المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ١

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: التمهيدي

- ‌المبحث الأول: دراسة عامة عن السّورة

- ‌المطلب الأول: اسمها

- ‌المطلب الثاني: التعريف اللغوي والاصطلاحي للقصص

- ‌المطلب الثالث ترتيب سورة القصص في المصحف

- ‌المطلب الرابع فضلها

- ‌المطلب الخامس: سورة القصص أمكية هي أم مدنية

- ‌المطلب السادس: الأغراض العامة لسورة القصص ومقاصدها

- ‌المطلب السابع: التناسب والتناسق بين سورة القصص وما قبلها وما بعدها

- ‌المطلب الثامن: التناسب بين بداية السورة وخاتمتها

- ‌المبحث الثاني: الحروف المقطعة في الَقُرْآن الكَرِيم وسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في معاني الحروف المقطعة

- ‌المطلب الثاني: إعراب الحروف المقطعة

- ‌المبحث الثالث: شبه وجود الأساطير والتكرار في القصة القرآنية والرد عليها

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة القائلين بوجود الأساطير والتكرار في القرآن الكريم والرد عليهم

- ‌المطلب الثاني: قضية التكرار

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من التكرار

- ‌المطلب الرابع: فوائد القصص القرآني

- ‌الفصل الثاني: وقفات بين يدي السّورة

- ‌المبحث الأول: نظرات توجيهية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

- ‌المطلب الثاني: توجيه الآيات التي أشكل إعرابها

- ‌المطلب الثالث: التوجيه المضموني في سورة القصص ودلالاته

- ‌المطلب الرابع: التوجيه البياني التفسيري في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الخامس: الصورة البلاغية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السادس: الحكمة من استخدام الجمل والصيغ والعبارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السابع: الرسم الَقُرْآني في سُوْرَة الْقَصَصِ وعلاقته بأداء المعنى

- ‌المبحث الثاني: الأطر العامة لسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: دلالة التوحيد في سورة القصص

- ‌المطلب الثاني: المرأة في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: الزمن في سورة القصص

- ‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: النظرة القرآنية لليهود في سورة القصص

- ‌المطلب السادس: المال مفهومه وغاياته في سورة القصص

- ‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

- ‌المطلب الثامن: النظرة القرآنية للإنسان في سورة القصص

- ‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

- ‌الفصل الثالث: الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: مفهوم الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: علو فرعون في الأرض

- ‌المطلب الثاني: نصرة المستضعَفين

- ‌المبحث الثاني: الاستعلاء والطغيان بالثروة والمال

- ‌المطلب الأول: قارون وكنوزه

- ‌المطلب الثاني: تجبر قارون واستكباره

- ‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

- ‌الفصل الرابع: نشأة سيدنا موسى عليه السلام والظروف المحيطة به

- ‌المبحث الأول: ولادة سيدنا موسى عليه السلام

- ‌المطلب الأول: إلقاء سيدنا موسى (عليه السلام) في اليم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى في بيت فرعون

- ‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) في مرحلة البلوغ

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يهبه الله الحكم والعلم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) يقتل قبطياً خطأً

- ‌المطلب الثالث: فرعون يريد قتل موسى (عليه السلام) لقتله القبطي

- ‌الفصل الخامس: هجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المبحث الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) على ماء مدين

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يسقي الماء لبنات شعيب (عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: زواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: المسائل الفقهية المتعلقة بهجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المطلب الأول: المسائل المتعلقة بزواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌أولاً ـ تعريفه وألفاظه ومسائله:

- ‌ثانياً ـ ألفاظ عقد النكاح (الإيجاب ـ القبول)

- ‌ثالثاً ـ مسائله:

- ‌المسألة الأولى - الإشهاد على عقد الزواج

- ‌المسألة الثانية - الولاية في عقد الزواج

- ‌المسألة الثالثة - تعين الزوجة

- ‌المسألة الرابعة - المهر

- ‌المسألة الخامسة - مسألة الدخول قبل النقد

- ‌المسألة السادسة - اشتراط الولي شيئاً من المهر لنفسه

- ‌المطلب الثاني: الإجارة

- ‌تعريفها، وأركانها، ودليل مشروعيتها، والمسائل المتعلقة بها

- ‌المسألة الأولى: ذكر المدة دون ذكر الخدمة

- ‌المسألة الثانية: الإجارة على رعاية الغنم

- ‌المسالة الثالثة: اجتماع إجارة ونكاح

- ‌المسالة الرابعة: شبهات وردها

- ‌الفصل السادس: عودة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مصر

- ‌المبحث الأول: بعثة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌‌‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الثاني: تكليم الله لسيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

- ‌المطلب الرابع: المقارنة بين سورة النمل وسورة القصص

- ‌المبحث الثاني: موقف فرعون وقومه من دعوة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الأول: اتهام سيدنا موسى بالسحر

- ‌المطلب الثاني: ادعاء فرعون الألوهية وتكبره وملؤه في الأرض

- ‌المطلب الثالث: عاقبة فرعون وجنوده

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرواية التوراتية وسفر الخروج وبين الرواية القرآنية في سُوْرَة الْقَصَصِ لقصة موسى (عليه السلام

- ‌الفصل السابع: الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ودعوته في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: الدلائل الَقُرْآنية على صدق الرَّسُول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) في دعوته

- ‌المطلب الأول: دلالة قصة سيدنا موسى (عليه السلام) على صدق دعوة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: إيمان طوائف من أهل الكتاب بدعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: الهداية البيانية والهداية التوفيقية

- ‌المبحث الثاني: موقف المشركين من دعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: أعذار المشركين والرد عليها

الفصل: ‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

إن الحسد على النعم موجود في بعض الطبيعة البشرية. {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ((1)) .

إن الإنسان يفعل ويصنع حسناته وسيئاته بنفسه. {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ((2)) .

إن الضلال الإنساني كله في علم الله جل جلاله. {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ((3)) .

إن الإنسان يشعر بالراحة الأبدية إذا ما أوكل الأمور في الحكم والرجعة الأخروية إلى لله عز وجل. {لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ((4)) .

إن هذه القواعد في أصولها القرآنية، إنما تكشف عن مجمل السمات البشرية، وترينا كيفية النظرة القرآنية في سورة القصص للإنسان وأفعاله وأقواله وأحواله، كما يجعل سورة القصص إحدى النصوص الإلهية التي سبقت علم النفس، والتي جمعت جمعاً عظيماً صفات النفس البشرية، وهو وجه آخر من أوجه إعجازها الكثيرة ((5)) .

‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 79.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 84.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 88.

(5)

ينظر الصورة الَقُرْآنيّة للإنسان: ص 197 -198.

ص: 184

الإيمان بالله عز وجل هو: تصديق بالقلب، وإقرار باللسان على ما ذهب إليه أكثر المحققين ((1)) . فالإيمان إذاً هو تصديق بالغيب وإطاعة لما صدق به الإنسان في قراره قلبه، أما الكفر فهو جحود الخالق، والشرك تثنية إله أو آلهة مع الله عز وجل. وقد حفلت سورة القصص في خطوطها العامة والخاصة بمقومات الإيمان وخصائصه، وبآليات الكفر والشرك، ومآل الكافرين والمشركين على حد سواء.

جمعت سورة القصص في معانيها الكامنة ومعانيها الظاهرة أنواعاً عديدة من الإيمان مثل:

الإيمان العام.

الإيمان الخاص.

وأبرزت في حقائقها حقائق الكفر والشرك مثل:

حقيقة الادعاء بالألوهية بعد الطغيان.

حقيقة الحجج التي يسوقها الكفرة والمشركون.

ولا ريب في أن ذلك ساهم ضمن فوائد سورة القصص في استفادة أمر جداً مهم هو:

(إن الإيمان في صراعه مع الكفر والشرك مصيره النصر الإلهي وتعزيز الرسالة النبوية، ودعم كل المؤمنين، وتوريثهم الأرض في الدنيا والنصيب الحسن في الآخرة) .

ونحن في محاولتنا هذه لإبراز كل ما يتعلق بما تحتويه سورة القصص، سوف نحاول هاهنا ـ إن شاء الله العلي العظيم ـ إبراز آيات الإيمان والكفر والشرك في سورة القصص بتحليلها شمولياً، وإظهار معانيها:

1.

التلاوة القصصية إنما تكون للمؤمنين حصراً:

(1) ينظر التعريفات (الجرجاني) : ص 70. شرح النسفية. تحقيق: د. عبد الملك السعدي الطبعة الأولى. دار الأنبار. 1988 م: ص 165.

ص: 185

{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ((1)) ، فالآية تقرير إلهي بصيغة الجمع لقصة رسول كريم مع كافر، والقيد القرآني (بالحق) دليل على حصرية المعنى في حقيقته، ثم لماذا استخدم التعبير القرآني {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ، ولم يقل للمؤمنين، وذلك في رأينا الذي توصلنا إليه من خلال الاستقراء اللغوي هو أن دلالة {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أبلغ في هذا المقام مما لو استخدمت لفظة (للمؤمنين) العامة فقد أراد القرآن الكريم أن يخصص (قوماً) بالتنكير، وهم أمة مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ، ولا يعمم كلّ مؤمن (مما قد يشمل من لا يؤمن بحقيقية هذه القصة كبعض طوائف يهود من الذين آمنوا بالله تعالى، وأنكروا قصة موسى (عليه السلام) وفرعون، وقالوا: إنها رمز، ومنهم في عصرنا هذا سيجموند فرويد (ت 1939 م) عالم النفس الشهير في كتابه موسى والتوحيد ((2)) ! .

2.

إن العلو في الأرض دليل الكفر:

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 3.

(2)

موسى والتوحيد. سيجموند فرويد. ترجمة: جورج طرابيشي. الطبعة السادسة. دار الطليعة. بيروت. 1985 م: ص 57 – 58.

ص: 186

{إِنَّ فِرْعَوْنَ علَا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ} ((1)) ، وذلك أن عمل الإنسان قد يكون دليل إيمانه، وقد يكون دليل كفره، لذلك كان القتل كبيرة، والفساد كبيرة، وقد صح عن رسول الله

(صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) ((2)) ، وهكذا بقية الكبائر المعروفة، فلما علا فرعون في الأرض ارتكب من خلال سياق الآية أعمالاً توجب كفره كما تقدم.

ومن هاهنا بان لنا خطأ بعض القائلين بإيمان فرعون في آخر لحظة مستندين إلى قوله: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} ((3)) ، بدليل قوله تعالى في آية أخرى من سورة القصص عن فرعون وهامان وجندهما:{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} ((4)) ، فالآية هاهنا دلت دلالة قطعية على أن العلو في الأرض دليل من أدلة الكفر المؤدي إلى النار، والعياذ بالله جل جلاله.

3.

إن الوحي الإيماني ليس دليلاً على رسالة النساء:

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 4.

(2)

متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، صَحِيْح البُخَارِي: كتاب المظالم والغصب، باب النهب بغير إذن صاحبه. 2 /875 رقم (2343) . صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس 1 /76 رقم (57) .

(3)

سُوْرَة يُوْنِسَ: الآية 90.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 41.

ص: 187

{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} ((1)) الآية، وذلك ان قوماً من الجهلة لم يفهموا المراد من الوحي الإلهي والإيماني في بعض الحالات فزعموا استناد إلى قصتي أم موسى (عليه السلام) ومريم عليها السلام جواز إرسال النساء نبيات، وقد تأثروا في ذلك بما ورد في التلمود ((2)) من كون أم موسى نبية فوافقوا بذلك اليهود، وسياق آيات سورة القصص مع قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَاّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} ((3)) يدلّ على خلاف ذلك في المفهوم الإيماني، وذلك أن سورة القصص {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.

(2)

الكنز المرصود في قواعد التلمود. مجهول المؤلف. الطبعة الرابعة. دار العلوم. بيروت، لبنان (د. ت) : ص 227 –228.

(3)

سُوْرَة يُوْسُف: الآية 109. سُوْرَة النَّحْلِ: الآية 43.

ص: 188

لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ((1)) قررت في الوحي الإلهي لأم موسى جملة حقائق (تبطل نبوتها التي توهمها المتوهمون) ، إذ قررت الآيات هنالك لأم موسى

(عليه السلام) :

الأمر بالإرضاع.

الأمر بالإلقاء في اليم.

الأمر بعدم الخوف والحزن.

الربط على قلبها.

علمها بأن وعد الله حق.

وليس في هذه التقريرات ما يتعلق بالنبوة والأنبياء، ولا الرسالة والرسل، فبان بذلك كونها ـ عليها الرضوان ـ غير نبية، وبأن الوحي هاهنا هو مفهوم الأمر الإلهي الخاص على ما قرره القدماء! .

4.

إن من الإيمان الدعاء الدائم:

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 7 –13.

ص: 189

بدليل توجه موسى (عليه السلام) في كل مواقفه لله سبحانه وتعالى بالدعاء: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} ((1)) ، {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} ((2)) ، {رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ((3)) ، {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} ((4)) ، {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} ((5)) ، وسياق هذه الآيات الثلاث الغير متوالية يدل من خلال تحليلها على أن شخصية موسى (عليه السلام) كانت شخصية مطمئنة راضية مرضية، لا تهتم بشيء قبل البعثة ولا بعدها ما دامت تعرف الله عز وجل حق معرفته، فموسى (عليه السلام) وجه لله سبحانه وتعالى في هذه الآيات حقيقة مآله التي هي:

ظلم النفس.

الوعد بعدم مظاهرة المجرمين.

طلب النجاة.

الفقر لله تعالى.

طلب الهداية.

ويقابلها في مواطنها العامة:

الإيمان بمعرفة ظلم النفس بدليل آية يونس: {لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ} ((6)) .

الإيمان بمعرفة ان مظاهرة المجرمين كفر: {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} ((7)) .

الإيمان بنسبة الانجاء لله جل جلاله بدليل: (رَبِّ نَجِّنِي) .

الإيمان بمعرفة مقام الفقر لله تعالى بدليل: (فَقِيرٌ) في سياق دعائه.

الإيمان بالاستهداء.

وهذه المواطن الخمسة أوجبت في سورة القصص أن يكون الدعاء باب الإيمان الدائم.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 16.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 17.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 21.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 24.

(5)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 22.

(6)

سُوْرَة الأنْبِيَاءِ: الآية 87.

(7)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 17.

ص: 190

إن دعاء موسى (عليه السلام) في سورة القصص طريق إيماني يوضح فضل الدعاء بصورة غير مباشرة، وذلك بعض الفوائد الخفية المستنبطة من سورة القصص.

5.

إن إشهاد الله تعالى دليل إيماني:

{وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} ((1)) ، إن موسى (عليه السلام) قبل بعثته الشريفة (بعد ان أثبت لنا لجؤه إليه في كل موطن بالدعاء) جعل الوكالة الإلهية له في عهوده وعقوده طريق للمعرفة الحقيقة، وهو ما يعبر عنه العارفون في الإسلام بجعل (الوكالة له بطريق التوكل) كما قالوا: وتلك من معالم الإيمان، وعلائم التحقق بمعرفة الله عز وجل إيمانياً.

6.

إن الرسالة تنير القلب بالإيمان كله فيزول الخوف الطبيعي في النفس بالأمان:

{إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ((2)) ، {أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ} ((3)) ، إن ملاحظة سياق هاتين الآيتين في هذا الموطن يرينا من خلال التحليل المقارن كيف وازن النص القرآني بين ذكر الألوهية العظمى التي سرت في روح وقلب ونفس وعقل موسى (عليه السلام) وما لاقاه من خوف انجلى عنه إيمانياً بالأمر الإلهي بالإقبال ونبذ الخوف وهذا يذكر بالأمر الإلهي لأمه {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} ((4)) ، فكان كل خوف عن هذه الأسرة أزاله الله عز وجل بالإيمان كله الذي أنار القلوب كلها، وتلك شوارق نورانية عرفانية من بوارق سورة القصص.

7.

إن أهل الكفر والشرك يختلقون المعاذير للكفر والشرك:

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 28.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 30.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 31.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.

ص: 191

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} ((1)) ، فالكفرة والمشركون من قوم فرعون، وإسناد الكلام هنا لهم بصيغة الجمع مشعر باستحقاقهم الغرق مع فرعون، جعلوا ما جاء به موسى (عليه السلام) من الآيات الإيمانية سحراً مما لم يألفون بزعمهم، فكان الرد الإيماني من موسى

(عليه السلام) في وجههم مسكتاً لهم جميعاً، {رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ((2)) ، وقد يثار سؤال هاهنا لما استخدم القرآن الكريم (الظالمون) ، ولم يستخدم (الكافرون) في هذا السياق، والذي توصلت إليه أن ظلمهم بالتكذيب أعم من كفرهم بالرسالة، فناسب الظلم أن يستخدم في هذا السياق.

8.

إن كل أمة لم يأتها نذير ليدلها على الإيمان، يرسل الله عز وجل لها من يدلها على الإيمان به ليكون حجة عليها:

{لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((3)) ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} ((4)) ، إن هاتين الآيتين تدلان على أن الله عز وجل لا يعاقب قوماً على كفرهم إلا بعد أن يقيم عليهم الحجة بالإنذار بالرسالة، وهذا ما أثبته القرآن الكريم في أكثر من موضع، وهو من الدلالات الإيمانية في سورة القصص.

9.

إن الكفرة قد يلجئون للأعذار في كفرهم عند حسابهم يوم القيامة:

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 36.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 37.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 46.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 59.

ص: 192

{فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} ((1)) ، إن هذه الآية تحلل تحليلاً نفسياً (يسبق كل التحليلات النفسية للشخصية الباطنية الإنسانية) ، كيف أن الكفرة بعد أن تصيبهم مصيبة في الدنيا، أو مصيبة العذاب في الآخرة، يحاولون أن يجادلوا بالباطل، فيسألون الله عز وجل بطريقة سؤال العارف عن رسلهم، ولِمَ لَمْ يرسلوا إليهم وهم قد جاءتهم الرسل، ولكنها الطبيعة البشرية في الإنسان الذي كان أكثر شيء جدلاً، فهذه الآية في سورة القصص تبرز الشخصية الإنسانية الكافرة على حقيقتها.

10.

إن للإيمان وللمؤمنين شروط خاصة:

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} ((2)) ، حفلت هذه الآيات من سورة القصص بما يعزز هذه القاعدة من كون الشروط الإيمانية للمؤمنين ذات دلالات خاصة، وهي هاهنا في هذه الآيات تشمل:

الإيمان بما مضى من الكتب السماوية (التوراة ـ الزبور ـ الإنجيل) مع القرآن الكريم.

الإيمان قلبياً عند سماع التلاوة، وهي أعلى مراتب المعرفة الإيمانية عند العارفين.

الإيمان بالحق المنزل من الله (واستخدم القرآن الكريم لفظة (ربنا)) بدل لفظة الجلالة (الله) تعالى لخصوصيتها في هذا الموضع.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 47.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 52 –55.

ص: 193

الإيمان بأن كل الأديان تدعو إلى الإسلام من قبل الإسلام {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} ((1)) .

الإيمان بالصبر.

درء السيئة بالحسنة (وقدم القرآن الكريم الحسنة وأخر السيئة، لأن المقصود في الوضع اللغوي أن تقدم العرب المهم في الكلام وهو هنا (ما يدرؤون) وهي الحسنة، وليس ما درؤا وهي السيئة، جعل تقديم الحسنة لازماً على ما ذكروا وهي السيئة، وهذا من إعجاز النص القرآني في سورة القصص) .

الإنفاق من الرزق الإلهي.

الإعراض عن سماع اللغو.

ترك عمل الكافرين وجعل أعمالهم لهم (لنا) .

عدم ابتغاء الجدال مع الجاهلين.

وهذه الصفات العشرة هي عين ما جاءت به الفطرة السليمة للمؤمنين بالله عز وجل.

11.

إن الإيمان هو هداية إلهية:

{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ((2)) فنسبة الهداية لله عز وجل تقرير لحقيقة الإيمان من الله الهادي عز وجل، وهذا من مستنبطات سورة القصص في القرآن الكريم.

12.

إن المشركين معرضون للتوبيخ الشديد يوم القيامة:

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 53.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 56.

ص: 194

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} ((1)) فصيغة النداء ونسبتها للمشركين، ومقول القول باستخدام الفعل المضارع مع فاء التعليل (فيقول) ، ثم استخدام صيغة الاستفهام (أين) ، ونسبة الشركاء لياء المتكلم في لفظة الجلالة

(توبيخاً) ، والإتيان بالاسم الموصول مع الفعل الماضي الناقص، وصيغة (زعم) المضارعة كل ذلك جعل هذه الحقيقة التوبيخية تكون أشد إيلاماً وتبكيتاً للمشركين بالله عز وجل بدليل ما بعدها:{وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوْا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ} ((2)) ، وهو خطاب بليغ كل البلاغة في وصف توبيخ المشركين، ونلاحظ أن هذه الآية تكررت مرة أخرى في الآية {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} ((3)) ، وتكرارها هنالك كان تحقيقاً لموقعها في سياق آيات أتت بينهن ولا تختلف دلالتها عما حللناه.

12.

إن التوبة والعمل الصالح مقترنان بالإيمان ثم الفلاح:

{فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُفْلِحِينَ} ((4)) ، فهذه الآية تقرر حقيقة الإيمان في أسلوب تقريري (التوبة، والإيمان) مقابل (العمل الصالح، والفلاح) وهي معادلة قرآنية عظيمة كل العظمة تقرر حقيقة الإيمان في النفس.

13.

إن نسبة الإعادة لله تعالى تقرر حقيقة الهدى الإيماني:

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 62.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 64.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 74.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 67.

ص: 195