المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌37 - باب فضل الصيام وغيره ذكر فيه رحمه الله ثمانية - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٥

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌33 - باب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌34 - باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌35 - باب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس والسادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌36 - باب الصوم في السفر [وغيره]

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌37 - باب فضل الصيام وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌38 - باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌39 - باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌37 - باب فضل الصيام وغيره ذكر فيه رحمه الله ثمانية

‌37 - باب فضل الصيام وغيره

ذكر فيه رحمه الله ثمانية أحاديث:

‌الحديث الأول

197/ 1/ 37 - عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار، ولأقومن الليل، ما عشت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت الذي [تقول](1) ذلك؟ " فقلت له: قد قلته، بأبي أنت وأمي [(2)]، قال: "فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر". قلت:[إني](3)[أطيق](4) أفضل من ذلك، قال:"فصم يوماً وأفطر يومين"، قلت:[إني](5)[أطيق](6) أفضل من ذلك،

(1) في ن (حاشية العمدة)، وفي المتن (قلت).

(2)

في ن ومتن العمدة زيادة (يا رسول الله).

(3)

في حاشية العمدة (فإني).

(4)

في المتن (لأطيق).

(5)

ساقطة من الحاشية والمتن.

(6)

في المتن (لأطيق).

ص: 329

قال: "فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود، [صلى الله عليه وسلم] (1) وهو أفضل الصيام"، قلت: إني [أطيق](2) أفضل من ذلك، [فقال:"لا أفضل من ذلك (3) "] (4)، وفي رواية:[قال]"لا صوم فوق صوم [أخي] (5) داود عليه السلام (6) -شطر الدهر- صم يوماً وأفطر يوماً"(7).

الكلام عليه من عشرين وجهاً، والتعريف براويه سلف في الطهارة:

الأول: فيه [الإِخبار](8) بمحاسن الأعمال إذا لم يقصد بذلك التسميع والرياء. وربما كان ذلك داعية لغيره إلى مثله اقتداء به فيه.

الثاني: فيه جواز الحلف من غير استحلاف.

الثالث: فيه الحلف على فعل الطاعات وهو سائغ إجماعاً.

الرابع: فيه أن الكبير العالم إذا بلغه عن بعض أصحابه أمراً يخالف الأولى في حقه أو مطلقاً أن [ينبهه](9) ويبينه له.

(1) في الحاشية ساقطة، وفي المتن عليه السلام.

(2)

في المتن (لأطيق).

(3)

البخاري (1976)، ومسلم (1159)، وأحمد (2/ 194).

(4)

ساقطة من المخطوط، ومثبتة في الحاشية والمتن بفرق بسيط، وهو أن في الحاشية (قال)، وما أثبت من المتن.

(5)

ساقطة من المخطوطة.

(6)

زيادة من المتن.

(7)

البخاري (7277)، ومسلم (1159)، والطحاوي (2/ 82).

(8)

في ن ب (أخبار).

(9)

في ن ب ساقطة.

ص: 330

الخامس: [فيه](1) إن التزام الطاعة الشاقة التي لا يستطيع القيام بها [و](2) الدوام عليها غير لازمة. نعم يثاب على نية ذلك.

السادس: فيه أن الإِنسان إذا سئل عما نقل [عنه](3) يجيب بالواقع، ولا يوري خصوصاً فيما تعلق بالعبادات.

السابع: فيه التفدية بالأباء والأمهات لكبار العلماء وصدقهم وجوابهم بأحسن العبارات.

الثامن: "ما" من قوله "ما عشت" مصدرية ظرفية أي مدة حياتي.

التاسع: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإنك لا تستطيع ذلك" عدم الاستطاعة يطلق تارة على المتعذر أصلاً (4)، وتارة على ما يشق فعله، وإن لم يكن متعذراً (5) والحديث محمول على الثاني وحمل بعضهم على الأول، قوله -تعالى-:{وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (6) وأخذ منه جواز تكليف المحال، وحمله بعضهم على الثاني، وهو الأقرب. قال الشيخ تقي الدين (7):[ويمكن](8) أن

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب د (أو).

(3)

زيادة من ن ب د.

(4)

انظر: حاشية الصنعاني (3/ 405) ، وما يأتي بعده.

(5)

في ن ب زيادة (معه ذلك).

(6)

سورة البقرة: آية 286.

(7)

انظر: إحكام الأحكام (3/ 407).

(8)

زيادة من إحكام الأحكام (3/ 408)، مع الرجوع إليه ليظهر الفرق.

ص: 331

يحمل الحديث على الممتنع: إما على تقدير أن يبلغ من العمر ما يتعذر من ذلك، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بطريق [الرفق](1) وإما لاستحقاق الزمن الذي التزم فيه ما التزمه أموراً يتعذر فعل ذلك فيها من حيث إنه عليه الصلاة والسلام علم أنه لا يستطيع ذلك مع القيام ببقية المصالح المرعية شرعاً.

العاشر: فيه جواز صوم الدهر غير الأيام الخمسة المنهي عنها، وهو مذهب الجمهور. وقد سرد الصوم عمر بن الخطاب قبل موته بسنتين (2) وسرده أبو الدرداء وأبو أمامة الباهلي وعبد الله ابن عمرو (3)، وحمزة بن عمرو، وعائشة (4)، وأم سلمة، وأسماء بنت الصديق وجماعة من التابعين.

وقال الشافعي: إن قوي فحسن.

ومنع أهل الظاهر منه لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا صام من صام الأبد" أو "ما صام ولا أفطر"(5) وغير ذلك من الأحاديث.

(1) زيادة من ن ب د.

(2)

ابن أبي شيبة (3/ 79)، والبيهقي (4/ 301)، والفريابي في الصيام (121).

(3)

عبد الله ابن عمر، روى أنه سرد الصيام. الفريابي في الصيام (134)، وعبد الله بن عمرو مشهور حديثه في سرد الصيام.

(4)

الصيام للفريابي (129، 132).

(5)

البخاري (1977)، ومسلم (1159)، والنسائي (4/ 206)، وابن ماجه (1706)، وأحمد (2/ 198)، وعبد الرزاق (7863)، وابن أبي شيبة (3/ 78). انظر: الحاشية للصنعاني (3/ 400).

ص: 332

[وتأولها الجمهور](1) على من صام الدهر، [(2)] بالأيام المنهى [عنها](3).

وممن أجاب به عائشة رضي الله عنها: وهو حقيقة صوم الأبد، فإن من صام هذه الأيام مع غيرها [فهو صائم الأبد، ومن أفطرها](4) لم يصم الأبد، إلَاّ أن في هذا خروجاً عن الحقيقة الشرعية في مدلول لفظة "صام"[من حيث أنها](5) غير قابلة للصوم شرعاً، [(6)] فإن وقعت المحافظة على حقيقة [(7)]"الأبد" فقد وقع الإخلال بحقيقة لفظة "صام""الأبد" شرعاً، فيجب أن يحمل ذلك على الصوم اللغوي [وإذا دار اللفظ بين حمله على](8) مدلول اللغة [(9)] والشرع في [ألفاظ](10) صاحب

(1) في إحكام الأحكام (3/ 401)، (وتأول مخالفوهم هذا مع مراجعة الحاشية هنا)، و (411) للاطلاع على تقريره.

(2)

في إحكام الأحكام (3/ 402) زيادة (وادخل فيه).

(3)

في المرجع السابق (عن صومها كيومي العيدين وأيام التشريق)، وكأن هذا محافظة.

(4)

في المرجع السابق (هو صائم للأبد ومن أفطر فيها).

(5)

في المرجع السابق (فإن هذه الأيام).

(6)

في المرجع السابق زيادة! إذا لا يتصور فيها حقيقة الصوم، فلا يحصل حقيقة "صائم" شرعاً لمن أمسك في هذه الأيام.

(7)

في المرجع السابق زيادة (لفظ).

(8)

في المرجع السابق (وإذا تعارض).

(9)

في المرجع السابق زيادة (ومدلول).

(10)

في ن ب (الألفاظ).

ص: 333

[الشرع](1) حُمل على [الشرع مع](2) أن تعليق الحكم بصوم الأبد يقتضي ظاهره أن "الأبد" متعلق الحكم من حيث هو "أبد" وإذا وقع الصوم في هذه الأيام، فَعِلَّتُهُ [وقوعه](3) في الوقت المنهي عنه، وعليه ترتب الحكم. ويبقى ترتيبه على مسمى "الأبد" غير واقع، فإنه إذا صام هذه الأيام تعلق به [النهي](4) سواء صام غيرها أو أفطر، فلا يبقى متعلق [النهي](5)[وعِلته](6) صوم الأبد، بل [هو](7) صوم هذه الأيام، إلَاّ أنه لما كان صوم الأبد يلزم منه صوم هذه الأيام تعلق به [النهي](8)[لكونه ملزوماً](9) للمنهي عنه. فمن هنا نظر المتأولون [لهذا](10) التأويل [وتركوا](11) التعليل بخصوص صوم الأبد، أثار ذلك كله الشيخ تقي الدين [رحمه الله](12).

ومنهم من أوَّل النهي على من تضرر به أو فوّت حقّاً.

(1) في ن ب (له الشرع).

(2)

في المرجع السابق (الحقيقة الشرعية ووجه آخر: وهو).

(3)

في المرجع السابق (وقوع الصوم) وفي ن ب (وقوع).

(4)

في المرجع السابق (الذم).

(5)

المصدر السابق.

(6)

في المرجع السابق (عليه).

(7)

في المرجع السابق زيادة (هو).

(8)

في المرجع السابق (الذم).

(9)

في المرجع السابق (لتعلقه بلازمه الذي لا ينفك عنه).

(10)

في المرجع السابق (بهذا).

(11)

في المرجع السابق (فتركوا).

(12)

في ن ب د ساقطة.

ص: 334

قال [المازري](1) والقاضي عياض: وهو الأشبه ألَاّ ترى أنه قال له في رواية لمسلم: "فإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين" أي غارت "ونهكت [نفسك"] (2) أي ضعفت، وبلغ بك الجهد منتهاه.

ومنهم من أوّل قوله (3)"لا صام من صام الأبد" بأن معناه أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره ممن صام وأفطر، فيكون من صام الأبد خبراً لا دعاءً فيكون [معنى] (4) "لا" بمعنى "لم" كقوله -تعالى-:{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)} (5) مع أن نهي عبد الله بن عمرو وخطابه بذلك كان لِعلمه عليه الصلاة والسلام بعجزه آخر عمره كما سلف. وقد وقع ذلك فعجز وندم على كونه لم يقبل الرخصة، بخلاف حال حمزة بن عمرو، فإنه أقره عليه لعلمه بقدرته بلا ضرر (6).

الحادي عشر: اختلف الفقهاء في الأفضل من صوم يوم وإفطار يوم، ومن صوم الدهر غير الأيام المنهى عنها، مع اتفاقهم على جواز الأمرين، إذا لم يتضرر بواحد منهما، ولم يفوّت به حقّاً.

فاستدل من قال بأفضلية الأول بهذا الحديث، والحديث الثاني

(1) الأصل (الماوردي)، وما أثبت من ن ب د، وانظر المعلم (2/ 64).

(2)

في ن ب د ساقطة، وانظر: شرح مسلم للنووي (8/ 45).

(3)

انظر: المعلم (2/ 64).

(4)

في ن ب د ساقطة.

(5)

سورة القيامة: آية 31.

(6)

انظر: النووي في شرحه لمسلم (8/ 40)، وانظر: الحاشية (3/ 400، 401).

ص: 335

في الكتاب وهو قوي في ذلك، وهو ما صرح به المتولي من أصحابنا.

ونقله صاحب "البحر" عن بعض الأصحاب.

وخالف الغزالي فقال في "الإِحياء": بعد أن قرر استحباب صوم الدهر ودونه مرتبة أخرى، وهي صوم نصفه بأن يصوم يوماً، ويفطر يوماً وهو أشد على النفس.

واستدل من قال بأفضلية صوم الدهر بالشرط السالف: بأن العمل كلما كان أكثر كان الأجر أوفر، وهذا هو الأصل، فيحتاج فيه إلى تأويل أنه أفضل الصيام.

فقيل: إنه أفضل بالنسبة إلى حال من حاله مثل عبد الله بن عمرو ممن يتعذر عليه الجمع بين الصوم الأكثر وبين القيام بالحقوق.

وقال الشيخ تقي الدين: والأقرب عندي أن يجري على ظاهر الحديث من تفضيل صيام داود عليه السلام والسبب فيه أن الأفعال متعارضة المصالح والمفاسد. وليس كل ذلك معلوماً لنا [ولا منحصراً](1) وإذا تعارضت المصالح والمفاسد، فمقدار كل واحد منهما في الحث [و](2) المنع غير محقق لنا، فالطريق حينئذ أن نفوض الحكم [إلى](3) صاحب الشرع، ويجري ما دل عليه ظاهر

(1) في إحكام الأحكام (3/ 412)(ولا مستحضراً).

(2)

وفي ن ب (أو)، وما أثبت يوافق ما في الأحكام.

(3)

زيادة من ن ب د.

ص: 336

اللفظ مع قوة الظاهر [هنا](1)، وأما زيادة العمل واقتضاء القاعدة لزيادة الأجر بسببه، فيعارضه اقتضاء العادة والجبلَّة للتقصير في حقوق يعارضها الصوم الدائم، ومقادير ذلك الفائت مع مقادير الحاصل من الصوم غير معلوم لنا.

وقوله "لا صوم فوق صوم داود"(2) يحمل على أنه لا فوق في الفضيلة المسؤول عنها (3).

واعترض عليه ابن العطار، فقال: الذي تقتضيه الأدلة كلها وفعل الصحابة وغيرهم وتقرير حمزة وغيره. وأمره عليه الصلاة والسلام بإكثار الصوم لمن لا يستطيع التزوج وسرده عليه الصلاة والسلام الصوم في بعض الشهور، والإِفطار في بعضها، وتخفيف المشقة في الصوم سرداً والمشقة في تفريقه يوماً يوماً [(4)] أن الأفضلية تختلف باختلاف الأشخاص على حسب حاجتهم إليه والقيام بحقوق الله -تعالى- وفي غيره لا يتقدر بصوم يوم ويوم، ولا بالسرد جمعاً بين الأدلة والثواب وكثرته وقلته، راجع إلى ما ذكرته، لا إلى كثرة العمل وقلته، بل إلى الإِخلاص فيه والمقاصد،

(1) في المرجع السابق (ههنا).

(2)

في حاشية ن د (أنه أعدل الصيام).

(3)

قال الصنعاني في الحاشية (3/ 413): قوله "المسؤول عنها" أي المطلوبة لابن عمرو، لأنه لم يرد بما عزم عليه من الأفعال الصالحة إلَاّ طلب الأفضل عند الله، فلا يتوهم أنه سأل عن الأفضل بل النبي صلى الله عليه وسلم هو ابتدأه بذلك كما عرفت.

(4)

في الأصل ون زيادة (يوماً).

ص: 337

فرب عمل قليل أفضل من كثير، والذي ذكر من الترجيحات إنما هو بالنسبة إلى الظاهر.

الثاني عشر: فيه استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وقد اختلف العلماء في تعيينها اختلافاً كثيراً كما سيأتي في الحديث الثالث، وهو اختلاف في تعيين الأحسن والأفضل لا غير، وليس في هذا الحديث ما يدل على تعيين شيء منها، بل فيه تعليله بأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها، وقد كان عليه الصلاة والسلام يصوم ثلاثة أيام من كل شهر [ولا](1) يبالي من أي الشهر كان يصوم، وقد أمر عليه الصلاة والسلام بالصوم من سُرة الشهر ومن سرره، ولا شك أن سرة الشهر وسطه فيكون المراد بالثلاثة الأيام البيض، وهي الثالث عشر وتالياه على الأصح. وجاءت مبينة في حديث في النسائي من حديث أبي ذر (2) رضي الله عنه ولعلمه -عليه [السلام](3) - نبه بسُرة الشهر، وبحديث أبي ذر هذا على أفضليتها لا على كونها ثلاثاً من كل شهر، كما نبه على صوم الاثنين

(1) في ن ب د (ولم).

(2)

النسائي (4/ 222)، والترمذي (761)، وأحمد (5/ 152)، والبيهقي (4/ 294)، والبغوي (1800)، وعبد الرزاق (7873)، ولفظه: عن أبي ذر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: بصوم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة. وفي لفظ آخر: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة". النسائي (4/ 222).

(3)

زيادة من ن ب د.

ص: 338

والخميس (1) وسرر الشهر أوله.

وقيل: آخره، وقيل: وسطه. وقد وقع الأمر بصوم الثلاث أول الشهر (2) ووقع آخره (3).

وكل ذلك يبين أنه لا حرج في ذلك، وأن الاختلاف إنما هو في الأفضل الأحسن.

الثاث عشر قوله عليه الصلاة والسلام: "فإن الحسنة بعشر أمثالها" كأن المراد بالحسنة الفعلة الحسنة شرعاً، فأقيمت الصفة مقام الموصوف، وحذفت التاء هنا، وفي الآية (4) وإن كانت القاعدة إثبات التاء من الثلاثة إلى العشرة في عدد المذكر، وحذفها مع المؤنث، "والمثل" مذكر لأن التقدير فله عشر حسنات أمثالها

(1) مسلم (1162)، وابن ماجه مفرقاً في الصيام (1649، 1739)، وأحمد (2/ 268، 329، 484)، (6/ 80، 89، 106)، والموطأ (2/ 908)، والدارمي (2/ 20)، والبخاري في الأدب المفرد (61)، والنسائي (4/ 653)، وأبو داود (2436)، والترمذي (745).

(2)

لحديث ابن مسعود "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل شهر". أبو داود (2450) في الصيام، باب: في صوم الثلاثة من كل شهر، والطيالسي (360)، والترمذي (742)، والنسائي (4/ 204)، وابن خزيمة (2129)، والبغوي (1803).

(3)

ومنه حديث الأمر بصيام السرر من الشهر، وهي الآخر على رأي بعضهم في حديث عمران بن حصين. البخاري (1983)، ومسلم (1161)، وأبو داود (2328) في الصيام، باب: في المتقدم، وأحمد (4/ 443).

(4)

سورة الأنعام: آية 160، وهي قوله تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} .

ص: 339

فحذفت لأن الأمثال في المعنى مؤنثة، لأن مثل الحسنة حسنة.

وجواب ثان: أنه أنث لإِضافته إلى مؤنث، وهو الهاء والألف التي هي ضمير مؤنث، فكان من باب سقطت بعض أصابعه وشبهه.

فائدة: نبه القرافي رحمه الله على أن تضعيف الحسنات من خصائص هذه الأمة. فقال في قوله عليه الصلاة والسلام: "من صام رمضان ثم اتبعه ستّاً من شوال فكان كصيام الدهر"(1) وهو تشبيه بصائم رمضان وست من شوال من هذه الأمة بصيام الدهر من غيرها، لأن تضعيف الحسنات من خصائصها.

الرابع عشر: فيه كراهة قيام كل الليل دائماً، لرده عليه الصلاة والسلام ذلك عليه، ولما يتعلق بفعله من الإِجحاف بوظائف من الدين وغيره عديدة. وقد صرح بالكراهة جماعة [وفرق أصحابنا](2) بينه وبين صوم الدهر في حق من لا يتضرر به، ولا يفوّت حقّاً بأن صلاة الليل كله لا بد فيها من الإِضرار بنفسه وتفويت بعض الحقوق، لأنه إن لم ينم بالنهار فهو ضرر ظاهر، وإن نامه فوت بعض الحقوق بخلاف من يصلي بعض الليل. فإنه يستغني بنوم باقيه، وإن نام معه شيئاً في النهار كان يسيراً لا يفوّت به حق، وكذا من قام ليلة كاملة كليلة العيدين أو غيرهما فإنه لا كراهة في ذلك، لانتفاء الضرر فيه، وتأول جماعة من المتعبدين من السلف وغيرهم رده عليه الصلاة والسلام قيام كل الليل، والنهي عنه

(1) سبق تخريجه.

(2)

في ن ب د (وقال ذلك أصحابنا وفرقوا).

ص: 340

على الرفق بالمكلف فقط، لا على الكراهة الشرعية. ثم الاستدلال على الكراهة بالرد المذكور، عليه سؤال، وهو أن يقال: إن الرد لمجموع الأمرين وهو صيام النهار، وقيام الليل، فلا يلزم ترتبه على أحدهما. نبه عليه الشيخ تقي الدين (1).

الخامس عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "وذلك مثل صيام الدهر" قيل: إنه مؤول عندهم على أنه مثل أصل صيام الدهر من غير تضعيف [(2)] فإن [(3)] التضعيف مرتب على الفعل الحسي الواقع [في](4) الخارج، والحامل على هذا التأويل أن القواعد تقتضي أن المقدر لا يكون كالمحقق، وأن الأجور تتفاوت [(5)][بتفاوت](6) المصالح، أو المشقة في [الفعل](7) فكيف يستوي من

(1) انظر: إحكام الأحكام (3/ 404).

(2)

في إحكام الأحكام (3/ 409) زيادة (للحسنات)، وقال الصنعاني فيه: قوله "من غير تضعيف للحسنات"، لأنه لو اعتبر التضعيف لكان صوم الستة بثلاثة الآف حسنة وستمائة حسنة لأن الحسنة بعشر أمثالها، وعلى تقدير تحريم صومه لا حسنة لصائم أصلاً، والأقرب عندي أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد التشبيه. الآيتان بقدر عدد الحسنات الحاصلة لمن صام الثلاثة البيض أو رمضان؟ وستّاً من شوال بأنه يحصل له من الحسنات هذا العدد، ولا دليل فيه على صوم الدهر ولا نفيه. فتأمل. اهـ.

(3)

في المرجع السابق زيادة (ذلك).

(4)

في الأصل (على)، وما أثبت من ن ب د.

(5)

زيادة في ن ب د وإحكام الأحكام (بحسب).

(6)

في ن ب د (تفاوت).

(7)

في المرجع السابق (العمل).

ص: 341

فعل الشيء بمن قُدر فعله له، فلأجل ذلك قيل: إن المراد أصل الفعل في التقدير، لا الفعل المرتب عليه التضعيف في التحقيق، وهذا البحث يأتي في مواضع، ولا يختص بهذا [الفعل](1)، ومن هنا يمكن أن يجاب عن الاستدلال بهذا اللفظ، وشبهه على جواز صوم الدهر (2)، من حيث إنه ذكر الترغيب في فعل هذا الصوم، ووجه الترغيب أنه مَثَّل بصوم الدهر، ولا يجوز أن تكون جهة الترغيب عن جهة [النهي](3).

قال الشيخ تقي الدين (4): وسبيل الجواب أن [النهي](5) -عند من قال به- متعلق بالفعل الحقيقي [وجهة](6) الترغيب هنا حصول الثواب على الوجه التقديري، فاختلفت جهة الترغيب وجهة

(1) في المرجع السابق (الموضع).

(2)

قال الصنعاني في الحاشية (3/ 410): قوله: "على جواز صوم الدهر"، بل على أفضليته، ووجه الدلالة أنه لما قال صلى الله عليه وسلم "فكأنما صام الدهر" دل على أن صوم الدهر أفضل مما شبه به، وأنه أمر مطلوب.

قال الحافظ في الفتح (4/ 223): وتعقب بأن التشبيه في الأمر المقدر لا يقتضي جوازه فضلاً عن استحبابه، وإنما المراد حصول الثواب على تقدير مشروعية صيام ثلاثمائة وستين يوماً، ومن المعلوم أن المكلف لا يجوز له صيام جميع السنة فلا يدل التشبيه على أفضلية المشبه من كل وجه. اهـ.

(3)

في المرجع السابق (الذم).

(4)

انظر: إحكام الأحكام (3/ 411).

(5)

في المرجع السابق (الذم).

(6)

في المرجع السابق (ووجه).

ص: 342

[النهي](1). وإن كان هذا الاستنباط الذي ذُكر لا بأس به، ولكن [الدليل الدال](2) على كراهة صوم الدهر أقوى منه دلالة، والعمل [بالأقوى](3) واجب، والذين أجازوا صومه حملوا النهي على [من عجز عنه أو اقترن به](4) لزوم تعطيل مصالح راجحة [عليه](5) أو متعلقة بحق الغير كالزوجة مثلاً.

السادس عشر: يؤخذ من الحديث أن الشخص لا يعمل إلَاّ ما يستطيع الدوام عليه، ويراعي في ذلك حق الله -تعالى- وحق نفسه وحق غيره، ويؤخذ منه أيضاً بذل الوسع في الاجتهاد في العبادات على حسب الطاقة، وأداء غيرها من الحقوق ومراعاة تحصيل الحسنات.

السابع عشر: يوخذ منه استدراج الشيخ المربي أتباعه في عبادات الصوم والصلاة وغيرها من الأخف إلى الأثقل، ولتتمرن نفوسهم عليها، من غير كراهة ولا ملل يؤدي إلى الترك بالكلية، وهذه سنَّة الله عز وجل في وحيه ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الثامن عشر: يؤخذ منه مراعاته للأنبياء -عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام- في الاتباع حيث ذكرهم الله -تعالى- في كتابه

(1) في المرجع السابق (الذم).

(2)

في المرجع السابق (الدلائل الدالة).

(3)

في المرجع السابق (بأقوى الدليلين).

(4)

في المرجع السابق (ذي عجز أو مشقة، أو ما يقرب من ذلك من).

(5)

في المرجع السابق (على الصوم).

ص: 343

وأمره بالاقتداء بهم في قوله: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (1) الذين من جملتهم في الذكر داود صلى الله عليه وسلم وفي رواية مسلم: "فصم صوم داود نبي الله، فإنه كان أعبد الناس" وفي رواية له "كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى".

التاسع عشر: فيه بيان كرم الله تعالى في تضعيف الحسنة بعشر أمثالها. وأما السيئات فلا تضاعف، بل جزاء السيئة مثلها إن لم يقترن بفعلها انتهاك حرمة شخص أو مكان أو زمان، فإن اقترن بفعلها شيء من ذلك كانت مضاعفة: كالمعاصي من أقارب الأولياء والعلماء أو فيهم وفي الأشهر الحرم وفي الأزمنة الفاضلة والمواضع الشريفة وبجوار الأولياء والصالحين.

العشرون: فيه الشفقة على الأتباع والتخفيف عنهم، وأمرهم بإعطاء النفس حقها من الراحة، وغيرها الأكل والنوم خصوصاً إذا نوى بذلك امتثال الأمر، فإن جميعه يكون طاعة وعبادة من الآمر والمأمور.

(1) سورة الأنعام: آية 90.

ص: 344