المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله - سورة القصص دراسة تحليلية - جـ ١

[محمد مطني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: التمهيدي

- ‌المبحث الأول: دراسة عامة عن السّورة

- ‌المطلب الأول: اسمها

- ‌المطلب الثاني: التعريف اللغوي والاصطلاحي للقصص

- ‌المطلب الثالث ترتيب سورة القصص في المصحف

- ‌المطلب الرابع فضلها

- ‌المطلب الخامس: سورة القصص أمكية هي أم مدنية

- ‌المطلب السادس: الأغراض العامة لسورة القصص ومقاصدها

- ‌المطلب السابع: التناسب والتناسق بين سورة القصص وما قبلها وما بعدها

- ‌المطلب الثامن: التناسب بين بداية السورة وخاتمتها

- ‌المبحث الثاني: الحروف المقطعة في الَقُرْآن الكَرِيم وسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: أقوال العلماء في معاني الحروف المقطعة

- ‌المطلب الثاني: إعراب الحروف المقطعة

- ‌المبحث الثالث: شبه وجود الأساطير والتكرار في القصة القرآنية والرد عليها

- ‌التمهيد

- ‌المطلب الأول: أدلة القائلين بوجود الأساطير والتكرار في القرآن الكريم والرد عليهم

- ‌المطلب الثاني: قضية التكرار

- ‌المطلب الثالث: الحكمة من التكرار

- ‌المطلب الرابع: فوائد القصص القرآني

- ‌الفصل الثاني: وقفات بين يدي السّورة

- ‌المبحث الأول: نظرات توجيهية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: توجيه المعنى في ذاتية السورة

- ‌المطلب الثاني: توجيه الآيات التي أشكل إعرابها

- ‌المطلب الثالث: التوجيه المضموني في سورة القصص ودلالاته

- ‌المطلب الرابع: التوجيه البياني التفسيري في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الخامس: الصورة البلاغية في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السادس: الحكمة من استخدام الجمل والصيغ والعبارات في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب السابع: الرسم الَقُرْآني في سُوْرَة الْقَصَصِ وعلاقته بأداء المعنى

- ‌المبحث الثاني: الأطر العامة لسُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الأول: دلالة التوحيد في سورة القصص

- ‌المطلب الثاني: المرأة في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المطلب الثالث: الزمن في سورة القصص

- ‌المطلب الرابع: التربية والسلوك في سورة القصص

- ‌المطلب الخامس: النظرة القرآنية لليهود في سورة القصص

- ‌المطلب السادس: المال مفهومه وغاياته في سورة القصص

- ‌المطلب السابع: أسلوب الدعوة في سورة القصص

- ‌المطلب الثامن: النظرة القرآنية للإنسان في سورة القصص

- ‌المطلب التاسع: الإيمان والكفر في سورة القصص

- ‌الفصل الثالث: الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: مفهوم الطغيان والتكبر في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: علو فرعون في الأرض

- ‌المطلب الثاني: نصرة المستضعَفين

- ‌المبحث الثاني: الاستعلاء والطغيان بالثروة والمال

- ‌المطلب الأول: قارون وكنوزه

- ‌المطلب الثاني: تجبر قارون واستكباره

- ‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

- ‌الفصل الرابع: نشأة سيدنا موسى عليه السلام والظروف المحيطة به

- ‌المبحث الأول: ولادة سيدنا موسى عليه السلام

- ‌المطلب الأول: إلقاء سيدنا موسى (عليه السلام) في اليم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى في بيت فرعون

- ‌المطلب الثالث: المعجزة الإلهية في تحريم المراضع على سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) في مرحلة البلوغ

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يهبه الله الحكم والعلم

- ‌المطلب الثاني: سيدنا موسى (عليه السلام) يقتل قبطياً خطأً

- ‌المطلب الثالث: فرعون يريد قتل موسى (عليه السلام) لقتله القبطي

- ‌الفصل الخامس: هجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المبحث الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) على ماء مدين

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يسقي الماء لبنات شعيب (عليه السلام

- ‌المطلب الثاني: زواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌المبحث الثاني: المسائل الفقهية المتعلقة بهجرة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مدين

- ‌المطلب الأول: المسائل المتعلقة بزواج سيدنا موسى (عليه السلام) من ابنة شعيب (عليه السلام

- ‌أولاً ـ تعريفه وألفاظه ومسائله:

- ‌ثانياً ـ ألفاظ عقد النكاح (الإيجاب ـ القبول)

- ‌ثالثاً ـ مسائله:

- ‌المسألة الأولى - الإشهاد على عقد الزواج

- ‌المسألة الثانية - الولاية في عقد الزواج

- ‌المسألة الثالثة - تعين الزوجة

- ‌المسألة الرابعة - المهر

- ‌المسألة الخامسة - مسألة الدخول قبل النقد

- ‌المسألة السادسة - اشتراط الولي شيئاً من المهر لنفسه

- ‌المطلب الثاني: الإجارة

- ‌تعريفها، وأركانها، ودليل مشروعيتها، والمسائل المتعلقة بها

- ‌المسألة الأولى: ذكر المدة دون ذكر الخدمة

- ‌المسألة الثانية: الإجارة على رعاية الغنم

- ‌المسالة الثالثة: اجتماع إجارة ونكاح

- ‌المسالة الرابعة: شبهات وردها

- ‌الفصل السادس: عودة سيدنا موسى (عليه السلام) إلى مصر

- ‌المبحث الأول: بعثة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌‌‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الأول: سيدنا موسى (عليه السلام) يرى ناراً في جانب الطور

- ‌المطلب الثاني: تكليم الله لسيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الثالث: تأييد الله لسيدنا موسى (عليه السلام) بنبوة أخيه هارون (عليه السلام

- ‌المطلب الرابع: المقارنة بين سورة النمل وسورة القصص

- ‌المبحث الثاني: موقف فرعون وقومه من دعوة سيدنا موسى (عليه السلام

- ‌المطلب الأول: اتهام سيدنا موسى بالسحر

- ‌المطلب الثاني: ادعاء فرعون الألوهية وتكبره وملؤه في الأرض

- ‌المطلب الثالث: عاقبة فرعون وجنوده

- ‌المطلب الرابع: الفرق بين الرواية التوراتية وسفر الخروج وبين الرواية القرآنية في سُوْرَة الْقَصَصِ لقصة موسى (عليه السلام

- ‌الفصل السابع: الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) ودعوته في سُوْرَة الْقَصَصِ

- ‌المبحث الأول: الدلائل الَقُرْآنية على صدق الرَّسُول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم) في دعوته

- ‌المطلب الأول: دلالة قصة سيدنا موسى (عليه السلام) على صدق دعوة الرسول مُحَمَّد (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثاني: إيمان طوائف من أهل الكتاب بدعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الثالث: الهداية البيانية والهداية التوفيقية

- ‌المبحث الثاني: موقف المشركين من دعوته (صلى الله عليه وسلم

- ‌المطلب الأول: أعذار المشركين والرد عليها

الفصل: ‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

‌المطلب الثالث: هلاك قارون وماله

{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ* وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ((1)) .

المناسبة

أكدت هذه الآيات صدق مقولة أهل العلم لقارون: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَا الصَّابِرُونَ} ، فبادرت بعدها مباشرة إلى الحديث عن إهلاك الله تعالى لقارون وأمواله وزينته. فأنزل الله عليه العذاب وهو في موكبه أمام الناس. وصُدِّر الكلام بحرف الفاء التي أفادت العطف على جملة:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} ، وأفادت أيضاً التعقيب ((2)) :{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} .

تحليل الألفاظ

1.

{فَخَسَفْنَا} :

(1) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآيات: 81 - 84.

(2)

عاقبة الطغيان والفساد في سُوْرَة الْقَصَصِ. عبد الحميد طهماز. دار القلم. دمشق. (د. ت) : ص 64.

ص: 254

" الخسف سُؤُوخُ الأرض بما عليها. خَسَفَتْ تَخْسِفُ خَسفْاً وخَسوفَاً وانْخَسَفَتْ وخَسَفَها الله، وخَسفَ الله به الأرض خَسْفاً، أي: غابَ به فيها وخَسفَ هو في الأرض وخُسفَ به. وقال الأزهري: وخُسِفَ بالرجل وبالقومِ إذا أخذته الأرض ودخل فيها "((1)) .

2.

(فَسَادًا) :

الفساد: " نقيض الصلاح، فَسَدَ يَفْسُدُ وَيفْسِدُ وفَسُدَ فساداً وفُسُداً فهو فاسد وفَسيِدُ فيها، ولا يقال: انفَسَد وأفْسَدْتُه أنا وقوم فَسْدَى كما قالوا: ساقِط وسُقْطَى. قال سيبويه: جمعوه جمع هَلْكى لتقاربهما في المعنى وأفَسدَه هو وأسْتفْسَد فلان إلى فلان، وتفاسد القوم تدابروا وقطعوا الأرحام. والمفسد خلاف المصلح، وفَسَّدَ الشيءِ إذا أباره "((2)) .

3.

{الْعَاقِبَةُ} :

" عَقِبُ كلَّ شيء وَعْقُبه وعاقبِتهُ وعاقِبهُ وعُقْبَهُ، وعُقُبْاه وُعقْبانُه لآخره، والجمع العَواقِبُ، والعَقَبُ والعُقْبانُ والعْقبَى كالعاقبةِ والعُقْبِ والعقبى جزاء الأمر "((3)) .

وقال ابن عاشور عن العاقبة: " وصف عومل معاملة الأسماء لكثرة الوصف به، وهي الحالة الآخرة بعد حالة سابقة، وغلب إطلاقها على عاقبة الخير "((4)) .

القراءات القرآنية

1.

{فِئَةٍ} :

قرأ أبو جعفر: فِيَةٍ ((5)) .

2.

{وَيْكَأنَّ} :

(1) لِسَان العَرَب: مَادة (خسف) 9/ 76.

(2)

لِسَان العَرَب: مَادة (فسد) 3 /235.

(3)

لِسَان العَرَب: مَادة (عقب) 1/ 611.

(4)

التحرير والتنوير: 20 /190.

(5)

معجم القراءات القرآنية: 5/ 33.

ص: 255

" قال ابن جني في (ويكأن) ثلاثة أقوال: منهم من جعلها كلمة واحدة فلم يقف على (وي) . ومنهم من وقف على (وي) . ومنهم من قال: (ويك) وهو مذهب أبي الحسن. والوجه عندنا ـ وهو قول الخليل وسيبويه ـ وهو أن (وي) اسم سمي به الفعل في الخبر، فكأنه اسم اعجب، ثم أبتدأ فقال: كأنه لا يفلح الكافرون، وكأن الله يبسط الرزق. فـ (وي) منفصلة من كأن. ومن قال: إنها (ويك)، فكأنه قال: أعجب، لأنه لا يفلح الكافرون، وأعجب لأن الله يبسط الرزق، وهو قول أبي الحسن. وينبغي أن يكون الكاف حرف خطاب بمنزلة الكاف في ذلك وأولئك ((1)) ، ويشهد لهذا قول عنترة:

ولقد شفا نفسي وأَذهب سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم ((2))

3.

{أن مَّنَّ اللهُ} :

قرأ الأعمش: (لولا منَّ الله) بحذف أن وهي مزادة. وروي عنه (مَنَّّّ الله) برفع النون والإضافة ((3)) .

4.

{لخَسَفَ} :

قرأ الجهور: (لَخُسُفَ) مبنياً للمفعول، وقرأ حفص، وعصمة، وأبان عن عاصم، وابن أبي حماد عن أبي بكر مبنياً للفاعل (لَخُسِفَ) . وقرأ ابن مسعود، وطلحة، والأعمش:(لانْخُسِفَ)، كقولك انقطع بنا وعن ابن مسعود أيضاً:(لَتُخُسُِّفَ) بتاء وشدّ السين مبنياً للمفعول ((4)) .

5.

{يُجزَي اللذِينَ} :

قرأت بالإمالة (وقفاً) ، وهي مروية عن حمزة، والكسائي، وورش ((5)) .

القضايا البلاغية

1.

{وَأصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ} :

(الأمس) مستعمل في مطلق زمن مضى قريباً على طريقة المجاز المرسل.

2.

{وَيكَأن اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} :

(1) مجمع البيان: 7/ 264- 265.

(2)

ديوان عنترة:

(3)

البَحْر المُحِيْط: 7/ 135.

(4)

الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن:

ص: 256

يقدر مضارع قدر المتعدي وهو بمعنى أعدي بمقدار، وهو مجاز في القلة، لأن التقدير يستلزم قلة المقدار، اعسر تقدير الشيء الكثير.

3.

{مِنْ عِبَادِهِ} :

فائدة البيان بقوله: (مِنْ عِبَادِهِ) الإيمان إلى أنه في بسطه الأرزاق وقدرها متصرف تصرف المالك في ملكه، إذ المبسوط لهم والمقدور عليهم كلهم عبيدة، فحقهم الرضى بما قسم لهم مولاهم ((1)) .

المعنى العام

1.

{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} :

قال ابن عاشور في ذلك: " دلت الفاء على تعقيب ساعة خروج قارون في ازدهائه، وما جرى فيها من تمني قومه أن يكونوا مثله، والخسف انقلاب بعض ظاهر إلى باطنها، والباء في قوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ} باء المصاحبة، أي: خسفنا الأرض مصاحبة له ولداره، فهو وداره مخسوفان مع الأرض التي هو عليها "((2)) .

" ولما أمر قارون البَغيَّ بقذف موسى (عليه السلام) غضب موسى (عليه السلام) ، فأوحى الله تعالى إليه: إني قد أمرت الأرض أن تُطيعكَ فُمْرُها فقال موسى (عليه السلام) : يا أرض خُذيه، فأخذته حتى غيَّبَتْ سريره، فلمّا رأى ذلك ناشده بالَّرحم فقال: خُذيه فأخذته حتى غيَّبت قدميه، فما زال يقول: خذيه حتى غيَّبته، فأوحى الله تعالى إليه: يا موسى ما أفظك، وعِزَّتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته "((3)) .

وقال سمره ابن جندب: " إنه يخُسف به كلَّ يوم قامة، فتبلغ به الأرض السفلى يوم القيامة "((4)) .

(1) التحرير والتنوير: 20 / 185 - 187.

(2)

التحرير والتنوير: 2 /185.

(3)

تقدم تخريجه: ص 237.

(4)

زَاد المَسِيْر: 6/ 345. وذكره السيوطي في الدَّرُّ المَنْثُوْرُ من رواية ابن أبي حاتم من طريق قتادة عن سمرة بن جندب: 7/ 442.

ص: 257

وقال مقاتل: " لما أمر موسى الأرض فابتلعته قال بنو إسرائيل: إنما أهلكه ليرن ما له لأنه كان ابن عمه أخي أبيه، فخسف الله تعالى به وبداره الأرض وبجميع أمواله بعد ثلاثة أيام "((1)) .

وجاء في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)) ((2)) .

وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((بينما رجل يتبختر يمشي في بُردته قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة)) ((3)) .

2.

{فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِين َ} :

أي " فما كان له جماعة يمنعونه العذاب، وما كان من الممتنعين على خلاف ما كان يظن أن الذي يجلب إليه الخير، ويدفع عنه الشر هو قوته وجمعه اللذان اكتسبها بعمله، فلم يقه جمعه، ولم تفده قوته من دون الله، وبان أن الله سبحانه هو الذي آتاه ما آتاه "((4)) .

3.

{وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} :

(1) ينظر الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: 6/ 5034.

(2)

صَحِيْح البُخَارِي: كتاب الأنبياء: 3/ 1285 رقم (3297) .

(3)

صحيح مسلم: باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه: 3 /1654 رقم (2088)

(4)

تفسير الميزان في الَقُرْآن. مُحَمَّد حسين طباطبائي. الطبعة الثانية. مؤسسة الأعلمي. بيروت، لبنان. 1393 هـ ـ 1973 م.: 16/ 80.

ص: 258

قال الطبري: " وأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس من الدنيا وغناه وكثرة ماله، وما بسط له منها بالأمس ـ يعني قبل أن ينزل به ما أنزل من سخط الله وعقابه ـ يقولون ويكأن الله "((1)) .

وقال سيد قطب: " وقفوا يحمدون الله إن لم يستجب لهم ما تمنوه بالأمس، ولم يؤتهم ما أتى قارون، وهم يرون المصير البائس الذي انتهى إليه بين يوم وليلة، وصحوا إلى أن الثراء ليس آية على رضى الله فهو يوسع الرزق على من يشاء من عباده ويضيقه لأسباب أخرى غير الرضى والغضب، ولو كان دليل رضاه ما أخذ قارون هذا الأخذ الشديد العنيف "((2)) .

4.

{لَوْلا أن مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا} :

قال ابن كثير: " لولا لطف الله بنا وإحسانه إليه لخسف بنا كما خسف به لأنا وددنا أن نكون مثله "((3)) .

5.

{وَيْكَأنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} :

وروى ابن أبي حاتم عن قتادة يقول: أو لا يعلم أنه لا يفلح الكافرون ".

وفي رواية أخرى عن قتادة بلفظ " أو لا يرى أنه لا يفلح الكافرون "((4)) .

6.

{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} :

قال الرازي " " فتعظيم لها، وتفخيم لشانها، يعني تلك التي سمعت بذكرها وبلغك وصفها، ولم يعلق الوعد بترك العلو والفساد، ولكن بترك إرادتها وميل القلب إليها، فعن علي (رضي الله عنه) :(إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أجود من شراك نعل صاحبه فيدخل تحتها)((5)) .

(1) جامع البيان: 10 /112.

(2)

في ظلال القرآن: 6/ 378.

(3)

تفسير القرآن العظيم: 3/ 401.

(4)

تفسير ابن أبي حاتم: 9/ 3022.

(5)

مفاتيح الغيب: 3/ 20 - 21.

ص: 259

وقال الزمخشري: " ومن الطماع من يجعل العلو لفرعون والفساد لقارون متعلقا بقوله: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} ، ويقول: من لم يكن مثل فرعون وقارون فله تلك الدار الآخرة ولا يتدبر "((1)) .

7.

{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} :

قال المراغي: " أي العاقبة المحمودة وهي الجنة لمن اتقى عذاب الله بعمل الطاعات وترك المحرمات، ولم يكن كفرعون في الاستكبار على الله بعدم امتثال أوامره، والارتداع عن زواجره، ولا كقارون في إرادة الفساد في الأرض "((2)) .

8.

{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ الاّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} :

يقول الطبري في معناها: " من جاء الله يوم القيامة بإخلاص التوحيد، فله خير، وذلك الخير هو الجنة والنعيم الدائم، ومن جاء بالسيئة وهي الشرك بالله فله الشر "((3)) .

ما يستفاد من النصّ

دلت الآيات القرآنية على ما يأتي:

أولَا ـ دلّ ارتباط الفاء بالخسف في قوله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض} على الترتيب والتعقيب، أي: إن الله خسف به وبماله بعدها خرج على قومه في زينته، وكان خروجه هذا هو السبب المباشر في خسف الله به لغروره وتكبره ((4)) . وفي هذا دلالة أكيدة على بغض الله للتكبر والمتكبرين، وقد يكون التبختر والغرور سبب لعقاب صاحبه، فقد روى البخاري من حديث الزهري عن سالم: إن أباه حدثه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة)) ((5)) .

(1) الكَشَّاف: 3 /193.

(2)

تفسير المراغي: 20/ 102 -103.

(3)

جامع البيان: 10 /115.

(4)

ينظر القصص القرآني: 3 / 60 - 61.

(5)

تقدم تخريجه: ص 258.

ص: 260

(لقد اخذ الله قارون هو في أوج انتعاشه وغروره وتكبره وفرحه وبطره، وقصمه قصماً وهو في سكرته وزينته خسف به وبداره الأرض، انشقت الأرض وابتلعته، ابتلعت أمواله وكنوزه، وابتلعت خزائنه ومفاتحه، وابتلعت داره وملكه، ولم تنفعه أمواله وكنوزه لأنها لم تمنع عنه عذاب الله، ولم ينصره المتجمعون حوله المنتفعون بأمواله ولم يدفعوا عنه عذاب الله " ((1)) .

فيمكن للدعاة أن يوظفوا هذه القصة لنصح أصحاب الأموال المتبخترين بأموالهم وتذكيرهم بعقاب الله.

ثانياً ـ قد يعجل العقاب على مستحقيه في الدنيا.

" الأصل في العقاب لمستحقيه أنه يكون في الآخرة، ولكن قد يعجّله الله لمستحقيه في الدنيا مع ما ينتظره من عقاب الآخرة، كما عجل الله عقاب قارون في الدنيا حيث خسف به وبداره الأرض، وهذا التعجيل إنذار وتحذير قد ينتفع به بعض العصاة، فينزجروا عن معصيتهم وينتفع به ضعفاف الإيمان حيث يتقوى إيمانهم "((2)) .

ولكن لا يعني هذا أن كل عاص لله ينال عقابه في الدنيا، فإن شاء الله عجّل للعصاة العذاب في الدنيا، وإن شاء آخر لهم العقاب إلى يوم القيامة.

ثالثاً ـ الرجوع عن الخطأ فضيلة.

ويتضح هذا من خلال رجوع الذين تمنوا أن يكون لهم مثل ما أوتي قارون من المال. {وَأصبح الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَانَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ} .

(1) القصص القرآني: 3/61. وينظر عوامل فساد الأمم كما يصورها الَقُرْآن. فائز صالح الخطيب. رسالة ماجستير غير منشورة. كلية أصول الدين. جامعة الأزهر. 1400 هـ.: ص 155.

(2)

المستفاد من قصص القرآن: 1/ 536.

ص: 261