المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ١

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: التمهيدي

- ‌المبحث الأول: دراسة عامة عن السّورة

- ‌المطلب الأول: اسمها

- ‌المطلب الثاني: التعريف اللغوي والاصطلاحي للقصص

- ‌المطلب الثالث ترتيب سورة القصص في المصحف

- ‌المطلب الرابع فضلها

- ‌المطلب الخامس: سورة القصص أمكية هي أم مدنية

- ‌المطلب السادس: الأغراض العامة لسورة القصص ومقاصدها

- ‌المطلب السابع: التناسب والتناسق بين سورة القصص وما قبلها وما بعدها

- ‌المطلب الثامن: التناسب بين بداية السورة وخاتمتها

- ‌المبحث الثاني: الحروف المقطعة في الَقُرْآن الكَرِيم وسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في معاني الحروف المقطعة

- ‌المطلب الثاني: إعراب الحروف المقطعة

- ‌المبحث الثالث: شبه وجود الأساطير والتكرار في القصة القرآنية والرد عليها

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة القائلين بوجود الأساطير والتكرار في القرآن الكريم والرد عليهم

- ‌المطلب الثاني: قضية التكرار

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من التكرار

- ‌المطلب الرابع: فوائد القصص القرآني

- ‌الفصل الثاني: وقفات بين يدي السّورة

- ‌المبحث الأول: نظرات توجيهية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

- ‌المطلب الثاني: توجيه الآيات التي أشكل إعرابها

- ‌المطلب الثالث: التوجيه المضموني في سورة القصص ودلالاته

- ‌المطلب الرابع: التوجيه البياني التفسيري في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الخامس: الصورة البلاغية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السادس: الحكمة من استخدام الجمل والصيغ والعبارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السابع: الرسم الَقُرْآني في سُوْرَة الْقَصَصِ وعلاقته بأداء المعنى

- ‌المبحث الثاني: الأطر العامة لسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: دلالة التوحيد في سورة القصص

- ‌المطلب الثاني: المرأة في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: الزمن في سورة القصص

- ‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: النظرة القرآنية لليهود في سورة القصص

- ‌المطلب السادس: المال مفهومه وغاياته في سورة القصص

- ‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

- ‌المطلب الثامن: النظرة القرآنية للإنسان في سورة القصص

- ‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

- ‌الفصل الثالث: الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: مفهوم الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: علو فرعون في الأرض

- ‌المطلب الثاني: نصرة المستضعَفين

- ‌المبحث الثاني: الاستعلاء والطغيان بالثروة والمال

- ‌المطلب الأول: قارون وكنوزه

- ‌المطلب الثاني: تجبر قارون واستكباره

- ‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

- ‌الفصل الرابع: نشأة سيدنا موسى عليه السلام والظروف المحيطة به

- ‌المبحث الأول: ولادة سيدنا موسى عليه السلام

- ‌المطلب الأول: إلقاء سيدنا موسى (عليه السلام) في اليم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى في بيت فرعون

- ‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) في مرحلة البلوغ

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يهبه الله الحكم والعلم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) يقتل قبطياً خطأً

- ‌المطلب الثالث: فرعون يريد قتل موسى (عليه السلام) لقتله القبطي

- ‌الفصل الخامس: هجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المبحث الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) على ماء مدين

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يسقي الماء لبنات شعيب (عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: زواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: المسائل الفقهية المتعلقة بهجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المطلب الأول: المسائل المتعلقة بزواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌أولاً ـ تعريفه وألفاظه ومسائله:

- ‌ثانياً ـ ألفاظ عقد النكاح (الإيجاب ـ القبول)

- ‌ثالثاً ـ مسائله:

- ‌المسألة الأولى - الإشهاد على عقد الزواج

- ‌المسألة الثانية - الولاية في عقد الزواج

- ‌المسألة الثالثة - تعين الزوجة

- ‌المسألة الرابعة - المهر

- ‌المسألة الخامسة - مسألة الدخول قبل النقد

- ‌المسألة السادسة - اشتراط الولي شيئاً من المهر لنفسه

- ‌المطلب الثاني: الإجارة

- ‌تعريفها، وأركانها، ودليل مشروعيتها، والمسائل المتعلقة بها

- ‌المسألة الأولى: ذكر المدة دون ذكر الخدمة

- ‌المسألة الثانية: الإجارة على رعاية الغنم

- ‌المسالة الثالثة: اجتماع إجارة ونكاح

- ‌المسالة الرابعة: شبهات وردها

- ‌الفصل السادس: عودة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مصر

- ‌المبحث الأول: بعثة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌‌‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الثاني: تكليم الله لسيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

- ‌المطلب الرابع: المقارنة بين سورة النمل وسورة القصص

- ‌المبحث الثاني: موقف فرعون وقومه من دعوة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الأول: اتهام سيدنا موسى بالسحر

- ‌المطلب الثاني: ادعاء فرعون الألوهية وتكبره وملؤه في الأرض

- ‌المطلب الثالث: عاقبة فرعون وجنوده

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرواية التوراتية وسفر الخروج وبين الرواية القرآنية في سُوْرَة الْقَصَصِ لقصة موسى (عليه السلام

- ‌الفصل السابع: الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ودعوته في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: الدلائل الَقُرْآنية على صدق الرَّسُول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) في دعوته

- ‌المطلب الأول: دلالة قصة سيدنا موسى (عليه السلام) على صدق دعوة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: إيمان طوائف من أهل الكتاب بدعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: الهداية البيانية والهداية التوفيقية

- ‌المبحث الثاني: موقف المشركين من دعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: أعذار المشركين والرد عليها

الفصل: ‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

إن المال في بسط الرزق منسوب لله عز وجل وكذلك التقتير، وهذه من حقائق الفوائد القرآنية التي تكرر ذكرها فيه بدليل قوله تعالى في سورة القصص:{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} ((1)) ، وهذه النسبة للرزق المالي لله عز وجل تجعل المؤمن مطمئناً عند تحققه الإيماني بأن المال مفهوم مساعد وليس هدفاً مطلوباً في حد ذاته.

ونصل من ذلك إلى أن المال في سورة القصص في الوقت الذي قد يوصل بعض الأشخاص للعذاب بعد الطغيان، يمكن أن يوصل المؤمنين للرحمة بعد المحن والصبر عليها، وهم أولئك الذين استحقوا وراثة الدنيا والآخرة.

‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

إن أسلوب الدعوة في سورة القصص يكمن في توجيه النظر الإنساني في نحو معرفة الله عز وجل، ونحو الوصول إلى الله عن طريق الأداء المعرفي، لذلك كانت غايات الدعوة وأهدافها في سورة القصص عبارة عن غايات عالمية وأهداف إنسانية ((2)) .

فالدعوة القرآنية عموماً لله عز وجل في كل سور وآيات القرآن الكريم ذات خصوصية مميزة هي (الحكمة والموعظة الحسنة)((3)) ، أما سورة القصص فقد جمعت في مجموع آياتها ما يتعلق بركني الدعوة الإسلامية:

جمعت الحكمة في أخبار الماضين.

جمعت الموعظة الحسنة في المعاصرة في الخطاب.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 82.

(2)

ينظر الدعوة إلى الإسلام. د. حسن عَبْد الله. الطبعة الثانية. دار العلم للملايين. 1986 م: ص 121 - 122.

(3)

ينظر المصدر نفسه: ص 88 -89. 147 - 150.

ص: 172

وقد لاحظت في تحليلي لسورة القصص والاتجاه الدعوي فيها أن أسلوب الدعوة لله عز وجل يتميز بالتوحيد في الخطاب (بمعنى توجيه الخطاب نحو مخاطب واحد) ، ويتميز بالتذكير في الوحي (بمعنى تعداد نِعَمِ الله عز وجل ، ويتميز بالأسلوب المفتوح في عرض الدعوة وإبراز ما أصاب من رفضوا الدعوة من الأمم الماضية.

وقد لاحظت أن أسلوب الدعوة في سورة القصص جاء بعدة أساليب:

أسلوب التاريخ الماضي.

أسلوب الحاضر الموجود.

أسلوب المستقبل القادم.

أسلوب ما فوق الزمان والمكان من قوى إلهية أصابت الأمم.

أسلوب تمثيل الطغاة.

أسلوب تمثيل الدعاة.

أسلوب الرجع والمال.

أسلوب الجمع بين الدنيا بنصيبها والآخرة بكليتها الجمعية.

وهذه الأساليب الدعوية حفلت بمواطن تبعث على الرجوع إلى الله جل جلاله.

إن أسلوب الدعوة في سورة القصص في مبناها ومعناها يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط أساسية:

الإيمان بالله سبحانه وتعالى.

ترك الظلم والطغيان.

معرفة نصيب الدنيا ونصيب الآخرة من الإنسان.

وإذا كان علماء الاجتماع المحدثون قد بينوا أن الدعوة لعقيدة ما أنما تكون بالتيسير لا بالتعسير ((1)) ، فإن الأسلوب القرآني في سورة القصص جمع تلك النظرية وعرضها بالخطاب الإلهي في دلالة قوله تعالى:{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ((2)) فإن دلالة التلاوة هاهنا مع ذكر وتقديم موسى أولاً، وتأخير فرعون ثانياً ثم ذكر المصدر مقرون بحرف الجر (بالحق) وذكر أن ذلك إنما هو لقوم يؤمنون، كل ذلك يبين أن أسلوب الدعوة في سورة القصص هي بالتيسير في الدعوة نحو العقيدة الحقيقية ((3)) .

(1) في علم الاجتماع الإسلامي. أحمد العلمي. الطبعة الأولى. دمشق. الدار الإسلامية. 1986 م: ص 22 –23.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 3.

(3)

ينظر في علم الاجتماع الإسلامي: ص 171 – 172. 184 –187.

ص: 173

ويمكن ان نلتمس في سورة القصص أسلوب الدعوة في النقاط الآتية، من خلال ذكر القاعدة الدعوية والآية القرآنية من سورة القصص:

إبراز أن الله عز وجل وعد المؤمنين بالاستخلاف والنصر. {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} ((1)) فهذا الخطاب الوعدي جعل للدعاة لله عز وجل:

الإمامة.

الوراثة.

التمكين في الأرض.

إن اللين في الدعوة مطلوب حتَّى مع الكفر، بدليل خطاب امرأة فرعون لفرعون:{قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ} ((2)) ، ثم قالت:{عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ((3)) ، مع أنها بإيمانها كانت تعلم أن فرعون حريص على قتل موسى (عليه السلام) .

إن التوفيق الإلهي بالنصر الرباني يعزز الدعاة في ضيقهم بالاطمئنان بدليل قوله تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} ((4)) .

إن من صفات الداعية إلى الله عز وجل الشدة والاستواء في الكمال بدليل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (5) ، فهذه الصفات تؤول إلى الحكم والعلم، وجزاء ذلك (الإحسان) ، وأن يكون الداعية من (المحسنين) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 5 – 6.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 9.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 9.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 10.

(5)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 14.

ص: 174

إن النصح حتَّى في أوقات المخاطر من صفات الدعاة بدليل قوله عز وجل في حكاية مؤمن آل فرعون ودعوته لموسى عليه الصلاة والسلام: {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ} ((1)) ، فهذا الخطاب الدعوي تميز بأنه خطاب ناصح مشفق شفيق.

إن من واجب الدعاة طلب الهداية الإلهية في دعوتهم ومنهاجهم: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} ((2)) ، فهذه الآية في إبرازها لقصة موسى (عليه السلام) وخروجه نحو مدين، بينت انه (عليه السلام) استهدى الله عز وجل، وذلك غاية الغايات لكل الدعاة.

إن من واجب الداعية أن يكون فصيح اللسان ليكون مستطيعاً في دعوته لله عز وجل ليبرز ما أنزله الله عز وجل للناس، وذلك ماثل في قوله تعالى:

{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي} ((3)) .

إن الداعية يجب ان يلين في الخطاب {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ((4)) ، فخطاب موسى (عليه السلام) احتوى على:

نسبة العلم لله تعالى.

نسبة الهداية لله تعالى.

نسبة عاقبة الدار لله عز وجل.

إبراز عدم فلاح الظالمين.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 20.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 22.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 34.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 37.

ص: 175

إن الكتاب الإلهي هو أساس كل دعوة بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((1)) ، فهذه الآية احتوت على صفات الكتاب الدعوي:

إنه بصيرة لكل الناس.

إنه هداية ربانية.

إنه رحمة إلهية.

إنه أساس التذكر.

ومعلوم عند علماء الدعوة أن هذه الصفات هي مميزات كل كتاب دعوة، وهي في الإسلام خاصة بالقرآن الكريم، فجاءت سورة القصص وأبرزت ذلك في خطاب متناسق.

إن من إحدى أساليب خطاب الداعية هو الخطاب الإنذاري بدليل قوله تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((2)) ، إن الغرض من الإنذار لأجل التذكر على ما نصت عليه الآية، وقد جعل علماء الدعوة الذكرى والتذكر من أهم صفات من توجه لهم الدعوة.

إن الإبلاغ هو أساس الدعوة بدليل قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} ((3)) ، بدليل أن صبغة الأمر المجرد (قل) تعني الإبلاغ، وفي هذه الآيات دلالة دعوية مهمة تتمثل في كون المجتمع الذي يتبع هواه بغير علم بعيداً عن السبيل الإلهي والطريق النبوي، فلا يستجيب للداعين مهما بلغت بلاغة الدعوة.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 43.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 46.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 49 –50.

ص: 176

إن معرفة حقائق القرآن إنما تكون للعلماء الربانيين الداعين إلى الله عز وجل بإذنه بدليل قوله جل جلاله في هذه السورة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} ((1)) .

إن الصبر من صفات الدعاة بدليل سياق الآية المتممة لما سبق {بِمَا صَبَرُوا} ((2)) .

إن من صفات الدعاة اللين في الدعوة بدليل قوله تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} ((3)) .

إن الخلق الكريم من صفات الدعاة بدليل قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (4) .

إن الهداية في الدعوة من الله جل جلاله، حتَّى وإن رغب الدعاة بمزيد هداية لمن أحبوا بدليل قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ((5)) ، وهذا الخطاب وإن رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، إلا انه في محتواه خطاب عام يصلح في دلالته الحالية أن يكون على ما قدمناه صفة من صفات الدعاة الربانيين، لأن الهداية في آية سورة القصص نسبت حصراً لله عز وجل.

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 52 –54.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 54.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 54.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 55.

(5)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 56.

ص: 177

إن الله عز وجل لا يخلي أرضاً من رسول، أو نبي، أو داعية بدليل قوله تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} ((1)) .

إن وعظ الدعاة يكون في كل حال، وخاصة عند ظهور الفساد بدليل خطاب بعض قوم قارون لقارون بعد أن طغى وتكبر وتجبر:{لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} ((2)) ، فقد تضمنت هذه الآيات جملة من صفات (المَدْعُوِّ) وهي:

النهي عن الفرح.

الأمر بابتغاء الآخرة.

عدم نسيان نصيب الدعوة من الدنيا.

لزوم الإحسان في المعاملة مع الله عز وجل ومع الناس جميعاً.

نبذ الفساد.

فهذه الصفات تلزم (المدعو) بعد أن يتحقق بها معه الداعي في دعوته.

إن من واجب الدعاة التحذير والإنذار بدليل خطاب بعض قوم قارون لمن تمنوا مكانه، وهم ممن وصفوا في الآية بأنهم (أوتوا العلم) إذ قالوا: لهؤلاء الجهلة من بني إسرائيل: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَا الصَّابِرُونَ} ((3)) .

تحقق الوعد الإلهي بالنصر بدليل عموم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ((4)) .

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 59.

(2)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 76 –77.

(3)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 80.

(4)

سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.

ص: 178