الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: نشأة سيدنا موسى عليه السلام والظروف المحيطة به
المبحث الأول: ولادة سيدنا موسى عليه السلام
المطلب الأول: إلقاء سيدنا موسى (عليه السلام) في اليم
المناسبة
بعد أن قال الله جلّ وعلا في بداية السورة: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ((2)) ، قصّ حالة بني إسرائيل في ظل حكم فرعون بقوله:{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً} ((3)) ، فأوضح أن الفرج قريب بقوله:{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} ((4)) ، فلما تعلقت إرادة الله بإنقاذ بني إسرائيل من الذل خلق الله المنقذ لهم، وهو الذي كان يحذره فرعون على ملكه، وكان يذبح أبناء بني إسرائيل لأجله وقضينا بأن يسمى موسى بسبب أنه يوجد بين ماء وشجر وتربيته في بيت الذي يحذره ويحتاط لأجله، عطف على هذا المعلوم التقدير أول نعمة منّ بها على الذين استضعفوا ((5)) ، فقال:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} ((6)) .
تحليل الألفاظ
1.
{أوْحَيْنَا} :
(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 3.
(3)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 4.
(4)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 5.
(5)
ينظر نظم الدرر: 5/ 465.
(6)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 7.
قال ابن منظور: " الوَحْيُّ الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك، يقال: وَحَيْتُ إليه الكلام وأَوْحَيْتُ ووَحَى وَحْياً وأَوْحَى أيضاً، أي: كتب. والوحي: المكتوب والكتاب أيضاً، وعلى ذلك جمعوا فقالوا: وَحِيٌّ مثل حُلْيٌّ وحُلِيٌّ "((1)) .
وقال الراغب: " معنى الوحي الإشارة السريعة، ولتضمنّ السرعة قيل: أمر وَحْيٌ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة. ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه: وحي "((2)) .
وقد بين القرآن الكريم أنواع الوحي في سورة الشورى بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} ((3)) .
وعليه فقد بين الراغب الأصبهاني أنواع الوحي بما يأتي ((4)) :
أولاً ـ الوحي برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل (عليه السلام) للنبي في صورة معينة.
ثانياً ـ بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى لكلام الله.
(1) لِسَان العَرَب: مَادة (وحي) 15/ 379.
(2)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 552.
(3)
سُوْرَة الشُّورَى: الآية 51.
(4)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 552.
ثالثاً ـ بإلقاء في الروع كما ذكر (صلى الله عليه وسلم) : ((إن روح القدس نفث في روعي)) ((1)) .
رابعاً ـ بالهام نحو: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} ((2)) .
خامساً ـ بتسخير مثل قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} ((3)) .
سادساً ـ بمنام لقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((انقطع الوحي وبقيت المبشرات الرؤيا الصالحة)) ((4)) .
ونحن نعد الوحي إنما جاء من القول الخفي على ما قالته العرب في كلامها.
2.
{أَرْضِعِيهِ} :
قال ابن منظور: " رَضَع الصَّبيُّ وغيره يَرْضع مثال ضرب يضرب، لغة نجدية، ورَضِعَ مثال سَمِعَ يَرْضَع رَضْعاً ورَضَعاً ورَضِعاً ورَضاعاً ورِضاعاً ورَضَاعةً ورِضاعة، فهو راضِعٌ، والجمع رُضّع "((5)) .
(1) مُصَنَّف ابن أبي شَيْبَة: 7 /79. رقم (34332) . فتح البَاري بشرح صحيح الإِمَام أَبِي عَبْد الله مُحَمَّد بن إسماعيل البُخَاري. ومقدمته: هَدْيُ السَّاري لأَحمد بن عَلِيّ المعروف بابن حَجَر العَسْقَلاني. ت 825 هـ. الناشر: دار المعرفة ببيروت. بيروت. ط1. 1379 هـ.: 1/20 وقال: الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة وصححه الحاكم من طريق ابن مسعود.
(2)
سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية 79.
(3)
سُوْرَة النَّحْلِ: الآية 68.
(4)
صَحِيْح البُخَارِي: باب المبشرات 6 /2564 رقم (6589) من حديث أبي هريرة.
(5)
لِسَان العَرَب: مَادة (رضع) 8/ 125.
وقال الراغب: " يقال: رضع المولود يرضع، ورضع يرضع رضاعاً ورضاعة، وعنه استعير: لئيم راضع: لمن تناهى لؤمه، وإن كان في الأصل لمن يرضع غنمه ليلاً؛ لئلا يسمع صوت شخبه ((1)) ، فلما تُعورف في ذلك قيل: رضع فلان، نحو: لَؤُم "((2))
3.
(ولا تحزني) :
الحَزَنُ: نقيضُ الفرَح، وهو خلافُ السُّرور. والجمعُ أَحْزانٌ، لا يكسَّر على غير ذلك، وقد حَزِنَ بالكسر، حَزَناً وتحازَنَ وتَحَزَّن. ورجل حَزْنانٌ ومِحْزانٌ: شديد الحُزْنِ. وحَزَنَه الأَمْرُ يَحْزُنُه حُزْناً وأَحْزَنَه، فهو مَحْزونٌ ومُحْزَنٌ وحَزِينٌ وحَزِنٌ؛ وقال سيبويه: أَحزَنَه جعله حَزِيناً، وحَزَنَه جعلَ فيه حُزْناً " ((3)) .
وقال الراغب: " والحزن: خشونة في الأرض، وخشونة في النفس لما يحصل فيه من الغم "((4)) .
والأمر هاهنا للوجوب الإلهي كما هو مبين في سياق الخطاب لأم موسى (عليه السلام) .
4.
{الْمُرْسَلِينَ} :
(1) الشخب: صوت اللبن عند الحلب. ينظر الصحاح: مادة (شخب) .
(2)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 202. وينظر كتاب الأفعال. عَلِيّ بن جعفر السَّعْدِي أبو القَاسِم. ت 515 هـ. عالم الكتب. بيروت. ط1. 1983 م.: 3/91.
(3)
لِسَان العَرَب: مَادة (حزن) 13/ 111.
(4)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 114.
الرَّسَل: القَطِيع من الإِبل والغنم؛ والجمع الأَرْسال؛ والرَّسَل: قَطيعٌ من الإِبِلِ قَدْر عشر يُرْسَل بعد قَطِيع. والإرسال: التوجيه. قد أرسل إليه، والاسم الرسالة والرسول والرسيل. والرسول بمعنى الرسالة يؤنث ويذكر. وتراسل القوم: أرسل بعضهم إلى بعض. والرسول والرسالة والمرسل. والرسول معناه في اللغة: الذي يتابع أخبار لذي بعثه أخذاً من قولهم: جاءت الإبل رسلاً، أي: متتابعة. وقال الأخفش: سمّي الرسول رسولاً لأنه ذو رسول، أي: ذو رسالة. والرسول اسم من أرسلت. وكذلك الرسالة ((1)) .
وقال الراغب: " أصل الرسل: الانبعاث على التؤدة "((2)) .
أما تعريف الرسول في الاصطلاح: " هو من يأتي بشرع على الابتداء أو بفسخ بعض أحكام شريعة قبله "((3)) .
والرسالة: " هي سفارة العبد بين الله وبين ذوي الألباب من خليقته ليزيح بها عللهم فيما قصرت عنه عقولهم من مصالح الدنيا والآخرة "((4)) .
أما النبي: هو الذي ألقي إليه الروح شيئاً اقتصر به ذلك النبي على نفسه خاصة، وإن قيل له بلغ ما أنزل إليك، فهو رسول، فعلى هذا كلّ رسول نبي، وليس كلّ نبي رسول " ((5)) .
(1) لِسَان العَرَب: مَادة (رسل) 11 /281 - 284.
(2)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 200.
(3)
أصول الدين. أبو الميسر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الكريم البَزْدَوِي. ت 993 هجرية. تحقيق: د. هانز بيترلس. مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه. مصر. القاهرة. 1963 م.: ص 115.
(4)
شرح العقائد النسفية. الإِمَام سَعَد الدِّيْن مسعود بن عمر التفتازاني. طبع شركة صحافية عثمانية. مطبعة سي. 1320هـ.: ص 133.
(5)
اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر. للشيخ عَبْد الوهاب الشعراني. مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1378 هـ.: 1/ 177.
ويظهر الرسول في فرق عن معنى النبي لأن بينهما عموماً وخصوصاً ((1)) .
القراءات القرآنية
1.
{أَنْ أَرْضِعِيهِ}
قرأ عمرو بن عبد الواحد، وعمر بن عبد العزيز (أنِ ارْضِعيه) بكسر النون بعد حذف الهمزة على غير قياس، لأن القياس فيه نقل حركة الهمزة وهي الفتحة إلى النون كقراءة ورش (أَنَ ارْضِعيه)((2)) .
وقد حذف عمرو بن عبد الواحد الهمزة من نون (أن) ووصلها بالراء من (أَرْضَعيه) بعد تسهيل همزة الأمر، وهذه من سنن العرب في كلامها أن تسهل الهمزة ليستقيم النطق عندهم ((3)) .
القضايا البلاغية
1.
في هذه الآية من الدلائل على الإعجاز القرآني حيث اشتملت على أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين، فذكر القرطبي أن الأصمعي قال:
" سمعت جارية أعرابية تنشد وتقول:
استغفر الله لذنبي كله قبّلت إنساناً بغير حله
مثل الغزال ناعماً في دلّه وانتصف الليل ولم أحله
(1) التعريفات (الجرجاني) : ص 167.
(2)
المُحْتَسَب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها. عُثمان ابن جِنِّي أبو الفتح. ت 392 هـ. تحقيق: عَلِيّ النجدي ناصف. وآخرون. لجنة أحياء التراث الإسلامي. القاهرة. ط1. 1966 م.: 2/ 147. البَحْر المُحِيْط: 7 /105. الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 4966.
(3)
ينظر القراءات القرآنية والدلالات البيانية. د. مُحَمَّد عبد العزيز. الطبعة الأولى. مطبعة جامعة عبد العزيز آل سعود. الرياض. 1411 هـ.: ص 117 -118.
فقلت: قاتلك الله ما أفصحك، فقالت له: أيعدّ هذا فصاحة مع قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآية ((1)) ، فجمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين. فالخبران هما (وأوحينا إلى أم موسى) وقوله (فإذا خفت عليه) لأنه يشعر بأنها ستخاف عليه، والأمران (أرضعيه) و (ألقيه) . والنهيان (لا تخافي) و (لا تحزني) . والبشارتان (إنا رادوه إليك) و (وجاعلوه من المرسلين)((2)) .
2.
معنى الخوف والحزن:
" لقائل أن يقول: ما الفرق بين الخوف والحزن حتى عطف أحدهما على الآخر في قوله تعالى {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} ؟ ثُمَّ أليس من التناقض أن يثبت الخوف في قوله: {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} ، ثُمَّ ينفيه بقوله:{وَلَا تَخَافِي} ؟ .
الجواب على التناقض المزعوم أن الخوف الأول المثبت هو غرقه في النيل، والثاني هو خوف الذبح، فاندفع ما يتوهم من تناقض.
أما الاعتراض الأول، فهو مندفع بأن هذا من باب الإطناب، بل هو قسم نادر من أجمل أقسامه، وهو أن يذكر الشيء فيؤتى فيه بمعانٍ متداخلة إلا أن كل معنىً مختص بخصيصة ليست للآخر " ((3)) .
وهذا يدل على إعجاز الأسلوب القرآني في كونه يوهم أحياناً شيئاً فإذا ما قرأه القارئ المتمعن بان له خلاف ما توهمه، وتلك سمة من سمات إعجازه.
المعنى العام
1.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} :
هنا يتبادر إلى الذهن سؤال هو ما المقصود بالوحي إلى أم موسى؟
(1) الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 4968.
(2)
التحرير والتنوير: 20/ 74.
(3)
إعراب القرآن وبيانه وصرفه: 5/ 285.
فقد ذكر الرازي أنه قد أتفق الأكثرون على أن أم موسى (صلى الله عليه وسلم) ما كانت من الأنبياء والرسل ((1)) ، فلا يجوز أن يكون المراد من هذا الوحي هو الوحي الواصل إلى الأنبياء، لأن المرأة لا تكون نبية لقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} ((2)) خلافاً لليهود حيث ورد في بعض كتبهم كون بعض نسائهم من الأنبياء.
وقد اختلف العلماء في المراد بهذا الوحي على وجوه:
أحدهما ـ المراد رؤيا رأتها أم موسى (عليه السلام) وكان تأويلها وضع موسى (عليه السلام) في التابوت وقذفه في البحر وأن الله يرده إليها.
ثانياً ـ أن المراد عزيمة جازمة وقعت في قلبها دفعة واحدة.
ثالثاً ـ المراد منه الإلهام فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} يقول: أي ألهمناها الذي صنعت بموسى ((3)) .
رابعاً ـ لعله أوحى إلى بعض الأنبياء في ذلك الزمان كشعيب (عليه السلام) أو غيره، ثم إن ذلك النبي عرّفها إما مشافهة أو مراسلة.
خامساً ـ لعل الأنبياء المتقدمين كإبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام أخبروا بذلك وانتهى ذلك الخبر إلى تلك المرأة.
سادساً ـ لعل الله تعالى بعث إليها ملكاً، لا على وجه النبوة كما بعث إلى مريم عليها السلام.
والذي يرجحه الباحث من هذه الوجوه هو الوجه الثالث القائل بأن الله تعالى ألهمها لا إلهاماً على جهة النبوة، بل هو إلهام لا يشبه أي صيغة أخرى، وهو الأقرب للمنقول والمعقول.
2.
اسم أم موسى:
(1) مفاتيح الغيب: 11/ 51. وينظر زَاد المَسِيْر: 6 /301 - 302.
(2)
سُوْرَة يُوْسُف: الآية 109.
(3)
تفسير ابن أبي حاتم: 9/ 2941.
اختلف المفسرون والمؤرخون في اسمها، فذكر الطبري أن اسمها " يحيب ابنة شمويل بن بركبا "((1)) .
وذكر ابن قتيبة أن اسمها " أباحثة وفي التوراة اسمها يوخابث "((2))
وذكر ابن الأثير أن اسمها " يوحانذ "((3)) .
وذكر الصاوي أن اسمها " لوحا بنت هاند بن لاوي "((4)) .
والذي أرجحه هو أنها من مبهمات القرآن التي ليس في معرفتها كبير فائدة.
3.
{أَنْ أَرْضِعِيهِ} :
نقل القرطبي عن مجاهد قوله " بأن الوحي إليها بالرضاعة كان قبل الولادة "((5)) .
وذكر أبو حيان في تفسيره " أن هذا الإيحاء هو بعد الولادة، فيكون ثم جملة محذوفة، أي: وضعت موسى أمه في زمن الذبح وخافت عليه "((6)) . فقد اخرج ابن أبي حاتم عن ابن أبي عبد الرحمن الحبلي أن الله أوحى إلى أم موسى حين وضعت أن ترضعه. واخرج عن مجاهد أن الله أوحى إلى أم موسى حين تقارب ولادها أن ارضعيه ((7)) .
(1) تاريخ الرُّسُل والملوك: 1/ 385.
(2)
المَعَارف، ابن قُتَيْبَة الدِّيْنوَري أبو مُحَمَّد عَبْد اله بن مسلم. ت 276 هـ. تحقيق وتقديم: الدكتور ثروت عكاشة. ط2 1969 م دار المعارف بمصر.: ص 20.
(3)
الكامل في التاريخ: 1 /95.
(4)
حاشية العلامة الصاوي على تفسير الجلالين. أحمد بن مُحَمَّد الصَّاوِي المالكي الخَلْوَتي. ت 1241 هـ. المكتبة الإسلامية. القاهرة. (د. ت) .: 3/ 209.
(5)
الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 4966.
(6)
البَحْر المُحِيْط: 7 /105.
(7)
تفسير ابن أبي حاتم: 9/ 2941 -2942.
والذي أرجحه أن الوحي إليها كان بعد الولادة وبعد تسميته، لأن القرآن قد أشار إلى ذلك بقوله تعالى:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} ، فبعد أن وضعته وكانت خائفة عليه من الذبح، وطمأنها ربها بأن ترضعه ليتقوى للمهمة اللاحقة، وهي المدة التي يستغرقها في سيره في اليم لحين وصوله إلى قصر فرعون، ثم عودته إلى أمه بعد معجزة تحريم المراضع عليه.
ونقل ابن الجوزي، والقرطبي رواية " أنها حين اقتربت وضربها الطلق كانت بعض القوابل الموكلات بحبالى بني إسرائيل مصاحبة لها فقالت: لينفعني حُبُّك اليوم، فعالجتها فلما وقع إلى الأرض هالها نور بين عينيه وارتعش كل مفصل منها ودخل حبه قلبها ثم قالت: ما جئتك إلا لأقتل مولودك وأخبر فرعون، ولكني وجدت لابنك حباً ما وجدت مثله قط فاحفظيه. فلما خرجت جاء عيون فرعون فلفّته في خرقةٍ ووضعته في تنور مسجور ناراً لم تعلم ما تصنع لما طاش عقلها، فطلبوا، فلم يلقوا شيئاً، فخرجوا وهي لا تدري مكانه، فسمعت بكاءه من التنور وقد جعل الله عليه النار برداً وسلاما " ((1)) .
4.
الخوف هو " توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة "((2)) ، وأم موسى حينما خافت على مولودها من القتل كان ذلك بأمارة معلومة، فهي ترى بعينها يومياً عشرات الأطفال يذبحون.
(1) زَاد المَسِيْر: 6 /202. الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 4967.
ونرى في هذه القصة أنها مصدرة بكلمة (روي) ولم يذكروا عمن رويت ولا تخريجها، فلعلها من الإسرائيليات التي نقلها بعض المفسرين، فلو كانت صحيحة لذكرها الَقُرْآن الكَرِيم لنا، لأن فيها معجزة، وهي إنقاذه من النار في التنور المسجور، وهي أبلغ في الإعجاز من إنقاذه من الغرق لأنه موضوع في تابوت.
(2)
معجم مفردات ألفاظ القرآن: ص 161.
وذكر القرطبي " أنه استخدم (إذا) لما يستقبل من الزمان، أي: إذا خفت عليه أن يصبح ويكشف أمره فيقتل. ويروى أنها اتخذت له تابوتاً من بردي وقيرَّته بالقار من داخله، ووضعت فيه موسى، وألقته في نيل مصر"((1)) .
5.
{فَأَلْقِيهِ} :
" أي بعد أن تضعيه في شي يحفظه من الماء "((2)) .
6.
{فِي الْيَمِّ} :
" أي: في النيل الذي كان يشق مدينة فرعون من حيث منازل بني إسرائيل. واليم في كلام العرب مرادف للبحر، والبحر في كلامهم يطلق على الماء العظيم المستبحر، فالنهر العظيم يسمى بحراً "((3)) .
7.
{وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} :
اخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد في قوله الله {وَلَا تَخَافِي} : قال: لا تخافي عليه البحر. {وَلَا تَحْزَنِي} ، يقول: لا تحزني لفراقه ((4)) .
وقال يحيى بن سلام: لا تحزني أن يقتل ((5)) .
8.
" لتكوني أنت المرضعة له "((6)) .
9.
{وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ} :
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق في معناها " أي: باعثوه إلى هذه الطاغية، وجاعلو هلاكه ونجاة بني إسرائيل مما هم فيه من البلاء على يديه "((7)) .
ما يستفاد من النصّ
(1) الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 4967.
(2)
نظم الدرر: 5/ 465.
(3)
التحرير والتنوير: 20/ 74.
(4)
تفسير ابن أبي حاتم: 9 /2942. إرْشَاد العَقل السَّلِيم: 7/3.
(5)
الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6 /4967.
(6)
مفاتيح الغيب: 12 /227.
(7)
تفسير ابن أبي حاتم: 9 / 2943.
دلّ قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} على إعجاز طبي سبق العلم الحديث بآلاف السنين، وهو الإشارة إلى فائدة الرضاعة الطبيعية للطفل المولود، فقد أكد الأطباء هذه الحقيقة العلمية، وذلك بأن حليب الأم مصدر مهم للطاقة والبروتين، وهو يساعد على وقاية الطفل من المرض، ويساعد كذلك على نمو الطفل العقلي والعاطفي، ويكسب شخصيته توازناً أكبر. وهذا بعض إعجاز القران ((1)) .
نلاحظ من النص القرآني أن الله جل وعلا بعد أن نهى أم موسى عن الخوف والحزن {وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} أراد الله جل وعلا طمأنتها أكثر من خلال المبشرات التي أعقبت النهي، لتقوية قلبها، وإزالة خوفها وحزنها. فالبشارة الأولى {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ} . وهذا أهم شي يشغل بالها. والبشارة الثانية هي البشارة بمستقبله بأنه سيكون من المرسلين.
ودلت كذلك على التحدي الإلهي بهذا الطفل الرضيع لقوة فرعون وجبروته، وليقتحم به حصون فرعون وجيوشه، فيستدل منه على أن الأمن والخوف بيد الله تعَاَلىَ.
فإذا شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يجعل الخوف أمناً كإلقاء أم موسى لطفلها في اليم، وإن شاء جعل الأمن خوفاً كما حصل لفرعون إذ قتل مئات الأطفال ليأمن. ولكن الله جعل من أمنه خوفاً، فأدخل الله موسى (عليه السلام) إلى قصر من حرص أن لا يدخله، وقَتَل ما قتل من أجل ذلك.
(1) لحياة أفضل. تأليف مجموعة من الأطباء. هيئة الطفولة. هيئة اليونسيف بالتعاون مع وزارة الصحة العراقية. الطبعة الأولى. 1997 م: ص 22 –23.