الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو جاءت الصيغة (نبياً) لم تدلّ على الشهادة النبوية، لأن النبوة مقام لا يَدُلُّ في معناه على النزع، وقد جاءت الصيغة (نزعنا) وهي تدلّ على الأخذ، ولا يليق موضع النبوة والرسالة بصيغة (نزعنا) لأن النصّ لو جاء بصيغة نزعنا من كلّ أمة نبياً لما كان في النصّ من معنى سوى ما فيه من أخذ الأنبياء. والَقُرْآن ينقل النصوص في حالة تغير المعاني من معنى إلى أخر ليهذبها، فجاءت الصيغة كما تقدم، وهي وجه من وجوه الإعجاز القرآني في تبديل الصيغ والأساليب ((1)) .
إن ما تقدم كان محاولة لاستعراض بعض كلمات وصيغ سُوْرَة الْقَصَصِ وتحليلها وفق نظام الصيغ القرآنية وبدائلها اللغوية، ولعلنا حاولنا محاولة في الصياغة اللغوية.
المطلب السابع: الرسم الَقُرْآني في سُوْرَة الْقَصَصِ وعلاقته بأداء المعنى
أجمع القدماء على أن هنالك خطان لا يقاس عليهما:
خط المصحف.
خط العروض ((2)) .
ولكن قوماً ممن بلغوا في العربية والتفسير مبلغاً كبيراً أجمعوا على أن رسم المصحف يمثل تطوراً كبيراً في أداء المعنى ((3)) ، وأنه إنما كتب ورسم بلسان وأحرف قريش لغابات معنوية مهمة كلّ الأهمية، وتروي الرواية الشهيرة عن جمع القرآن:
((وقال عثمان (رضي الله عنه) للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم انتم وزيد بن ثابت في شيء من الَقُرْآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم)) ((4)) .
(1) ينظر معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 274.
(2)
ينظر في اللغة والنحو. د. طه إِبْرَاهِيمُ، الطبعة الأولى، مصر، 1985 م: 21 -22.
(3)
صَحِيْح البُخَارِي: 6 /224.
(4)
صَحِيْح البُخَارِي: 6 /224.
مما يَدُلُّ على أن فعل عثمان (رضي الله عنه) ، " وفعله حجة في بابه على ما هو مشهور من حجية قول الصحابي "((1)) ، إنما يبين كيف أن بعض صور الرسم للخط الَقُرْآني لا يمكن فهمها إلا بكتابتها ورسمها بلسان قريش.
ولا ريب أن مسألة الَقُرْآن بالأحرف السبعة امتزجت في بعض الحالات بظواهر الرسم الَقُرْآني على رأي طائفة من العلماء الذين ذهبوا إلى أنَّ الأحرف السبعة موجودة في اللفظ والصوت الَقُرْآني وهو رأي مشهور ((2)) .
وقد ألف قوم كثيرون في رسم الخط المصحفي الَقُرْآني وما فيه من فوائد ((3)) ، وقد بين القدماء أن من الواجب التزام ظواهر الرسم المصحفي في كتابة المصاحف، وجعلوا خط المصاحف خاصاً بها ((4)) .
وقد ذكر الزمخشري في الكشاف أن: " خط المصحف سنة لا يتغير "((5)) .
وقد علل كثير منهم ظواهر الرسم بعلل لغوية أو نحوية أو بيانية، وبينوا أوجه بعض أشكال الرسم بيانياً ((6)) . ويقول ابن قتيبة:" وليست تخلو هذه الحروف من أن تكون على مذهب من مذاهب أهل الإعراب فيها "((7)) .
(1) المُسْتَصْفَى من علم الأصول. مُحَمَّد بن مُحَمَّد الغَزَالي أبو حامد. (450 ـ 505) . تحقيق: مُحَمَّد عَبْد السلام عَبْد الشافي. دار الكتب العلمية. بيروت. ط1. 1413 هـ.: 2 /115.
(2)
تأويل مشكل الَقُرْآن: ص 30. جامع البيان: 1/47 –48 و 57-58.
(3)
ينظر رسم المصحف: 168.
(4)
همع الهوامع شرح جمع الجوامع. جلال الدِّيْن عَبْد الرَّحْمَن السيوطي الشافعي. ت 911هـ. دار المعرفة. بيروت. لبنان. 1327 هـ. مصورة عَنْ ط1. بولاق. مصر: 2 / 243.
(5)
الكَشَّاف: 3 /209.
(6)
المحكم في نقط المصاحف. عثمان بن سعيد الداني أبو عمرو. (371 ـ 444) . تحقيق: د. عزة حسن. دار الفكر. دمشق. ط1. 1407 هـ: ص 196.
(7)
تَأوِيل مُشْكِل القُرْآن: ص 40 –41.
ويقول ابن خلدون: " ثُمَّ اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها (أي المصاحف) تبركاً بما رسمه أصحاب رَسُول الله (صلى الله عليه وسلم) وخير الخلق من بعده، المتلقون لوحيه من كلام الله تعَاَلىَ وكلامه
…
" ((1)) .
ثُمَّ يذكر بعض ما يتعلق بعلاقة الرسم الَقُرْآني بأداء المعنى استناداً للخط فيقول ناقلاً: " ويقولون في مثل زيادة الألف في (لا أذبحنه) ((2)) أنه نبع على أن الذبح لم يقع. وفي زيادة الياء في (بأييد) ((3)) أنه تنبيه على كمال القدرة الربانية وأمثال ذلك "((4)) .
وقد ذكر القدماء أن من صور اختلاف الرسم ما يكون لاختلاف المعنى ((5)) ، وكان ممن أولع بذلك المراكشي ـ على ما نقله القسطلاني رحمه الله ((6)) . ونحن في هذا المطلب سنحاول أن نعلل تعليلاً معنوياً بعض صور الرسم في سُوْرَة الْقَصَصِ لأننا نعد ذلك ذا فائدة في إيضاح بعض معاني هذا السورة.
ونحن نجد من صور رسم المصحف في هذه السورة:
1.
ءايت:
إذ رسمت الهمزة مستقلة وحذفت الألف بعد الياء. ولعل ذلك يَدُلُّ على كمال الجمع في كون تقديم الهمزة مشعر بذلك.
2.
يستحي:
إذ رسمت بياء واحدة، وكان حقها أن ترسم بيائين، ولعل ذلك يَدُلُّ على شدة المبالغة في الإبقاء على النساء دون الرجال.
3.
ءَاَلُ:
(1) مقدمة ابن خلدون. عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن خلدون الحضرمي. ت 808 هـ. دار القلم. بيروت. ط5. 1984 م: ص 757 و 791.
(2)
سُوْرَة النَّمْلِ: الآية 21.
(3)
سُوْرَة الذَّارِيَاتِ: الآية 47.
(4)
المصدر نفسه: ص 758.
(5)
ينظر رسم المصحف: 223.
(6)
لطائف الإشارات لفنون القراءات. للإمام شهاب الدِّيْن أبو العباس أحمد بن مُحَمَّد القسطلاني. 851 هـ ـ ت 923 هـ. تحقيق: عامر السيد عثمان. د. عَبْد الصبور شاهين. طبع المجلس العلمي للشؤون الإسلامية. القاهرة. 1972 م: 283 –284.
إذ رسمت همزة بدل علامة المد على الألف. ولعل ذلك للدلالة على أن هؤلاء الآل غير الصالحين، لأن الهمزة حرف تقليل أحياناً ((1)) .
4.
امرأتُ:
إذ رسمت بتاء طويلة بدل التاء المدورة، ولعل ذلك ليدل على كمالها رضي الله عنها لأن التاء الطويلة تدلّ على الكمال والعظمة.
5.
يموسى:
إذ رسمت ياء النداء بغير ألف، ولعل ذلك للدلالة على سرعة النداء والخطاب في الحالتين ((2)) .
6.
استئجره:
إذ رسمت الهمزة على كرسي، واستئجرت إذ رسمت الهمزة كذلك، ولعل ذلك للدلالة على مبالغتها وحرصها على طلب إجارة موسى (عليه السلام) لحاجتها وأختها لحمايته، فجاء الرسم الَقُرْآني بهذه الصيغة مشعراً بذلك.
7.
ءانس:
إذ رسمت الهمزة لوحدها، ولعل ذلك لبيان شدة أنسه بالنار التي رآها.
8.
فذنك:
إذ رسمت بغير ألف.
ولعل ذلك للدلالة على اسم الإشارة، وكونه موجهاً للبراهين الإلهية.
9.
يهمن:
إذ رسمت بكرسي ياء بدل الألف، ولعل ذلك للدلالة على استعجال فرعون في ندائه لهامان.
10.
ما اتهم:
إذ رسمت بكرسي بدل الألف، ولعل ذلك يتوجه لعدم مجيء النذير لهم من قبل.
11.
سحران:
إذ رسمت بصيغة تقرأ بها بعدة قراءات، ولعل ذلك لكي يتوجه النصّ لعدة آفاق من القراءات، وبذلك إما للإشارة إلى موسى وهارون عليهما السلام (ساحران) ، أو موسى ومحمد ـ عَلَيْهما الصَلاة والسَّلام ـ. وأما للإشارة إلى سحر معه سحر، أي سحر موسى وهارون عليهما السلام، وكل ذلك مما يفتح آفاق متعددة للنص.
12.
شركاءي:
(1) لقد رسمت في بعض المصاحف (سلام على آل ياسين) بألف ممدودة للتكريم، كما في الكَشَّاف: إذ قال: " وأما من قرأ آل ياسين اسم أبي إلياس أضيف إليه الآل ". الكَشَّاف: 3/ 353 –353.
(2)
أي الآية 29 و 30 من سُوْرَة الْقَصَصِ.