الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الدعوة إلى الله عز وجل أمر إلهي خوطب به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وما كان خطاباً عاماً لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فهو خطاب خاص لأمته على ما قرره علماء الأصول وما كان خطاباً عاماً للنبي، فهو خطاب خاص لأمته، ولذلك كان قوله تعالى:{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} ((1)) ، يشمل عموم الدعاة من أمة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ، إذ أن هذا الأمر مشترك في الدعوة بين دعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ودعوة الدعاة العلماء من أمته عليه الصلاة والسلام ((2)) .
وبعد ذلك يمكن أن نقرر استناداً إلى ما تقدم إن سورة القصص سورة دعوية (خاصة وأنها مما نزل بمكة المكرمة) ، وأنها سورة احتوت أوصاف الدعاة، ومن تمت دعوتهم، ووعد الله عز وجل لهم بالنصر، والتمكين، والإمامة، والوراثة.
المطلب الثامن: النظرة القرآنية للإنسان في سورة القصص
إن النظرة القرآنية للإنسان في كل أطواره وأحواله هي نظرة جامعة لكل خير ومانعة لكل شر، ذلك أن الإنسان في القرآن الكريم هو الشخصية المحورية المخلوقة للعبادة والاستخلاف في الأرض، وإصلاح ما فيها من فساد، واستعمارها بالوعد الإلهي، فإذا ما زاغ عن الحق، أو عن طريق الحق، أمكن بواسطة السنن الإلهية إرجاعه، وذلك لأن الإنسان في القرآن الكريم له مقومات شخصية ((3)) . يمكن أن نجعل منها أمرين على أنها أهم المهم:
الاستخلاف الإلهي.
العبادة الإيمانية.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 87.
(2)
ينظر الدعوة إلى الإسلام: ص 139.
(3)
ينظر الإنسان الحضاري في الَقُرْآن الكَرِيم: د. سليمة أحمد حسن. الطبعة الثانية. دار الهدى. تونس. 1991 م: ص 141.
وهكذا فإن سورة القصص تجسد النظرة القرآنية للإنسان في إيجاز يجمع ما تفرق في كثير من سوره وآياته الشريفة، ذلك أن سورة القصص تحمل في مضمونها العام النزوع الإنساني نحو الإيمان بالله جل جلاله، والثقة بنصره، والتحذير من نسيان اليوم الآخر ((1)) .
وسورة القصص في مضامينها الإنسانية تحمل الدواعي الذاتية للتوجه نحو الله عز وجل من خلال استلهام الإنسان لمعنى إنسانيته التي سبقت علم النفس اليوم، ومعنى وجوده، ومعنى تكوينه على الأرض منذ آدم (عليه السلام) إلى يوم القيامة، وهو الأمر الذي تكفلت سورة القصص بإبرازه.
إن سورة القصص تبدأ بالإنسان وتنتهي بالإنسان، وما بين ذلك علاقة الإنسان بالله عز وجل وبالرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وبالمجتمع الإنساني المحيط به، فسورة القصص تذكر ضمن الإطار الإنساني في نظرتها الإلهية:
التلاوة للمؤمنين بما يراعي الضعف وفق أساس فكري. {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ((2)) .
الضعف الإنساني. {يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} ((3)) .
المن الإلهي على الإنسان. {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} ((4)) .
تحذير الإنسان من تجاوزه في الظلم. {وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} ((5)) .
(1) ينظر الصورة الَقُرْآنيّة للإنسان. عَبْد الله مُحَمَّد. الطبعة الأولى. دار الهدى الإسلامي. بيروت، لبنان. 1992 م: ص 230 – 231.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 3.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 4.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 5.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 6.
الأمومة الإنسانية ومشاعرها المتحيرة في نمطها. {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} ((1)) .
الأخوة الإنسانية ومشاعرها. {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ((2)) .
كمال الإنسانية بالحكم (الحكمة) والعلم. {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ((3)) .
الاقتتال قد يكون في نوازع الشر الإنسانية. {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ} ((4)) .
الإنابة الإنسانية. {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ((5)) .
الخوف سمة إنسانية. {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} ((6)) .
إن الإنسان محتاج في استهدائه لله عز وجل. {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} ((7)) .
الرحمة صفة من صفات الطبع الإنساني. {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ} ((8)) .
الحياء سمة النساء. {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} ((9)) .
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 11.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 14.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 15.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 16.
(6)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 18.
(7)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 22.
(8)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 24.
(9)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 25.
إن طلب النصر للأخ صفة إنسانية كما قرر علماء النفس. {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي} ((1)) .
إن الإنسان يتهم ما لا يعرفه بالسحر. {قَالُوا مَا هَذَا إِلَا سِحْرٌ مُفْتَرًى} ((2)) .
إن الظلم لا يدوم إنسانياً. {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ((3)) .
إن الكتب الإلهية هداية ربانية. {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((4)) .
طول العمر الحضاري الأممي مبعد عن الله عز وجل. {وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ} ((5)) .
إن اتباع الهوى صفة إنسانية قد تفني. {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ((6)) .
الإيمان الإنساني قد يكون بالنصح فقط أو الهداية. {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} ((7)) .
إن الهداية الإنسانية من الله عز وجل. {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ((8)) .
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 34.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 36.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 37.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 43.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 45.
(6)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 50.
(7)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 53.
(8)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 56.
إن البطر الإنساني سمة وسم بها الكفرة. {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} ((1)) .
إن الوعد الإلهي في صميم التحقق الإنساني. {أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} ((2)) .
إن التوبة تعيد الإنسان لله عز وجل. {فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ} ((3)) .
ليس للإنسان الخيار في الخلق. {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} ((4)) .
إن مكنونات الصدور بعلم الله سبحانه وتعالى. {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} ((5)) .
إن الإنسان قد يطغى بالمال ويبغي. {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} ((6)) .
إن الإنسان قد لا يجازي الإحسان بالإحسان. {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} ((7)) كما قال الأصوليون.
إن الاغترار بالعلم يؤدي للاغترار والاجتراء على الله تعالى. {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} ((8)) فنسب علمه لنفسه.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 58.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 61.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 67.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 68.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 69.
(6)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 76.
(7)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 77.
(8)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 78.