الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
208/ 1/ 39 - عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل ثم اعتكف أزواجه من بعده"(1).
وفي لفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان، فإذا صلَّى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه"(2).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: فيه استحباب الاعتكاف وتأكده حيث واظب عليه حتى توفي صلى الله عليه وسلم، والإِجماع قائم على استحبابه، وأنه غير واجب، وأنه متأكد في العشر الأواخر من رمضان، لأنه خاتمة الصيام، ولعله
(1) البخاري (2026)، ومسلم (1172)، وأبو داود (2462) في الصوم، باب: الاعتكاف الترمذي (790)، والبغوي (1831، 1832)، وابن خزيمة (2223)، ومصنف عبد الرزاق (7682)، والبيهقي (4/ 315)، وأحمد (6/ 168، 279، 281)، والدارقطني (2/ 201)، والنسائي في الكبري (2/ 257، 258).
(2)
مسلم (1172)، والترمذي (791) والنسائي (2/ 44)، وابن ماجه (1771)، وأحمد (6/ 226)، وابن خزيمة (2217)، وأبو داود (2464) في الصوم، باب: الاعتكاف البيهقي (4/ 315).
يصادف ليلة القدر، وقد أشعر تأكداً استحبابه بقولها:"ثم اعتكف أزواجه، بعده"، وبقولها في:"كل رمضان".
الثاني: فيه استواء الرجل والمرأة في شرعية الاعتكاف، نعم إن كانت مزوجة فلا يجوز إلَاّ بإذن الزوج بالإِجماع، فلو أذن لها ثم منعها.
فقال الشافعي وأحمد وداود: له ذلك في زوجته وأمته في اعتكاف التطوع وإخراجهما منه. ومنعها مالك إذا دخلا فيه، وجوزه أبو حنيفة في الأمة دون الزوجة.
[الثالث](1): فيه أن الاعتكاف لا يصح إلَاّ في المسجد، وأن كونه فيه شرط لصحته حيث اعتكف عليه الصلاة والسلام وأزواجه فيه مع المشقة في ملازمته، ومخالفة العادة في الاختلاط بالناس لا سيما النساء، فلو جاز الاعتكاف في البيوت لما خولف المقتضى لعدم الاختلاط بالناس في المسجد، وتحمل المشقة في الخروج لعوارض الخلقة، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وداود والجمهور.
وقال أبو حنيفة: يصح اعتكاف المرأة في مسجد بيتها وهو الموضع المهيىء للصلاة دون الرجل. وهو قول قديم للشافعي، ونقله البندينجي عن الجديد، وجوزه بعض أصحاب مالك وأصحاب الشافعي للرجل أيضاً، الاعتكاف تطوع، وتطوعه في البيت أفضل، والآية الآتية رادة لذلك.
(1) زيادة من ن ب د.
ونقل أبو عمر: عن أبي حنيفة أن لها أن تعتكف مع زوجها في المسجد كما تسافر معه.
وقال ابن علية: لا يجوز اعتكافها في المسجد لقوله عليه الصلاة والسلام لأزواجه لما أردن الاعتكاف فيه: "آلبر تردن" أي ليس هذا ببر [ثم](1) اختلف المشترطون للمسجد العام.
فقال مالك والشافعي وجمهورهم: يصح الاعتكاف في كل مسجد لظاهر قوله -تعالى-: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (2).
وقال أحمد: يختص بالمسجد الذي تقام فيه الجماعة الراتبة.
وقال أبو حنيفة: يختص بمسجد تصلي فيه الصلوات كلها.
وقال الزهري: يختص بالجامع الذي تقام فيه الجمعة، وأومأ الشافعي في القديم إلى اشتراطه.
وشذ سعيد بن المسيب فقال: لا يصح الاعتكاف إلَاّ في مسجد المدينة.
وقال حذيفة بن اليمان الصحابي: لا تصح إلَاّ في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والأقصى.
الرابع: فيه أن الاعتكاف لا يكره في وقت من الأوقات، وأجمع العلماء على أن لا حد لأكثره [نعم قال القاضى: استحب أن يكون أكثره عشرة أيام اقتداء به صلى الله عليه وسلم.
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
سورة البقرة: آية 187.
قلت] (1) [
…
] (2)، واختلفوا في أقله.
فقال الشافعي وجمهور أصحابه وموافقوهم: أقله لبث قدر يسمى عكوفاً في المسجد، وهو زائد على الطمأنينة في أركان الصلاة، ولأصحابنا أوجه أُخر في قدره، وقد أوضحتها في شرح المنهاج وغيره، فإنه محله.
وفي"تهذيب المالكية" قال ابن القاسم: بلغني أن مالكاً قال: أقل الاعتكاف يوم وليلة، فسألته فقال: أقله عشرة أيام، وذلك رأي لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقص من هذا.
وقال مالك: في "العتبية" في اعتكاف يومين ما أعرف [هذا](3)، من اعتكاف الناس.
قال ابن القاسم: وسئل عنه قبل ذلك فلم ير به بأساً [وأنا لست أرى به بأساً](4)، لأن الحديث جاء أقل الاعتكاف يوم وليلة (5).
قلت: هذا الحديث لا يعرف.
قال أبو عمر، وروى ابن وهب عن مالك أن أقله ثلاثة أيام.
وقال القاضي عن مالك: في أقله روايتان يوم وليلة وعشرة أيام، وذلك فيمن نذر اعتكافاً مبهماً.
(1) غير موجودة في ن ب د، وهو موجود في حاشية الأصل.
(2)
كلمات لم تتضح بالصورة وهي بمقدار ثلث سطر.
(3)
في ن ب (ذلك).
(4)
زيادة من ن ب د.
(5)
هذا بناء منه -والله أعلم- على اختلاف الروايات في حديث عمر رضي الله عنه، والجمع بينهما. انظر التعليق (3)، (433).
الخامس: فيه أن ينبغي أن يكون الاعتكاف بصوم واشترطه مالك وأبو حنيفة والأكثرون كما حكاه القاضي ثم النووي عنهم، وقالوا: لا يصح الاعتكاف بفطر، ونقله في الموطأ (1) عن عمل أهل المدينة، وهو قول قديم للشافعي، والأصح عنده أنه لا يشترط.
واحتج من اشترطه بهذا الحديث.
واحتج الشافعي باعتكافه عليه الصلاة والسلام في العشر الأول من شوال لما ترك اعتكاف العشر الأخير من رمضان بسبب ضرب زوجاته أخبيتهن في المسجد لأجل الاعتكاف. رواه البخاري ومسلم (2)، واللفظ له، ولفظ البخاري:"عشراً من شوال"، والمراد به الأول كما في رواية مسلم، وهذا يتناول يوم العيد، ويلزم من صحته أن الصوم ليس بشرط، وفي رواية للبخاري:"فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشرين من شوال"، وفي نسخة منه "العشر". ولفظ أبي داود (3):"ثم أخَّر الاعتكاف إلى العشر الأول" -يعني من شوال-، قال أبو داود: ورواه مالك عن يحيى بن سعيد قال: "اعتكف عشرين من شوال".
واحتج أيضاً بحديث عمر أنه نذر في الجاهلية اعتكاف ليلة في المسجد الحرام، فقال عليه الصلاة والسلام:"أوف بنذرك"،
(1) الموطأ (1/ 315).
(2)
البخاري (2033، 2034، 2041، 2045)، ومسلم (1172)، وابن خزيمة (224)، وأحمد (6/ 84)، ومالك (1/ 316).
(3)
أبو داود (2354) في الصوم، باب: الاعتكاف.
رواه مسلم والبخاري، وسيأتي أيضاً في الباب، ومعلوم أن الليل ليس محلاًّ للصوم، فدل على أنه ليس بشرط في صحة الاعتكاف، وقد ترجم عليه البخاري باب: الاعتكاف ليلاً (1)، وباب: من لم ير على المعتكف صوماً (2).
نعم، ورد من رواية لمسلم أنه نذر اعتكاف يوم فقال عليه السلام:"فاذهب فاعتكف يوماً".
فأجاب عنها ابن حبان في "صحيحه" بأن قال: "ألفاظ هذا الحديث مصرحة بأنه نذر اعتكاف ليلة إلَاّ هذه الرواية، فإن صحت فيشبه أن يكون أراد باليوم مع ليلته وبالليلة مع اليوم حتى لا يكون بين الخبرين تضاد (3).
وقال النووي (4) في "شرحه" يحتمل أنه سأله عن اعتكاف يوم قال: ويؤيده رواية نافع عن ابن عمر أن عمر نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"فأوف بنذرك" فاعتكف عمر ليلة. رواه الدارقطني وقال: إسناده ثابت (5).
(1) البخاري مع الفتح (4/ 274) ، وسيأتي تخريجه في التلعيق (12).
(2)
البخاري مع الفتح (4/ 284).
(3)
قال ابن حجر في الفتح (4/ 274)، بعد سياقه لجمع ابن حبان: فمن أطلق ليلة أراد بيومها، ومن أطلق يوماً أراد بليلة. اهـ. وقال ابن خزيمة (3/ 348): إن العرب تقول يوماً بليلته، وتقول ليلة تريد بيومها، وقد ثبتت الحجة في كتاب الله عز وجل في هذا.
(4)
شرح مسلم (11/ 124).
(5)
سنن الدارقطني (2/ 199)، وأصله في البخاري أطرافه في الفتح =
قلت: وهذه الرواية رواها البخاري في هذا الباب من "صحيحه" وترجم عليه، من لم ير على المعتكف صومًا، فكان عزوه إليها أولى] (1).
السادس: فيه إطلاق لفظ الغداة على الصبح، وقد سلف في الحديث الرابع من باب المواقيت الخلاف في كراهية إطلاق ذلك عليها.
السابع: فيه أن السنَّة إذا كان معتكفًا وصلى الصبح في مكان من المسجد غير محل معتكفه لا يجلس في مصلاه إلى طلوع الشمس، بل يرجع بعد فراغه منها إليه لقولها:"فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه".
الثامن: استدل به الأوزاعي والثوري والليث في أحد قوليه: على ابتداء الاعتكاف والدخول فيه [في](2) أول النهار، وليس فيه دلالة عليه، فإن اعتكافه عليه الصلاة والسلام يحتمل أن يكون قبل ذلك، ومجيئه إلى مكانه بعد صلاة الغداة للانفراد عن الناس بعد الاجتماع بهم في الصلاة، لا أنه ابتدأ دخول المعتكف، ويكون
= (2032)، ومسلم (1656)، والبغوي (6/ 402)، وأبو داود (2364) في
الصوم، باب: الاعتكاف، والترمذي (4/ 112)، والنسائي (7/ 21)،
والنسائي في الكبرى (2/ 261، 262)، والبيهقي (4/ 318). انظر: الفتح الرباني (14/ 182)، وعبد الرزاق (4/ 352)، والدارقطني
(2/ 199)، وابن خزيمة (3/ 347).
(1)
زيادة من ن ب د.
(2)
في ن د (من).
المراد بمكانه الذي اعتكف فيه الموضع الذي خصه بالاعتكاف من المسجد وأعده له، كيف ولفظه يشعر بذلك.
وقولها: اعكتف فيه بصيغة الماضي، وكما جاء في الحديث الآخر أن أزواجه ضربن أخبية، وهذا ظاهر فيما قلناه وهو قول الأئمة، ونقله الشيخ تقي الدين عن الجمهور أنه يدخل فيه قبل غروب الشمس من [أول ليلة منه](1) إذا أراد اعتكاف شهرًا وعشرًا، وتأولوا الحديث على ما ذكرناه، وقال أبو ثور: يدخل من أول النهار، من نذر عشرة أيام فإن أراد عشر ليال فقبل غروب الشمس من الليلة. ووافق أبو ثور في الشهر.
واختلفوا في الأيام.
فقال الشافعي: يدخل فيها قبل الفجر، وبه قال القاضي عبد الوهاب في الأيام، وفي الشهر.
وقال عبد الملك: لا يعتد بذلك اليوم. وسبب هذا الاختلاف دخول أول ليلة فيه أم لا، فالليل تابع والمقصود اليوم قولان لهم، وبالثاني قال مالك وربيعة.
التاسع: فيه أيضًا استحباب الانفراد عن الناس والأهل، وغيرهم في الاعتكاف إلَّا فيما لا بد منه من اجتماع على صلاة أو ضرورة.
…
(1) في الأصل وباقي النسخ (الليلة)، والصحيح من إحكام الأحكام (3/ 440).