المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الأول 179/ 1 /35 - عن أبي هريرة رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٥

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌33 - باب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌34 - باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌35 - باب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس والسادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌36 - باب الصوم في السفر [وغيره]

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌37 - باب فضل الصيام وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌38 - باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌39 - باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الأول 179/ 1 /35 - عن أبي هريرة رضي الله

‌الحديث الأول

179/ 1 /35 - عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقَدَّمُوا رمضانَ بصومِ يومٍ ولا يومين (1)، إلَّا رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه"(2).

الكلام عليه من عشرة أوجه:

الأول: قوله: "لا تقدموا [رمضان] (3) "أصله لا تتقدموا بتائين فحذفت إحداهما تخفيفاً ومه قوله -تعالى-: {وَلَا تَيَمَّمُوا

(1) في حاشية العمدة للصنعاني (3/ 322): "أو يومين"، وهو الذي يوافق ما في البخاري (1914)، وما أثبت يوافق رواية مسلم (1082).

(2)

البخاري (1914)، ومسلم (1082)، وأبو داود (2335) في الصوم، باب: فيمن يصل شعبان برمضان، والترمذي (685) في الصوم، باب: ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم، والنسائي (4/ 149، 154)، وابن ماجه (1650)، والبغوي (1718)، وابن الجارود (378)، والبيهقي (4/ 207)، وأحمد (2/ 234، 237، 408، 438)، وابن حبان (3586، 3592) وعبد الرزاق (7315)، وابن أبي شيبة (3/ 23)، والدارمي (2/ 4).

(3)

في ن ب د ساقطة.

ص: 158

الْخَبِيثَ} (1)، وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تقاطعوا ولا تدابروا" الحديث ومثل ذلك.

واعلم أن شرط جواز الحذف في مثل هذا تماثل الحركتين، كما هو ههنا، فإن اختلفتا لم يجز الحذف لو قلت تتغافر الذنوب وتتعلم الحكمة ونحو ذلك لم يجز الحذف لاختلاف الحركتين.

الثاني: فيه دلالة على أنه يقال: رمضان من غير ذكر الشهر، بلا كراهة، وهو الصحيح، سواء كان هناك قرينة أو لم تكن.

وقيل: يكره إلَّا أن يقول شهر رمضان، وفيه حديث لكنه ضعيف (2).

وقيل: إن كان هناك قرينة تدل على الشهر لم يكره وإلَّا كره وقد [تقدم](3) ذلك أيضاً في الحديث الأول من باب زكاة الفطر.

الثالث: فيه التصريح بالنهي عن إنشاء الصوم قبل رمضان بيوم أو يومين تطوعاً من غير عادة وذلك على طريق الاحتياط لرمضان ومقتضاه أنه يجوز بأكثر وهو مقتضى كلام البندنيجي وابن الصباغ من أصحابنا. وحاصل الخلاف عندنا في المسألة أربعة أوجه.

أحدها: هذا.

وثانيها: أنه إذا انتصف شعبان يحرم الصوم، وبه قطع

(1) سورة البقرة: آية 267.

(2)

انظر التعليق (2) ص (140) في الحديث الأول من زكاة الفطر.

(3)

في ن ب د (أسلفنا).

ص: 159

المحققون من أصحابنا، لقوله عليه الصلاة والسلام:"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا"(1)، رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أبي هريرة، وصححه الترمذي وابن حبان. والقائل بهذا يجيب عن حديث أبي هريرة الذي في الكتاب بأن قوله "بيوم ولا يومين" ليس للتخيير وإنما هو لتبيين المنع من التقديم عليه بالصوم، لأنه الغالب في الواقع ممن يقصد استقبال الشهر وأمدُ المنع فيه نصف شعبان كما هو مبين في حديث أبي هريرة الآخر (2).

والوجه الثالث: أنه يجوز ولا يكره، وبه قطع المتولي، وقال في الحديث الذي أوردناه: إنه غير ثابت عند أهله (3).

(1) الترمذي (738)، وأبو داود (2337) في الصوم، باب: في كراهية ذلك، وابن ماجه (1651)، والدارمي (2/ 17)، وأحمد (2/ 442)، وابن حبان (3589)، والبيهقي (4/ 209)، وعبد الرزاق (7325).

(2)

انظر التعليق الآتي.

(3)

ولفظه من رواية أبي هريرة: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا". قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في تهذيب السنن (3/ 223): الذين ردوا هذا الحديث لهم مأخذان:

أحدهما: أنه لم يتابع العلاء عليه أحد، بل انفرد به عن الناس، وكيف لا يكون هذا معروفاً عد أصحاب أبي هريرة، مع أنه أمر تعم به البلوى، ويتصل به العمل.

المأخذ الثاني: أنهم ظنوه معارضاً لحديث عائشة وأم سلمة في صيام النبي صلى الله عليه وسلم شعبان كله، أو قليلاً منه، وقوله:"إلَاّ أن يكون لأحدكم صوماً فليصمه" وسؤاله للرجل عن صوم سرر شعبان.

قالوا: وهذه الأحاديث أصح منه. وربما ظن بعضهم أن هذا الحديث لم =

ص: 160

والرابع: يكره كراهة تنزيه واختار الروياني.

الرابع: ذكر بعضهم في النهي عن [تقدم](1) رمضان بالصوم إنما كان لأجل التقوى على صيام رمضان وهو بعيد، فإن ذلك إذا

= يسمعه العلاء من أبيه. وأما المصححون له فأجابوا عن هذا بأنه ليس فيه ما يقدح في صحته، وهو حديث على شرط مسلم، فإن مسلماً أخرج في صحيحه عدة أحاديث عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، وتفرده به تفرد ثقة بحديث مستقل، وله عدة نظائر في الصحيح.

قالوا: والتفرد الذي يعلل به هو تفرد الرجل عن الناس بوصل ما أرسلوه، أو رفع ما وقفوه، أو زيادة لفظة لم يذكروها. وأما الثقة العدل إذا روى حديثاً وتفرد به لم يكن تفرده علة، فكم قد تفرد الثقات بسنن عن النبي صلى الله عليه وسلم عملت بها الأمة؟

قالوا: وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان، فلا معارضة بينهما، وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ما قبله، وعلى الصوم المعتاد في النصف الثاني، وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف، لا لعادة ولا مضافاً إلى ما قبله، ويشهد له حديث التقدم. وأما كون العلاء لم يسمعه من أبيه فهذا لم نعلم أن أحداً علل به الحديث، فإن العلاء قد ثبت سماعه من أبيه، وفي صحيح مسلم عن العلاء عن أبيه بالعنعة غير حديث. وقد قال -بياض بالأصل-:"لقيت العلاء بن عبد الرحمن وهو يطوف، فقلت له: برب هذا البيت، حدثك أبوك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا انتصف شعبان فلا تصوموا؟ فقال: ورب هذا البيت سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" فذكره. اهـ. وانظر كلام الترمذي وأبي داود في موضعه عليه.

(1)

في ن ب (تقديم).

ص: 161

أضعف عن رمضان [كان](1) شعبان كله أولى بأن يضعف، وقد قام الإِجماع على جواز صومه كله، بل على استحبابه. وقد روى أصحاب السنن الأربعة عن أم سلمة أنه عليه الصلاة والسلام:"لم يكن يصم من السنة شهراً تامّاً إلَّا شعبان يصله برمضان"(2) وقال الترمذي: حسن.

وحمل المازري (3): النهي على من صام تعظيماً للشهر واستقبالاً له بذلك -أي لئلا يزاد في العبادة ما ليس فيها- فأما إن صام يوم الشك على جهة التطوع ففيه خلاف، سيأتي.

وترجم النسائي (4) على هذا الحديث: التسهيل في صيام يوم الشك، وفيه نظر.

الخامس: ذكر بعضهم: أن ظاهر حديث أبي هريرة هذا معارض بقوله عليه الصلاة والسلام لرجل: "هل صمت من سرر شعبان شيئاً؟ ". قال: لا. قال: "فإذا أفطرت فصم يوماً"(5)،

(1) في ن ب (لأن).

(2)

النسائي (4/ 150)، والترمذي (736) وقال: حديث حسن، وابن ماجه (1648)، وأبو داود (2236) في الصيام، باب: فيمن يصل شعبان برمضان، والدارمي (2/ 17).

(3)

المعلم (2/ 47).

(4)

النسائي 4/ 154.

(5)

سياق المؤلف -رحمنا الله وإياه- يوافق إحدى روايات أبي داود، وفي بعضها زيادة:"أو يومين"، والبخاري (1983)، ومسلم (1161)، وأبو داود (2231) في الصوم، باب: في التقدم، والبيهقي (4/ 210)، =

ص: 162

وفي رواية "يومين" رواه الشيخان من حديث عمران بن الحصين.

والمراد: بسرر شعبان آخره، لأن الهلال يستسر ليلة أو ليلتين وجمع بينهما بأن الرجل كان [قد](1) أوجب على نفسه صيام آخر الشهر [(2)] بنذر فأمره صلى الله عليه وسلم بالوفاء به أو كان [الصوم](3) آخر الشهر عادة له، فتركه لاستقبال رمضان لأجل النهي عن تقدمه، واستحب له النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضيه لكونه عادة له.

وقال بعضهم: بل قوله: "هل صمت من سرر شعبان" سؤال زجر وإنكار لأنه قد نهى عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، فلا يكون بينهما معارضة. وإن أُريد بسرر شعبان أوله على ما ذكره بعضهم: أن سرر الشهر أوله، فلا معارضة إذن (4).

السادس: فيه الرد على الروافض الذين يرون تقدم الصوم على الرؤية فإن رمضان اسم لما بين الهلالين فإذا صام قبله يوماً فقد تقدم عليه (5).

= والدارمي (2/ 18)، وابن حبان (3587)، وأحمد (4/ 428، 432، 439).

(1)

زيادة من ن ب د.

(2)

في ن ب زيادة (يصوم).

(3)

زيادة من ن ب د.

(4)

انظر خلاف العلماء مبسوط في: معالم السنن للخطابي (3/ 218)، والجمع بين الأحاديث وتفسير "السرر" في السنن، وعون المعبود (6/ 453)، وقد تركتها خشية الإِطالة رعاك الله.

(5)

قال شيخ الإِسلام -رحمنا الله وإياه- في الفتاوى (25/ 133، 179، =

ص: 163

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= 181): ولهذا ما زال العلماء يعدون من خرج إلى ذلك قد أدخل في الإِسلام ما ليس منه، فيقابلون هذه الأقوال بالإِنكار الذي يقابل به أهل البدع، وهؤلاء الذين ابتدعوا فيه ما يشبه بدع أهل الكتاب والصابئة أنواع: منهم: قوم منتسبة إلى الشيعة من الإِسماعيلية وغيرهم، يقولون بالعدد دون الرؤية. ومبدأ خروج هذه البدعة من الكوفة. فمنهم من يعتمد على جدول يزعمون أن جعفر الصادق دفعه إليه ولم يأت به إلَّا عبد الله بن معاوية. انظر:(25/ 133) ولا يختلف أهل المعرفة من الشيعة وغيرهم أن هذا كذب مختلق على جعفر، اختلقه عليه عبد الله هذا، وقد ثبت بالنقل المرضي عن جعفر وعامة أئمة أهل البيت ما عليه المسلمون، وهو قول أكثر عقلاء الشيعة.

ومنهم: من يعتمد على أن رابع رجب أول رمضان، أو على أن خامس رمضان الماضي أول رمضان الحاضر.

ومنهم: من يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً لا يعرف في شىء من كتب الإِسلام ولا رواه عالم قط، أنه قال:"يوم صومكم يوم نحركم"، وغالب هؤلاء يوجبون أن يكون رمضان تامّاً، ويمنعون أن يكون تسعة وعشرين.

ومنهم: من يعتمد على رؤيته بالمشرق قبل الاستسرار، فيوجبون استسراره ليلتين، ويقولون: أول يوم يرى في أوله فهو من الشهر الماضي، واليوم يكون اليوم الذي لا يرى في طرفيه، ثم اليوم الذي يرى في آخره هو أول الشهر الثاني، ويجعلون مبدأ الشهر قبل رؤية الهلال مع العلم بأن الهلال يستسر ليلة تارة، وليلتين أخرى، وقد يستسر ثلاث ليال.

فأما الذين يعتمدون على حساب الشهور وتعديلها فيعتبرونه برمضان الماضي، أو برجب، أو يضعون جدولاً يعتمدون عليه، فهم مع مخالفتهم =

ص: 164

السابع: فيه تبيين لمعنى الحديث الذي فيه "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". فإن اللام في قوله "لرؤيته" للتأقيت، لا للتعليل، كما زعمت الروافض، ولو كانت للتعليل لم يلزم تقديم الصوم على الرؤية أيضاً، كما تقول: أكرم زيداً لدخوله. فلا يقتضي تقديم الإِكرام على الدخول، ونظائره كثيرة. وحمله على التأقيت لا بد فيه من احتمال تجوز، خروج عن الحقيقة. لأن وقت الرؤية -وهو الليل- لا يكون محلاًّ للصوم (1). كذا قال الشيخ تقي الدين.

وأجاب الفاكهي: بأنا إذا حملنا "صوموا" على "انووا الصيام"

= لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكتب ولا نحسب" إنما عمدتهم تعديل سير النيرين، والتعديل أن يأخذ أعلى سيرهما، وأدناه، فيأخذ الوسط منه ويجمعه، إلى أن قال: فهذه طريقة هؤلاء المبتدعة المارقين الخارجين عن شريعة الإِسلام الذي يحسبون ذلك الشهر بما قبله من الشهور، أما في جميع السنين أو بعضها، ويكتبون ذلك. اهـ.

(1)

قال الصنعاني -رحمنا الله وإياه- في الحاشية (3/ 323): أقول: استدلوا لذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته"، فقالوا: اللام مثلها في قوله -تعالى-: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} ، أي مستقبلين لها، فكذلك هنا صوموا مستقبلين رؤيته وربما ذكره الشارح، فإن اللام وإن جاءت في الآية بذلك المعنى فلا يصح في الحديث، لأنه قد بينه حديث "لا تصوموا حتى تروا الهلال"، فاللام لبيان وقت وجوب الصوم، -وقد نبه الصنعاني على قول المؤلف إن اللام للتعليل بناء على اختيار الروافض بقوله- واعلم أن الشارح جعل دليل الرافضة مبنيّاً على أن اللام في الحديث للتعليل، والذي في كتبهم أنها للاستقبال كالآية، وأما لام التعليل فلا تقتضي التقديم.

ص: 165

لم يكن فيه تجوز البتة، إذ الليل كله ظرف لإِيقاع نية الصوم فيه (1).

الثامن: فيه عدم النهي عن تقديم يوم أو يومين لرمضان بالصوم لمن له عادة في غير شعبان أن يصوم أواخره، وسواء كانت عادته بنذر أو تطوع، فإنه داخل تحت إطلاق الحديث ومن صور النذر: لله عليّ أن أصوم يوم قدوم فلان. فوافق ذلك ما قبل رمضان بذلك القدر.

التاسع: يدخل تحت النهي صوم يوم الشك، وهو عبارة عن اليوم الذي يتحدث الناس برؤيته أعني الهلال، أو يشهد بها صبيان أو عبيد أو فسقة. وقد اختلف السلف فيمن صامه تطوعاً بغير سبب.

والأصح عندنا: منعه.

وعند المالكية: في صومه تطوعاً ثلاثة أقوال:

ثالثها: يصومه من عادته سرد الصوم دون غيره. وعندهم أنه يصومه أيضاً من نذره.

وأوجب صومه عن رمضان أحمد وجماعة، بشرط أن يكون هناك غيم.

(1) قال ابن حجر في الفتح (4/ 128): قلت: فوقع في المجاز الذي فر منه، لأن الناوي ليس صائماً حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع الفجر. اهـ. قال الصنعاني في الحاشية (3/ 323): والمجاز الذي أراده الشارح أنه يكون معنى صوموا استعدوا للصوم بالنية ونحوها، فأطلق الفعل على مقدماته. اهـ.

ص: 166

العاشر: قال ابن العربي (1): كما لا يجوز استقبال رمضان لا يجوز تشييعه قال: ومن أجله قلنا في قوله عليه الصلاة والسلام: "من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوال كان كصيام الدهر"(2)[أنه](3) لا يحل صلتها بيوم الفطر لكن يصومها متى كان، لأن المقصود: أن من صام رمضان فقد حصل له أجر عشرة أشهر

(1) في القبس شرح موطأ مالك بن أنس (2/ 486).

(2)

مسلم (1164)، والترمذي (759)، وابن ماجه (1716)، وأبو داود (2323) في الصيام، باب: في فضل ستة أيام من شوال، والدارمي (2/ 21)، وابن خزيمة (2114)، وابن أبي شيبة (3/ 97)، وعبد الرزاق (7918)، وأحمد (5/ 417، 419)، والطيالسي (594)، وابن حبان (3634).

وفي الباب عن جابر عند أحمد (3/ 308، 324، 344)، والبزار (1062)، والبيهقي (4/ 292).

قال الهيثمي في المجمع (3/ 183): وفيه عمرو بن جابر وهو ضعيف.

وعن أبي هريرة عند البزار (1060)، قال الهيثمي: رواه البزار وله طرق رجال بعضها رجال الصحيحين.

وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ابن ماجه (1715)، والنسائي في الكبرى (2860، 2861) في الصيام، باب: صيام شوال والعشر صيام ستة أيام من شوال، وابن حبان (3635)، وأحمد (5/ 280)، والدارمي (2/ 21)، والطحاوي في مشكل الآثار (3/ 119، 120).

وانظر إلى تحقيق ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في هذه الأحاديث في كتابه: تهذيب السنن (3/ 308)، وابن عبد البر في الاستذكار (10/ 256).

(3)

في القبس: لأنه.

ص: 167

ومن صام ستة أيام فقد حصل أجر شهرين وذلك الدهر، وأفضلها أن يكون في عشر ذي الحجة، إذ الصوم فيه أفضل منه في شوال، فإن قال: لعلي أموت؟ قيل له: صمها في شعبان. هذا كلامه وهو عجيب. فأين المتابعة بصوم ست من شوال؟ وحمل القاضي على ذلك التعصب لمذهبه والحق أحق بالاتباع في استحباب صومها، فقد صحت فيه عدة أحاديث كما أوضحته في "تخريج أحاديث المهذب" فراجعها منه تجد ما يشفي الغليل (1).

(1) قال ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في كتابه تهذيب السنن (3/ 314): الاعتراض الثالث: أن هذا الحديث غير معمول به عند أهل العلم .. قال مالك في الموطأ: ولم أر أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف، وإن أهل العلم يكرهون ذلك، ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء ولو رأوا في ذلك رخصة عن أهل العلم، ورأوهم يعملون ذلك، تم كلامه.

قال الحافظ أبو محمد المنذري: والذي خشي منه مالك قد وقع بالعجم، فصاروا يتركون المسحرين على عادتهم، والنواقيس وشعائر رمضان إلى آخر الستة الأيام، فحينئذ يظهرون شعائر العيد، ويؤيد هذا ما رواه أبو داود في قصة الرجل الذي دخل المسجد وصلى الفرض، ثم قام يتنفل، فقام إليه عمر، وقال له: اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك، فبهذا هلك من كان قبلنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أصاب الله بك يا ابن الخطاب".

قالوا: فمقصود عمر: أن اتصال الفرض بالنفل، إذا حصل معه التمادي وطال الزمن ظن الجهال أن ذلك من الفرض، كما قد شاع عند كثير من العامة؛ أن صبح يوم الجمعة خمس سجدات ولا بد، فإذا تركوا قراءة "الم (1) تَنْزِيل" قرأوا غيرها من سور السجدات، بل نهى عن الصوم بعد =

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= انتصاف شعبان حماية لرمضان أن يخلط به صوم غيره فكيف بما يضاف إليه بعده؟

فيقال الكلام هنا في مقامين: أحدهما: في صوم ستة من شوال، من حيث الجملة. والثاني: في وصلها به.

أما الأول: فقولكم: إن الحديث غير معمول به: فباطل، وكون أهل المدينة في زمن مالك لم يعملوا به لا يوجب ترك الأمة كلهم له، وقد عمل به أحمد والشافعي وابن المبارك وغيرهم. قال ابن عبد البر: لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب، على أنه حديث مدني، والإِحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه، والذي كرهه له مالك أمرٌ قد بينه وأوضحه: وذلك خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يسبق ذلك إلى العامة، وكان متحفظاً كثير الاحتياط للدين، وأما صوم الستة أيام على طلب الفضل، وعلى التأويل الذي جاء به ثوبان، فإن مالكاً لا يكره ذلك إن شاء الله، لأن الصوم جنة، وفضله معلوم: يدع طعامه وشرابه لله، وهو عمل بر وخير، وقد قال -تعالى-:{وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} ومالك لا يجهل شيئاً من هذا، ولم يكره من ذلك إلَّا ما خافه على أهل الجهالة والجفاء إذا استمر ذلك، وخشي أن يعد من فرائض الصيام، مضافاً إلى رمضان، وما أظن مالكاً جهل الحديث، لأنه حديث مدني انفرد به عمر بن ثابت، وأظن عمر بن ثابت لم يكن عنده ممن يعتمد عليه، وقد ترك مالك الاحتجاج ببعض ما رواه عمر بن ثابت، وقيل: إنه روى عنه، ولولا علمه به ما أنكر بعض شيوخه، إذ لم يثق بحفظه لبعض ما يرويه، وقد يمكن أن يكون جهل الحديث، ولو علمه لقال به. هذا كلامه. انظر أيضاً: الاستذكار (10/ 259).

وقال القاضي عياض: أخذ بهذا الحديث جماعة من العلماء. وروي عن مالك وغيره كراهية ذلك، ولعل مالكاً إنما كره صومها على ما قال في

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الموطأ؛ أن يعتقد من يصومها أنه فرض، وأما على الوجه الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم فجائز.

وأما المقام الثاني: فلا ريب أنه متى كان في وصلها برمضان مثل هذا المحذور كره أشد الكراهة، وحمي الفرض أن يخلط به ما ليس منه، ويصومها في وسط الشهر أو آخره، وما ذكروه من المحذور فدفعه والتحرز منه واجب، وهو من قواعد الإِسلام فإن قيل: الزيادة في الصوم إنما يخاف منها لو لم يفصل بين ذلك بفطر يوم العيد، فأما وقد تخلل فطر يوم العيد، فلا محذور، وهذا جواب أبي حامد الإِسفراييني وغيره.

قيل: فطر يوم العيد لا يؤثر عند الجهلة في دفع هذه المفسدة. لأنه لما كان واجباً فقد يرونه كفطر يوم الحيض لا يقطع التتابع واتصال الصوم، فبكل حال ينبغي تجنب صومها عقب رمضان إذا لم تؤمن معه هذه المفسدة، والله أعلم. اهـ.

ص: 170