الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محبة الحياة الدنيا. {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا} ((1)) .
الطع والشراهة وحسد الآخرين. {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} ((2)) .
الجهل العميق. {إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ((3)) .
عدم نصرة بعضهم لبعض إذا وقع في أمر معضل. {فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} ((4)) .
حلول اللعنة الأبدية عليهم. {وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ} ((5)) .
الانهزامية وعدم الثبات على رأي. {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} ((6)) .
تقريرهم للحقائق بعد وقوعها رغم علمهم السابق بها. {وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ((7)) .
ونحن إذا حللنا ما تقدم من مقومات الشخصية اليهودية في سورة القصص والتي وضعنا لكل منها دليلاً في آيات السورة، نجد مثلاً أن صفة الاستضعاف وما تلاها من صفات هي صفات دائمة مما يوصلنا إلى نتيجة مهمة وهي: إن الشخصية اليهودية في سورة القصص، مصورة في أحوال وأشكال تجمع كل ما وصفهم به القرآن الكريم في كل آياته وسوره ((8)) ، وهو وجه آخر من وجوه الإعجاز القرآني في سورة القصص.
المطلب السادس: المال مفهومه وغاياته في سورة القصص
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 79.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 79.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 79.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 81.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 81.
(6)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 82.
(7)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 82.
(8)
ينظر بنو إسرائيل في الكتاب والسنة: 1 / 98.
تعد النظرة القرآنية في الحدود الإلهية للمال ومقوماته، وسبل جمعه وخصائصه، ومقومات وجوده، والهدف منه، نظرة تجعله سبيلاً لا غاية ولا هدفاً، بل إن كثيراً من آيات القرآن الكريم تحضّ على عدم الالتهاء والانغرار بالمال، وتجعل المال في الوقت نفسه مما يلهي، ومما ينسب للذين نسوا الله عز وجل.
ولا ريب في أن للمال في القرآن الكريم مفهوماً مادياً يجعله مما يلهي ويعجب أو يبعث على الحسد، وأحياناً يزيد من طغيان الطاغية، وتجبر المتجبر ((1)) .
ونلاحظ في سورة القصص التي حللنا كافة مضامينها في هذه الرسالة أنها أشارت إشارات متعددة للمال تصريحاً، أو مجازاً، أو ضمن مفهوم سياق النص على أنه من الأشياء المذمومة التي تبعث على الابتعاد عن الله عز وجل، ولكن آيات سورة القصص في الوقت نفسه حضت على عدم نسيان نصيب الإنسان من الدنيا:(وهو ما يشمل المال بأنواعه المتنوعة)((2)) ، لذلك كانت لسورة القصص مجموعة من المفاهيم (عن المال)، ودعوه لمجموعة من الغايات (للمال نفسه) يمكن إيجازها في النقاط الآتية استناداً إلى تحليلنا وتفسيرنا للآيات:
الوراثة الإلهية للمستضعفين مالياً ضمن كل أنواع الإرث من خلال وعد الله عز وجل: {وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} ((3)) ، فهاهنا موقف وسط غير رافض للمال في حد ذاته كونه مالاً، وإلا لم يوعد به كلّ هؤلاء المستضعفين من الله جل جلاله مع التمكين في الأرض وإنما المرفوض ما كان من تصرف فرعون بماله حتَّى:
{علَا فِي الأَرْضِ} ((4)) كما قررت سورة القصص.
(1) ينظر في الاقتصاد الإسلامي. د. عمر شقرا. الطبعة الثالثة. دار الحكمة. لندن. 1994 م: ص 277 – 278.
(2)
ينظر المصدر نفسه: ص 310.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 5 – 6.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 4.
الإجارة المالية وإعطاءها حقها الوافي التام، وما يترتب عليها من أجور مالية أو غير مالية، وهو الوقت الذي قرره الله عز وجل في طلب شعيب ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ من موسى أن يؤجر نفسه له إذ قال:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ} ((1)) ، فلم يكن للمال وجود في هذه الإجارة، ورغم ذلك قبل موسى عليه الصلاة والسلام ذلك، وزاد عليه في قبوله عندما قال لشعيب (عليه السلام) :{ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} ((2)) ، فإن موسى (عليه السلام) لم يجعل المال (وهو أحد شروط الإجارة عرفاً وعقلاً وشرعاً وفقهاً في القديم والحديث) غاية، بل قبل بهذه الإجارة الطويلة الأمد، مما يدل على أن المال هاهنا مفهوم مجازي بعيد كل البعد عن عقله (عليه السلام)(وذلك كذلك قبل بنفسه عليه الصلاة والسلام) .
الإنفاق المالي من رزق الله جل جلاله من صفات المؤمنين، وذلك بدليل قوله عز وجل:{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ((3)) ، فإن هذا المدح بصفة هؤلاء المؤمنين هنا إنما كان لأنهم جعلوا المال وسيلة لا هدف، وإنما كانوا ينفقون بقدر الرزق بإنصاف دون إسراف، فكان ذلك من صفات إيمانهم والذكر المجازي للمال دون التصريح به في سياق هذه الآية يجعله بعيداً كل البعد عن الذم، بل ربما كان هنا مما يؤجر عليه.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 27.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 28.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 54.
المال قد يكون سبباً في البطر والكفر على رغم أنه نعمة من نعم الله عز وجل، وذلك فيما أمتنه الله عز وجل على قوم الرسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذ قال جل جلاله بعد أن قالوا:
{إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} ((1)) ، فبين الله عز وجل منته (مالياً) عليهم بقوله تعالى:{أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} ((2)) ، فالمال في مفهومه المجازي هاهنا مع الثمرات والرزق لم يكن سبباً لإيمان هؤلاء القوم، بل خافوا على أموالهم، فبين الله عز وجل لهم سوء رأيهم (المالي) في ذلك بأسلوب إعجازي مبين.
إن الهلاك قد يكون بسبب طغيان المال وبطر المعيشة، وذلك أن بطر المعيشة بمعنى التمادي في الإسراف ونسيان الآخرة بالدنيا سبب وفرة المال مفهوم كفري بينه الله عز وجل في قوله تعالى:{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} ((3)) ، وما ذكره الله عز وجل من نسبة الوراثة هذه له تعالى يعزز ما ذهبنا إليه آنفاً.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 57.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 57.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 58.
إن المال في حد ذاته أمر دنيوي، وذلك واضح في جعل الله عز وجل للمال في سورة القصص شيئاً دنيوياً لا يؤبه له في قوله تعالى:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} ((1)) ، بمعنى آخر أن كل مال هو متاع دنيوي معرض إلى زوال، أي: انه غير باق، وهذا من دلالات السياق القرآني.
إن المال متاع دنيوي لا أخروية له إلا بمقدار ما يوصل المرء إلى إقامة الدين، وذلك واضح في قوله عز وجل:{أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْمُحْضَرِينَ} ((2)) ، فمن كانت هذه صفته في استمتاعه المالي كان محضراً للحساب يوم القيامة، كما تقرر هذه الآية الشريفة.
المال فضل من الافضال. وذلك في سياق من الله عز وجل للناس أن جعل لهم أوقات اليوم في قوله عز وجل: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} ((3)) ، ثم بين الله عز وجل كون ذلك الفضل محتاجاً للشكر (اليوم) في قوله عز وجل بعد ذلك (لعلكم تشكرون) ، لان الشكر دال على الفضل في ابتغاء هذا الرزق، وهذا من معاني القرآن الكريم التي تجيء بلفظ مختصر يغني عن المقولات.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 60.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 61.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 73.
المال الذي يكون هدفاً في حد ذاته موجب للعذاب، وذلك في قصة قارون إذ أن كنوزه المالية على كثرتها جعلته يفرح بما ليس له قط ونسي نصيبه من الآخرة، إذ جعل كل نصيبه من الدنيا وابتعد عن الإحسان (وإعطاء المال بعض صور الإحسان) وابتغى الفساد بماله ثم زاد على ذلك بأن قال ((1)) {: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} ((2)) ثم كان المال عنده وسيلة للظهور بزينته المادية والمعنوية وفتنته لبعض ضعاف الإيمان ممن زعموا أن له حظاُ عظيماً، ثم كان عاقبته أنه كما قال عز وجل فيه:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ} ((3)) وهذا أمر يشمل ما مضى ومن سيأتي! .
(1) في عصرنا هذا كان من مبادئ العولمة أن المال إنما يأتي من العلم الموجود عند دعاة العولمة من خلال ثورة المعلومات وأجهزة الاتصالات لنقل المعلومات، فجمعوا مثل قارون بين ما عندهم وبين العلم الموجود عندهم، ولا ريب أن الاستقراء المستقبلي لمستقبل العولمة يرينا أنها ستكون في تفككها مثل تخسف قارون بماله في الأرض، وتلك سنة الله جل جلاله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ونحن نجد أن كل من يقول لدعاة العولمة (اتقوا الله ولا تكفروا) يستهزئون به كما فعل قارون وحاشيته بمن وعظوهم، وهذا من عجائب تكرر التاريخ بنفسه؟ ! ، لان استمرارية (كان) في الماضي، والحاضر، والمستقبل في قوله تعالى:{وما كان من المنتصرين} تدلّ على تلك النهاية التي نراها للعولمة إن شاء الله العلي العظيم. وينظر نذر العولمة. عبد الحي زلوم. الطبعة الثانية. بيروت، لبنان. 1998 م.: ص 188 – 189.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 78.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 81.