المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ١

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: التمهيدي

- ‌المبحث الأول: دراسة عامة عن السّورة

- ‌المطلب الأول: اسمها

- ‌المطلب الثاني: التعريف اللغوي والاصطلاحي للقصص

- ‌المطلب الثالث ترتيب سورة القصص في المصحف

- ‌المطلب الرابع فضلها

- ‌المطلب الخامس: سورة القصص أمكية هي أم مدنية

- ‌المطلب السادس: الأغراض العامة لسورة القصص ومقاصدها

- ‌المطلب السابع: التناسب والتناسق بين سورة القصص وما قبلها وما بعدها

- ‌المطلب الثامن: التناسب بين بداية السورة وخاتمتها

- ‌المبحث الثاني: الحروف المقطعة في الَقُرْآن الكَرِيم وسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في معاني الحروف المقطعة

- ‌المطلب الثاني: إعراب الحروف المقطعة

- ‌المبحث الثالث: شبه وجود الأساطير والتكرار في القصة القرآنية والرد عليها

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة القائلين بوجود الأساطير والتكرار في القرآن الكريم والرد عليهم

- ‌المطلب الثاني: قضية التكرار

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من التكرار

- ‌المطلب الرابع: فوائد القصص القرآني

- ‌الفصل الثاني: وقفات بين يدي السّورة

- ‌المبحث الأول: نظرات توجيهية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

- ‌المطلب الثاني: توجيه الآيات التي أشكل إعرابها

- ‌المطلب الثالث: التوجيه المضموني في سورة القصص ودلالاته

- ‌المطلب الرابع: التوجيه البياني التفسيري في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الخامس: الصورة البلاغية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السادس: الحكمة من استخدام الجمل والصيغ والعبارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السابع: الرسم الَقُرْآني في سُوْرَة الْقَصَصِ وعلاقته بأداء المعنى

- ‌المبحث الثاني: الأطر العامة لسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: دلالة التوحيد في سورة القصص

- ‌المطلب الثاني: المرأة في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: الزمن في سورة القصص

- ‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: النظرة القرآنية لليهود في سورة القصص

- ‌المطلب السادس: المال مفهومه وغاياته في سورة القصص

- ‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

- ‌المطلب الثامن: النظرة القرآنية للإنسان في سورة القصص

- ‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

- ‌الفصل الثالث: الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: مفهوم الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: علو فرعون في الأرض

- ‌المطلب الثاني: نصرة المستضعَفين

- ‌المبحث الثاني: الاستعلاء والطغيان بالثروة والمال

- ‌المطلب الأول: قارون وكنوزه

- ‌المطلب الثاني: تجبر قارون واستكباره

- ‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

- ‌الفصل الرابع: نشأة سيدنا موسى عليه السلام والظروف المحيطة به

- ‌المبحث الأول: ولادة سيدنا موسى عليه السلام

- ‌المطلب الأول: إلقاء سيدنا موسى (عليه السلام) في اليم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى في بيت فرعون

- ‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) في مرحلة البلوغ

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يهبه الله الحكم والعلم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) يقتل قبطياً خطأً

- ‌المطلب الثالث: فرعون يريد قتل موسى (عليه السلام) لقتله القبطي

- ‌الفصل الخامس: هجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المبحث الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) على ماء مدين

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يسقي الماء لبنات شعيب (عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: زواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: المسائل الفقهية المتعلقة بهجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المطلب الأول: المسائل المتعلقة بزواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌أولاً ـ تعريفه وألفاظه ومسائله:

- ‌ثانياً ـ ألفاظ عقد النكاح (الإيجاب ـ القبول)

- ‌ثالثاً ـ مسائله:

- ‌المسألة الأولى - الإشهاد على عقد الزواج

- ‌المسألة الثانية - الولاية في عقد الزواج

- ‌المسألة الثالثة - تعين الزوجة

- ‌المسألة الرابعة - المهر

- ‌المسألة الخامسة - مسألة الدخول قبل النقد

- ‌المسألة السادسة - اشتراط الولي شيئاً من المهر لنفسه

- ‌المطلب الثاني: الإجارة

- ‌تعريفها، وأركانها، ودليل مشروعيتها، والمسائل المتعلقة بها

- ‌المسألة الأولى: ذكر المدة دون ذكر الخدمة

- ‌المسألة الثانية: الإجارة على رعاية الغنم

- ‌المسالة الثالثة: اجتماع إجارة ونكاح

- ‌المسالة الرابعة: شبهات وردها

- ‌الفصل السادس: عودة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مصر

- ‌المبحث الأول: بعثة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌‌‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الثاني: تكليم الله لسيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

- ‌المطلب الرابع: المقارنة بين سورة النمل وسورة القصص

- ‌المبحث الثاني: موقف فرعون وقومه من دعوة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الأول: اتهام سيدنا موسى بالسحر

- ‌المطلب الثاني: ادعاء فرعون الألوهية وتكبره وملؤه في الأرض

- ‌المطلب الثالث: عاقبة فرعون وجنوده

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرواية التوراتية وسفر الخروج وبين الرواية القرآنية في سُوْرَة الْقَصَصِ لقصة موسى (عليه السلام

- ‌الفصل السابع: الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ودعوته في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: الدلائل الَقُرْآنية على صدق الرَّسُول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) في دعوته

- ‌المطلب الأول: دلالة قصة سيدنا موسى (عليه السلام) على صدق دعوة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: إيمان طوائف من أهل الكتاب بدعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: الهداية البيانية والهداية التوفيقية

- ‌المبحث الثاني: موقف المشركين من دعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: أعذار المشركين والرد عليها

الفصل: ‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

فالذي دفعني لكتابة هذا المطلب في موضوع الزمن في سورة القصص بصورة خاصة، والذي يعبر عن دلالته في القرآن الكريم بصورة عامة هو ما يتفوه به بعض المتشدقين بالحضارة الغربية، والمنبهرين بترهاتها، مما أدى بهم إلى أن ادعوا ظلماً وبهتاناً أن القرآن لم يعد يصلح لزمن العولمة ولزمن الإنترنت ((1)) ، فنحن نريد أن نثبت ونبرهن من خلال هذا المطلب أن الزمن مستمر في دلالته على الماضي، والحاضر، والمستقبل على ما سنبينه ـ إن شاء الله تعالى ـ في الفصل الثامن، وبهذا بينا وجهاً من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم بقدرته على الأخذ بدقة الحياة وتوجيهها نحو شاطئ الأمان، بعد أن تاه الناس في دوامة الأيديولوجيات الغربية والأفكار المشوهة، فإنها خطوة أولى تتبعها خطوات على طريق تفعيل العمل بالقرآن الكريم.

قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ((2)) .

‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

لا يمكن إغفال أمر مهم كل الأهمية في استعراضنا التحليلي لسورة القصص، مفاده أن المرامي التربوية والسلوكية فيها تختلف كل الاختلاف عن باقي السور القرآنية التي تحتوي على غايات تربوية وسلوكية وإرشادية في كونها استهدفت أربعة أمور استطعنا أن نستخلصها من تحليلنا العام للسورة:

تسلية قلوب المؤمنين إيمانياً.

طمأنينة النفوس الإيمانية.

توجيه الفهم المعرفي إيمانياً.

إبراز المآل والعاقبة في الدنيا والآخرة ((3)) .

(1) مفاهيم قرآنية. مُحَمَّد أحمد خلف الله. الطبعة الثانية. الكويت. 1985 م.:

(2)

سُوْرَة النِّسَاءِ: الآية 65.

(3)

ينظر التربية في الَقُرْآن الكَرِيم. د. عبد الحميد سليمان. الطبعة الأولى. دار الرياض. جدة. 1411 هـ: ص 221 - 222.

ص: 155

ولا ريب في أن هذه الأمور تستلزم أن نفهم مسارد مجيء الآيات القرآنية في سورة القصص من تلك التي تحتوي فيما تحتويه على مكامن تربوية وسلوكية وتحليلها، وفق نظرة عصرية حديثة جديدة، لأجل فهم أدق وأشمل لتلك الجوانب التربوية والسلوكية، تعد سورة القصص ـ وهي مكية كما قدمنا ـ من أوائل السور التي احتوت على كافة مبادئ الإرشاد التربوي الخمسة:

القراءة: {نَتْلُو عَلَيْكَ} ((1)) .

البيئة: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ} ((2)) .

الاطمئنان: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ} ((3)) .

الوصول: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ} ((4))

التذكير {وَمَا كُنتَ} ((5)) .

وهذه المبادئ الإرشادية التربوية الخمسة احتوت فيما احتوته على جوانب هي في حد ذاتها جوانب التربية والسلوك القرآني الإيماني، فنحن نجد مثلاً أن دلالة قوله تعالى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ((6)) ، تدل فيما تدل عليه على أن الإنسان في بلوغه أشد عمره واستواء فهمه يؤتى إذا ما اخلص نيته لله سبحانه وتعالى الحكم والعلم، وبخاصة إذا ما ترقى في مرتبة الإحسان التي هي ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) ((7)) ، وبهذا تستقيم التربية التي حض عليها الله سبحانه وتعالى.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 3.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 13.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 29.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 30.

(5)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 44، 45، 46، 86.

(6)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 14.

(7)

صحيح البخاري وهو جزء من حديث طويل عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كتاب الإيمان. باب سؤال جبريل عليه السلام عن الإيمان والإسلام والإحسان 4 / 1793. رقم (50) .

ص: 156

ونجد كذلك أن دلالة قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} ((1)) ، تدل فيما تدل عليه على أن الخروج لطلب العلم والمعرفة والفهم تكمن في النفسية التي تستطيع بشخصيتها أن تستهدي بالله سبحانه وتعالى، لأن الهداية الإلهية أساس طلب العلم، وهذا من أهم مبادئ السلوك التربوي الحديث التي سبقت آيات سورة القصص نظريات التربية الحديثة إلى أبرزها، ونجد أن قوله تعالى:{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ} ((2)) ، يدل فيما يدل عليه على أن المراد بالحياء التربوي أساس من أساسيات السلوك العام والخاص الذي يتوجه، كما قال علماء النفس والسلوك: في أن الحياء خصلة من خصال التربية التي لا يمكن إقامة نظام تربوي متكامل إلا بها، لأن الحياء في أساسه أساس فعل كل شيء، أو الامتناع عن فعل كل شيء ((3)) .

ونجد في قوله تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا} ((4)) أنه يدل على جواز طلب الاستعانة في العلم بمن هو ناطق اللسان، وهذا من مبادئ علم السلوك التربوي الحديثة التي تنص على أن من حق الطالب أن يستعين في عرض آرائه بمن هو أقدر منه على عرض المادة.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 22.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 25.

(3)

ينظر التربية في الَقُرْآن الكَرِيم: ص 232 – 235.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 34.

ص: 157

ونجد في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((1)) ، أنه يدل في مجمل دلالاته الكلية والجزئية على أن إتيان الكتاب يكون من بعد إهلاك من لا يستحق إتيان الكتاب، وأن في العلم البصيرة والبصر، والهداية والهدى، والرحمة، وأن الغاية التربوية من ذلك كله التذكر العلمي الذي تكون نتيجة تحصيل كمال المعرفة، وقد نص علماء السلوك على أن أخذ العلم بعد ذهاب من لا يستحقونه ينتج عنه كمال العلم نفسه، وبهذا كذلك نجد السبق التربوي السلوكي للقرآن الكريم من قبل أصحاب هذه النظريات الحديثة.

ونجد أن قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ} ((2)) ، يدل في اقتضاءات سياقاته التربوية على أن نقصان الهداية وإتباع الهوى يؤدي إلى الضلال، وهذا ما قرره علماء التربية الحديثة، إذ جعلوا الهوى أحد مهلكات تحصيل العلم، وقرنوا بين الهوى النفسي (الرغبات الشخصية الذاتية) وبين الجهل المطبق، فجاء القرآن الكريم وأثبت هذه الحقيقة مما يدل على مصدره الإلهي.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 43.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 51.

ص: 158

ونجد أن قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} ((1)) ، يدل في الذي يدل عليه على الأمر بترك سماع ما لا ينفع، لأنه يأخذ مساحة من العقل، جديرة بأن يخزن فيها أمر نافع، ولعل ذلك بعض العلة في تعوذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من العلم الذي لا ينفع ((2)) . وهو عين ما قرره علماء الإرشاد التربوي اليوم.

ونجد أن قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} ((3)) ، ثم نهاية قارون التي خسف فيه من خلالها، يدل على عدم جواز الاغترار بالعلم وحده، بل لا بد من تطبيق العلم والعمل، أو العمل والعلم. ورحم الله الإمام السنوسي صاحب الجوهرة إذ قال:

وعالم بعلمه لم يعلمن

... معذب من قبل عباد الوثن

وكل من بغير علم يعمل

... أعماله مردودة لا تقبل ((4))

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 55.

(2)

إشارة إلى حديث رواه مسلم عن زيد بن أرقم قال: ((لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول، كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها)) . صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والاستغفار، 4/ 2088 رقم (2722) .

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 78.

(4)

بوارق الحقائق. مُحَمَّد مهدي بهاء الدين الرواس. تحقيق: عبد الحكيم القباني. الطبعة الرابعة. (د. ن.) . دمشق. 1994 م: ص 218.

ص: 159

وهذا هو عين ما قرره علماء السلوك التربوي إذ قالوا: إن من اغتر بعلمه جهل نفسه وعلمه، وكان القرآن الكريم قد سبقهم إلى ذلك في هذه الحقيقة التي لا زالت عندهم هنالك في الغرب نظرية لم تحقق، وهذا بعض أوجه الإعجاز التربوي القرآني.

ونجد أن قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} ((1)) ، يدل في مفهومه العام على أن الإنسان مهما كان في ماضيه، وحاضره، ومستقبله لا يمكن له أن يتنبأ بما يؤول إليه أمره في العلم والمعرفة، لأن ذلك من الأمور المقدرة المسلمة بيد الله سبحانه وتعالى، وهذه الحقيقة كررها في العصر الحديث علماء التربية إذ ذهبوا إلى أن الإنسان مهما بلغ ذكاؤه لا يمكنه أن يعلم ما سيكون عليه مستواه العلمي والتعليمي، ولكنهم لكفرهم لم ينسبوا ذلك كله إلى الله سبحانه وتعالى، أما القرآن الكريم كلام الله جل جلاله، فقد أسند هذه الحقيقة لله سبحانه وتعالى ليسبق هؤلاء العلماء في هذه الحقيقة التربوية.

وبذلك يمكن لنا أن نقول: إن سورة القصص الكريمة قد احتوت فيما احتوته على كافة المبادئ التربوية والإرشادية والسلوكية التي لم يتوصل إليها علماء النفس من التربويين إلا في أخريات العصر الحديث، وهذا مما توصلت إليه بحمد الله وشكره.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 86.

ص: 160

فسورة القصص الكريمة في جوانبها التربوية، وفي مضامينها للسلوك التربوي لا تغفل أمراً، هو جد مهم في الحياة الإرشادية التعليمية والتفهيمية للإنسان ألا وهي الحرص على الجمع بين الدنيا والآخرة، وبين العمل للآخرة ـ وهو العمل الأهم ـ وبين عموم نسيان نصيب الإنسان من الحياة الدنيا ـ وهو العمل المهم ـ وهكذا فإن من قيم سُوْرَة الْقَصَصِ الإرشادية في ذلك قوله تعالى:{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ} ((1)) ، فالإمامة للدنيا في بعض معانيها، والوراثة للآخرة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب ((2)) .

ونجد أن الإرشاد في ذلك يتمثل في قوله تعالى: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} (3) ، فالتمكين في الأرض يكون بنصيب من الحياة الدنيا مقابل (الجنة) التي هي نصيب الآخرة.

ونجد أن موسى (عليه السلام) أجر نفسه ثمان حجج أو عشراَ، وهذا أمر دنيوي أريدت به مجموعة الأمور الأخروية، وذلك في قوله تعالى:{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} ((4)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 5.

(2)

ينظر التربية في الَقُرْآن الكَرِيم: ص 187.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 6.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 28.

ص: 161