاضي: والذي قاله من جهة العادة أقوى، فأما من حيث الدلالة فلا فرق بين معجزة ومعجزتين ونبي ونبيين لأن المبعوث إليه إن نظر في أيهما كان علم وإن لم ينظر فالحالة واحدة، هذا إذا كانت طريقة الدلالة في المعجزتين واحدة، فأما إذا اختلفت وأمكن في أحدهما إزالة الشبه، ما لا يمكن في الأخرى فغير ممتنع أن يختلفا، ويصلح عند ذلك أن يقال: إنها بمجموعها أقوى من إحداهما على ما قاله السدي، لكن ذلك لا يتأتى في موسى وهارون عليهما السلام لأن معجزتهما كانت واحدة لا متغايرة) ((1)) .

والذي أراه:

إنه بعد استعراضنا الآيات القرآنية تبين لنا بما لا يقبل الشك أن سيدنا هارون (عليه السلام) قد كان رسولاً إلى فرعون وملائه وبني إسرائيل، ومن ذلك يتبين لنا حجم المهمة التي اضطلع بها سيدنا موسى وأخيه، فقد أرسله الله إلى ملك متجبر طاغية ضرب به المثل في الظلم والتكبر حتى أداه تكبره إلى ادعاء الربوبية. قال تعالى:{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَا مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ((2)) .

فإن رسالتها رسالة واحدة، قال تعالى في سورة طه:{فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ} ((3)) . وفي الشعراء: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ((4)) . وقال في سورة طه: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ} ((5)) ، ففي هذه الآيات وآيات آخر دلالة على أن مهمتهما كانت مهمة واحدة.

ما يستفاد من النصّ

نستطيع أن نستنبط المعاني الآتية مما مرّ من الآيات القرآنية.

(1) مفاتيح الغيب: 12/ 249- 250.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 38.

(3)

سُوْرَة (طَه) : الآية 47.

(4)

سُوْرَة الشُّعَرَاءِ: الآية 16.

(5)

سُوْرَة (طَه) : الآية 47.

ص: 425