الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - باب ليلة القدر
ذكر فيه رحمه الله ثلاثة أحاديث:
الحديث الأول
205/ 1/ 38 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان [منكم] متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"(1).
الكلام عليه من وجوه عشر:
الأول: اختلف العلماء لِمَ سميت ليلة القدر؟ على قولين:
أحدهما: لعظم قدرها وشرفها لنزول القرآن جملة فيها إلى
(1) البخاري (1158، 2015، 6991)، ومسلم (1165)، ومالك في الموطأ (1/ 321)، وابن خزيمة (2182، 2222)، والبيهقي (4/ 310، 311)، وأحمد (2/ 8، 17، 36، 37)، والبغوي (1823)، والدارمي (2/ 28)، وعبد الرزاق (7688)، والنسائي في الكبرى (2/ 271، 272).
سماء الدنيا، وهي ليلة مباركة، كما نطق به القرآن العظيم أيضاً.
الثاني: لأنها ليلة يكتب الله -تعالى- فيها للملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال لمن تكون في تلك السنة. قال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} (1).
وقيل: المراد بهذه الآية ليلة النصف من شعبان (2)، والصحيح الأول. وقال -تعالي-:{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)} (3) ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم. وكل ذلك مما سبق علم الله -تعالى- به. وتقديره له.
وفيه قول ثالث: أنها سميت بذلك، لأنه [ينزل](4) فيها من فضل الله وخزائن مننه ما لا يقدر قدره.
وعبارة بعضهم: سميت بذلك: لأن للطاعات فيها قدراً جزيلاً، أو لأن من لم يكن له قدر وخطر يصير في هذه الليلة ذا قدر إذا أحياها، أو لأن الله أنزل فيها كتاباً ذا قدر، على رسول ذي قدر على أمة ذات قدر. أو لأنه ينزل فيها ملائكة ذو قدر وخطر ولأن الله
(1) سورة الدخان: آية 4.
(2)
قال ابن كثير -رحمنا الله وإياه- في تفسير سورة الدخان: من قال إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النجعة، فإن نص القرآن أنها في رمضان. اهـ.
(3)
سورة القدر: آية 4.
(4)
في ن د (يتنزل).
-تعالى- قدّر فيها الرحمة على المؤمنين، أو لأن الأرض تضيق بالملائكة، لقوله:"ومن قدر عليه رزقه" أي ضيق.
الثاني: نطق القرآن العظيم بأن هذه [الليلة](1) خير من الف شهر. فاختلف في سر تخصيصها بهذه المدة.
فقيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل حمل السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المؤمنون من ذلك، وتقاصرت إليه أعمالهم. فأعطوا الليلة هي خير من مدة ذلك المغازي (2).
وقيل: إن الرجل كان فيما مضى ما كان يقال له: عابد. حتى يعبد الله ألف شهر، فأعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد.
وروى مالك في موطئه أنه عليه الصلاة والسلام: أُري [أعمار](3) الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته ألَاّ يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم من طول العمر. فأعطاه الله ليلة القدر خيراً من الف شهر (4)، وهذا أحد الأحاديث
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
تفسير مجاهد (773)، وذكره ابن كثير في تفسيره (4/ 562) في تفسير سورة القدر.
(3)
في ن ب د (أعمال).
(4)
قال ابن كثير في تفسيره (4/ 564): بعد سياقه له: وقد أسند من وجه آخر، وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأمة بليلة القدر، وقد نقله صاحب العدة أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء فالله أعلم، وحكى الخطابي عليه الإِجماع. ونقله الراضي جازماً به عن المذهب، والذي دل عليه الحديث أنها كانت في الأمم الماضيين كما هي في أمتنا. اهـ. =
الأربعة الواقعة في الموطأ. والمطعون فيها، كما قدمنا ذلك عن ابن بزيزة في باب سجود السهو.
وروى الترمذي (1) في جامعه من حديث الحسن بن علي أنه
= قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في التمهيد (24/ 373): بعد ذكره هذا: لا أعلم هذا الحديث يروي مسنداً من وجه من الوجوه، ولا أعرفه في غير الموطأ مرسلاً ولا مسنداً، وهذا أحد الأحاديث التي انفرد بها مالك، ولكنها رغائب وفضائل وليست أحكاماً، ولا بني عليها في كتابه ولا في موطئه حكماً. اهـ.
وقال ابن الصلاح في رسالته التي وصل فيها البلاغات التي في الموطأ بعد أن أخرجه بسنده متصلاً، قال: هو غريب المتن جدّاً، ضعيف الإِسناد جدّاً، ذكره عن الحافظ ابن منده بإسناده، وقال: إنه ليس بمحفوظ. اهـ.
(1)
الترمذي (3350)، والحاكم (3/ 170)، والطبري في تفسيره. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلَاّ من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل، وهو ثقة وثقه يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، قال: وشيخه يوسف بن سعد ويقال يوسف بن مازن رجل مجهول، ولا يعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلَاّ من هذا الوجه، وأخرجه أيضاً الحاكم من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن به. قال ابن كثير في تفسيره (4/ 562).
وقول الترمذي: إن يوسف هذا مجهول فيه نظر، فإنه قد روى عنه جماعة منهم حماد بن سلمة وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد، وقال فيه يحيى بن معين: هو مشهور، وفي رواية عن يحيى بن معين قال: هو ثقة. رواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن كذا قال: وهذا يقتضي اضطراباً في هذا الحديث، والله أعلم. ثم هذا الحديث على كل تقدير منكر جدّاً، قال شيخنا الإِمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هو حديث منكر.
قلت: وقول القاسم بن الفضل الحداني أنه حسب مدة بني أمية فوجدها الف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص ليس بصحيح، فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استقل بالملك حين سلم إليه الحسن بن علي الإِمرة سنة أربعين واجتمعت البيعة لمعاوية وسمى ذلك عام الجماعة، ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها لم تخرج عنهم إلَاّ مدة دولة عبد الله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريباً من تسع سنين، ولكن لم تزل يدهم عن الإِمرة بالكلية، بل عن بعض البلاد إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة، وذلك أزيد من ألف شهر فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكان القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير على هذا فيقارب ما قاله الصحة في الحساب، والله أعلم.
ومما يدل على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية، ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم، فإن ليلة القدر شريفة جدَّا، والسورة الكريمة إنما جاءت مدح ليلة القدر، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث، وهل هذا إلَاّ كما قال القائل:
ألم تر أن السيف ينقص قدره
…
إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
وقال آخر:
إذا أنت فضلت امرءاً ذا براعة
…
على ناقص كان المديح من النقص
ثم الذي يفهم من الآية أن الألف شهر المذكورة في الآية هي آيام بني أمية، والسورة مكية، فكيف يحال على الف شهر هي دولة بني أمية، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من =
-عليه الصلاة والسلام أري بني أمية على منبره فساءه فنزلت: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)} يا محمد يعني نهراً في الجنة ونزلت: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} إلى قوله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)} يملكها بعدك بنو أمية.
قال القاسم بن الفضل أحد رواته: فعددناها فإذا هي ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص [يوماً](1).
قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلَاّ ن هذا الوجه، ويوسف بن سعد الذي في إسناده: مجهول.
وقال ابن العربي (2) في القبس: حديث لا يصح. قال وما رواه مالك أصح وأولى.
فائدة: عظم الله -تعالى- القرآن فيها بقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} من ثلاثة أوجه نبه عليها الزمخشري (3).
أحدها: إنه أحال تنزيله إليه تعالى خصوصاً.
ثانيها: أنه أتى به مضمراً لا مظهراً، تنبيهاً على أنه أنبه وقدره أعظم من أن يقتصر إلى إظهاره.
= الهجرة؟ فهذا كله مما يدل على ضعف الحديث ونكارته، والله أعلم. اهـ.
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
القبس (2/ 538) مع تضعيفه للحديث، وانظر: المحرر الوجيز لابن عطية (16/ 341).
(3)
الزمخشري (4/ 225)، مع اختلاف يسير في الألفاظ، فليراجع منه.
ثالثها: أنه [رفع](1) من مقداره الوقت الذي أُنزل فيه بسبب كونه ظرفاً لنزوله.
الوجه الثالث: أجمع من يعتد به من العلماء على دوام ليلة القدر ووجودها إلى آخر الدهر وشذ قوم فقالوا: كانت خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفعت. وعزاه الفاكهي إلى أبي حنيفة، وهو غريب، وإنما هو معزى إلى الروافض واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام حين تلاحى الرجلان "فرفعت" وهو غلط، فإن آخر الحديث يرد عليهم فإنه قال عليه الصلاة والسلام بعد قوله:"فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم التمسوها في السبع والتسع والخمس"(2) كذا هو في أوائل صحيح
(1) في ن ب (أرفع)، وفي المرجع السابق (الرفع من المقداد).
(2)
قال ابن كثير -رحمنا الله وإياه- في تفسيره (4/ 564): بعد سياقه لهذا الحديث: وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية على ما فهموه من الحديث الذي سنورده بعد من قوله عليه السلام:"فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم" لأن المراد رفع علم وقتها عيناً. اهـ، المقصود منه.
وقال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في التمهيد (2/ 200): في حديث مالك "فرفعت" وليس في هذا "فرفعت"، وهي لفظة محفوظة عند الحفاظ في حديث حميد هذا، والله أعلم بمعنى ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ذلك، والأظهر من معانيه أنه رفع علم تلك الليلة عنه فأنسيها بعد أن كان علمها ولم ترفع رفعاً لا تعود بعده، لأن في حديث أبي ذر أنها في كل رمضان، وأنها إلى يوم القيامة، ويدل على ذلك من هذا الحديث قوله:"فالتمسوها" إلا أنه يحتمل أن يكون معنى قوله "فالتمسوها" في سائر =
البخاري (1) في باب: خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر، ورواه هنا أيضاً إلَاّ أن لفظة "فالتمسوها" في التاسعة والسابعة والخامسة وهو صريح في أن المراد برفعها بيان علم عينها. ولو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها، وقريب من هذا قول بعضهم أنها مخصوصة برمضان بعينه. كان ذلك الزمن، حكاه الفاكهي ثم قال: هو باطل لا أصل له.
ثم اختلف العلماء بعد ذلك في انتقالها على قولين:
أحدهما: أنها تعم فتكون في سنة في ليلة، وفي أخرى، في ليلة أخرى، وهكذا أبداً. قالوا: فإنما ينتقل في شهر رمضان وجمهورهم قالوا: إنها تنتقل من العشر الأخير خاصة. وبهذا يجمع بين الأحاديث. ويقال في كل حديث أنه جاء في أحد أوقاتها ولا تعارض فيها.
وفيه أيضاً الحث على إحياء جميع تلك الليالي، وهذا نحو قول مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبي ثور وغيرهم. وقال به أيضاً المزني وابن خزيمة: وهو قوي.
والثاني: أنها معينة لا تنتقل أبداً، بل هي ليلة معينة في جميع السنين، لا تفارقها، وهو مشهور مذهب الشافعي رحمه الله.
= الأعوام أو في العام المقبل، فإنها رفعت في هذا العام، ويحتمل أن يكون رفعت في تلك الليلة من ذلك الشهر ثم تعود فيه في غيرها، وفي ذلك دليل على أنها ليس لها ليلة معينة لا تعدوها، والله أعلم. اهـ.
(1)
البخاري مع الفتح (1/ 109).
ثم اختلف هؤلاء على أقوال كثيرة:
أحدها: أنها في السنة كلها. وممن قال به ابن مسعود (1) وأبو حنيفة وصاحباه. وقريب منه: أنها ليلة النصف من شعبان، حكاه القرطبي.
ثانيها: أنها من شهر رمضان كله. وهو قول ابن عمر وجماعة من الصحابة وروي مرفوعاً أيضاً. قال -تعالى-: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (2) فجعله [محلاًّ عامًّا في لياليه وأيامه لنزول القرآن، ثم قال -تعالي-:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} (3) فجعله خاصًّا بليلة القدر منه.
ثالثها: أنها في العشر الوسط والأواخر.
(1) مسلم (762، 1169)، وأبو داود (1332) كتاب الصلاة، باب: في ليلة القدر، والترمذي (793، 3351)، وفي المسند أيضاً. وقال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في التمهيد (2/ 208): وذكر الجوزجاني عن أبي حنيفة وصاحباه أنهم قالوا: ليلة القدر في السنة كلها، كأنهم ذهبوا إلى قول ابن مسعود: من يقم الحول يصبها. اهـ.
(2)
أبو داود (1341). قال ابن عبد البر -رحمنا الله وإياه- في التمهيد (2/ 208): وروى سفيان وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر أنه سئل عن ليلة القدر فقال: هي في كل رمضان. ورواه موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً وقد قال بعض رواة أبي إسحاق في حديث ابن عمر هذا هي في رمضان كله". اهـ. سورة البقرة: آية 185، وسورة القدر: آية1.
(3)
زيادة من ن ب د (2/ 534)(والقبس).
رابعها: أنها في العشر الأواخر. وادعى الماوردي الاتفاق عليه (1).
خامسها: أنها خاصة بأوتاره.
سادسها: أنها في أشفاعه (2) وادعت ذلك الأنصار في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام "من تاسعة تبقى" قالوا هي ليلة عشرين قالوا: "ونحن أعلم بالعدد منكم".
سابعها: أنها في ثلاث وعشرين أو سبع وعشرين. وهو قول ابن عباس (3).
ثامنها: أنها تطلب ليلة سبعة عشرة (4) أو إحدى وعشرين
(1) الحاوي الكبير للماوردي (3/ 483).
(2)
مسلم من حديث أبي سعيد الخدري (1167)، وقد يصح تفسيره بالأوتار وهم الكثيرون.
(3)
انظر: عون المعبود (4/ 264)، والترمذي (793)، والتمهيد (2/ 206، 208).
(4)
لرواية أبي داود عون (4/ 263): اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان وليلة إحدى عشرين وليلة ثلاث وعشرين، ثم سكت. قال المنذري: في إسناده حكيم بن سيف وفيه فقال: وقاله الحافظ في الفتح (4/ 265)، فيه فقال بإسناد. اهـ. ولحديت أبي سعيد الخدري عند البخاري (2018)، ومسلم (1167)، وهي ليلة إحدى وعشرين وفي ليلة ثلاث وعشرين لحديث عبد الله بن أنيس الجهني عند مسلم (1168).
والذين وجهوا ليلة القدر بأنها ليلة سبع عشرة من رمضان لأن في صبيحتها وقعة بدر وهو اليوم الذي قال الله فيه: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ} ، ورواه ابن مسعود =
أو ثلاث وعشرين، وحُكِي عن علي وابن مسعود وروي مرفوعاً.
تاسعها: أنها ليلة ثلاث وعشرين وهو قول كثير من الصحابة وغيرهم.
عاشرها: أنها ليلة أربع وعشرين، وهو محكي عن بلال وابن عباس والحسن وقتادة (1).
الحادي عشر: أنها ليلة سبع وعشرين وهو قول جماعة من الصحابة منهم أُبي (2) وقال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية: أن الشمس تطلع من صبيحتها بيضاء لا شعاع لها كأن الأنوار المفاضة في الخلق
= عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي داود، والبيهقي في السنن (4/ 310)، وقال النووي في المجموع (6/ 472): حسن لغيره لوجود حكيم بن سيف وباقي الإِسناد صحيح. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/ 265): أخرجه سعيد بن منصور في سننه من رواية أنس بإسناد ضعيف. اهـ.
(1)
البخاري عن ابن عباس (2022)، وانظر: تغليق التعليق (3/ 205)، ومن حديث بلال عند أحمد (6/ 12)، وانظر: فتح الباري (4/ 264)، وفي المسند المعتلى (1305). قال ابن حجر فيه: قلت: خالفه عمرو بن الحارث، فرواه عن يزيد بهذا الإِسناد موقوفاً على بلال، ولفظة: ليلة القدر في السبع من العشر الأواخر أخرجه البخاري في آخر المغازي (8/ 153)، وقال ابن كثير فيه: فهذا الموقوف أصح، والله أعلم (4/ 565)، وقد أوردهما جميعاً، وعن أبي سعيد عند الطيالسي (2167).
(2)
مسلم (762، 1169)، وأبو داود (1332) في كتاب الصلاة، باب: في ليلة القدر، والترمذي (793، 3351). انظر: الفتح الرباني (10/ 284)، والبيهقي في السنن (4/ 312)، والبغوي (6/ 387).
تلك الليلة تغلبها. وكان ابن عباس (1) يحلف أنها ليلة سبع وعشرين، وينزع في ذلك بإِشارة عليها بني الصوفية عقدهم في كثير من الأدلة، فنقول: إذا عددت حروف {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} فقولك: "هي" هو الحرف السابع والعشرون (2)، ووافقه على هذا الاستنباط أُبي بن كعب
(1) التمهيد (2/ 209، 211)، والطبراني، كما ذكره ابن كثير في تفسيره (4/ 565).
(2)
نقل هذا القول عنه ابن قدامة في المغني (4/ 450)، وقال ابن حجر في الفتح (4/ 265): ونقله ابن حزم عن بعض المالكية وبالغ في إنكاره، ونقله ابن عطية في تفسيره وقال: إنه من ملح التفاسير وليس من متين العلم. اهـ.
أيضاً ذكره النووي في المجموع (6/ 460)، والهيثمي في خصوصيات الصيام (230): قال القرطبي في تفسيره (20/ 136): قال أبو بكر الوراق: إن الله -تعالى- قسّم ليالي هذا الشهر، شهر رمضان، على كلمات هذه السورة، فلما بلغ السابعة والعشرين أشار إليها فقال:"هي" وأيضاً فإن ليلة القدر كرر ذكرها ثلاث مرات وهي تسعة أحرف فتجيء سبعاً وعشرين. اهـ.
قلت: وهذا الاستنباط لا يكون نصّاً في هذه المسألة ولا ينبغي أن يستند إليه. اهـ.
وقال الهيثمي في خصوصيات الصيام (230): فهذا الاستنباط لا يفيدهم شيئاً في محل النزاع، سيما مع النصوص الصريحة المرجحة لليلة ثلاث وعشرين وإحدى وعشرين، ثم قال -قال بعض الحفاظ: وهو كما قال أي لأن فيه نوع مناسبة لطيفة يمكن أن تكون مقصودة، وإلَاّ فهو مما يستملح ويستطرف، لا أنه مما يبرهن به على المطلوب، إذ لا يصلح للدلالة عليه. اهـ.
أيضاً. وزاد بأن لفظة ليلة القدر تكررت في السورة ثلاث مرات وهي تسعة أحرف. وتسعة في ثلاثة: سبعة وعشرون. وروي هذا أيضاً عن ابن عباس، وحكى هذا القول الروياني في الحلية عن أكثر العلماء.
الثاني عشر: أنها ليلة سبع عشرة وهو محكي عن زيد بن أرقم وابن مسعود (1) أيضاً ورواه مرفوعاً. وقاله ابن الزبير (2) أيضاً وإلى ذلك إشارة من كتاب الله -تعالى- وهو قوله -تعالى-: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وذلك ليلة سبع عشرة من رمضان. قاله ابن العربي (3).
الثالث عشر: أنها ليلة تسع عشرة. وحُكِي [عن](4) ابن مسعود وعليَّ أيضاً (5).
الرابع عشر: أنها آخر ليلة من الشهر (6).
(1) أخرجه أبو داود (2/ 110)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 310). قال النووي في المجموع (6/ 472) إسناده صحيح. اهـ.
(2)
عزاه ابن حجر في الفتح (4/ 265)،للحارث بن أبي أسامة من حديث ابن الزبير. انظر التعليق (21). سورة الأنفال: آية 41.
(3)
القبس (535).
(4)
في ن ب ساقطة.
(5)
انظر التمهيد (2/ 206)، وابن كثير (4/ 564). وقال الحافظ في الفتح (4/ 265): ورواه أبو داود عن ابن مسعود بإسناد فيه مقال. وعبد الرزاق من حديث علي بإسناد منقطع. وسعيد بن منصور من حديث عائشة بإسناد منقطع.
(6)
قال ابن حجر في الفتح (4/ 266): إنها في أول ليلة أو آخر ليلة أو الوتر =
الخامس عشر: أنها ليلة النصف (1).
السادس عشر: أنها معينة عند الله، غير معينة عندنا، حكاهما القرطبي. ورأيت من نقل عن ابن عباس أنه قال: لا تكون إلَاّ في ليلة جمعة في وتر. وسمعت من يعزي إلى بعض الصلحاء أنها تكون فيه أرجى. وأرجاها عند الشافعي ليلة الحادي والعشرين لحديث أبي سعيد الآتي. أو الثالث والعشرين لحديث عبد الله بن أنيس في
= من الليل. أخرجه أبو داود في المراسيل (129)، عن مسلم بن إبراهيم، عن أبي خلدة عن أبي العالية:"أن أعرابيّاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فقال: متي ليلة القدر؟ قال اطلبوها في أول ليلة وآخر ليلة والوتر من الليل"، وهذا مرسل رجاله ثقات. وقال أيضاً (4/ 265) بعد ذكره "أو آخر ليلة": رواه ابن مردويه في تفسيره عن أنس بإسناد ضعيف.
(1)
قال ابن حجر في الفتح (4/ 263): أنها ليلة النصف من رمضان. حكاه شيخنا سراج الدين بن الملقن في شرح العمدة، والذي رأيت في المفهم للقرطبي حكاية قول إنها ليلة النصف من شعبان، وكذا نقله السروجي عن صاحب "الطراز". اهـ.
قال ابن العربي في القبس (2/ 533): قيل ليلة النصف من شعبان. اهـ. وهذا القول عزاه القرطبي إلى عكرمة وقال: والأول أصح، أي قول من قال إنها ليلة القدر. اهـ، من تفسير القرطبي (16/ 126).
وقال أيضاً (2/ 297): في سورة البقرة {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} نص في أن القرآن نزل في شهر رمضان، وهو يبين قوله عز وجل:{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} ، يعني ليلة القدر، ولقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)} ، وفي هذا دليل على أن ليلة القدر إنما تكون في رمضان لا في غيره. اهـ.
صحيح مسلم، وقال الشافعي في القديم: إحدى أو ثلاث وعشرين ثم سبع وعشرين. وقال القاضي: ما في ليلة من ليالي العشر إلَاّ وقد روي أنها هي، لكن ليالي الوتر أرجاها.
تتمات:
الأولى: المعروف أن هذه الليلة ترى حقيقة. وقول المهلب بن أبي صفرة من المالكية أنه لا يمكن [رؤيتها](1) حقيقة غلط.
الثانية: روى البيهقي (2) في كتابه فضائل الأوقات عن الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة قال: "ذقت ماء البحر ليلة سبع وعشرين من رمضان، فإذا هو عذب".
وذكر ابن عبد البر (3) أن زهرة بن معبد قال: أصابني احتلام في أرض العدو وأنا في البحر ليلة ثلاث وعشرين من رمضان، فذهبت، فسقطت في الماء، فإذا هو عذب. فأعلمت أصحابي أني في ماء عذب.
وحكى أهل الزهد أيضاً أن جماعة منهم سافروا في البحر [في رمضان فلما كانت ليلة ثلاث وعشرين سقط أحدهم من السفينة في البحر](4) فجرجر الماء في حلقه. فإذا به حلو. وكأن ما ينزل من السماء في تلك الليلة من البركة والرحمة يقلب الإِجاج الملح عذباً، فما ظنك بها إذا وجدت ذنباً.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
فضائل الأوقات (248).
(3)
التمهيد لابن عبد البر (21/ 215).
(4)
في الأصل ساقطة، والزيادة من ن ب د.
الثالثة: قال البيهقي في الكتاب (1) المذكور: روي في حديثين ضعيفين صفة الهواء ليلة القدر في أحدهما أنها ليلة سمحة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح شمسها ضعيفة حمراء. وفي الحديث الآخر معناه.
وقال ابن عبد البر (2): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " [إن](3) أمارة ليلة القدر أنها صافية [بلجة](4) كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة [ساجية](5)، لا برد فيها ولا حر، ولا يحل كوكب أن يرمى به فيها
(1) فضائل الأوقات (240)، وما في معناه حديث واثلة عند الطبراني (22/ 59)، قال في المجمع (3/ 179): ويه بشر بن عون عن بكار بن تميم وكلاهما ضعيف. مسند الشاميين (3384)، والحديث المذكور هنا عن ابن عباس عند الطيالسي (2681)، وابن خزيمة (3/ 331)، وكشف الأستار (1/ 486) ، وذكره الهيثمي في المجمع (3/ 177)، وقال: رواه البزار وفيه سلمة بن وهرام وثقه ابن حبان وغيره وفيه كلام. ما ذكره الذهبي في الميزان (2/ 194)، والبيهقي في شعب الإِيمان (7/ 292)، وفضائل الأوقات (240)، ومحمد بن نصر في قيام الليل (186)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5351).
(2)
في مسند أحمد (5/ 324)، والتمهيد (24/ 373)، ومحمد بن نصر في قيام الليل (186)، والمعرفة والتاريخ للفسوي (1/ 386)، والشعب (7/ 293)، وفيه خالد بن معدان لم يصح سماعه من عبادة. وانظر: المراسيل لابن أبي حاتم (49).
(3)
زيادة من المسند.
(4)
في التمهيد (بلجاء).
(5)
زيادة من المسند.
حتى يصبح، وأن أمارة الشمس أن تخرج صبيحتها مستوية ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر، ولا يحل للشيطان أن يطلع معها يومئذ". قال أبو عمر: وهو حديث حسن غريب.
الرابعة: الحكمة في إخفاء هذه الليلة أن يجتهد الناس في طلبها رجاء إصابتها، فهي كالساعة في يوم الجمعة، وكالساعة في الليل، وكالصلاة الوسطى، وكالاسم الأعظم على القول بذلك. وكما أخفى تعالى رضاه في طاعته وغضبه في معصيته ووليه في خلقه كما في الحديث.
الخامسة: هذه الليلة أفضل ليالي السنة (1)، وهي مختصة بهذه
(1) قال الهيثمي -رحمنا الله وإياه- في خصوصيات الصيام (235): قال في "الخادم": وحكى بعضهم الإِجماع على أنها أفضل ليالي السنَّة، ولكن في شامل ابن الصباغ عن أحمد أن ليلة الجمعة أفضل منها، الخبر:"خير يوم طلعت فيه الشمس ليلة الجمعة" لكن قال بعض الحفاظ من الحنابلة: لم يصح في ذلك عن أحمد شيء، وإنما قاله طوائف من أصحابه، واحتج الجمهور بقوله تعالى:"خير من ألف شهر" أي فيها منه في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وإلَاّ لزم، تفضيل الشيء على نفسه بمراتب كما مر، وبه يندفع قول القاضي أبي يعلى من الحنابلة، إنهم يقدرون خير من ألف شهر ليس فيها ليلة الجمعة، إذ لا دليل على هذا التقدير، على أنه يلزم من التعبير بالشهر اشتماله على جمع، فتفضيلها على الجمع صريح الآية حينئذٍ، ولا يلزم من الشهر ليلة القدر. اهـ.
وسئل شيخ الإِسلام -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى (25/ 286):عن ليلة القدر، وليلة الإِسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل؟ فأجاب: بأن ليلة الإِسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم. وحظ الأمة من ليلة القدر أكمل من =
الأمة. ولم تكن لمن [قبلنا](1).
قال صاحب "العدة": من أصحابنا وهو الاصح فأشعر بحكاية خلاف في الاختصاص (2).
= حظهم من ليلة المعراج.
وسئل أيضاً: عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟ فأجاب: بأن أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر من ذي الحجة.
وسئل: عن يوم الجمعة، ويوم النحر، أيهما أفضل؟ فأجاب: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم النحر أفضل أيام العام. اهـ. باختصار الإِجابة، وانظر: بدائع الفوائد (3/ 162)، وزاد المعاد (1/ 54، 57).
(1)
في ن ب (قبلها).
(2)
قد ورد حديث من رواية أبي ذر يفيد عدم الخصوصية وفيه "قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: "بل إلى يوم القيامة". أخرجه أحمد (5/ 171)، والنسائي في الكبرى (2/ 278)، وابن خزيمة (2170)، وقال الألباني: إسناده ضعيف، والبزار (1035) (1036). قال في المجمع (3/ 177): رواه البزار، ومرثد هذا لم يرو عنه غير ابنه مالك، وبقية رجاله ثقات، والحاكم (1/ 437)، وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، والبيهقي (4/ 307)، وابن أبي شيبة (3/ 74).
وقد ورد حديث موضوع من رواية أنس: "إن الله عز وجل وهب لأمتي ليلة القدر، ولم يعطها من كان قبلكم". فردوس الأخبار (1/ 209). قال ابن حجر في تسديد القوس: "أسنده عن أنس". انظر: فيض القدير (2/ 269)، والألباني قال في ضعيف الجامع (2/ 106): =
السادسة: قال الشافعي في القديم: ويجتهد في يومها كليلتها.
قال الماوردي (1): ويسن لمن رآها كتمها.
السابعة: قال مالك بلغني أن سعيد بن المسيب كان يقول: "من شهد العشاء من ليلة القدر فقد أخذ بحظه منها" قال ابن عبد البر: وهذا من سعيد لا يكون إلَاّ توقيفاً. ومراسيل سعيد أصح المراسيل (2).
الثامنة: يستحب أن يكثر فيها من قول: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" للحديث الصحيح (3) فيه، قال
= موضوع. اهـ. وانظر: خصوصيات الصيام للهيثمي (234). وجمعه بين الحديثين فإنه بالنسبة للأنبياء فهي لهم دون أممهم. وأما في هذه الأمة فهي من خصوصياتهم: باختصار.
(1)
الحاوي (3/ 356).
(2)
الموطأ (1/ 321) بلاغاً، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 515)، والبيهقي في الشعب (7/ 301)، وفضائل الأوقات له (262)، والدر المنثور (7/ 377) تفسير سورة القدر، وإسناده إلى مالك صحيح. وقد ورد من حديث أبي هريرة بلفظ:"من صلَّى العشاء الآخرة في جماعة فقد أدرك ليلة القدر". ابن خزيمة (3/ 333)، وضعفه الألباني فيه شعب الإِيمان (7/ 302)، وفضائل الأوقات (261)، وذكره السيوطي في الدر (7/ 377)، وكنز العمال (8/ 545)، الذهبي في الميزان (3/ 85).
ومن رواية أنس عند الخطيب في تاريخه (5/ 332)، والشعب (7/ 303)، وفضائل الأوقات (260)، وذكره في الدر المنثور (7/ 377) تفسير سورة القدر.
(3)
الترمذي (3513) ، وابن ماجه (3850)، وأحمد (6/ 171، 182، =
البيهقي (1) في كتابه السالف: طلب العفو من الله -تعالى- مستحب في جميع الأوقات، وخاصة في هذه الليلة، ثم روي بإسناده إلى ابن عمرو بن أبي جعفر (2) قال: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل (3) كثيراً يقول في مجلسه وفي غير المجلس: عفوك، ثم يقول: عفوك يا عفو، عفوك في المحيا، عفوك في [الممات، وفي القبور عفوك، وعند النشور عفوك، وعند تطاير الصحف عفوك](4)، وفي القيامة عفوك وفي مناقشة الحساب عفوك، [وعند ممر الصراط عفوك، وعند الميزان عفوك، وفي جميع الأحوال عفوك، يا عفو عفوك](5)، قال أبو عمرو: فرأى أبا عثمان
= 183، 208)، وعمل اليوم والليلة للنسائي (872)، والحاكم (1/ 530). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. الشعب (7/ 299، 300)، وفضائل الأوقات (257).
(1)
فضائل الأوقات (258)، وشعب (7/ 431).
(2)
هو محمد بن أحمد بن حمدان. قال السمعاني في الأنساب (4/ 288): من الثقات الأثبات. وقال ابن العماد في شذرات الذهب (3/ 87)، ومسند خراسان التعليق (346).
(3)
بن سعيد بن منصور النيسابوري. قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/ 62): الشيخ الإِمام المحدث الواعظ القدوة شيخ الإِسلام. التعليق (298).
(4)
ما بين القوسين زيادة من المراجع السابقة: فضائل الأوقات، شعب الإِيمان.
(5)
ما بين القوسين زيادة من المراجع السابقة: فضائل الأوقات، شعب الإِيمان.
في المنام بعد وفاته بأيام، قيل له: بماذا انتفعت من أعمالك [في الدنيا؟](1)، فقال: بقولي، عفوك عفوك.
الوجه الرابع: معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "تواطأت"، توافقت وهو مهموز. قال -تعالى-:{لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)} (2) وينبغي كتابة تواطأت بألف بين الطاء والتاء صورة للهمزة، وإن كان في كل النسخ بحذفها، نبه عليه النووي في "شرح مسلم"(3).
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"، "التحري" الاجتهاد، ومعناه فليجتهد في طلبها حينها وزمانها.
السادس: في الحديث دلالة على عظم الرؤيا والاستناد إليها في الاستدلال على الأمور الوجوديات، وعلى ما لا يخالف القواعد الكلية من غيرها، فلو رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وأمره بأمر هل يلزمه ذلك؟
فقيل: إما أن يكون مخالفاً لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الأحكام في اليقظة أو لا، فإن كان مخالفاً عُمل بما ثبت في اليقظة، لأنا -وإن
(1) ما بين القوسين زيادة من المراجع السابقة: فضائل الاوقات، شعب الإِيمان.
(2)
سورة التوبة: آية 37.
(3)
النووي (8/ 58).
قلنا بأن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه المنقول من صفته فرؤياه حق- فهذا من باب تعارض الدليلين، والعمل بأرجحهما. وما ثبت من اليقظة فهو أرجح، وإن كان غير مخالف لما ثبت في اليقظة ففيه خلاف، نقل ذلك كله الشيخ تقي الدين عن الفقهاء (1).
واعترض الفاكهي على ما ذكره من كون هذا من باب تَعَارُضِ الدليلين.
فقال لقائل، أن يقول ليس هذا منه إذ النسخ لا يتصور بعده عليه الصلاة والسلام في منام ولا يقظة، وإنما يقال: تَعَارُضَ الدليلان إذا تساويا في الأصل، ولا مساواة ها هنا لما ذكرناه، قال: وحكاية الخلاف في الثاني لا أدري كيف يتصوره مع عدم المخالفة ألا ترى أنه لو قال له عليه الصلاة والسلام في منامه حافظ على الصلوات، وأداء الزكاة ونحو ذلك مما تقرر في الشريعة هل يتصور الخلاف فيه أو يعقل إلَاّ أن يراد أنه عليه الصلاة والسلام أمره بشيء لم يتقرر له حكم في الشرع، فهذا محتمل.
قال الشيخ تقي الدين: والاستناد إلى الرؤيا هنا أمر ثبت استحبابه مطلقاً، في طلب ليلة القدر، وإنما ترجح السبع الأواخر بسبب المرائي الدالة على كونها في السبع الأواخر، وهو استدلال على أمر وجودي لزمه استحباب أمر شرعي مخصوص بالتأكيد، بالنسبة إلى هذه الليالي، مع كونه غير منافٍ للقاعدة الكلية الثابتة، من استحباب طلب ليلة القدر، وقالوا: يستحب في جميع الشهر.
(1) إحكام الأحكام (3/ 431).
السابع: في الحديث دلالة على أن "ليلة القدر" في شهر رمضان، وهو مذهب الجمهور.
وقيل: إنها في جميع السنَّة، كما تقدم ويلزمه أنه لو قال في رمضان لزوجته: أنت طالق ليلة القدر لم تطلق، حتى يأتي عليها سنة، لأن كونها مخصوصة برمضان مظنون، وصحة النكاح معلومة، فلا تزال إلَاّ بيقين، وهو مضي سنة. قال الشيخ تقي الدين: وفي هذا نظر، لأنه إذا دلت الأحاديث على اختصاصها بالعشر الأواخر، كان إزالة النكاح بناء على مستند شرعي، وهو الأحاديث الدالة على ذلك، والأحكام المقتضية لموضوع الطلاق يجوز أن تبنى على أخبار الآحاد، ويرفع بها النكاح، ولا يشترط في رفع النكاح أو أحكامه أن يكون مستنداً إلى خبر متواتر، أو أمر مقطوع به اتفاقاً. نعم، ينبغي أن ينظر إلى دلالة ألفاظ الأحاديث الدالة على اختصاصها بالعشر الأواخر، ومرتبتها في الظهور والاحتمال، فإن ضعفت دلالتها، فلما قيل وجه.
قلت: وتحرير مذهبنا في هذه المسألة وهي ما إذا قال لها: أنت طالق ليلة القدر أنه إن قاله قبل مضي أول ليالي العشر الأخير يقع بمضيها، وإن قاله: بعد مضي أول ليلة من ليالي العشر الأخير فيقع بمضي سنة هذا هو الصواب، وإن وقع في الحاوي الصغير وغيره ما يخالفه.
الثامن: فيه أيضاً لمن رجح في ليلة القدر غير ليلة الحادي والعشرين، والثالث والعشرين وفي رواية
لمسلم (1)، قال: رأى رجل أن ليلة القدر سبع وعشرين. فقال عليه الصلاة والسلام: "أرى رؤياكم [قد تواطأت]، في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر منها".
التاسع: فيه أيضاً دلالة على العمل بقول الأكثر، والكثير في الرؤيا وغيرها من الأحكام بشرط أن لا يخالف نصّاً ولا إجماعاً، ولا قياساً جليّاً.
العاشر: أيضاً الأمر بطلب الأحرى والصواب لمن أراده.
…
(1) مسلم (1165)، وما بين القوسين ليس في هذه الرواية.