الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. من كل ما سبق يمكن أن نستفيد دروساً وعبراً تفيدنا في تجاوز حالة الضعف والهوان التي يمر بها المسلمون اليوم.
…
واليوم نرى تخاذل كثير حكام المسلمين اليوم أمام أعداء الاسلام اليهود والامريكان منبهرين بما تمتلكه أمريكا من قوه عسكرية وإقتصادية فأشاعوا وهولوا هذه القوة حتى أصبح بعض هؤلاء الحكام أبواق دعاية لهذه القوة الغاشمة. فلو كان النصر لا يأتي الأ مع القوة والمال لاستسلم سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وصحبه الكرام وهم قلة أمام قوة قريش المادية والعددية ولاستسلم موسى (عليه السلام) من قبل وبني أسرائيل أمام جبروت فرعون وقوة الاقباط فقد كانت بأيديهم خزائن مصر، نعم إن المال والقوة من أسباب النصر، ولكن الناصر هو الله، فلو وعى المسلمون اليوم هذه الحقيقة جيداً لما وقفت أمام دعوتهم كل قوى الشر، لأنهم أصحاب دعوة سامية ورسالة الهية إن هم تمسكوا بها وقد جاء ذلك واضحاً في نهاية سورة القصص:{وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ((1)) .
فقد حكم الله جل وعلا بأنه لا سلطان إلا سلطان الله وكل قوة هالكة الأّ قوة الله. ولادلالة (إليه ترجعون) واضحة فيما نذهب إليه من رجوع النصر إلى هذه الأمة.
المطلب السابع: التناسب والتناسق بين سورة القصص وما قبلها وما بعدها
.
لا ريب أن فهم العلاقة التناسبية والروابط المتناسقة بين كل سورة قرآنية وما قبلها وما بعدها مما يعين على فهم أدق لجوهر السورة نفسها إذا ما أخذنا بالرأي الراجح القائل إن الصحابة لم يضعوا سورة معينة في موضع إلا بإشارة من
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . والرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يضعها إلا بوحي إلهي.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 88.
ولذا نجد أن هناك وشائج بين أواخر سورة النمل وأوائل سورة القصص بحديثهما معاً عن تلاوة القرآن، {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} (1) ، و {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ*نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْن} ((2)) ، وحديثهما عن منة الله تعالى {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّه} ((3)) ، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} ((4)) ، وأما قوله تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ((5)) ، فقد تناسب مع قوله تعالى: في سُوْرَة الْقَصَصِ {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} ((6)) .
(1) سورة النمل: الآية 92.
(2)
سورة القصص: الآية 2-3.
(3)
سورة النمل: الآية 93.
(4)
سورة القصص: الآية5.
(5)
سورة النمل: الآية 93.
(6)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 4.
إذ تناسب الكلام عن عدم غفلة الله تعالى وحاشاه عن افعال العباد، وعن علو فرعون في الأرض ثم تناسب أيضاً قوله تعالى:{وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} ((1)) مع أوائل السورة في ايراد الاحرف المقطعة التي لا يعلمها إلا الله تعالى {طسم} ((2)) ، وليس بينهما الا فاصل البسملة فكل هذا يرجح الرأي الذي نذهب اليه من ان القرآن الكريم قطعة واحدة، في السبك والصياغة والبلاغة، ولعل هذا أحد أوجه إعجاز القرآن الكريم التي طالما نبه عليها المفسرون والمتكلمون واللغويون، فاذا ما جئنا الى اخر سورة القصص وأوائل سورة العنكبوت نجد تشابهاً جد عظيم، وتناسقاً كبيراً، وتناسباً في المعنى والمبنى والمضمون والسبك والصياغة فكان أوائل سورة العنكبوت إمتداد لآواخر سورة القصص فنجد أن هنالك حديثاً عن العودة الى الله تعالى كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ((3)) ، وقوله تعالى:{مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ((4)) ، وكلام عن الفتنة {وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ} ((5)) ، وذلك مرتبط بقوله تعالى:{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} ((6)) . فالحديث هو هو لا زال متسقاً مترابطأً متماسك الصيغة.
(1) سُوْرَة النَّمْلِ: الآية 93.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 1.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.
(4)
سُوْرَة العَنْكَبُوتِ: الآية 5.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 87.
(6)
سُوْرَة العَنْكَبُوتِ: الآية 3.
ونجد كلاماً عن الايمان الالهي في قوله تعالى: {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ} ((1)) ، وذلك مع قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} ((2)) . فإن وجه المناسبة بينهما في عدم دعوة إلهاً آخر مع جزاء الإيمان والعمل الصالح.
ونجد كلاماً مهماً عن الدعوة الى الله تعالى {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ((3)) يتناسب مع قوله تعالى في أوائل سورة العنكبوت {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} ((4)) ، وبذلك كله يستقيم لنا ترابط سورة القصص وتناسقها وتناسبها مع آواخر ما قبلها (النمل) ومع أوائل ما بعدها
(العنكبوت) ، وذلك بعض أوجه الاعجاز القرآني، لأنه مما يرد على أولئك القائلين باضطراب النصّ الَقُرْآنيّ في انتقال الخطاب ((5)) ، فسُوْرَة الْقَصَصِ في تناسبها أوجدت تناسباً ووحدة في الموضوع في أوائلها وأواخرها.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 88.
(2)
سُوْرَة العَنْكَبُوتِ: الآية 7.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 87.
(4)
سُوْرَة العَنْكَبُوتِ: الآية 6.
(5)
الَقُرْآن والكتاب. الأب الحداد. الطبعة الثانية. (د. ن.) . بيروت، لبنان. 1986 م: 135- 137.