الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
191/ 6/ 36 - عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن [أقضي] (1) إلَاّ في شعبان"(2).
الكلام عليه من وجوه:
[الأول](3): سبب تأخيرها رضي الله عنها الصوم من رمضان إلى شعبان الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم (4) عنها، ففيه دلالة على شدة احتفالها بأمره، وإرصاد نفسها لاستمتاعه، ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن، ويكون له حاجة فيها فتفوتها عليه، وهذا من الأدب.
(1) في حاشية الأصل ون د (اقضيه).
(2)
البخاري (1950)، ومسلم (1146)، وأبو داود (2399) في الصوم، باب: تأخير قضاء رمضان، والنسائي (4/ 150، 151، 191)، والترمذي (783)، ومالك (1/ 308)، وعبد الرزاق (7676)، وابن أبي شيبة (3/ 98)، وأحمد (6/ 124)، وابن خزيمة (2050،2049) ، وابن الجارود (400).
(3)
في ن ب د (أحدها).
(4)
الرواية السابقة.
[الثاني](1): من الحديث [دليل](2) على جواز تأخير قضاء رمضان في الجملة، وأنه موسع الوقت، وانفرد داود فأوجب المبادرة في ثاني شوال، وإن لم يفعل ذلك فهو آثم، وهذا الحديث يرد عليه، وكذا قوله -تعالى-:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (3) حيث لم يعينها ولا قيدها بقيد فمن عينها فقد تحكم بغير دليل. وحديث عائشة، وإن لم تصرح برفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يُعلم أنه لا يخفى مثله عنه، ولا أن أزواجه ينفردن بأرائهن في مثل هذا الأمر المهم الضروري، فالظاهر أن ذلك عن إذن منه صلى الله عليه وسلم وتسويغه لهن ذلك.
واعلم أن بعضهم ادعى أن ذكر [(4)] الشغل في الرواية التي أسلفناها إنما هو من قول يحيى بن سعيد لا من قول عائشة: وقد أسنده البخاري في صحيحه (5) إليه، فذهب هذا القائِل إلى أن عائشة
(1) في ن ب د (ثانيها)
…
إلخ الأوجه.
(2)
في ن ب د (دلالة).
(3)
سورة البقرة: آية 184.
(4)
في الأصل زيادة (بعضهم)، والتصحيح من ن ب د.
(5)
ابن حجر في الفتح (4/ 191). قال يحيى: هذا تفصيل لكلام عائشة من كلام غيرها، ووقع في رواية مسلم المذكورة مدرجاً لم يقل فيه. قال يحيى: فصار كأنه من كلام عائشة، أو من روى عنها، وكذا أخرجه أبو عوانة من وجه آخر عن زهير، وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن بلال يحيى مدرجاً أيضاً ولفظه:"وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه من طريق ابن جريج عن يحيى فبين إدراجه، ولفظه: "فظننت أن ذلك لمكانها من رسول الله صلى الله عليه وسلم" يحيى بقوله، وأخرجه أبو داود من طريق مالك، والنسائي من طريق يحيى القطان، وسعيد بن منصور عن ابن =
إنما أخرته للرخصة لا للشغل، لأنه لو كان للشغل لم يؤخذ منه التأخير لغير عذر.
وتنبه إلى رواية مسلم الأخرى: إن كانت إحدانا لتفطر في رمضان (1) فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان. فإنها صريحة لا تحتمل التأويل.
ثالثها: قد يؤخذ من الحديث أنه لا يؤخر عن شعبان حتى يدخل رمضان ثان، وهو قول الأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف القائلين بأن القضاء على التراخي، وأنه لا يشترط المبادرة به في أول الإِمكان، لأنه يؤخره حينئذ إلى زمن لا يقبله وهو رمضان الآتي، فصار كمن أخره إلى الموت، فإن أخره عنه فعليه مد عند الشافعي ومالك [](2)، خلافاً لأبي حنيفة وداود.
رابعها: إنما كانت تصومه في شعبان، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يصوم معظمه فلا حاجة له في النساء. في النهار، ولأنه في شعبان [يتضيق](3) قضاء رمضان فإنه لا يجوز تأخيره عنه.
= شهاب وسفيان، والإِسماعيلي من طريق أبي خالد كلام عن يحيى بدون الزيادة، وأخرجه مسلم من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة بدون الزيادة، لكن فيه ما يشعر بها، فإنه قال فيها ما معناه: فما أستطيع قضاءها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون المراد بالمعية الزمان أعد أن ذلك كان خاصّاً بزمانه
…
إلخ.
(1)
في الأصل زيادة (رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهي خطأ.
(2)
في الأصل زيادة (والمعظم).
(3)
في ن ب (يتصدق).
فإن قلت: كيف لا تستطيع على الصوم لحقه فيها وقد كان له تسع نسوة، وكان يقسم بينهن فلا تصل النوبة لأحداهن إلَاّ بعد ثمان، فكان يمكنها أن تصوم في هذه الأيام التي يكون فيها عند غيرها.
فالجواب: أن القسم لم يكن عليه واجباً [(1)]، وإنما كان يفعله تطييباً لقلوبهن، ودفعاً لما يتوقع من فساد قلوبهن، ألا ترى قوله -تعالى-:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (2) الآية. فلما علم نساؤه هذا أو من سألته منهم كن يتهيأن له دائماً ويتوقعن حاجته إليهن في أكثر الأوقات، كذا أجاب بهذا القرطبي (3)، وتبعه ابن العطار في شرحه.
لكن الأصح عند الشافعية: وجوب القسم عليه صلى الله عليه وسلم.
خامسها: يستفاد من هذا الحديث أن المرأة لا تصوم القضاء، وزوجها شاهد إلَّا بإذنه إلَّا أن تخاف الفوات فيتعين، [وترتفع](4) التوسعة، وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه أنه يمنعها من القضاء الذي لا يتضيق دون غيره، فإن حق الزوج على الفور.
قال القرطبي: وقال بعض شيوخنا [لها](5) أن تصومه بغير
(1) في ن ب د زيادة (لهن).
(2)
سورة الأحزاب: آية 51.
(3)
انظر: الاستذكار (10/ 229).
(4)
في الأصل (ونرفع)، وما أثبت من ن ب د.
(5)
في الأصل (لهذا)، وما أثبت من ن ب د.
إذنه، لأنه واجب، والحديث الوارد بنهيها محمول على التطوع (1).
تنبيهات:
أحدها: اتفق العلماء على أن المرأة لا يحل لها صوم التطوع وزوجها حاضر إلَّا بإذنه للحديث الصحيح في ذلك عن أبي هريرة، كذا ادعى الاتفاق النووي في "شرح مسلم"(2) وتبعه الفاكهي وابن العطار في شرحيهما، وهو غريب منه، فقد قال: هو في "شرحه للمهذب"(3): إن جماعة من أصحابنا قالوا بالكراهة.
ثانيها: من أفطر بغير عذر وجب عليه القضاء على الفور لا محالة، ومن أفطر بعذر سفر أو مرض، أو حيض فيه الخلاف الذي قدمناه، والجمهور على استحباب المبادرة للاحتياط فيه، فإن أخره. فالصحيح عند المحققين من الفقهاء والأصوليين أنه يجب العزم على فعله، وكذلك القول في كل واجب موسع، إنما يجوز تأخيره بشرط العزم على فعله حتى لو أخره بلا عزم عصى.
ثالثها: أجمع العلماء على أنه لو مات قبل خروج شعبان لزمه الفدية في تركته عن كل يوم مد من طعام، وهذا إذا تمكن من
(1) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"لا تصوم امرأة وزوجها شاهد من غير شهر رمضان إلَّا بإذنه". انظر: البخاري أطرافه (2066)، ومسلم (1026)، وأبو داود في الزكاة (1687)، وفي الصوم (2458)، وأحمد (2/ 316)، وعبد الرزاق (7886)، والبيهقي في السنن (4/ 192، 203).
(2)
(8/ 22)
(3)
المجموع (6/ 392).
القضاء، فلم يقض، فأما من أفطر بعذر، ثم اتصل عجزه فلم يتمكن من الصوم حتى مات فلا صوم عليه ولا يطعم عنه، ولا يصام عنه، وفيه وجه بعيد أنه يطعم عنه، حكاه القاضي حسين ووهاه.
رابعها: قضاء رمضان يندب ترتيبه وموالاته، فإن خالف جاز عند الشافعي والجمهور، لأن اسم الصوم يقع على الجميع.
وقال جماعة من الصحابة والتابعين وأهل الظاهر: يجب متابعته ليحكي القضاء الأداء، ولا حجة في قراءة عبد الله "متتابعات" إذ ليست متواترة ولا مرفوعة، فلا يعمل بها، وهي محمولة على أنها من تفسير ابن مسعود لرأي (1) رأه.
الوجه السادس: في الحديث دلالة على ما قدمناه في الباب قبله من أنه يقال: رمضان من غير ذكر الشهر مع القرينة، وقد سلف الخلاف فيه.
…
(1) انظر: الاستذكار (10/ 180 - 189، 191).