الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِشعرِهِ، وَجَعَلَ يَلطمُ عَلَى رَأْسه، وَيَقُوْلُ: لَسْتُ مزَاراً فَأَعْرف موَاضِع المِزْرِ، فَخلَّصوهُ مِنْهُ.
وَعَاشَ عُمُره لَمْ يَأْخُذْ دِرْهَماً لمَلِكٍ، وَلَا مِنْ وِقْفٍ، وَدُفِنَ فِي الكِسَاء الَّذِي صَحبه مِنْ بَلَده، وَكَانَ يَأْكُل مِنْ تَاجر صَحِبَه مِنْ بَلَده.
وَأَتَاهُ القَاضِي الفَاضِل لزِيَارَة الشَّافِعِيّ، فَرَآهُ يَلقِي الدّرس، فَجَلَسَ وَجَنْبه إِلَى القَبْرِ، فَصَاحَ: قُمْ قُمْ، ظهْرك إِلَى الإِمَام؟!
فَقَالَ: إِنْ كُنْت مُسْتَدبرَهُ بقَالبِي، فَأَنَا مُسْتَقْبِلُه بِقَلْبِي.
فَصَاح فِيْهِ، وَقَالَ: مَا تُعُبِّدنَا بِهَذَا، فَخَرَجَ وَهُوَ لَا يَعقل.
قُلْتُ: مَاتَ الخبُوْشَانِيّ فِي ذِي القَعْدَةِ، سَنَة سَبْعٍ وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
102 - السُّهْرَوَرْدِيُّ شِهَابُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ حَبَشِ بنِ أَمِيْرَكَ *
العَلَاّمَةُ، الفَيْلَسُوْفُ، السِّيْمَاوِيُّ، المَنْطِقِيُّ، شِهَابُ الدِّيْنِ يَحْيَى بنُ حَبَشِ (1) بن أَمِيْرك (2) السُّهْرَوَرْدِيُّ، مَنْ كَانَ يَتَوَقَّدُ ذكَاءً، إِلَاّ أَنَّهُ قَلِيْل الدِّيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة (3) : اسْمه عُمَر، وَكَانَ أَوحد فِي حكمه الأَوَائِل،
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 269، وابن خلكان في الوفيات: 6 / 268، وابن أبي أصيبعة في الطبقات: 2 / 167، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 138 (أحمد الثالث 2917 / 14)، والعبر: 4 / 290 واليافعي في مرآة الجنان: 3 / 434، والغساني في العسجد: الورقة 97، وابن تغري بردي في النجوم: 6 / 114، وابن العماد في الشذرات 4 / 290 وغيرهم.
وطبع غير كتاب من كتبه، وعني بدراسته والكتابة عنه المعنيون بالدراسات الفلسفية عموما والاسلامية الاشراقية خصوصا.
(1)
قيدها ابن خلكان بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة (وفيات: 6 / 273) .
(2)
يعني أمير - بالتصغير - والاعاجم يضيفون الكاف في آخر مثل هذه الأسماء للتصغير مثل أحمدك، وعمرك، وعليك، ونحوها.
(3)
(طبقات الاطباء) : 2 / 167.
بارعاً فِي أُصُوْل الفِقْه، مُفْرِط الذّكَاء، فَصِيْحاً، لَمْ يُنَاظر أَحَداً إِلَاّ أَربَى عَلَيْهِ.
قَالَ الفَخْر المَارْدِيْنيّ (1) : مَا أَذكَى هَذَا الشَّابّ وَأَفصحه! إِلَاّ أَنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ لَكَثْرَة تَهوُّره وَاستهتَارِه.
قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ نَاظر فُقَهَاء حلب، فَلَمْ يُجَاره أَحَد، فَطَلَبَهُ الظَّاهِر، وَعَقَدَ لَهُ مَجْلِساً، فَبَان فَضلُه، فَقرَبّه الظَّاهِر، وَاختصَّ بِهِ، فَشَنَّعُوا، وَعملُوا محَاضِر بكُفره، وَبعثَوهَا إِلَى السُّلْطَانِ، وَخوَّفُوهُ أَنْ يُفْسِد اعْتِقَاد وَلده، فَكَتَبَ إِلَى وَلده بِخَطِّ الفَاضِل (2) يَأْمره بِقَتْلِهِ حتماً، فَلما لَمْ يَبْقَ إِلَاّ قَتله، اخْتَار لِنَفْسِهِ أَنْ يُمَات جوعاً، فَفَعَل ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ سَنَة سِتٍّ وَثَمَانِيْنَ (3) ، بِقَلْعَة حلب، وَعَاشَ سِتّاً وَثَلَاثِيْنَ سَنَةً.
قَالَ ابْنُ أَبِي أُصِيْبعَة: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيْمُ بنُ صَدَقَة الحَكِيْم، قَالَ:
خَرَجْنَا مِنْ بَاب الْفرج مَعَهُ، فَذَكَرنَا السّيمِيَاء، فَقَالَ: مَا أَحْسَن هَذِهِ الموَاضِع!
فَنظرنَا مِنْ نَاحِيَة الشَّرْق جَوَاسق مبيضَة كَبِيْرَة مزخرفَة، وَفِي طَاقَاتهَا نسَاء كَالأَقمَار وَمغَانِي، فَتعجّبنَا، وَانذهلنَا، فَبقينَا سَاعَة، وَعدنَا إِلَى مَا كُنَّا نَعهده، إِلَاّ أَنِّي عِنْد رُؤْيَة ذَلِكَ، بقيت أُحسّ مِنْ نَفْسِي كَأَنَّنِي فِي سِنَةٍ خفِيَّة، وَلَمْ يَكُنْ إِدرَاكِي كَالحَالَة الَّتِي أَتحقّقهَا مِنِّي.
وَحَدَّثَنِي عجمِيّ، قَالَ: كُنَّا مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ بِالقَابُوْنِ (4)، فَقُلْنَا: يَا مَوْلَانَا! نُرِيْد (5) رَأْس غنم.
فَأَعْطَانَا
(1) منقول من (طبقات الاطباء) أيضا.
(2)
يعني القاضي الفاضل.
(3)
سيأتي القول بأن مقتله كان في أوائل سنة 587.
(4)
قرية على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب.
(5)
في الأصل: (تريد) والتصحيح من (تاريخ الإسلام) و (وفيات) ابن خلكان.
عَشْرَة درَاهِم، فَاشترَينَا بِهَا رَأْساً، ثُمَّ تَنَازعنَا نَحْنُ وَالتُّرُكْمَانِيّ (1)، فَقَالَ الشَّيْخُ: روحُوا بِالرَّأْس، أَنَا أُرْضيه.
ثُمَّ تَبِعَنَا الشَّيْخُ، فَقَالَ التُّرُكْمَانِيّ (2) : أَرْضنِي.
فَمَا كلّمه، فَجَاءَ، وَجذب يَده، فَإِذَا بِيَدِ الشَّيْخ قَدِ انْخَلَعَتْ مِنْ كتفه، وَبقيت فِي يَد ذَاكَ، وَدَمهَا يَشخب، فَرمَاهَا، وَهَرَبَ، فَأَخَذَ الشَّيْخ يَده بِاليد الأُخْرَى، وَجَاءَ، فَرَأَينَا فِي يَدِهِ مِنْدِيله لَا غَيْر.
قَالَ الضِّيَاء صَقر (3) : فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِيْنَ قَدِمَ السُّهْرَوَرْدِيّ، وَنَزَلَ فِي الحلَاويَّة (4) ، وَمُدَرِّسهَا الافتخَار الهَاشِمِيّ، فَبحث، وَعَلَيْهِ دَلَق (5) وَلَهُ إِبرِيق وَعُكَّاز، فَأَخْرَج لَهُ الافتخَار ثَوْب عتابِيّ (6) ، وَبقيَاراً (7) ، وَغلَالَة، وَلباساً مَعَ ابْنه إِلَيْهِ، فَقَالَ: اقْض لِي حَاجَة.
وَأَخْرَج فَصّاً كَالبيضَة، وَقَالَ: نَاد لِي عَلَيْهِ.
قَالَ: فَجَاب خَمْسَة وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً، فَطَلَعَ بِهِ العَرِيْف إِلَى الظَّاهِر، فَدَفَعَ فِيْهِ ثَلَاثِيْنَ أَلْفاً، فَجَاءَ وَشَاوره، فَغَضِبَ، وَأَخَذَ الفصّ، وَضَرَبَه بِحجر فَتّنه، وَقَالَ: خُذِ الثِّيَابَ، وَقبّل يَد وَالِدك، وَقُلْ لَهُ: لَوْ أَردنَا
(1) كأن التركماني في هذه الحكاية هو صاحب الغنم.
(2)
أصل الحكاية: أن رفيقا للتركماني لم يقبل بهذا البيع، فلحق الجماعة، وطلب منهم أن يأخذوا رأس غنم أصغر من الذي أعطاهم رفيقه الأول لاعتقاده بأن صاحبه ما عرف يبيعهم، وعليه فإن هذا التركماني غير ذاك الأول (راجع (وفيات) ابن خلكان: 6 / 269) .
(3)
هو ضياء الدين أبو محمد صقر بن يحيى بن سالم بن عيسى بن صقر الكلبي الحلبي الشافعي المتوفى سنة 653، ذكره الذهبي في سنة وفاته من (تاريخ الإسلام)(أيا صوفيا 3013)
وو (العبر) : 5 / 214.
والنص منقول من طبقات الاطباء أيضا.
(4)
يعني المدرسة الحلاوية.
(5)
الدلق شيء يلبس، وفي (تاريخ الإسلام) :(فحضر وبحث وهو لابس دلق) .
(6)
هكذا في النسختين (وتاريخ الإسلام) والصواب فيها: (ثوبا عتابيا) وكأن الذهبي نقل الحكاية كما هي.
(7)
قال الفيروزآبادي في (بقر) من القاموس: (والبقير المشقوق كالمبتور، وبرد يلبس يشق فيلبس بلا كمين كالبقيرة) .
الْمَلْبُوس مَا غلبنَا، وَأَمَّا السُّلْطَان، فَطَلبَ العَرِيْف، وَقَالَ: أُرِيْد الفَصّ.
قَالَ: هُوَ لابْن الافتخَار.
فَنَزَلَ السُّلْطَان إِلَى المَدْرَسَة، ثُمَّ اجْتمع بِالسُّهْرَوَرْدِيّ، وَأَخَذَهُ مَعَهُ، وَصَارَ لَهُ شَأْن عَظِيْم، وَبحث مَعَ الفُقَهَاء، وَعجَّزهُم
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَأَفتَوا فِي دَمه، فَقِيْلَ: خُنِقَ، ثُمَّ بَعْد مُدَّة حَبَس الظَّاهِر جَمَاعَة مِمَّنْ أَفْتَى، وَصَادرهَم.
وَحَدَّثَنِي السَّدِيْد مَحْمُوْدُ بنُ زقَيْقَةَ (1)، قَالَ: كُنْتُ أَتمشَّى مَعَ السُّهْرَوَرْدِيّ فِي جَامِع مَيَّافَارِقِيْن، وَعَلَيْهِ جُبَّة قصِيْرَة، وَعَلَى رَأْسه فُوطَة، وَهُوَ بزربول كَأَنَّهُ خَرْبَنْدَا (2) .
وَللشِهَاب شعر جَيِّد (3) .
وَلَهُ كِتَاب (التلويحَات اللوحيَة وَالعرشيَة) ، وَكِتَاب (اللَّمْحَة) ، وَكِتَاب (هيَاكل النُّوْر) ، وَكِتَاب (المعَارج وَالمطَارحَات) ، وَكِتَاب (حِكْمَة الإِشرَاق) ، وَسَائِرهَا لَيْسَتْ مِنْ علُوْم الإِسْلَام.
وَكَانَ قَدْ قرَأَ عَلَى الْمجد الجِيْلِيّ بِمَرَاغَة، وَكَانَ شَافِعِيّاً، وَيُلَقَّبُ بِالمُؤَيَّد بِالملكوت.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (4) : وَكَانَ يُتَّهَم بِالانحَلَال وَالتعطيل، وَيَعتقد مَذْهَب الأَوَائِل اشْتهر ذَلِكَ عَنْهُ، وَأَفتَى عُلَمَاء حلب بِقَتْلِهِ، وَأَشدُّهُم الزِّين
(1) قال الذهبي في (المشتبه) : (وبزاي - ابن زقيقة الطبيب سديد الدين محمود بن عمر الشيباني المعروف بابن زقيقة، له شعر جيد، روى عنه منه القوصي في معجمه)(ص: 322)، وذكره ابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه) : 2 / الورقة 35 من نسخة الظاهرية، وترجم له الذهبي في وفيات سنة 635 من (تاريخ الإسلام) ، الورقة 169 (أيا صوفيا 3011)
(2)
كلمة فارسية تعني: حارس الحمار وجمعها خربندكان، ومعناها في ذلك الوقت: الحمار.
ونقل هذا الحديث ابن أبي اصيبعة في طبقاته، فلفظة (حدثني) تعود إليه. وأما (الزربول) فشئ يلبس في الرجل.
(3)
أورد ابن خلكان طائفة منه في (الوفيات) .
(4)
(وفيات) : 6 / 272.