المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ١

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: التمهيدي

- ‌المبحث الأول: دراسة عامة عن السّورة

- ‌المطلب الأول: اسمها

- ‌المطلب الثاني: التعريف اللغوي والاصطلاحي للقصص

- ‌المطلب الثالث ترتيب سورة القصص في المصحف

- ‌المطلب الرابع فضلها

- ‌المطلب الخامس: سورة القصص أمكية هي أم مدنية

- ‌المطلب السادس: الأغراض العامة لسورة القصص ومقاصدها

- ‌المطلب السابع: التناسب والتناسق بين سورة القصص وما قبلها وما بعدها

- ‌المطلب الثامن: التناسب بين بداية السورة وخاتمتها

- ‌المبحث الثاني: الحروف المقطعة في الَقُرْآن الكَرِيم وسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في معاني الحروف المقطعة

- ‌المطلب الثاني: إعراب الحروف المقطعة

- ‌المبحث الثالث: شبه وجود الأساطير والتكرار في القصة القرآنية والرد عليها

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة القائلين بوجود الأساطير والتكرار في القرآن الكريم والرد عليهم

- ‌المطلب الثاني: قضية التكرار

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من التكرار

- ‌المطلب الرابع: فوائد القصص القرآني

- ‌الفصل الثاني: وقفات بين يدي السّورة

- ‌المبحث الأول: نظرات توجيهية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

- ‌المطلب الثاني: توجيه الآيات التي أشكل إعرابها

- ‌المطلب الثالث: التوجيه المضموني في سورة القصص ودلالاته

- ‌المطلب الرابع: التوجيه البياني التفسيري في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الخامس: الصورة البلاغية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السادس: الحكمة من استخدام الجمل والصيغ والعبارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السابع: الرسم الَقُرْآني في سُوْرَة الْقَصَصِ وعلاقته بأداء المعنى

- ‌المبحث الثاني: الأطر العامة لسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: دلالة التوحيد في سورة القصص

- ‌المطلب الثاني: المرأة في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: الزمن في سورة القصص

- ‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: النظرة القرآنية لليهود في سورة القصص

- ‌المطلب السادس: المال مفهومه وغاياته في سورة القصص

- ‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

- ‌المطلب الثامن: النظرة القرآنية للإنسان في سورة القصص

- ‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

- ‌الفصل الثالث: الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: مفهوم الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: علو فرعون في الأرض

- ‌المطلب الثاني: نصرة المستضعَفين

- ‌المبحث الثاني: الاستعلاء والطغيان بالثروة والمال

- ‌المطلب الأول: قارون وكنوزه

- ‌المطلب الثاني: تجبر قارون واستكباره

- ‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

- ‌الفصل الرابع: نشأة سيدنا موسى عليه السلام والظروف المحيطة به

- ‌المبحث الأول: ولادة سيدنا موسى عليه السلام

- ‌المطلب الأول: إلقاء سيدنا موسى (عليه السلام) في اليم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى في بيت فرعون

- ‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) في مرحلة البلوغ

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يهبه الله الحكم والعلم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) يقتل قبطياً خطأً

- ‌المطلب الثالث: فرعون يريد قتل موسى (عليه السلام) لقتله القبطي

- ‌الفصل الخامس: هجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المبحث الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) على ماء مدين

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يسقي الماء لبنات شعيب (عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: زواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: المسائل الفقهية المتعلقة بهجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المطلب الأول: المسائل المتعلقة بزواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌أولاً ـ تعريفه وألفاظه ومسائله:

- ‌ثانياً ـ ألفاظ عقد النكاح (الإيجاب ـ القبول)

- ‌ثالثاً ـ مسائله:

- ‌المسألة الأولى - الإشهاد على عقد الزواج

- ‌المسألة الثانية - الولاية في عقد الزواج

- ‌المسألة الثالثة - تعين الزوجة

- ‌المسألة الرابعة - المهر

- ‌المسألة الخامسة - مسألة الدخول قبل النقد

- ‌المسألة السادسة - اشتراط الولي شيئاً من المهر لنفسه

- ‌المطلب الثاني: الإجارة

- ‌تعريفها، وأركانها، ودليل مشروعيتها، والمسائل المتعلقة بها

- ‌المسألة الأولى: ذكر المدة دون ذكر الخدمة

- ‌المسألة الثانية: الإجارة على رعاية الغنم

- ‌المسالة الثالثة: اجتماع إجارة ونكاح

- ‌المسالة الرابعة: شبهات وردها

- ‌الفصل السادس: عودة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مصر

- ‌المبحث الأول: بعثة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌‌‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الثاني: تكليم الله لسيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

- ‌المطلب الرابع: المقارنة بين سورة النمل وسورة القصص

- ‌المبحث الثاني: موقف فرعون وقومه من دعوة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الأول: اتهام سيدنا موسى بالسحر

- ‌المطلب الثاني: ادعاء فرعون الألوهية وتكبره وملؤه في الأرض

- ‌المطلب الثالث: عاقبة فرعون وجنوده

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرواية التوراتية وسفر الخروج وبين الرواية القرآنية في سُوْرَة الْقَصَصِ لقصة موسى (عليه السلام

- ‌الفصل السابع: الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ودعوته في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: الدلائل الَقُرْآنية على صدق الرَّسُول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) في دعوته

- ‌المطلب الأول: دلالة قصة سيدنا موسى (عليه السلام) على صدق دعوة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: إيمان طوائف من أهل الكتاب بدعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: الهداية البيانية والهداية التوفيقية

- ‌المبحث الثاني: موقف المشركين من دعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: أعذار المشركين والرد عليها

الفصل: ‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

-)

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ * وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ((1)) .

المناسبة

يستمر النص القرآني بمتابعة مسيرة حياة سيدنا موسى (عليه السلام) فبعد أن بين القرآن الكريم حالة الأم الحائرة في بداية ولادة سيدنا موسى، وإنزال الإيحاء المطمئن لها والمبشر بأن ترضعه وتضعه في تابوت في البحر. ثُمَّ يتابع النص مسيرته ووصوله إلى يد ملتقطيه من آل فرعون وما حصل له في القصر، وكيف أن الله جَلَّ وَعَلا هيئ له أسباب النجاة بزرع محبته في قلب امرأة فرعون. ثُمَّ ينتقل النص بالقارئ من القصر مباشرة إلى البيت الذي ولد فيه موسى (عليه السلام) ليصف لنا حالة أمه بعد فراق ولدها وفلذة كبدها، فالتعبير القرآني يصور لنا فؤاد الأم المسكينة كالصورة الحية فقال:(فارغاً)، أي: لا عقل فيه ولاوعي ولا قدرة على نظر أو تصريف، فكادت من شدة خوفها عليه أن تذيع أمرها في الناس، وتهتف كالمجنونة: أن أضعت طفلي ((2)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 10 -13.

(2)

ينظر في ظلال القرآن: 6 /327.

ص: 285

فيأتي الإعجاز الإلهي بالربط على قلبها وتثبيته، ثم تأتى المعجزة الأخرى، تحريم المراضع عليه، ليجعلهم يحتارون به، وهي مرحلة إعادته إلى أمه لينجز لها الوعد الإلهي، ويلاحظ الترابط العجيب بين الأحداث كما هو حاصل في الجمل والعبارات:{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} ((1)) .

تحليل الألفاظ

1.

{فُؤَادُ} :

التَّفَؤُّدُ: التَّوَقُّد. والفؤاد القلب لِتَفَؤُدِه وتوَّقِده مذكر لا غير، صرّح بذلك اللحياني، يكون بذلك لنوع الإنسان وغيره من أنواع الحيوان الذي له قلب. والفؤاد القلب. وقيل: وسطه. وقيل: الفؤاد غشاء القلب حبته وسويداؤه والجمع أفئدة ((2)) .

2.

{فَارِغًا} :

الفَرَاغُ: الخلاء. فَرَغَ يَفْرَغُ ويَفْرُغ فَراغَاً وفُروغاً. وفَرغ يَفرَغ وفَرَّغ المكان: أخلاه. وتَفْرِّيغ الظُّرُوف إخلاؤها ((3)) .

3.

{لَتُبْدِي} :

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.

(2)

ينظر العين، الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد، ت 175 هـ، تحقيق: د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، بغداد، 1980 ـ 1985. مادة (فود) 8/ 79. لِسَان العَرَب: مَادة (فود) 3/ 328.

(3)

ينظر العين: مادة (فرغ) 4 /408. القاموس المحيط. مجد الدِّيْن مُحَمَّد بن يعقوب الفيروزآبادي الصديقي الشيرازي أبو الطاهر. ت 817 هـ. المؤسسة العربية للطباعة والنشر. بيروت. لبنان. (د. ت) .: مادة (فرغ) 1 /1016. لِسَان العَرَب: مَادة (فرغ) 8 /444 –445. المصباح المنير. الفيومي. أحمد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ المقرئ. = = ت 770 هـ. تصحيح: مصطفى السقا. مطبعة مصطفى البابي الحلبي. مصر. ط1. 1322 هـ.: مادة (فرغ) 2 /554.

ص: 286

بَدَا الشيء يَبْدُو بَدْواً وبُدُوّاُ وبَداءً وبَداً، الأخذ عن سيبويه: ظهر. وأبديتهُ إن أظهرته ((1)) .

4.

{رَبَطْنَا} :

" رَبَطَ الشيءَ يَرْبِطُه ويَرْبُطُه رَبْطاً، فهو مَرْبُوطٌ ورَبِيطٌ: شدَّه. والرِّباطُ: ما رُبِطَ به، والجمع رُبُطٌ، وربَط الدابةَ يربِطُها ويربُطُها رَبْطاً وارْتَبَطَها

والرِّباط الفؤاد كأن الجسم رُبِط به ورجل رابِطُ الجأش " ((2)) .

5.

{قُصِّيهِ} :

يقال: قَصَصْت الشيء إِذا تتبّعْت أَثره شيئاً بعد شيء. قال الأزهري: القصّ اتباع الأثر، ويقال: خرج فلان قصَصَاً في إثر فلان، وقصّاً وذلك إذا اقتص أثره. وقيل: القاصّ يقصّ لاتباعه خبراً بعد خبر والقَصِيصَة البعير أو الدابة يُتَّبع بها الأثر. وهو الرؤيا عن بعد ((3)) .

6.

{جُنُبٍ} :

الجَنْبُ والجَنَبَة والجَانِب: شِقُّ الإنسانِ وغيره، تقول: قعدت إلى جَنب فلان وإلى جانبِه والجمع جُنُوب وجَوَانِب وجَنَائِب، والأخيرة نادرة وقال الفراء: الجنب القرب، والجنب الناحية ((4)) .

7.

{يَكْفُلُونَهُ} :

(1) العين: مادة (بدو) 8 /83. القاموس المحيط: مادة (بدا) 1 /1629. لِسَان العَرَب: مَادة (بدو) 14/ 65.

(2)

لِسَان العَرَب: مَادة (ربط) 7/ 302 –303.

(3)

ينظر المصباح المنير: مادة (قصص) 2/ 505. لِسَان العَرَب: مَادة (قصص) 7/ 73 –75.

(4)

ينظر القاموس المحيط: مادة (الجنب) 1 /88 –89. لِسَان العَرَب: مَادة (جنب) 1 /275 –276.

ص: 287

الكافِل: العائل، كَفَلَه يكَفْلُه وكَفَّله إياه، والكافِل القائم بأمر اليتيم المربِّي له، وهو الكفيل الضمين. والكافل فهو الذي كَفَلَ إنساناً يَعُوله ويُنْفِق عليه ((1)) .

8.

{نَاصِحُونَ} :

نَصَح الشيء خَلَص. والنَاصِح الخَالِص من العسل وغيره، وكل شيء خَلَصَ فقد نَصَحَ. والنُّصْح نقيض الغِشّ، مشتق منه نَصَحَه وله نُصْحًاً ونَصِيحة ونَصَاحَة ونِصَاحَة ونَصاحِيّةً ونَصْحَاً. ويقال: نَصَحَت له نَصِيْحَتي نَصُوحَاً، أي: أخْلَصْتُ وصَدَقْتُ ((2)) .

القراءات القرآنية

1.

{فُؤَادُ} :

قرأ أحمد بن موسى عن أبي عمرو: (فُوَاد) بالواو ((3)) .

2.

{مُوسَى} :

وقريء (مؤسى) بالهمز جعلت الضمة في جارة الواو وهي الميم كأنها منها فهمزت ((4)) .

3.

{فَارِغًا} :

(1) ينظر مختار الصحاح. مُحَمَّد بن أَبِي بكر بن عَبْد القادر الرَّازِي. ت 666 هـ. دار الكِتَاب العربي. بيروت. لبنان. ط1. 1401 هـ ـ 1981 م.: مادة (كفل) 1 /239. لِسَان العَرَب: مَادة (كفل) 11/ 599 –560. المصباح المنير: مادة (كفل) 2 /563.

(2)

ينظر أَسَاس البَلَاغَة: ص 458. لِسَان العَرَب: مَادة (نصح) 2 /615.

(3)

ينظر معاني القُرْآن. يحْيى بن زِياد الفَرَّاء أبو زَكَرّيا. ت 207 هـ. مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب. ط3. 1972 ـ 1973 م.: 2 / 303. المحتسب: 2 /147. التبيان في إعراب القرآن: 2 /96. البَحْر المُحِيْط: 3 /106.

(4)

ينظر المحتسب: 2 /148. الكَشَّاف: 3 /167. التبيان في إعراب القرآن: 2 /95 –96.

ص: 288

قال أبو حيان: " القراءات الشواذ في اللفظة قرأ فضالة بن عبيد، والحسن، ويزيد بن قطيب، وأبو زرعة بن عمرو بن جرير (فَزِعَاً) بالزاي والعين المهملة من الفزع وهو الخوف. وعن ابن عباس (قَرِعًاً) بالقاف وكسر الراء وإسكانها (قَرْعَاً) . وقرأ بعض الصحابة (فِزْعًاً) بغين منقوطة، ومعناه ذاهباً. وقرأ الخليل بن أحمد (فُرُغًاً) بضم الفاء والراء ((1)) . وقرأ فضالة بن عبيد (فَرِغَاً) بفتح الفاء وكسر الراء ((2)) .

4.

{فَبَصُرَتْ} :

وقرأ قتادة بفتح الفاء والباء والصاد (فَبَصَرت) . وقرأ عيسى بكسر الصاد (فَبَصِرَت)((3)) .

5.

{جُنُبٍ} :

قرأ قتادة، والحسن، والأعرج، وزيد بن علي (جَنْب) بفتح الجيم وسكون النون. وعن قتادة بفتحها (جَنَب) . وعن الحسن بضم الجيم وإسكان النون (الجُنْب) . وقرأ النعمان بن سالم (عن جَانِب) وكلها بمعنى واحد ((4)) .

القضايا البلاغية

1.

الكناية ((5)) ، وذلك في قوله تعالى:{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} ، فإن ذلك كناية عن فقدان الفعل وطيش اللب. والمعنى أنها حيث سمعت بوقوعه في يد فرعون طاش صوابها وطار عقلها لما أنتابها من فرط الجزع والدهش. ومثله قوله تعالى:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} ((6)) ، أي: جوف لا عقول فيها، ومنه بيت حسان:

(1) ينظر المحتسب: 2 /148.: البَحْر المُحِيْط: 3 /106.

(2)

ينظر الكَشَّاف: 3/167.

(3)

ينظر الكَشَّاف: 3 /167. البَحْر المُحِيْط: 7/107.

(4)

ينظر الكَشَّاف: 3 /167. مفاتيح الغيب: 12/ 320. البَحْر المُحِيْط: 7 /107.

(5)

الكناية: هو أن تتكلم بالشيء وتريد غيره، وكنى عن الأمر بغيره. معجم المصطلحات البلاغية: 3 /154.

(6)

سُوْرَة إِبْرَاهِيمُ: الآية 43.

ص: 289

ألا أبلغ أبا سفيان عني فأنت مجوف نخب هواء ((1))

وذلك أن القلب مراكز العقول ((2)) ، ألا ترى إلى قوله تعالى:{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} ((3)) .

2.

الاستعارة في قوله تعالى: {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} شبّه ما قذف الله في قلبها من الصبر بربط الشيء المنفلت خشية الضياع، واستعار لفظ الربط للصبر ((4)) .

3.

الاستعارة في قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ} " لما كان التحريم الحقيقي بكونه عبارة عن النهي واقتضاء ترك الفعل غير متصور هاهنا، لكونه فرع التكليف جعل التحريم مستعاراً للمنع من الإرتضاع بأن شبّه المنع بالتحريم للمناسبة بينهما في التأدية إلى الامتناع فأطلق عليه اسم التحريم واشتق منه حرمنا "((5)) .

المعنى العام

1.

{وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} :

(أصبح) فيها وجهان للعلماء:

أحدهما أنما ألقته ليلاً فاصبح فؤادها في النهار فارغاً.

الثاني أنها ألقته نهاراً. ومعنى (أصبح)، أي: صار كما قال الشاعر:

(1) ينظر ديوان حسان بن ثابت. تحقيق: فوزي عطوي. الطبعة الثانية. دار الكتاب العربي. بيروت. 1975 م.: ص 110.

(2)

ينظر الكَشَّاف: 3 /167. إعراب القرآن وبيانه وصرفه: 5 / 286.

(3)

سُوْرَة الحَجِّ: الآية 46.

(4)

ينظر حاشية الشهاب: 7 /66. صفوة التفاسير. تَأَلِيْف مُحَمَّد عَلِيّ الصابوني. الطبعة السادسة. دار القُرْآن الكَرِيْم. 1981م.: 2 /428.

(5)

حَاشِيَة الشيخ محيي الدِّيْن أحمد القنوجي. والمسمى حَاشِيَة الشيخ زاده على تَفْسِير البيضاوي. ت 1307 هـ. المطبعة السلطانية. الإستانة. 1283 هـ.: 2 /506.

ص: 290

مضى الخلفاء بالأمر الرشيد وأصبحت المدينة للوليد ((1))

(فارغاً) في معناها أربعة أقوال:

القول الأول: أي: خالياً من ذكر كل شيء في الدنيا إلا من ذكر موسى قاله ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك.

القول الثاني: وقال الحسن، وابن إسحاق، وابن زيد: فارغاً من الوحي إذ أوحي إليه حين أمر إن تلقيه في البحر {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} ((2)) ، والعهد الذي عهده إليه إن يرده ويجعله من المرسلين.

القول الثالث: فارغاً من الهم والحزن لعلمها أنه لم يغرق. قاله أبو عبيدة. والأخفش ((3)) .

وقد ردّ أغلب المفسرين هذا الرأي، فقال ابن قتيبة في (غريب القرآن) :" وهذا من أعجب التفسير، كيف يكون فؤادها من الحزن فارغاً في وقتها ذاك والله تعالى يقول: {لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} ، وهل يربط إلا على قلب الجازع والمحزون، والعرب تقول للخائف والجبان: فؤاده هواء "((4)) .

(1) ينظر جامع البيان: 10 /35- 36. زَاد المَسِيْر: 6/ 204. الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 4972. البَحْر المُحِيْط: 7 /106 –107.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.

(3)

نسب القرطبي هذا القول للأخفش في الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /4917. ولكن حينما رجعت إلى كتاب معاني القُرْآن. صنفه الأخفش الأوسط. الإِمَام أبو الحَسَن سعيد بن مسعده المجاشعي البلخي البصري. ت 215 هـ. تحقيق: د. فائز فارس. ط1 1400 – 1979. ط2 1401 – 1980. 2/ 652 وجدته يقول بأن معنى (فارغاً) من الوحي، ولا يقول بأنه فارغاً من الحزن.

(4)

تفسير غريب القُرْآن. ابن قتيبة. ت 276 هـ. تحقيق: أحمد صقر. مطبعة البابي الحلبي. مصر. 1329 هـ.: ص 328.

ص: 291

وقال الطبري: " هذا قول لا معنى له لخلافه قول جميع أهل التأويل "((1)) .

وقال أبو حيان: " وهذا فيه بعد، وتبعده القراءات الشواذ التي في اللفظة "((2)) .

وقد ردّ الشيخ زاده على هذه الردود بقوله: " الحصر ممنوع، فأنه تعالى كما يربط على قلب الجازع الحزين يربط على قلب الواثق بوعد الله تعالى وضمانه، ومعنى الربط على القلب إلهامه الصبر وتقويته، كما يربط على الشيء المتقلب ليقرّ ويطمئن "((3)) .

القول الرابع: أصبح فؤادها فزعاً، أو نافراً. قاله العلاء بن زياد. وقال الكسائي: ذاهلاً. وقيل: والهاً، قاله سعيد بن جبير، وهو ذهاب العقل. والمعنى أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها من فرط الجزع والدهش، ونحوه قوله تعالى:{وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} ((4)) ، أي: جوفى لا عقول بها، وذلك أن القلوب مراكز العقول ألا ترى إلى قوله تعالى:{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} ((5)) . ويستدلون على قولهم بقراءة من قرأ: (أصبح فؤاد أم موسى فَزعاً) بزاي معجمة ((6)) .

والذي أراه: أن أولى الآراء ملاءمة مع النص القرآني هو قول من قال بأن معناه أن فؤاد أم موسى أصبح فارغاً من كل شيء إلا من هم موسى، بدلالة قوله تعالى:{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} من شدة الخوف على ولدها، فلم يبق لها أي تفكير سوى تفكيرها بسلامة ولدها.

2.

{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} :

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في معناها: كادت أن تقول وا أبناه ((7)) .

(1) جامع البيان: 10 /36.

(2)

البَحْر المُحِيْط: 7 /107.

(3)

حاشية الشيخ زاده: 2 /506.

(4)

سُوْرَة إِبْرَاهِيمُ: الآية 43.

(5)

سُوْرَة الحَجِّ: الآية 46.

(6)

ينظر الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /4917.

(7)

تفسير ابن أبي حاتم: 9 /2947.

ص: 292

وأخرج القرطبي عن السدي: كادت تقول لما حُمِلت لإرضاعه وحضانته: هو ابني. وقيل: " إنه لما شَبَّ سمعت الناس يقولون موسى بن فرعون، فشق عليها وضاق صدرها وكادت تقول هو ابني "((1)) .

3.

{لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} :

قال قتادة: بالإيمان. وقال السدي: بالعصمة ((2)) .

4.

{لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} :

أي: المصدقين بوعد الله تعالى أو من الواثقين بحفظه لا بتبني فرعون وتعطفه، فالمراد بالمؤمنين المصدقون بوعد الله ((3)) ، فاستعمل الإيمان هنا بمعناه اللغوي دون الشرعي، لأنها كانت من المؤمنين من قبل أو أريد من كاملات الإيمان ((4)) .

5.

{وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ} :

أي: اتبعي أثره وانظري أين وقع وإلى من صار، يقال: قصصت الشيء إذا تتبعت أثره متعرفاً حاله ((5)) .

وفي اسم أخت موسى قولان:

القول الأول: مريم بنت عمران، وافق اسمها اسم مريم أم عيسى (عليه السلام) ذكره السهيلي والثعلبي.

القول الثاني: ذكره الماوردي عن الضحاك أن اسمها كلثمة. وقيل: كلثوم ((6)) .

فإن قيل: ما الغرض من التعبير القرآني بلفظ (لأخته) دون أن يقال: (لبنتها) ؟

قال أبو السعود: للتصريح بمدار المحبة الموجبة للامتثال بالأمر ((7)) .

6.

{فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} :

(1) الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 4972.

(2)

ينظر الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /4972. الدَّرُّ المَنْثُوْرُ: 6 /395.

(3)

إرْشَاد العَقل السَّلِيم: 7 /5.

(4)

التحرير والتنوير: 20 /82.

(5)

ينظر الوسيط: 3/ 392.

(6)

ينظر النُّكَت والعُيون: 3 /219.الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /4972.

(7)

إرْشَاد العَقل السَّلِيم: 7 /5.

ص: 293

قال ابن عباس (رضي الله عنه) : أبصرته. قال المبرد: أبصرته وبصرت به بمعنى واحد ((1)) . والفاء فصيحة، أي: فقصت أثره فبصرت به. (عن جنب) قال قتادة: تنظر إليه كأنها لا تريده ((2)) .

وقيل: " عن شوق إليه حكاه أبو عمرو "((3)) .

وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قوله: " بصرت به وهي مجانبة لم تأته ". وإخراج عن مجاهد قوله: " عن بعيد "((4)) .

(وهم لا يشعرون) . قال المراغي: " أي وهم لا شعور لهم بما خبأه لهم القدر، وبما يؤول إليه أمرهم معه من عظائم الأمور التي تؤدي إلى هلاكهم، وإنما علم ذلك لدى علام الغيوب "((5)) . وسياق الأمر يشعر بالحنان في كلام أخت أم موسى (عليه السلام) على ما يظهر في المعاني المستنبطة من كلامها.

7.

{وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} :

قال ابن عاشور: " هو تحريم تكويني، أي: قدرنا في نفس الطفل الامتناع من إلتقام أثداء المراضع وكراهيتها ليضطر آل فرعون إلى البحث عن مرضع يتقبل ثديها "((6)) .

و (المراضع) : " جمع مُرضِع، وهي المرأة التي ترضع أو جمع مَرضَع وهو موضع الرضاع، أي: الثدي أو الرضاع "((7)) . وقيل: المقصود بذلك المراضع المحضرة التي أحضرها فرعون ((8)) .

(1) ينظر روح المعاني: 20/50.

(2)

ينظر الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 4973.

(3)

البَحْر المُحِيْط: 7 /107.

(4)

تفسير ابن أبي حاتم: 9 /2948.

(5)

ينظر تفسير المراغي: 20 /39 –40.

(6)

التحرير والتنوير: 20 /83.

(7)

مفاتيح الغيب: 20 /230. مدارك التنزيل وحقائق التَّأؤيِل. المعروف بتفسير النسفي. عَبْد الله بن احمد بن محمود النسفي. ت 710 هـ. دار الكِتَاب العربي. طبع بهامش تَفْسِير الخازن. مؤسسة الرسالة. بيروت. لبنان. (د. ت.) .: 3 / 228.

(8)

الفُتُوحَات الإِلَهِية: 3 /338.

ص: 294

(من قبل)" أي: من قبل قصها أثره "((1)) .

8.

{فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} :

قال ابن عاشور: " الفاء فصيحة تؤذن بجملة مقدرة، أي: فأظهرت أخته نفسها كأنها مرت بهم عن غير قصد، وإنما قالت ذلك بعد أن فشا في الناس طلب المراضع له، وتبديل مرضعة عقب أخرى، حتى عرض على عدد كثير في حصة قصيرة، فعرضت أخته سعيها في ذلك بطريق الاستفهام المستعمل في العرض تلطفاً مع آل فرعون، وإبعاداً للظنة عن نفسها "((2)) .

يقول الباحث: إن أخت موسى قالت: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ولم تقل على أم ترضعه؟ فلماذا كان ذلك؟

وقال البقاعي: " لتوسع دائرة الظن "((3)) ، أي: أرادت أن تبعد معرفتها بهذه المرأة المرضعة وصلتها بالطفل الرضيع.

وذكر الآلوسي تخريجاً آخر " وهو أن المراد بذلك امرأة من أهل الشرف تليق بخدمة الملوك "((4)) .

والذي أراه أن المعنى الأول اقرب لأن الموقف صعب جداً على أخت موسى، فأرادت بأي طريقة أن تخفي هوية هذا الطفل، وهوية المرضعة.

(يكفلونه)" أي: يضمونه ويقومون بشؤونه ويرضعونه "((5)) .

(وهم له ناصحون) : أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس: " فأخذوها فقالوا: ما يدريك ما نصحهم له وشفقتهم عليه؟ هل تعرفونه؟ حتَّى شكوا في ذلك، فقالت: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في صهر الملك رجاء منفعة فأرسلوها "((6)) .

(1) محاسن التأويل: 13 /4698.

(2)

التحرير والتنوير: 20 /83.

(3)

نظم الدرر: 5/ 469.

(4)

روح المعاني: 20 /50.

(5)

التفسير الفريد للقرآن المجيد. د. مُحَمَّد فريد وجدي. الطبعة الثالثة. دار الزهراء. القاهرة. 1976 م.: 3 /2358.

(6)

تفسير ابن أبي حاتم: 9 /2950.

ص: 295

وأخرج عن السدي: " فأخذوها فقالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله؟ فقالت: ما أعرفه، ولكن إنما هم للملك ناصحون، فلما جاءت أمه أخذ منها "((1)) .

9.

{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} :

قال القرطبي: " أي: رددناه. وقد عَطّف الله قلب العدو عليه، ووفينا لها بالوعد كي تقرعينها ولا تحزن "((2)) .

قال البقاعي: " أي: تبرد وتستقر عن الطرف في تطلبه إلى كل جهة، وتنام بإرضاعه وكفالته في بيتها آمنة لا تخاف "((3)) .

10.

{وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} :

قال ابن كثير: " أي: فيما وعد من رده إليه وجعله من المرسلين فحينئذ تحققت برده إليها إنه كائن من المرسلين "((4)) .

11.

{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} :

فيها أربعة وجوه:

أحدهما: ولكن اكثر الناس في ذلك العهد وبعد لا يعلمون لإعراضهم عن النظر في آيات الله.

ثانياً: قال الضحاك، ومقاتل: يعني أهل مصر لا يعقلون أن الله وعدها برده إليها.

ثالثاً: هذا كالتعريض بما فرط منها حين سمعت بخبر موسى (عليه السلام) فجزعت وأصبح فؤادها فارغاً.

رابعاً: أن يكون المعنى أنا إنما رددناه إليك لتعلم أن وعد الله حق، والمقصود الأصلي من ذلك الرد هذا الغرض الديني، ولكن الأكثر لا يعلمون أن هذا هو الغرض الأصلي ((5)) .

ما يستفاد من النصّ

(1) تفسير ابن أبي حاتم: 9 /2950.

(2)

الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /4974.

(3)

نظم الدرر: 5/ 470.

(4)

تفسير القرآن العظيم: 3 /382.

(5)

مفاتيح الغيب: 12 /231.

ص: 296

أولاً. الفرج بعد الشدة قد يكون سريعاً، وقد يكون بعد حين. وكل ذلك بمشيئة الله وحكمته، فهو الذي يدفع الضر عن الإنسان، ويأتي بالفرج بعد الشدة، فعلى المسلم أن يتوجه إلى ربه لرفع ما حل به من شدة وضرر، ولكن لا يجوز له أن يوقت لله تعالى، فقد يكون سريعاً، وقد يكون بعد حين. فمن أمثلة الفرج السريع ردّ موسى وهو رضيع إلى أمه بعد أن ألقته في اليم ((1)) . قال تعالى:{فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ} ، فقال ابن كثير:" ولم يكن بين الشدة والفرج إلا القليل يوم وليله "((2)) . وأمثلة الفرج بعد أمد إرجاع سيدنا يوسف (عليه السلام) لوالده يعقوب (عليه السلام) بعد عشرات السنين. وحصول الفرج لسيدنا أيوب (عليه السلام) بعد أن لازمه المرض سنين عديدة. قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ((3)) . فمن ذلك يتبين لنا أن الله مع المؤمنين الصابرين يعزهم بنصره، بعد أن يبتليهم بالشدائد والمصائب، فعلى المؤمنين أن يصبروا في الشدائد ويلتجئوا إلى الله تعَاَلىَ بالدعاء، ولا يستعجلون النصر، مع الأخذ بالأسباب.

ثانياً. في قوله تعالى {فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} إضافة إلى ما قاله المفسرون في تفسيرهم لقوله تعالى {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ينقدح في ذهن الباحث أن هناك إشارة واضحة أراد الله جل وعلا أن ينفي الألوهية عن فرعون، وينفي كذلك علمه بالغيب، إذ لو كان إلهاً كما يدعي لأمكنه أن يتعرف على هوية الطفل، فأراد الله جل وعلا أن يظهر كذب فرعون بادعائه الألوهية من خلال واقع ملموس وتجربه حية.

(1) ينظر المستفاد من قصص القرآن: 1 /362.

(2)

تفسير القرآن العظيم: 3 /382.

(3)

سُوْرَة الأنْبِيَاءِ: الآية 83.

ص: 297

وذلك نظير ما كان يعتقد الناس في زمن سيدنا سليمان (عليه السلام) أن الجن تعلم الغيب. قال تعالى: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} ((1)) ، ولم يستطع سيدنا سليمان (عليه السلام) أن يغير قناعة الناس، فأراد الله جل في علاه من خلال إماتته لسيدنا سليمان وهو متكأ على عصاه والجن تخدمه ولم يعلموا بذلك إلا بعد أن أكلت الإرضة عصاه فخرّ، وحينها تأكد للجميع أن الجن لا تعلم الغيب، من خلال واقع ملموس.

ثالثًا. ما في قوله تعالى: {وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} من الإشارة إلى تذكير المؤمنين في كل زمان بأن النصر الذي وعدهم إياه حاصل لا محالة، وفيه إنذار للظالمين ولأعداء الإسلام بأن وعيد الله لهم لا مفرّ لهم منه، فالثقة واليقين بنصر الله سبيل الراشدين والفائزين بالنصر، ولابد للمسلم أن لا يتأثر بما يوضع لهم من عراقيل، بل إن ذلك يزيدهم طموحاً وتفاؤلاً، لأنه واثقاً بنصر الله، فالمؤمنون هم المتفائلون، وغيرهم البائسون، وآيات البشارة مبثوثة في آيات كثيرة من القرآن الكريم منها:

{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} ((2)) .

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} ((3)) .

(1) سُوْرَة سَبَأ: الآية 14.

(2)

سُوْرَة الصَّافَاتِ: الآية 173.

(3)

سُوْرَة التَّوْبَةِ: الآية 33.

ص: 298