الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بن الظَّرِيْفِ البَلْخِيّ، وَالأَمِيْر ابْن بُنَانٍ، وَالشِّهَاب مُحَمَّد بن مَحْمُوْدٍ الطُّوْسِيّ شَيْخ الشَّافِعِيَّة بِمِصْرَ.
178 - ابْنُ زَبَادَةَ أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ هِبَةِ اللهِ الوَاسِطِيُّ *
الصَّاحِبُ الأَثِيْرُ، رَئِيْسُ دِيْوَانِ الإِنشَاءِ، قَوَامُ الدِّيْنِ، أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بنُ سَعِيْدِ بنِ هِبَةِ اللهِ بنِ عَلِيِّ بنِ عَلِيِّ بنِ زَبَادَةَ (1) الوَاسِطِيُّ، ثُمَّ البَغْدَادِيُّ.
كَانَ رَبّ فُنُوْنٍ: فَقه، وَأُصُوْل، وَكَلَام، وَنظم، وَنثر، سَارَتِ الركبَان بِترسله المُؤنّق.
وَلِي المنَاصب الجَلِيْلَة.
وَرَوَى عَنْ: أَبِي الحَسَنِ بنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَأَبِي القَاسِمِ عَلِيّ ابْن
(*) ترجم له ياقوت في إرشاد الاريب: 7 / 280، وابن الأثير في الكامل: 12 / 58، وأبو شامة في الذيل: 14، والمنذري في التكملة، الترجمة: 458، وابن خلكان في الوفيات: 6 / 244 وابن الفوطي في: الملقبين بقوام الدين من تلخيصه: 4 / الترجمة: 3197، والذهبي في تاريخ الإسلام، الورقة: 197 (أحمد الثالث 2917 / 14) والعبر: 4 / 284، والمشتبه: 343 والاعلام: الورقة 211، وابن كثير في البداية: 13 / 17، والغساني في العسجد، الورقة 102، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 217، وابن العماد في الشذرات: 4 / 318، والزبيدي في (زبد) من التاج: 2 / 363.
(1)
تصحف في (كامل) ابن الأثير (وذيل الروضتين) لأبي شامة و (البداية) لابن كثير إلى (زيادة) بالايء آخر الحروف، وقيده بالحروف المنذري، وابن خلكان في (الوفيات) ،
والذهبي في (المشتبه) وابن ناصر الدين في (توضيح المشتبه) .
قال المنذري في ترجمته من (التكملة) : (بفتح الزاي وبعدها باء موحدة مفتوحة وبعد الالف دال مهملة وتاء تأنيث) .
وقال ابن خلكان:) هو القطعة من الزباد الذي يتطيب النسوان به، والله أعلم)
الصَّبَّاغِ، وَأَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَرَّجَانِيّ الشَّاعِر، وَأَبِي مَنْصُوْرٍ ابْنِ الجَوَالِيْقِيِّ، وَأَخَذَ عَنْهُ العَرَبِيَّة.
وَلِي نَظَرَ وَاسِط، وَوَلِيَ حجَابَة الحجَاب، ثُمَّ الأسْتَاذدَارِيَة، ثُمَّ نُقل إِلَى كِتَابَةِ السّرِّ.
رَوَى عَنْهُ: ابْنُ الدُّبَيْثِيّ، وَابْن خَلِيْل، وَغَيْرهُمَا.
وَكَانَ دَيِّناً، صَيِّناً، حَمِيْد السّيرَة، وَهُوَ القَائِلُ:
لَا تغبِطَنَّ وَزِيْراً لِلمُلُوْكِ وَإِنْ
…
أَنَالَهُ الدَّهْرُ مِنْهُم فَوْقَ هِمَّتِهِ
وَاعلمْ بِأَنَّ لَهُ يَوْماً تَمورُ بِهِ الـ
…
أَرْضُ الوقورُ كَمَا مَارت بهيبتِهِ (1)
هَارُوْنُ وَهُوَ أَخُو مُوْسَى الشّقيقُ لَهُ
…
لَوْلَا الوزَارَةُ لَمْ يَأْخُذْ بِلحيتهِ
أَنْبَؤُوْنَا عَنِ ابْن الدُّبَيْثِيّ، أَنْشَدَنَا أَبُو طَالِبٍ بنُ زَبَادَةَ، أَنْشَدَنِي القَاضِي الأَرَّجَانِيّ لِنَفْسِهِ:
وَمَقْسُوْمَة العَيْنَيْنِ مِنْ دَهَشِ النَّوَى
…
وَقَدْ رَاعهَا بِالعِيْسِ رَجَعَ حُدَاءِ
تُجِيْبُ بِإِحْدَى مُقْلَتَيْهَا تَحِيَّتِي
…
وَأُخْرَى تُرَاعِي أَعْيُنَ الرُّقَبَاءِ
وَلَمَّا (2) بَكَتْ عَيْنِي غَدَاةَ رَحِيْلِهِم (3)
…
وَقَدْ رَوَّعتْنِي فُرقَةُ القُرَنَاءِ
بَدَتْ فِي مُحَيَّاهَا خيَالَاتُ أَدْمُعِي
…
فَغَارُوا وَظنُّوا أَنْ بَكتْ لبُكَائِي
تُوُفِّيَ ابْنُ زَبَادَةَ: فِي سَابِعَ عَشَرَ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُوْنَ سَنَةً وَأَشْهُر (4) .
(1) ابن خلكان: لهيبته.
(2)
ابن خلكان: (فلما) وهو قد نقل عن ابن الدبيثي أيضا.
وذكر قبل هذا البيت: رأت حولها الواشين طافوا فغيضت * لهم دمعها واستعصمت بحياء
(3)
ابن خلكان: وداعهم.
(4)
ذكر ابن الدبيثي والمنذري وغيرهما أنه ولد في الخامس والعشرين من صفر سنة 522، هكذا أجاب ابن زبادة عندما سأله ابن الدبيثي.
179
- القَاضِي (1) الفَاضِلُ أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَلِيٍّ *
المَوْلَى، الإِمَامُ، العَلَاّمَةُ البَلِيْغُ، القَاضِي الفَاضِلُ، مُحْيِي الدِّيْنِ، يَمِيْنُ المَمْلَكَةِ، سَيِّدُ الفُصَحَاءِ، أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الرَّحِيْمِ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ
(1) إضافة نعتقد أنها كانت في الأصل وهو مشهور بما أثبتناه في جميع المصادر ومنها كتب الذهبي، قال في العبر في ذكر وفيات سنة 596:(والقاضي الفاضل، أبو علي عبد الرحيم..) ومثل ذلك في (تاريخ الإسلام)، الورقة: 217 (أحمد الثالث 2917 / 14) ، و (الاعلام)، الورقة:211.
وقال ابن خلكان في (الوفيات)
…
(المعروف بالقاضي الفاضل الملقب مجير الدين) : 3 / 158 وقال العماد الكاتب الأصبهاني: وتمت الرزية الكبرى وفجيعة أهل الدين والدنيا بانتقال القاضي الفاضل من دار الفناء..) ، ومن هنا تبين اشتهاره بذلك، ولعلنا نعتقد أن هذه الشهرة ب (القاضي الفاضل) قد قفزت في النسخة الخطية من (سير أعلام النبلاء) إلى ترجمة القاضي الأصبهاني أبي طالب محمود بن علي ابن أبي طالب التميمي الأصبهاني المتوفى سنة 585 والذي مرت ترجمته في الرقم: 113 ولم يعرف هذا التميمي الأصبهاني (بالقاضي الفاضل) فتأمل ذلك وقدر سبب إضافتنا.
(*) أخباره في التواريخ التي تناولت الفترة الصلاحية المباركة مثل كامل ابن الأثير والنوادر السلطانية لابن شداد والروضتين لأبي شامة ومفرج الكروب لابن واصل والقسم الخاص بالحوادث من تاريخ الإسلام ونحوها. وترجم له العماد ترجمة رائعة في القسم المصري من الخريدة: 1 / 35 فما بعد، وابن الجوزي في التنقيح، الورقة 102، وياقوت في معجم البلدان: 1 / 788 وابن نقطة في إكمال الإكمال، الورقة: 61 (ظاهرية) ، وابن أبي الدم الحموي في التاريخ المظفري، (الورقة: 228، وسبط ابن الجوزي في المرآة: 8 / 472، وأبو شامة في الذيل: 17، والمنذري في التكملة، الترجمة،: 526، وابن الساعي في الجامع: 9 / 28، وابن خلكان في الوفيات: 3 / 158، والذهبي في كتبه ومنها تاريخ الإسلام، العبر، ودول الإسلام، والاعلام، والإشارة، والسبكي في طبقاته: 7 / 166، وابن كثير في البداية: 13 / 24، وابن الملقن في العقد، الورقة: 162، والغساني في العسجد، الورقة: 162، والفاسي في العقد الثمين: 5 / 422، والمقريزي في السلوك: ج 1 ق 1 ص: 153، وابن قاضي شبهة في طبقات النحاة، الورقة: 185، والعيني في عقد الجمان: 17 / الورقة: 247، وابن الفرات في تاريخه: 8 / الورقة: 74 وكثيرون غيرهم.
وفي نهاية الارب للنويري وصبح الاعشى للقلقشندي وفريدة العماد وكتب التاريخ مجموعة من رسائله، وطبع ديوانه في القاهرة سنة 1961.
الحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ المُفَرِّجِ (1) اللَّخْمِيُّ، الشَّامِيُّ، البَيْسَانِيُّ الأَصْلِ، العَسْقَلَانِيُّ المَوْلِدِ، المِصْرِيُّ الدَّارِ، الكَاتِبُ، صَاحِبُ دِيْوَانِ الإِنشَاءِ الصَّلَاحِيِّ.
وُلِدَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ (2) .
سَمِعَ فِي الكُهُوْلَةِ مِنْ: أَبِي طَاهِرٍ السِّلَفِيِّ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ العُثْمَانِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ عَسَاكِرَ، وَأَبِي الطَّاهِر بنِ عَوْفٍ، وَعُثْمَانَ بنِ فَرَجٍ العَبْدَرِيِّ،
وَرَوَى: اليَسِيْرَ.
وَفِي انتسَابِهِ إِلَى بيسَانَ تَجوُّزٌ، فَمَا هُوَ مِنْهَا، بَلْ قَدْ وَلِيَ أَبُوْهُ القَاضِي الأَشرفُ أَبُو الحَسَنِ قَضَاءهَا.
انتهتْ إِلَى القَاضِي الفَاضِلِ برَاعَة التَّرسُّلِ، وَبلاغَة الإِنشَاءِ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ الفَنِّ اليَدُ البيضَاءُ، وَالمَعَانِي المبتكرَةُ، وَالبَاعُ الأَطولُ، لَا يُدركُ شَأؤُهُ، وَلَا يُشَقُّ غُبَارُهُ مَعَ الكَثْرَةِ.
قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (3)، يُقَالُ: إِنَّ مسوَّدَاتِ رَسَائِلِهِ مَا يَقَصْرُ عَنْ مائَةِ مُجَلَّدٍ، وَلَهُ النَّظْمُ الكَثِيْرُ، وَأَخَذَ الصّنعَةَ عَنِ المُوَفَّقِ يُوْسُفَ بنِ الخَلَاّلِ صَاحِبِ الإِنشَاءِ لِلْعَاضدِ (4) ، ثُمَّ خدمَ بِالثَّغْرِ مُدَّةً، ثُمَّ طلبَهُ وَلدُ الصَّالِحِ بنِ رُزّيْكٍ،
(1) في (تكملة) المنذري و (وفيات) ابن خلكان: (الفرج) .
وجاء في (العقد الثمين) للفاسي: (عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن المفرج بن الحسين بن أحمد بن المفرج بن أحمد) وذكر أن ابن خلكان نسبه كما نسبه، ولم يكن قوله دقيقا فالذي عند ابن خلكان مختلف عما أورده.
(2)
كان مولده بعسقلان في الخامس عشر من جمادى الآخرة من السنة.
(3)
(وفيات) : 3 / 158 - 162.
(4)
فصل ابن خلكان ذلك في ترجمة الموفق الخلال من (وفيات الأعيان) : 7 / 219 - 221.
وَاسْتخدمَهُ فِي دِيْوَانِ الإِنشَاءِ.
قَالَ العِمَادُ: قضَى سعيداً وَلَمْ يُبْقِ عَملاً صَالِحاً إِلَاّ قدَّمَهُ، وَلَا عهداً فِي الجَنَّةِ إِلَاّ أَحْكَمَهُ، وَلَا عقْدَ بِرٍّ إِلَاّ أَبرمَهُ، فَإِنَّ صَنَائِعَهُ فِي الرِّقَابِ وَأَوقَافَهُ متجَاوزَةُ الحسَابِ، لَا سِيَّمَا أَوقَافُهُ لفكَاكِ الأَسرَى، وَأَعَانَ المَالِكيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ بِالمَدْرَسَةِ وَالأَيْتَامَ بِالكُتَّابِ، كَانَ لِلْحُقُوقِ قَاضِياً، وَفِي الحَقَائِق مَاضياً، وَالسُّلْطَانُ لَهُ مُطِيعٌ، مَا افْتَتَحَ الأَقَالِيمَ إِلَاّ بِأَقَاليد آرَائِهِ، وَمقَاليد غِنَاه وَغَنَائِهِ، وَكُنْتُ مِنْ حَسَنَاتِهِ محسوباً، وَإِلَى آلَائِهِ مَنْسُوْباً، وَكَانَتْ كِتَابَتُهُ كَتَائِبَ النَّصْرِ، وَيَرَاعتُهُ رَائِعَة الدَّهْرِ، وَبرَاعتُهُ بارِيَةً لِلبرِّ، وَعبَارتُهُ نَافثَة فِي عُقَدِ السِّحْرِ، وَبلاغتُهُ لِلدَّولَةِ مُجَمِّلَة، وَللمَمْلَكَةِ مُكَمِّلَة، وَلِلْعصرِ الصَّلَاحِيِّ عَلَى سَائِرِ الأَعصَارِ مُفَضَّلَة، نسخَ أَسَاليبَ القُدَمَاءِ بِمَا أَقدَمَهُ مِنَ الأَسَاليْبِ، وَأَعرَبَهُ مِنَ الإِبدَاعِ، مَا أَلْفَيْتهُ كرَّرَ دُعَاءً فِي مكَاتَبَةٍ، وَلَا رددَّ لفظاً فِي مخَاطبَةٍ
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَإِلَى مَنْ بَعْدَهُ الوِفَادَةُ؟ وَمِمَّنِ الإِفَادَةُ؟ وَفِيْمَنِ السيَادَة؟ وَلِمَنِ السعَادَةُ؟
وَقَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ (1) : وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ صَلَاحِ الدِّيْنِ بن أَيُّوْبَ
فَقَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سنَاء الْملك قصيدَةً مِنْهَا:
قَالَ الزَّمَانُ لغَيْرِهِ لَوْ رَامَهَا (2)
…
تَرِبَتْ يَمِيْنُكَ لَسْتَ مِنْ أَربَابِهَا (3)
اذهَبْ طرِيقَكَ لَسْتَ مِنْ أَربَابِهَا
…
وَارْجِعْ وَرَاءكَ لَسْتَ مِنْ أَترَابِهَا (4)
(1) لم ترد قصيدة ابن سناء الملك هذه في ترجمة القاضي الفاضل من الوفيات، ولا في مكان آخر من كتاب ابن خلكان، ونحن نعتقد أن ترجمة القاضي الفاضل في الوفيات ناقصة بلا ريب.
وراجع ديوان ابن سناء الملك (دار الكاتب العربي القاهرة 1969) 2 / 22 - 25.
(2)
في الديوان: إذ رامها.
(3)
في الديوان: من أترابها.
(4)
في الديوان: من اصحابها.
وَبِعِزِّ سيِّدِنَا وَسَيِّدِ غَيرِنَا (1)
…
ذلَّتْ مِنَ الأَيَّامِ شَمْسُ صِعَابِهَا
وَأَتَتْ سعَادتُهُ إِلَى أَبْوَابِهِ
…
لَا كَالَّذِي يَسْعَى إِلَى أَبْوَابِهَا
فَلْتَفْخَرِ الدُّنْيَا بِسَائِسِ مُلْكِهَا
…
مِنْهُ وَدَارسِ علمِهَا وَكِتَابِهَا
صوَّامِهَا قوَّامِهَا علَاّمِهَا
…
عَمَّالِهَا بِذَّالِهَا وَهَّابِهَا
وَبَلَغَنَا أَنَّ كُتُبَهُ الَّتِي ملكَهَا بلغَتْ مائَة أَلْفِ مُجَلَّدٍ، وَكَانَ يُحصِّلُهَا مِنْ سَائِرِ البِلَادِ (2) .
حكَى القَاضِي ضِيَاءُ الدِّيْنِ ابْنُ الشَّهْرُزُوْرِيِّ أَنَّ القَاضِي الفَاضِلَ لَمَّا سَمِعَ أَنَّ العَادلَ أَخَذَ مِصْرَ، دَعَا بِالموتِ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَدعيَهُ وَزِيْرُهُ ابْنُ شُكْرٍ، أَوْ يُهِينَهُ، فَأَصْبَحَ مَيْتاً، وَكَانَ ذَا تَهجُّدٍ وَمعَامِلَةٍ.
وَلِلْعِمَادِ فِي (الخريْدَةِ (3)) : وَقبلَ شروعِي فِي أَعيَانِ مِصْرَ، أُقَدِّمُ ذِكْرَ (4) مَنْ جَمِيْعُ أَفَاضِلِ العصرِ (5) كَالقطرَةِ فِي بحرِهِ (6) ، المَوْلَى القَاضِي الفَاضِلُ
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
فَهُوَ كَالشَّرِيعَةِ المحمَّدِيَّةِ، نسخَتِ الشَّرَائِعَ، يَخترعُ الأَفكَارَ، وَيَفترِعُ الأَبكَارَ (7) ، هُوَ ضَابطُ المُلكِ بآرَائِهِ، وَرَابطُ السِّلكِ بآلَائِهِ، إِنْ شَاءَ أَنشَأَ فِي يَوْمٍ (8) مَا لَوْ دُوِّنَ لَكَانَ لأَهْلِ الصِّنَاعَةِ خَيْرَ
(1) في الديوان: وسيد غزنا، وأشار محققه في هامشه إلى أن بعض النسخ المخطوطة ورد فيها كما ورد هنا.
(2)
وهذا النص لم يرد في المطبوع من (وفيات الأعيان) أيضا، وراجع ما ذكرناه في الهامش السابق.
ونعتقد أن حكاية القاضي ضياء الدين ابن الشهرزوري التي ستأتي بعد هذه الفقرة منقولة من (الوفيات) أيضا.
(3)
القسم المصري 1 / 35 فما بعد.
(4)
الزيادة من (الخريدة) 1 / 35.
(5)
في (الخريدة) : أفاضل الدهر، وأماثل العصر.
(6)
في (الخريدة) : في تيار بحره، بل كالذرة في أنوار فجره، وهو المولى الاجل
…
(7)
في (الخريدة) : ويفترح الابكار، ويطلع الانوار، ويبدع الازهار، وهو ضابط
…
(8)
في (الخريدة) : في يوم واحد، بل في ساعة واحدة مالو دون..
بِضَاعَةٍ، أَيْنَ قُسٌّ مِنْ فَصَاحتِهِ، وَقيسٌ (1) فِي حَصَافتِهِ، وَمَنْ حَاتِمٌ وَعَمْرٌو فِي سمَاحتِهِ وَحمَاستِهِ (2) ، لَا مَنَّ فِي فَعلِهِ، وَلَا مَيْنَ فِي قَوْلِهِ، ذُو الوَفَاءِ وَالمُروءةِ وَالصَّفَاءِ وَالفتوَّةِ، وَهُوَ مِنَ الأَوْلِيَاءِ الَّذِيْنَ خُصُّوا بِالكرَامَةِ، لَا يَفترُ مَعَ مَا يَتولَاّهُ مِنْ نوَافلِ صَلَاتِهِ، وَنوَافلِ صِلَاتِهِ، يَتلو كُلَّ يَوْمٍ
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَأَنَا أُوثِرُ أَنْ أُفرِدَ لنظمِهِ وَنثرِهِ كِتَاباً.
قِيْلَ: كَانَ القَاضِي أَحَدبَ، فَحَدَّثَنِي شَيْخُنَا أَبُو إِسْحَاقَ الفَاضِلِيُّ (3) أَنَّ القَاضِي الفَاضِلَ ذهبَ فِي الرُّسليَّةِ إِلَى صَاحِبِ المَوْصِلِ، فَأُحْضِرَتْ فَوَاكهُ، فَقَالَ بَعْضُ الكِبَارِ مُنَكِّتاً: خيَارُكُم أَحَدبُ، يُوَرِّي بِذَلِكَ.
فَقَالَ الفَاضِلُ: خَسُّنَا خَيْرٌ مِنْ خيَارِكُم.
قَالَ الحَافِظُ المُنْذِرِيُّ (4) : رَكَنَ إِلَيْهِ السُّلْطَانُ رُكُوناً تَامّاً، وَتَقدَّمَ عِنْدَهُ كَثِيْراً، وَكَانَ كَثِيْرَ البِرِّ، وَلَهُ آثَارٌ جَمِيْلَةٌ، تُوُفِّيَ لَيْلَةَ سَابعِ رَبِيْعٍ الآخَرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَتسعِينَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
(1) في (الخريدة) : وأين قيس.
(2)
في (الخريدة) : وحماسته.
فضله بالافضال حال، ونجم قبوله في أفق الاقبال عال، لا من في فعله، ولا مين في قوله، ولا خلف وعده، ولا بطء في رفده، الصادق الشيم، السابق بالكرم، ذو الوفاء والمروءة، والصفاء والفتوة، والتقى والصلاح، والندى والسماح، منشر رفات العلم وناشر راياته، وجالي غيابات الفضل وتالي آياته، وهو من أولياء الله الذين خصوا بكرامته، وأخلصوا لولايته، قد وفقه الله للخير كله، وفضل هذا العصر على الاعصار السالفة بفضله ونبله، فهو مع ما يتولاه من أشغال المملكة الشاغلة ومهامه المستغرقة في العاجلة لا يغفل عن الآجلة
…
الخ.
(3)
هو شيخ القراء جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم بن داود العسقلاني ثم الدمشقي الفاضلي المتوفى سنة 692 وكان من شيوخ الذهبي البارزين في القراءات، وكان متصدرا للاقراء بتربة أم الصالح (الذهبي:(معجم الشيوخ) : 1 / الورقة: 27، و (معرفة القراء) : 562 -
563، وابن الجزري في (غاية النهاية) : 2 / 71.
(4)
(التكملة)، الترجمة:526.
وَقَالَ المُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيْفِ: كَانُوا ثَلَاثَةَ إخوَةٍ:
أَحَدهُم: خدَمَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَخلَّفَ مِنَ الخوَاتِيمِ صنَادِيقَ، وَمِنَ الحُصْرِ وَالقُدُورِ بُيُوتاً مَمْلُوْءةً، وَكَانَ مَتَى سَمِعَ بِخَاتمٍ سَعَى فِي تحصيلِهِ.
وَأَمَّا الآخَرُ: فَكَانَ لَهُ هَوَسٌ مُفْرِطٌ فِي تحصيلِ الكُتُبِ، عِنْدَهُ نَحْوُ مائَتَيْ أَلف كِتَاب.
وَالثَّالِثُ القَاضِي الفَاضِلُ: كَانَ ذَا غرَامٍ بِالكِتَابَةِ وَبِالكُتُبِ أَيْضاً، لَهُ الدِّينُ وَالعفَافُ وَالتُّقَى، موَاظِبٌ عَلَى أَورَادِ اللَّيْلِ وَالصِّيَامِ وَالتِّلَاوَةِ، لَمَّا تَملَّكَ أَسَدُ الدِّيْنِ أَحضرَهُ، فَأُعْجِبَ بِهِ، ثُمَّ اسْتخلَصَهُ صَلَاحُ الدِّيْنِ لِنَفْسِهِ، وَكَانَ قَلِيْلَ اللَّذَّاتِ، كَثِيْرَ الحَسَنَاتِ، دَائِمَ التَّهَجُّدِ، يَشتغلُ بِالتَّفْسِيْرِ وَالأَدبِ، وَكَانَ قَلِيْلَ النَّحْوِ، لَكنَّهُ لَهُ دُرْبَةٌ قويَّةٌ، كتبَ مِنَ الإِنشَاءِ مَا لَمْ يَكتبْهُ أَحَدٌ، أَعْرِفُ عِنْدَ ابْنِ سنَاء الملكِ مِنْ إِنشَائِهِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَعِنْدَ ابْنِ القَطَّانِ عِشْرِيْنَ مُجَلَّداً، وَكَانَ مُتَقَلِّلاً فِي مطعَمِهِ وَمنكحِهِ وَملبسِهِ، لباسُهُ البيَاضُ، وَيَرْكُبُ مَعَهُ غُلَامٌ وَركَابِيٌّ، وَلَا يَمكِّنُ أَحَداً أَنْ يَصحبَهُ، وَيُكْثِرُ تَشييعَ الجَنَائِزِ، وَعيَادَةَ المَرْضَى، وَلَهُ مَعْرُوفٌ فِي السِّرِّ وَالعَلَانِيَةِ، ضَعِيْفُ البُنْيَةِ، رقيقُ الصُّوْرَةِ، لَهُ حَدْبَةٌ يُغَطِّيهَا الطَّيْلَسَانُ، وَكَانَ فِيْهِ سُوءُ خُلُقٍ، يُكْمِدُ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَا يضرُّ أَحَداً بِهِ، وَلأَصْحَابِ العِلْمِ عِنْدَهُ نفَاقٌ يُحْسِنُ إِلَيْهِم، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ انتقَامٌ مِنْ أَعدَائِهِ إِلَاّ بِالإِحسَانِ أَوِ الإِعرَاضِ عَنْهُم، وَكَانَ دَخْلُهُ وَمَعْلُوْمُهُ فِي العَامِ نَحْواً مِنْ خَمْسِيْنَ أَلْفَ دِيْنَارٍ سِوَى مَتَاجر الهِنْدِ وَالمَغْرِبِ، تُوُفِّيَ مَسْكُوتاً (1) ، أَحْوَجَ مَا كَانَ إِلَى المَوْتِ عِنْدَ تَوَلِّي الإِقبالِ، وَإِقبالِ الإِدبارِ، وَهَذَا يَدلُّ عَلَى أَنَّ للهِ بِهِ عنَايَة.
(1) يعني: فجاءة، وهو ما يعرف في عصرنا بالسكتة القلبية.
قَالَ العِمَادُ: تَمَّتِ الرَّزِيَّةُ بَانتقَالِ القَاضِي الفَاضِلِ مِنْ دَارِ الفنَاءِ إِلَى دَارِ البقَاءِ، فِي مَنْزِلِهِ بِالقَاهِرَةِ، فِي سَادسِ رَبِيْعٍ الآخَرَ، وَكَانَ لَيْلَتَئِذٍ صَلَّى العشَاءَ، وَجَلَسَ مَعَ مُدَرِّسِ مَدْرَسَتِهِ، وَتحدَّثَ مَعَهُ مَا شَاءَ، وَانفصلَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَحِيْحاً.
وَقَالَ لغُلَامِهِ: رَتِّبْ حوَائِجَ الحَمَّامِ، وَعرفنِي حَتَّى أَقضِي مُنَى المَنَامِ، فَوَافَاهُ سَحَراً، فَمَا اكترَثَ بصوتِهِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ وَلدُهُ فَأَلفَاهُ وَهُوَ سَاكِتٌ باهِتٌ، فَلبثَ يَوْمَهُ لَا يُسْمَعُ لَهُ إِلَاّ أَنِيْنٌ خفِيٌّ، ثُمَّ قضَى رحمه الله.
قيل: وَقَفَ مُنَجِّمٌ عَلَى طَالعِ القَاضِي، فَقَالَ: هَذِهِ سعَادَةٌ لَا تَسَعُهَا عَسْقَلَانُ.
حفظَ القُرْآنَ، وَكَتَبَ ختمَةً، وَوقفَهَا، وَقرَأَ (الجمعَ بَيْنَ الصَّحِيْحَيْنِ) عَلَى ابْنِ فَرحٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الحُمَيْدِيِّ، وَصَحِبَ أَبَا الفَتْحِ مَحْمُوْدَ بنَ قَادوس المنشِئ، وَكَانَ مَوْتُ أَبِيْهِ سَنَة 46 (1) ، وَكَانَ لَمَّا جرَى عَلَى أَبِيْهِ نَكبَةً اتَّصَلَتْ بِمَوْتِهِ، ضُرِبَ وَصُودِرَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ شَيْء، وَمَضَى إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَصَحِبَ بنِي حديدٍ، فَاسْتَخدمُوْهُ.
قَالَ جَمَالُ الدِّيْنِ ابْنُ نُبَاتَةَ: رَأَيْتُ فِي بَعْضِ تَعَاليقِ القَاضِي: لَمَّا رَكِبْتُ البَحْرَ مِنْ عَسْقَلَانَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، كَانَتْ مَعِي رزمَةٌ فِيْهَا ثِيَابٌ، وَرزمَةٌ فِيْهَا مُسَوَّدَاتٌ، فَاحتَاجَ الرُّكَّابُ أَنْ يُخَفِّفُوا، فَأَردتُ أَنْ أَرمِي رزمَةَ المُسَوَّدَاتِ، فَغلِطْتُ وَرَمَيْتُ رزمَةَ القِمَاشِ.
وَذَكَرَ القَاضِي ابْنُ شَدَّادٍ أَنَّ دَخْلَ القَاضِي كَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَمْسِيْنَ (2) دِيْنَاراً (3) .
(1) يعني: 546.
(2)
في الأصل: (خمسون) .
(3)
لعل الاصح: (مئة وخمسين) وهو ما نعتقده، ليتوافق مع الذي ذكره المؤرخون بأن دخله قرابة الخمسين ألف دينار في السنة.