الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن
204/ 8/ 37 - عن أبي سعيد الخدري أيضاً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام يوماً في سبيل الله بَعَّدَ الله وجهه عن النار سبعين خريفاً"(1).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: "سبيل الله" الأكثر في [الشرع](2)[والعرف](3) استعماله في الجهاد، فإذا حمل عليه كانت الفضيلة فيه لاجتماع العبادتين -أعني [فضيلة](4) الصوم والجهاد- ويحتمل أن يراد بسبيل الله طاعته كيف كانت، ويعبر بذلك عن صحة القصد والنية فيه وبه جزم القرطبي.
(1) البخاري (2840)، ومسلم (1153)، والترمذي (1623)، والنسائي (4/ 173)، وابن ماجه (1717)، وأحمد (3/ 26، 245، 59، 83)، والطيالسي (2186)، والبغوي (1811)، والدارمي (2/ 203)، والبيهقي (4/ 296).
(2)
في إحكام الأحكام (3/ 449)(العرف).
(3)
الزيادة من ن ب د.
(4)
في المرجع السابق (عبادة).
قال الشيخ تقي الدين: والأول أقرب إلى العرف، وإن كان ورد في بعض الأحاديث جعل الحج وسفره من سبيل الله وفي الكتاب العزيز:{وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (1)، فهو استعمال وضعي.
ثانيها: قوله: "يوماً"[إن](2) أريد به واحد الأيام كان دليلاً على استحباب صومه سواء أردنا سبيل الله الجهاد أو الطاعة، حيث لا يحصل به ضعف المجاهد عن جهاده ولا طاعته، وإن أريد به جنس الصوم، وإنه لا يتقيد بعدد فينبغي أن يكون بحيث لا يضعف به عن مقصود عمله جهاد أو طاعة.
ثالثها: يؤخذ منه الحث على الصوم المطلق في كل موطن حتى في الجهاد وغيره، على ما بيناه بشرط عدم التضرر به، وتفويت حق، وعدم اختلال أمر قتاله وغيره من مهمات غزوه.
رابعها: فيه أيضاً الحث على اجتماع الفضل في الطاعات، وأنه إذا أمكن الجمع فيها كان أفضل تكثيراً للأجور.
خامسها: معنى المباعدة من النار المعافاة منها، فلا يحس بها ولا يجد ألماً -عافانا الله منها-.
والمراد بالوجه: جملة الشخص.
وعبر به عنها: لأنه أشرف ما فيه، فيؤخذ منه التعبير عن الكل بالجزء إذا كان له وجه فضيلة وشرف.
سادسها: معنى سبعين خريفاً سبعون عاماً أي مسيرة سبعين
(1) سورة النساء: آية 100.
(2)
زيادة من ن ب د.
عاماً، قاله النووي وغيره، وهو مبالغة في البعد عنها، والمعافاة منها.
قال القرطبي: وكثيراً ما يجيء السبعون عبارة عن التكثير. كما قال -تعالي-: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (1).
قلت: وفي النسائي (2) من حديث عقبة [بن عامر](3): "مسيرة مائة عام.
قال الشيخ تقي الدين: وإنما عبر "بالخريف" عن السنَّة: من جهة أن السنَّة لا يكون فيها إلَاّ خريف واحد، فإذا مر الخريف [مرت](4) السنة كلها، وكذلك لو عبر بسائر الفصول عن العام، كان سائغاً لهذا المعنى إذ ليس في السنة إلَاّ ربيع [واحد](5)[ومصيف](6)، واحد.
(1) سورة التوبة: آية 80.
(2)
النسائي (4/ 174). قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 86): ورواه أيضاً الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد لا بأس به من حديث عمرو بن عبسة.
وورد أيضاً من حديث أبي أمامة الباهلي عند الترمذي في فضائل الجهاد (1624). ومن حديث معاذ بن أنس عند أبي يعلى (1486)، ذكره في مجمع الزوائد (3/ 194)، وقال:"رواه أبو يعلى، وفيه زبان بن فايد، وفيه كلام كثير، وقد وثق". ومن حديث سلمة بن قيصر عند أبي يعلى (921).
(3)
في ن ب: ساقطة.
(4)
في إحكام الأحكام (مضت).
(5)
زيادة من ن ب د.
(6)
في إحكام الأحكام (وصيف).
قال بعضهم: ولكن الخريف أولى بذلك، لأنه الفصل الذي يحصل به نهاية ما بدأ من سائر الفصول، لأن الأزهار تبدو في الربيع والثمار [تتكمل](1) صورها في [الصيف](2)، وفيه يبدوا نضجها، ووقت الانتفاع بها أكلاً وتحصيلاً وادخاراً في الخريف، وهو المقصود منها، فكان فصل الخريف أولى بأن يعبر به عن السنة من غيره، أي وإن كان الأصل التعبير بالشيء لا بملازمة.
وأبدى الفاكهي سراً آخر، وهو: أن السامع إذا سمع الخريف تصور أن في كل سنة فصولاً أربعة، ولا كذلك إذا عبر بالسنة، إذ ربما ذهل عن تصور ذلك، والحديث إنما أتى به في سياق الترغيب فكان ذكر الخريف أنسب لذلك، قال: ويجوز أيضاً أن يكون عليه الصلاة والسلام عبر بذلك لما كان الخريف نصفه الأول فيه الحر، إذ هو معاقب لفصل الصيف، ونصفه الآخر فيه البرد إذ كان يلي فصل الشتاء فيتذكر العبد بذلك حر النار وزمهريرها.
فائدة: الخريف [فعيل](3) بمعنى مفتعل أي مخترف، وهو الزمان الذي تخترف فيه الثمار.
…
(1) في المرجع السابق (تتشكل).
(2)
في المرجع السابق (الصيف).
(3)
في ن ب (فعل).