الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن المال في بسط الرزق منسوب لله عز وجل وكذلك التقتير، وهذه من حقائق الفوائد القرآنية التي تكرر ذكرها فيه بدليل قوله تعالى في سورة القصص:{وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} ((1)) ، وهذه النسبة للرزق المالي لله عز وجل تجعل المؤمن مطمئناً عند تحققه الإيماني بأن المال مفهوم مساعد وليس هدفاً مطلوباً في حد ذاته.
ونصل من ذلك إلى أن المال في سورة القصص في الوقت الذي قد يوصل بعض الأشخاص للعذاب بعد الطغيان، يمكن أن يوصل المؤمنين للرحمة بعد المحن والصبر عليها، وهم أولئك الذين استحقوا وراثة الدنيا والآخرة.
المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص
إن أسلوب الدعوة في سورة القصص يكمن في توجيه النظر الإنساني في نحو معرفة الله عز وجل، ونحو الوصول إلى الله عن طريق الأداء المعرفي، لذلك كانت غايات الدعوة وأهدافها في سورة القصص عبارة عن غايات عالمية وأهداف إنسانية ((2)) .
فالدعوة القرآنية عموماً لله عز وجل في كل سور وآيات القرآن الكريم ذات خصوصية مميزة هي (الحكمة والموعظة الحسنة)((3)) ، أما سورة القصص فقد جمعت في مجموع آياتها ما يتعلق بركني الدعوة الإسلامية:
جمعت الحكمة في أخبار الماضين.
جمعت الموعظة الحسنة في المعاصرة في الخطاب.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 82.
(2)
ينظر الدعوة إلى الإسلام. د. حسن عَبْد الله. الطبعة الثانية. دار العلم للملايين. 1986 م: ص 121 - 122.
(3)
ينظر المصدر نفسه: ص 88 -89. 147 - 150.
وقد لاحظت في تحليلي لسورة القصص والاتجاه الدعوي فيها أن أسلوب الدعوة لله عز وجل يتميز بالتوحيد في الخطاب (بمعنى توجيه الخطاب نحو مخاطب واحد) ، ويتميز بالتذكير في الوحي (بمعنى تعداد نِعَمِ الله عز وجل ، ويتميز بالأسلوب المفتوح في عرض الدعوة وإبراز ما أصاب من رفضوا الدعوة من الأمم الماضية.
وقد لاحظت أن أسلوب الدعوة في سورة القصص جاء بعدة أساليب:
أسلوب التاريخ الماضي.
أسلوب الحاضر الموجود.
أسلوب المستقبل القادم.
أسلوب ما فوق الزمان والمكان من قوى إلهية أصابت الأمم.
أسلوب تمثيل الطغاة.
أسلوب تمثيل الدعاة.
أسلوب الرجع والمال.
أسلوب الجمع بين الدنيا بنصيبها والآخرة بكليتها الجمعية.
وهذه الأساليب الدعوية حفلت بمواطن تبعث على الرجوع إلى الله جل جلاله.
إن أسلوب الدعوة في سورة القصص في مبناها ومعناها يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط أساسية:
الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
ترك الظلم والطغيان.
معرفة نصيب الدنيا ونصيب الآخرة من الإنسان.
وإذا كان علماء الاجتماع المحدثون قد بينوا أن الدعوة لعقيدة ما أنما تكون بالتيسير لا بالتعسير ((1)) ، فإن الأسلوب القرآني في سورة القصص جمع تلك النظرية وعرضها بالخطاب الإلهي في دلالة قوله تعالى:{نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ((2)) فإن دلالة التلاوة هاهنا مع ذكر وتقديم موسى أولاً، وتأخير فرعون ثانياً ثم ذكر المصدر مقرون بحرف الجر (بالحق) وذكر أن ذلك إنما هو لقوم يؤمنون، كل ذلك يبين أن أسلوب الدعوة في سورة القصص هي بالتيسير في الدعوة نحو العقيدة الحقيقية ((3)) .
(1) في علم الاجتماع الإسلامي. أحمد العلمي. الطبعة الأولى. دمشق. الدار الإسلامية. 1986 م: ص 22 –23.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 3.
(3)
ينظر في علم الاجتماع الإسلامي: ص 171 – 172. 184 –187.
ويمكن ان نلتمس في سورة القصص أسلوب الدعوة في النقاط الآتية، من خلال ذكر القاعدة الدعوية والآية القرآنية من سورة القصص:
إبراز أن الله عز وجل وعد المؤمنين بالاستخلاف والنصر. {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} ((1)) فهذا الخطاب الوعدي جعل للدعاة لله عز وجل:
الإمامة.
الوراثة.
التمكين في الأرض.
إن اللين في الدعوة مطلوب حتَّى مع الكفر، بدليل خطاب امرأة فرعون لفرعون:{قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ} ((2)) ، ثم قالت:{عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} ((3)) ، مع أنها بإيمانها كانت تعلم أن فرعون حريص على قتل موسى (عليه السلام) .
إن التوفيق الإلهي بالنصر الرباني يعزز الدعاة في ضيقهم بالاطمئنان بدليل قوله تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} ((4)) .
إن من صفات الداعية إلى الله عز وجل الشدة والاستواء في الكمال بدليل قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (5) ، فهذه الصفات تؤول إلى الحكم والعلم، وجزاء ذلك (الإحسان) ، وأن يكون الداعية من (المحسنين) .
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 5 – 6.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 9.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 9.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 10.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 14.
إن النصح حتَّى في أوقات المخاطر من صفات الدعاة بدليل قوله عز وجل في حكاية مؤمن آل فرعون ودعوته لموسى عليه الصلاة والسلام: {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ} ((1)) ، فهذا الخطاب الدعوي تميز بأنه خطاب ناصح مشفق شفيق.
إن من واجب الدعاة طلب الهداية الإلهية في دعوتهم ومنهاجهم: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} ((2)) ، فهذه الآية في إبرازها لقصة موسى (عليه السلام) وخروجه نحو مدين، بينت انه (عليه السلام) استهدى الله عز وجل، وذلك غاية الغايات لكل الدعاة.
إن من واجب الداعية أن يكون فصيح اللسان ليكون مستطيعاً في دعوته لله عز وجل ليبرز ما أنزله الله عز وجل للناس، وذلك ماثل في قوله تعالى:
إن الداعية يجب ان يلين في الخطاب {وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} ((4)) ، فخطاب موسى (عليه السلام) احتوى على:
نسبة العلم لله تعالى.
نسبة الهداية لله تعالى.
نسبة عاقبة الدار لله عز وجل.
إبراز عدم فلاح الظالمين.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 20.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 22.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 34.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 37.
إن الكتاب الإلهي هو أساس كل دعوة بدليل قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((1)) ، فهذه الآية احتوت على صفات الكتاب الدعوي:
إنه بصيرة لكل الناس.
إنه هداية ربانية.
إنه رحمة إلهية.
إنه أساس التذكر.
ومعلوم عند علماء الدعوة أن هذه الصفات هي مميزات كل كتاب دعوة، وهي في الإسلام خاصة بالقرآن الكريم، فجاءت سورة القصص وأبرزت ذلك في خطاب متناسق.
إن من إحدى أساليب خطاب الداعية هو الخطاب الإنذاري بدليل قوله تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} ((2)) ، إن الغرض من الإنذار لأجل التذكر على ما نصت عليه الآية، وقد جعل علماء الدعوة الذكرى والتذكر من أهم صفات من توجه لهم الدعوة.
إن الإبلاغ هو أساس الدعوة بدليل قوله تعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} ((3)) ، بدليل أن صبغة الأمر المجرد (قل) تعني الإبلاغ، وفي هذه الآيات دلالة دعوية مهمة تتمثل في كون المجتمع الذي يتبع هواه بغير علم بعيداً عن السبيل الإلهي والطريق النبوي، فلا يستجيب للداعين مهما بلغت بلاغة الدعوة.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 43.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 46.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 49 –50.
إن معرفة حقائق القرآن إنما تكون للعلماء الربانيين الداعين إلى الله عز وجل بإذنه بدليل قوله جل جلاله في هذه السورة: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} ((1)) .
إن الصبر من صفات الدعاة بدليل سياق الآية المتممة لما سبق {بِمَا صَبَرُوا} ((2)) .
إن من صفات الدعاة اللين في الدعوة بدليل قوله تعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} ((3)) .
إن الخلق الكريم من صفات الدعاة بدليل قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} (4) .
إن الهداية في الدعوة من الله جل جلاله، حتَّى وإن رغب الدعاة بمزيد هداية لمن أحبوا بدليل قوله تعالى:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ((5)) ، وهذا الخطاب وإن رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، إلا انه في محتواه خطاب عام يصلح في دلالته الحالية أن يكون على ما قدمناه صفة من صفات الدعاة الربانيين، لأن الهداية في آية سورة القصص نسبت حصراً لله عز وجل.
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات 52 –54.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 54.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 54.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 55.
(5)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 56.
إن الله عز وجل لا يخلي أرضاً من رسول، أو نبي، أو داعية بدليل قوله تعالى:{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} ((1)) .
إن وعظ الدعاة يكون في كل حال، وخاصة عند ظهور الفساد بدليل خطاب بعض قوم قارون لقارون بعد أن طغى وتكبر وتجبر:{لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} ((2)) ، فقد تضمنت هذه الآيات جملة من صفات (المَدْعُوِّ) وهي:
النهي عن الفرح.
الأمر بابتغاء الآخرة.
عدم نسيان نصيب الدعوة من الدنيا.
لزوم الإحسان في المعاملة مع الله عز وجل ومع الناس جميعاً.
نبذ الفساد.
فهذه الصفات تلزم (المدعو) بعد أن يتحقق بها معه الداعي في دعوته.
إن من واجب الدعاة التحذير والإنذار بدليل خطاب بعض قوم قارون لمن تمنوا مكانه، وهم ممن وصفوا في الآية بأنهم (أوتوا العلم) إذ قالوا: لهؤلاء الجهلة من بني إسرائيل: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَا الصَّابِرُونَ} ((3)) .
تحقق الوعد الإلهي بالنصر بدليل عموم قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} ((4)) .
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 59.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيتان 76 –77.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 80.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 85.