الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
178/ 2/ 34 - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نعطيها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شعيرٍ أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء، قال: أرى مدّاً من هذا يعدل مدين.
قال أبو سعيد: أما أنا فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه" (1).
الكلام عليه من أحد عشر وجهاً، وهو حديث ملحق بالمسند عند المحققين من الأصوليين لأن مثل هذا لا يأمر به غير النبي صلى الله عليه وسلم ولا يخفي مثله عنه، ولا يذكره الصحابي في معرض الاحتجاج إلَّا وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
(1) البخاري (1505، 1506، 1508، 1510)، ومسلم (985)، وأبو داود (1618) في الزكاة، باب: كم يؤدي في صدقة الفطر، والنسائي (5/ 51، 52)، ومالك (1/ 284)، والشافعي في المسند (93)، والسنن المأثورة له (331)، والدارمي (1/ 392)، والطحاوي (2/ 42)، والبيهقي (4/ 164)، والبغوي (1595)، وابن خزيمة (1413، 2414)، وأحمد (3/ 73)، والدارقطني (2/ 146)، وابن حبان بألفاظ مختلفة (3305، 3306، 3307)، وأبو يعلى (1227).
الوجه الأول: في التعريف براويه، وقد سلف في باب المواقيت.
الثاني: قوله: "صاعاً "هو منصوب: إما على البدل من الهاء والألف في نعطها إذ هما ضمير الصدقة، وإما على الحال، ويكون صاعاً بمعنى مكيلاً.
الثالث: المراد بالطعام: هنا البر (1) بدليل ذكر الشعير بعده،
(1) قال الصنعاني -رحمنا الله وإياه- في الحاشية (3/ 321): وقد فسره المصنف -أي ابن دقيق- بالبر، فلا يصح فيه أن يقال: فعدل الناس بنصف صاع من بر بخلاف حديث ابن عمر: فإنه يصح أن يقال: فعدل الناس بنصف صاع من بر أي عن الصاع من شعير أو تمر، وقال القاضي عياض: إن معاوية لم يطلق ذلك على كل بر إنما قال: "من سمراء الشام"، لما فيها من الريع. اهـ.
وقال ابن حجر في الفتح (3/ 373): على قوله: "صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر"، هذا يقتضي المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر بعده، وقد حكى الخطابي -أي في معالم السنن (2/ 218)، وفي الأعلام (2/ 829) - أن المراد بالطعام هنا الحنطة، وأنه اسم خاص له قال: ويدل على ذلك ذكر الشعير وغيره من الأقوات. ولا سيما حيث عطفت عليها بحرف "أو" الفاصلة، وقال هو وغيره: وقد كانت لفظة: "الطعام" تستعمل في الحنطة عند الإِطلاق حتى إذا قيل: اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح، وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه، لأن ما غلب استعمال اللفظ فيه كان خطوره عند الإِطلاق أقرب. اهـ.
وقد رد ذلك ابن المنذر وقال: قال بعض أصحابنا: إن قوله في حديث أبي سعيد: "صاعاً من طعام" حجة لمن قال: صاعاً من حنطة، وهذا غلط منه، وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره، ثم أورد طريق =
وهو عرف أهل الحجاز في ذلك.
وقد ورد في رواية أبي داود (1): "أوصاعاً من حنطة" لكنه قال: وليس بمحفوظ.
الرابع: "الأقط": بفتح الهمزة وكسر القاف ويجوز إسكان القاف مع فتح الهمزة وكسرها كنظائره.
= حفص بن ميسرة المذكورة في الباب الذي يلي هذا -أي باب: الصدقة قبل العيد- وهي ظاهرة فيما قال ولفظه: "كنا نخرج صاعاً من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر"، وأخرج الطحاوي نحوه من طريق أخرى عن عياض وقال فيه:"لا يخرج غيره"، قال وفي قوله:"فلما جاء معاوية وجاءت السمراء" دليل على أنها لم تكن قوتاً لهم قبل هذا، فدل على أنها لم تكن كثيرة ولا قوتاً، فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجوداً؟ اهـ. وانظر إلى بقية مباحثه فيه وفيما ذكر من المراجع.
(1)
سنن أبي داود مع المعالم (2/ 219)، وذكر أبو داود أن بعضهم قال فيه:"أو نصف صاع من حنطة"، قال: وليس بمحفوظ وذكر أن بعضهم قال فيه: "نصف صاع من بُرٍّ"، وهو وهم. اهـ. قال ابن خزيمة (2419): ذكر الحنطة في خبر أبي سعيد غير محفوظ، ولا أدري ممن الوهم، وقوله: فقال: "رجل"
…
إلخ، دال على أن ذكر الحنطة في أول القصة خطأ إذ لو كان أبو سعيد أخبر أنهم كانوا يخرجون منها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً لما كان لقول الرجل:"أو مدين من قمح" معنى اهـ.
انظر أيضاً: فتح الباري (3/ 373)، وشرح مسلم (7/ 60)، ونصب الراية (2/ 418)، والإرواء (3/ 338)، وأخرجه الحاكم (1/ 411)، والدارقطني (2/ 145، 146)، والبيهقي في السنن (4/ 165، 166)، وابن حبان (3306).
وقال ابن سيده: الأقط مثلث بهمزة مع سكون القاف، والأقِط: بفتح الهمزة وكسر القاف، وهو شيء يعمل من ألبان المخيض.
وقال ابن الأعرابي: يعمل من ألبان الإِبل خاصة.
وقال الشيخ زكي الدين المنذري: في باب أكل الضب: هو جبن اللبن المستخرج.
وقال النووي: في "تحريره" هو لبن يابس غير منزوع الزبد.
الخامس: "السمراء": الحنطة الشامية وهي خلاف حمولة وهي البيضاء.
السادس: تقدم الكلام على هذا الحديث [في الحديث](1) قبله واضحاً، وهل تعين هذه لأنها كانت أقواتاً في ذلك الوقت أو لتعلق الحكم بها مطلقاً.
السابع: فيه دلالة صريحة على إجزاء الأقط، وإبطال لقول من منعه، وطعن ابن حزم (2) في الحديث لا يقبل، كما أوضحته في "تخريج أحاديث الوسيط"، فراجعه منه.
وشرط أصحابنا في أجزائه أن لا يكون مملحاً أفسد كثرة الملح جوهره لأنه عيب، فإن كان الملح ظاهراً عليه فالملح غير محشو به، والشرط أن يخرج قدر ما يكون محض الأقط منه صاعاً، والرجوع في ذلك إلى أهله كما ذكره العجلي.
(1) زيادة من ن ب.
(2)
المحلى (6/ 137، 138).
وقال الماوردي (1): والخلاف في إجزاء الأقط إنما هو في أهل البادية، وأما الحاضرة فلا يجزيهم قولاً واحداً. ذكره في باب كفارة الظهار، ورد عليه النووي في "شرح المهذب"(2).
فقال: الصحيح الذي قطع به الجمهور أنه لا فرق بين الحاضرة والبادية، وحديث أبي سعيد يعني هذا صريح في إبطاله، وإن كان قد تأوله على أنه كان من أهل البادية، وهو تأويل باطل.
الثامن: قول معاوية: "أرى مدّاً من هذا يعدل مدين"، قاله على المنبر، كما أخرجه مسلم وهو الذي اعتمده أبو حنيفة، ومن وافقه في جواز نصف صاع حنطة، وقدموه على خبر الواحد، وخالفه الجمهور في ذلك كما قدمته في الحديث قبله.
والجمهور يجيبون عنه بأنه: قول صحابي قد خالفه أبو سعيد، وغيره ممن هو أطول صحبة منه، وأعلم بأحوال الشارع، وإذا اختلفت الصحابة لم يكن بعضهم أولى من بعض، فيرجع إلى دليل آخر، وظاهر الأحاديث والقياس متفقة على اشتراط الصاع من الحنطة كغيرها، فوجب اعتماده، وقد صرح معاوية بأنه رأي رآه، لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان عند أحد من حاضرى مجلسه مع كثرتهم تلك اللحظة علم في موافقة معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم لذكره كما جرى في غير هذه القصة. وما أسلفناه من خلاف أبي سعيد لمعاوية هو الظاهر، وإن كان يحتمل أن يكون أخبر أنه لا ينقص شيئاً مما كان يخرجه، وأنه فعل ذلك تورعاً واحتياطاً لكن فيه بعد.
(1) الحاوي (4/ 427)، وذكره في كفارة الظهار تلميحاً (13/ 442).
(2)
المجموع (6/ 131).
تنبيه: أجرى أبو حنيفة ومن وافقه قوله السالف في الحنطة في الزبيب، وقال: إنه يجزي نصف صاع منه. نقله النووي في "شرح مسلم"(1) ورأيت في شرح هذا الكتاب للصعبي إلحاق التمر بالزبيب وكأنه غلط.
التاسع: فيه دلالة على أن فعل الشيء في حياته صلى الله عليه وسلم حجة في فعله وتقريره، لأن الظاهر علمه عليه الصلاة والسلام به، كيف والوحي كان ينزل، فلو لم يجز لنزل الوحي بمنعه، كيف وما يتعلق بشرع عام دائم.
العاشر: فيه دلالة أيضًا على أنه لا يجوز لمن علم النص أن يرجع إلى اجتهاد المجتهد من العلماء، بل يجب على المجتهد الإِقرار بالرأي والتسليم للنص، كما ثبت عن معاوية في هذه المسألة لما بلغه حديث أبي سعيد هذا قال: إنه رأي رآه لا أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
الحادي عشر: فيه الثبوت على السنة والعمل بها وعدم الرجوع إلى قول من رأى خلافها وإن طالت المدة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! ".
…
(1) شرح مسلم (7/ 60).