الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجوز في هذه الآية رفع ونصب الوجه، وذلك أن الرفع يكون صفة، والنصب بأداة الاستثناء (إلاّ) ، ودلت الآية على أن الله عز وجل غير هالك، وهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل به، فيكون المعنى أن الكون بما فيه هالك إلا الله عز وجل، وإنما خصّ تعالى الوجه بالاستثناء للتعظيم. ومما تقدم يتضح لنا أن اختلاف الإعراب في الآيات المختلف في إعرابها بين النحاة، أكسب النص القرآني في سُوْرَة الْقَصَصِ آفاقاً جديدة في استفادة معانٍ أخرى، وهو ما يشعر بتجدد الفهم عند التفسير، وذلك لأن الاختلاف هو تجدد وتجديد في إضافة المعاني الجديدة التي تختلف بتعدد سياقات التوجيه الإعرابي بين النحاة، وهكذا فإن ما اختلفوا فيه وما قمت بترجيحه، تبعاً لقراءة سُوْرَة الْقَصَصِ هو إضافة جديدة للمعنى، يمكن أن تعين على تصور أدق لبعض المواضع (المشكلة إعرابياً) في سُوْرَة الْقَصَصِ.
المطلب الثالث: التوجيه المضموني في سورة القصص ودلالاته
يتعلق موضوع التوجيه المضموني بموضوع (الوحدة الموضوعية) وبتعبير أدق:
التوجيه المضموني:
هو " تحليل نص بإعادة صياغته من جديد وإبراز مكامن الاتصال فيه باعتباره وحدة عفوية متكاملة "((1)) .
ويبدو أن هذا الموضوع متعلق كما نعتقده بما أسماه القدماء (تناسق وتناسب الآيات السور)، وممن صنف فيه:
البقاعي.
السيوطي.
وكتاباهما مطبوعان وفيهما فوائد مهمة في بابهما ((2)) ، وقد ذكر السيوطي ذلك كله في الإتقان وأشاد به ((3)) .
ونحن نستفيد من الجمع بين التحليل التراثي والمعاصر لفهم كلي للنص القرآني، وبخاصة في موضوعنا هنا عن سورة القصص الشريفة.
(1) المصطلحات النقدية. سليمة الحكيم. الطبعة الأولى. دار البيان. دمشق. 1989 م.: ص121.
(2)
سبق الإشارة إليها ص 19.
(3)
الإِتقَان فِي علُوم القُرْآن: 2 /118.
قال بعض الباحثين: " لابدّ في تحليل أي سورة قرآنية من إدراك العلاقة بين آياتها وترابطها فيما بينها، والصلات بين أولها وآخرها، ومكامن الوحدة الموضوعية فيها وذاتيتها الخاصة "((1)) .
ونحن في التوجيه المضموني لسورة القصص واجدون من ذلك الكثير. إذ تتميز سورة القصص بكونها ذات خصوصية في ترابط موضوعاتها بعضها مع بعض، بحيث أن القارئ يجد فيها انسياباً للمعاني وهي تصب في هدف واحد، على رغم أن السورة تنقسم على نصفين:
النصف الأول: خاص بقصة موسى (عليه السلام) .
النصف الثاني: خاص بتعداد آلاء الله عز وجل ونعمه، ثم تأتي في أواخر آيات السورة قصة الخسف بقارون لتعيد التذكير بأول القصة في أول السورة {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى} ((2)) ، فيتم بذلك التلاحم المضموني.
وقد فصل سليم سليمان فقال: تتميز آيات سورة القصص بأنها تمثل لوحة متكاملة المعالم واضحة الأطر، لا زيادة فيها ولا نقصان فيها فهي بذلك تسير وفق قواعد الوحدة الموضوعية ((3)) .
والبناء الموضوعي للسورة يعدّ في الذروة من الالتزام بعدم الخروج عن المعنى المراد إيصاله، فهي بذلك " نص متكامل " لا يمكن حذف شيء منه، ولا يمكن إضافة شيء إليه البتة، فقوله جل جلاله:{أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ} (4) له علاقة وطيدة بقوله تعالى فيها: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً} ((5)) .
فتتجلى بعض مظاهر تلك العلاقة في الأمن الإلهي الذي حبى به موسى (عليه السلام) وقريش.
(1) التحليل التطبيقي للنصوص: ص400.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 76.
(3)
ينظر الوحدة الموضوعية: ص388.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 31.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 57.