الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السادس
176/ 6/ 33 - عن عبد الله بن زيد بن عاصم قال: لما أفاء الله على [رسوله](1) صلى الله عليه وسلم يوم حنين، قسم في الناس، وفي المؤلفة قلوبهم، ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا في أنفسهم، إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم، فقال:"يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ "، كلما قال شيئاً، قالوا: الله ورسوله أمَنُّ، قال:"ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ "، [قال: كلما قال شيئاً] (2) قالوا: الله ورسوله أَمَنُّ، قال: "لو شئتم لقلتم: جئتنا كذا وكذا، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون [بالنبي صلى الله عليه وسلم](3) إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً وشعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار، والناس دثارٌ، إنكم ستلقون من بعدي أثرةً، فاصبروا حتى تلقوني على
(1) في بعض من العمدة (نبيه).
(2)
الإِضافة قال مصحح العمدة من فتح الباري (8/ 47).
(3)
في بعض ن العمدة (برسول الله).
الحوض" (1).
الكلام عليه من أربعين وجهاً:
الأول: في التعريف براويه وقد سلف في الطهارة.
الثاني: هذا الحديث لا مدخل له في الزكاة إلَّا أن يقاس إعطاء المؤلفة منها على إعطائهم من الفيء والخمس.
والثالث: قوله "لما أفاء" أي رد ورجع، وهو أفعل من الفيء، يتعدى إلى مفعولين [أحدهما](2) بنفسه والآخر بحرف الجر، يقول أفاء الله على المسلمين مال الكفار، يفي إفاءة، واستفدت هذا المال
(1) البخاري في المغازي (4330)، باب: غزوة الطائف، ومسلم (1061) في الزكاة، باب: إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإِسلام وتصبر من قوي إيمانه.
وقد أخرج الحديث البخاري وغيره من رواية أنس: البخاري (4337، 3147، 4331، 4333، 4334، 5860، 7441)، ومسلم (1059)، والترمذي (3901)، وأحمد (3/ 157، 279، 188، 201، 246)، والحميدي (1201)، وأبو يعلى (3002، 3594).
ومن رواية أبي سعيد الخدري: أحمد (3/ 67، 76، 57)، ومجمع الزوائد (10/ 29)، وقال: رواها كلها أحمد، وأبو بعلى
…
إلخ، وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: عند أحمد (3/ 67)، وأبو يعلى (1358).
أبو هريرة: عند مسلم (1780)، والطيالسي (2/ 106)، والبيهقي في السنن (9/ 117)، والدلائل (5/ 57، 176)، وأحمد (2/ 538)، وأبو يعلى (6647).
(2)
في ن ب ساقطة.
أخذته فيئاً. والأصل في أفاء أفيا، فنقلت فتحة الياء [إلى](1) الفاء فتحركت الياء في الأصل وانفتح ما قبلها فقلبت الفاء فصار أفاء (2).
وأصل الفيء في اللغة: الرّد والرجوع كما سلف ومنه سمّي الظل بعد الزوال فيئاً، لأنه رجع من جانب الغرب إلى جانب الشرق، وكأن الأموال التي بأيدي الكفار كانت [بالأصالة](3) للمؤمنين، إذ الإِيمان هو الأصل والكفر طارىء عليه، فغلب الكفار على تلك الأموال فإذا غنم المسلمون منها شيئاً رجعت إلى نوع من كان يملك أصلها.
الرابع: حنين: اسم واد قريب من الطائف بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً.
قال عروة: إلى جنب ذي المجاز (4).
وقال ابن حبان (5): هو واد أجوف، وكانت غزوته بعد فتح مكة [سنة ثمان من الهجرة وهي من غنائم هوازن، وكان فتح مكة](6) في العشرين من شهر رمضان، وكانت حنين بعد فتح مكة، وإقامته
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
لسان العرب (10/ 360)، والمصباح المنير (486)، ومختار الصحاح (217).
(3)
في ن ب (بالإِضافة).
(4)
معجم البلدان (2/ 313).
(5)
الثقات لابن حبان (2/ 69).
(6)
في ن ب ساقطة.
فيها [خمس عشرة](1) ليلة، فقصر الصلاة فيها، كما قاله ابن حبان في ثقاته في العشر الأول من شوال.
و"حنين" مذكر ولذلك صرف.
الخامس: قوله "قسم في الناس" أي قسم الأموال في الناس فمفعول قسم محذوف.
السادس: "المؤلفة" من التأليف، وهو جمع القلوب، واختلف في المؤلفة قلوبهم من هم.
فقيل: كفار يعطون ترغيباً في الإِسلام.
وقيل: مسلمون ليتمكن إِسلامهم.
وقيل: مسلمون لهم أتباع كفار ليتألفوهم (2).
وقسمهم أصحابنا أقساماً ومحل الخوض فيها كتب الفروع وقد بسطتها في "شرح المنهاج" وغيره، ولله الحمد.
والصحيح [من](3) مذهب مالك: أعطاؤهم اليوم من الزكاة إن
(1) في ن ب د (خمس عشرة).
(2)
انظر: تفسير الطبري، سورة التوبة: آية 60، فإنه ذكر هذه الأقوال.
قال ابن حجر في الفتح (8/ 48): وأما المراد بالمؤلفة هنا فهذا الأخير -أي ما ذكر- وهم مسلمون أول ما دخلوا في الإِسلام ليتمكن الإِسلام من قلوبهم -ثم قال- لقوله في رواية الزهري في الباب: "فإني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم"-.
(3)
في ن ب ساقطة.
احتيج إليهم (1).
(1) قال الطبري -رحمنا الله وإياه- في تفسيره على آية 60 من سورة التوبة: ثم اختلف أهل العلم في وجود المؤلفة اليوم وعدمها، وهل يُعطى اليوم أحدٌ على التألف على الإِسلام من الصدقة؟
فقال بعضهم: قد بطلت المؤلفة قلوبهم اليوم، ولا سهم لأحد في الصدقة المفروضة إلَّا لذي حاجة إليها، وفي سبيل الله، أو لعامل عليها.
ذكر من قال ذلك -ساقه بإسناده- عن الحسن قال: أما "المؤلفة فلوبهم" فليس اليوم وأيضاً حديث عمر: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وأتاه عيينة بن حصن: "الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر": أي ليس اليوم مؤلفة
…
إلخ الأحاديث.
ثم قال: وقال آخرون: "المؤلفة قلوبهم" في كل زمان، وحقهم في الصدقات. ذكر من قال ذلك -وساق بإسناده- عن أبي جعفر قال: في الناس اليوم، المؤلفة قلوبهم قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي: أن الله جعل الصدقة في معنيين أحدهما: سد خلة المسلمين، والآخر: معونة الإِسلام وتقويته. فما كان في معونة الإِسلام وتقوية أسبابه، فإنه يُعطاه الغني والفقير، لأنه لا يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه، وإنما يعطاه معونة للدين. وذلك كما يعطى الذي يُعطاه بالجهاد في سبيل الله، فإنه يعطى ذلك غنيّاً كان أو فقيراً، للغزو، لا لسد خلته، وكذلك المؤلفة قلوبهم، يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء، استصلاحاً بإعطائهموه أمر الإِسلام وطلب تقويته وتأييده، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم، بعد أن فتح الله عليه الفتوح، وفشا الإِسلام وعز أهله، فلا حجة لمحتج بأن يقول:"لا يتألف اليوم على الإِسلام أحد، لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم" وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت. اهـ.
قال العلماء: المشركون أصناف.
منهم: من رجع إلى الإِسلام بالمعجزة وظهور البرهان.
ومنهم: من رجع بالقهر والسنان.
ومنهم: من رجع بالعطاء والإحسان، وهم المؤلفة قلوبهم. وعدهم ابن طاهر في كتابه (1)"إيضاح الإِشكال"، سبعة عشر: أبو سفيان بن حرب، والأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن (2)، وسهيل بن عمرو [الجهني](3)[الحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى](4) وأبو السنابل بن بعك، وحكيم بن حزام، ومالك بن عوف النصري (5)، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن بن يربوع، وجد بن قيس (6)، وعمرو جد
(1) إيضاح الإِشكال (159)، وسيرة ابن هشام (2/ 489، 490).
(2)
ذكر ابن طاهر: سهيل بن عمرو من بني لؤي، صحابي له ترجمة في أُسد الغابة (2/ 480)، والإِصابة (3/ 212)، ثم ذكر بعده: الحارث بن هشام، وحويطب بن عبد العزى، ثم سهيل بن عمرو الجمحي.
(3)
انظر: الإِصابة (3/ 215)، ونسبته إلى الجهني خطأ، وإنما هو الجمحي.
انظر: إيضاح الإِشكال (160).
(4)
زيادة من ن ب د.
(5)
في المخطوطة (النفري)، والتصحيح من أسد الغابة (5/ 43)، والإِصابة (5/ 742)، والباب (3/ 311)، وهو بالصاد المهملة نسبة إلى جده الأعلى نصر بن معاوية، وفي الحاوي (18/ 77)(النضري).
(6)
جد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن سلمة الأنصاري، أبو عبد الله: اختلف فيه هل هو من المنافقين أم لا، وهل أسلم وحسن =
مروان (1)[وعمرو بن مرداس](2) ،وعمرو بن الأهتم (3) ، وعباس بن مرداس، والعلاء بن [حارثة](4).
= إسلامه؟ وقد قال ابن عبد البر: إنه أسلم وحسن إسلامه: الاستيعاب (1/ 232)، والإِصابة (1/ 468)، وأسد الغابة (1/ 327)، ذكره ابن طاهر في إيضاح الإِشكال (161)، ولم يذكره ابن هشام (4/ 139) في السيرة، وأيضاً البيهقي في الدلائل (5/ 174)، وابن حجر في الفتح (8/ 48)، وإنما المذكور: خالد بن قيس السهمي كذا قال صاحب أسد الغابة: حيث قال: ووهم في ثلاثة أسامي فقال: عمرو بن مرداس وهو العباس بن مرداس وقال سهيل ابن عمرو الجهني، وقال جد بن قيس السهمي، وهو خالد فإن جد بن قيس من الأنصار ولو أصلحه لكان خيراً له (4/ 130). اهـ. وأيضاً ابن حجر في الفتح (8/ 48)، ذكره.
(1)
لم تذكره المصادر المشار إليها آنفاً فلعله ذكر باسم غير هذا.
(2)
كما أشار صاحب أسد الغابة إلى الوهم في ذلك كما في تعليق ما قبل هذا، وذكر ابن حجر في الإِصابة (5/ 15)، وجزم بأنه منهم وأنه أخو العباس بن مرداس وإنهما من المؤلفة قلوبهم، وأيضاً ذكر في الفتح (8/ 48)، باسم عمير. أما ابن هشام: فلم يذكره.
(3)
قال في الفتح (8/ 48)، الأيهم وجمع المصادر ذكرته بالأهتم: أسد الغابة (4/ 87)، والإصابة (4/ 285).
وقد بلغ عدتهم في الفتح (8/ 48) أربعين نفساً. أما ابن هشام فذكر تسعة وعشرين رجلاً (4/ 142)، وأما ابن طاهر فلم يذكر سوى خمسة عشر رجلاً إيضاح الإِشكال (159، 161)، ولولا خشية الإِطاله لذكرتهم ولكن من أراد الاطلاع فعليه بالمصادر المذكورة آنفاً.
(4)
في الحاوي ابن جارية القفي، وفيه زيادة: الحارث بن كلدة، ومعاوية بن أبي سفيان، مخرمة بن نوفل، هشام بن عمرو، عمير بن وهب وجملة ما ذكر (16).
[السابع](1): اختلف في هذا العطاء للمؤلفة: هل كان من الخمس أو من صلب الغنيمة على قولين، حكاهما القرطبي في "مفهمه": قال: والإِجراء على أصول الشريعة أن يكون من الخمس، ومنه كان أكثر عطاياه صلى الله عليه وسلم وقد قال عليه الصلاة والسلام: [مالي مما أفاء الله عليكم إلَّا الخمس، والخمس مردود فيكم" (2)
(1) في الأصل (السادس)، والتصحيح من ن ب د
…
إلخ الأوجه.
(2)
أبو داود كتاب الجهاد، باب: الإِمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه، من حديث عمرو بن عبسة (2638)، والنسائي كتاب قسم الفيء (7/ 131)، من حديث عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو، وابن ماجه (952).
قال الخطابي: في معالم السنن (4/ 62): وروي أيضاً من حديث جبير بن مطعم والعرباض بن سارية، حديث العرباض أخرجه أحمد (4/ 127)، والبزار (1734)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 337): ورواه أحمد والبزار والطبراني، وفيه أم حبيبة بنت العرباض ولم أجد من وثقها، ولا جرحها، وبقية رجاله ثقات. اهـ. الطبراني (18/ 260)، والأحاديت الصحيحة (669).
قال ابن حجر في الفتح بعد نقله لكلام القرطبي (8/ 48): وقد قال في هذه الغزوة للأعرابي: "مالي مما أفاء الله عليكم إلَّا الخمس، والخمس مردود فيكم" أخرجه أبو داود والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو -سبق تخريجه بأسطر. وعلى الأول فيكون ذلك مخصوصاً بهذه الواقعة، وقد ذكر السبب في ذلك في رواية قتادة عن أنس في الباب حيث قال:"إن قريشاً حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم" قلت: الأول هو المعتمد، وسيأتي ما يؤكده، الذي رجحه القرطبي جزم به الواقدي، ولكنه ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا خالف، وقيل: إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا انهزموا فلم يرجعوا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حتى وقعت الهزيمة على الكفار فرد الله أمر الغنيمة لنبيه وهذا معنى القول السابق بأنه خاص بهذه الواقعة، واختار أبو عبيد أنه كان من الخمس، في كتاب الأموال (406، 407).
وقد قال ابن القيم في زاد المعاد: (3/ 477، 479): اقتضت حكمة الله أن فتح مكة كان سبباً لدخول كثير من قبائل العرب في الإِسلام كانوا يقولون: دعوه وقومه، فإن غلبهم دخلنا في دينه، وإن غلبوه كفونا أمره، فلما فتح الله عليه استمر بعضهم على ضلاله فجمعوا له وتأهبوا لحربه، وكان من الحكمة في ذلك أن يظهر الله أن الله نصر رسوله لا بكثرة من دخل في دينه من القبائل ولا بانكفاف قومه عن قتاله، ثم لما قدر الله عليه من غلبته إياهم قدر وقوع هزيمة المسملين مع كثرة عددهم وقوة عددهم ليتبين لهم أن نصر الحق إنما هو من عنده لا بقوتهم، ولو قدر أن لا يغلبوا الكفار ابتداء لرجع من رجع منهم شامخ الرأس متعاظماً، فقدر هزيمتهم ثم أعقبهم النصر ليدخلوا مكة كما دخلها النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح متواضعاً متخشعاً، واقتضت حكمته أن غنائم الكفار لما حصلت ثم قسمت على من لم يتمكن الإِيمان من قلبه لما بقي فيه من الطبع البشري في محبة المال فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها، ومنع أهل الجهاد من أكابر المهاجرين ورؤساء الأنصار مع ظهور استحقاقهم لجميعها لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصوراً عليهم، بخلاف قسمته على المؤلفة لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم، فلما كان ذلك العطاء سبباً لدخولهم في الإِسلام ولتقوية قلب من دخل فيه قبل تبعهم من دونهم في الدخول، فكان في ذلك عظيم المصلحة، ولذلك لم يقسم فيهم من أموال أهل مكة عند فتحها قليلاً ولا كثيراً مع احتياج الجيوش إلى المال الذي يعينهم على ما هم فيه، فحرك الله قلوب المشركين لغزوهم، فرأى كثيرهم =
والظاهر من مراجعة الأنصار، وقوله عليه الصلاة والسلام] (1)"ألَّا ترضون" إلى آخره أنه كان من صلب الغنيمة، وأن ذلك إنما كان لما يعلم من رضا أصحابه بذلك، ولطيب قلوبهم به. ويكون هذا مخصوصاً بتلك الواقعة، وله أن يفعل ما يشاء في الأموال والرقاب، والأصل التمسك بقواعد الشريعة على ما تقررت.
الثامن: الأنصار: جمع ومفرده نصير: كشريف وأشراف.
وقيل: ناصر كصاحب وأصحاب. وقد أسلفت ذلك في الكلام على حديث أبي أيوب في باب الاستطابة مع بيان نسب الأنصار وغيره فراجعه منه (2).
قال الفاكهي: وجمع ناصر نصر: كصاحب وصحب. قال:
= أن يخرجوا منهم بأموالهم ونسائهم وأبنائهم فكانوا غنيمة للمسلمين، ولو لم يقذف الله في قلب رئيسهم أن سوقه معه هو الصواب لكان الرأي ما أشار إليه دريد فخالفة فكان ذلك سبباً لتصييرهم غنيمة للمسلمين، ثم اقتضت تلك الحكمة أن تقسم تلك الغنائم في المؤلفة ويوكل من قلبه ممتلىء بالإِيمان إلى إيمانه، ثم كان تمام التأليف رد من سبي منهم إليهم، فانشرحت صدورهم للإِسلام فدخلوا طائعين راغبين. اهـ، من محل المقصود. وقد ساق ذلك ابن حجر في الفتح (8/ 49)، وقال بعده (8/ 50)، وفي رواية هشام بن زيد عن أنس آخر الباب- (4331):"إذا كانت شديدة فنحن ندعى، ويعطى الغنيمة غيرنا" وهذا ظاهر في أن العطاء كان من صلب الغنيمة بخلاف ما رجحه القرطبي. اهـ. انظر: شرح السنة للبغوي (11/ 114).
(1)
في ن ب ساقطة.
(2)
انظر: مختار الصحاح (277).
وعندي أنه يجمع على أنصار: كشاهد وأشهاد، صاحب وأصحاب، وإن كان جمع فاعل على أفعال ليس بالكثير.
التاسع: "وجد" من الألفاظ المشتركة يقال وَجَدَ مطلوبه يَجِدَهُ وُجوداً ويَجُدَه أيضاً بالضم لغة عامر.
قال أهل اللغة (1): لا نظير لها في باب المثال، ووَجَدَ ضالّته وِجْداناً بالكسر، ووَجَد عليه في الغضب مَوجدَة ووِجْداناً بالكسر أيضاً ووَجَدَ في الحزن وَجْداً بالفتح ووجد في المال وُجْداً ووَجْداً وجِدَةً أي استغنى (2).
وقوله: "فكأنهم وجدوا في أنفسهم" هو تعبير حسن كُسِيَ حلة الأدب في الدلالة على ما كان في أنفسهم.
(1) انظر: مختار الصحاح (295).
(2)
الفيروز آبادي في بصائر ذوي التمييز (5/ 162)، وَجَدَ مطلوبه يَجِدهُ وُجوداً، ويَجُدَه بالضم، لغة عامريّة لا نظير لها في باب المِثال. ووَجدَ بكسر الجيم لغة ثم ساق أبيات ووَجَدَ ضالّته وِجْداناً، ووَجَد عليه في الغضب يَجدُ ويَجُدُ مَوجدَة ووِجْداناً أيضاً حكاها بعضهم، ووَجَدَ في الحُزن وَجْداً، ووجد في المَال وُجْداً ووَجْداً ووِجْداً وجِدَةَ قال ابن حجر في الفتح (8/ 50)، ويظهر الفرق بينهما بمصادرهما: ففي الغضب موجدة، وفي الحزن وجدا بالفتح، وفي ضد الفقد وجداناً، وفي المال وجدا بالضم، وقد يقع الاشتراك في بعض هذه المصادر. اهـ. وهي من الألفاظ المتداخلة المعاني قال في شجر الدر (136) والوجود جمع وَجْد، والوَجْد: السخيمة في القلب. اهـ. هو محل المقصود. انظر: شرح الفصيح (164)، والصحاح (1/ 544).
العاشر: "معشر" مفرد معاشر، وهي جماعات الناس، قال أهل اللغة: المعشر: الطائفة.
الحادي عشر: "الضَّلال" جمع: ضال. والضَّلال والضَّلالة (1) ضد الرشاد والهدى، وهو هنا ضلال الشرك والكفر.
والهداية: هداية الإِيمان، ولا شك أن نعمة الإِيمان أعظم النعم، فإنه لا يوازيها شيء من أمر الدنيا. فلذلك بدأ بها، ثم ثنى بنعمة الألفة، وهي أعظم من نعمة المال، إذ الأموال تبذل في تحصيلها، وهيهات أن تحصل. قال -تعالى-:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (2) الآية. وكانت الأنصار في غاية التباعد والتنافر، وجرت بينهم حروب قبل المبعث، منها يوم بغاث (3) بالغين المعجمة والمهملة، وأخره ثاء مثلثة: موضع من المدينة على
(1) انظر: بصائر ذوي التمييز (3/ 481)، بصيرة في ضل.
(2)
سورة الأنفال: آية 63.
(3)
بغاث: بضم الموحدة وتخفيف المهملة وآخره مثلثة وحكى العسكري أن بعضهم رواه عن الخليل بن أحمد وصحفه بالغين المعجمة، وذكر الأزهري أن الذي صحفه الليث الراوي عن الخليل. وحكى القزاز في "الجامع" أنه يقال بفتح أوله أيضاً، وذكر عياض في المشارق (1/ 116)، أن الأصيلي ضبطه بالوجهين وبالمعجمة عند القابسي وآخره مثلثة، قال ابن حجر في الفتح (7/ 111)، أن الذي وقع في رواية أبي ذر بالغين المعجمة وجهاً واحداً. اهـ. وذكر عياض: أن أبا عبيدة ذكره بالمعجمة أيضاً. وهو مكان على ميلين من المدينة ويقال حصن ويقال مزرعة عند بني قريضة. وفي المشارق: ليلتين وأيضاً في معجم البدان لياقوت (1/ 451)، انظر: فتح الباري (7/ 111)، للاطلاع على سبب الحرب.
[ليلتين](1)، ثم ثلَّث بنعمة الغنى والمال. وقد استعمل صلى الله عليه وسلم في ذلك [جميع](2) ما يجب من الأدب مع القرآن العزيز وإتباعه في إضافة الهداية والألفة والإِغناء إلى الله -تعالى- فإِن ذلك جميعه خاص به -سبحانه- لا يشركه فيه أحد، قال -تعالى- {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} (3) الآية، وقال:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (4) وفي إضافة الهداية إلى الأسباب حيث] (5) أضافها الله -تعالى- إليها في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} (6)
(1) في ن ب (الثلثين).
(2)
في ن د (جميعه).
(3)
سورة البقرة: آية 272.
(4)
سورة القصص: آية 56.
(5)
زيادة من ن ب د.
(6)
سورة الشورى: آية 52.
فالجمع بين الآيتين ولله الحمد متيسر ومعروف فالهداية التي تصح نسبتها لغير الله بوجه هي هداية الإِرشاد والدلالة، كما قال -تعالى-:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} أي ترشد وتبين والهداية المنفية عن غير الله هي هداية التوفيق وخلق القدرة على الطاعة. اهـ من تيسير العزيز الحميد (260) و"الهدى" لغة: الدلالة والبيان وينقسم إلى قسمين: هدى دلالة وبيان، وهذا القسم يقدر عليه الرسل وأتباع الرسل ممن يجعله الله سبباً لهداية شخص أو أشخاص. قال الله -تعالى-:{وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)} وقال: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)} وقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: "لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم"، ومن هذا القسم قوله -تعالى-:{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} أي بينا لهم ودللناهم وأرشدناهم فلم يهتدوا وهذه التي بعثت بها الرسل =
فلهذا قال صلى الله عليه وسلم "فهداكم الله بي" وكذلك الألفة حيث قال: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} (1) وكذلك الإِغناء، فإنه سبحانه وتعالى المغني، وأمتن به في قوله -تعالى- لقوم نوح عليه الصلاة والسلام على لسانه {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} (2).
الثاني عشر: يؤخذ من الحديث إقامة الحجة على الخصم وإفحامه بالحق عند الحاجة إليها. وأحسن الصحابة رضي الله عنهم الأدب في جوابهم، وحسن خطابهم مع اعترافهم بالحق وترك المماراة لا جرم أعقبهم الله عز وجل من حسن أدبهم شكر رسوله لهم وثناءه عليهم، فسبحان من اجتباهم! وأمتن عليهم بصحبته ونصرته. والأمر كما ذكروا، فالمنة في ذلك لله ولرسوله،
= لتدل الأمم إليها وتدعوهم إلى قبولها فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة.
وأما القسم الثاني: فمعناه التوفيق والإِلهام وهذا لا يقدر عليه إلَّا الله مختص بمن شاء الله هدايته ودليله قوله -تعالى-: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} وغيرها من الآيات. وهذه خاصة يتفضل الله بها على من يشاء من عباده وهو أعلم بالمهتدين -اللهم مُنَّ علينا بالهداية. النوع الثالث: هداية عامة، قال- تعالى-:{أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} . النوع الرابع: غاية هداية الدلالة والبيان والتوفيق وفائدتها ونتيجتها، قال-تعالي-:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} ، وقال: إخباراً عما يقوله السعداء: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} .
(1)
سورة الأنفال: آيتان 62 - 63.
(2)
سورة نوح: آية 12.
قال الله -تعالى-: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُم} (1).
الثالث عشر: "العالة" الفقراء، الذين لا مال لهم.
والعيلة: الفقر (2).
الرابع عشر: ما كنى عنه بكذا أو كذا. قد جاء مصرحاً به في رواية أخرى (3) فتأدب الراوي بالكناية دون التصريح (4).
الخامس عشر: قوله: "لو شئتم لقلتم جئتنا كذا" هو منه عليه الصلاة والسلام على طريق التواضع ولين الجانب، وإلَاّ ففي الحقيقة الحجة البالغة والمنة الظاهرة في جميع ذلك لله ولرسوله عليهم وعلى غيرهم فإنه -تعالى- هو الذي أهلهم لمحبته،
(1) سورة الحجرات: آية 17.
(2)
المفردات في غريب القرآن (354).
(3)
قد جاء مصرحاً به في رواية أبي سعيد الخدري: ولفظه "فقال: أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدقتم: [أتيتنا مكذَّباً فصدقناك، ومخذولاً فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك"]. انظر: تخريج الرواية في أول الحديث. وما بين القوسين مذكور في حاشية ن د.
(4)
قال ابن حجر في الفتح (8/ 51)، على قوله:"لو شئتم قلتم جئتنا قلتم كذا وكذا" في رواية إسماعيل بن جعفر "لو شئتم أن تقولوا جئتنا كذا وكذا وكان من الأمر كذا وكذا" لأشياء زعم عمرو بن أبي بحيى المازني. راوي الحديث أنه لا يحفظها. وفي هذا رد على من قال أن الراوي كنى عن ذلك عمداً على طريق التأدب. وقد جوز بعضهم أن يكون المراد جئتنا ونحن على ضلالة فهدينا بك ما أشبه ذلك، وفيه بعد، وقد فسر في حديث أبي سعيد. ثم ساقه. اهـ. انظر التعليق السابق.
وأعانهم على نصرة رسوله، وسماهم أنصاراً، وناهيك نعمة وافتخاراً.
السادس عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "ألَاّ ترضون" إلى آخره، فيه تنبيه على ما غفلوا عنه، من عظيم ما حصل لهم بالنسبة إلى ما أصاب غيرهم من عرض الدنيا؛ وإنه لا شيء بالنسبة لما حصل لهم.
السابع عشر: "الشاة" الواحدة من الغنم، تقع على الذكر والأنثى من الضأن والمعز، وأصلها شوهة (1)، ولهذا إذا صُغَّرت عادت الهاء فقيل: شويهة، والجمع شياه بالهاء في الوقف والدرج.
والبعير: يقع في اللغة على الذكر والأنثى، وجمعه أبعرة وأباعر وبُعران، سمي به لأنه يبعر، يقال: بعر، يبعر بفتح العين فيهما، بعراً، كذبح، يذبح، ذبحاً.
الثامن عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار"(2) معناه أتسمى باسمهم، وأنسب إليهم،
(1) لم أجد من ذكر هذا، فالمذكور في لسان العرب (7/ 245)، وأيضاً في المصباح المنير (328)، ومختار الصحاح (150)، والشاةُ أصلها شاهة فحذفت الهاء الأصلية وأُثبتت هاء العلامة التي تنقلب تاء في الإِدراج. وقيل في الجمع شياةٌ كما قالوا ماء، والأصل ماهَة وماءة، إلى أن قال: وأما شَيَّةٌ فبين أنه شيوةٌ فأبدلت الواو ياءً لانكسارها ومجاورتها الياء، غيره تصغير، شُويهة، والعدد شياةٌ، والجمع شاءٌ فإذا تركوا هاء التأنيث مدوا الألف وإذا قالوا هاء بالهاء قصروا وقالوا شاةٌ
…
إلخ.
(2)
الخطابي في أعلام الحديث (1758).
كما كانوا يتناسبون بالحلف لكن خصوصية الهجرة ومرتبتها سبقت وعلقت فهي أعلا وأشرف، فلا تتبدل بغيرها، ولا ينتفى منها من حصلت له، قاله القرطبي ففيه إشارة عظيمة إلى فضيلة الأنصار.
وقيل: معناه لكنت منهم في الأحكام والعداد وبه جزم الشيخ تقي الدين (1).
وقال بعضهم: يجوز أن يكون المراد لولا ثواب الهجرة لكنت أختار أن يكون ثوابي ثواب الأنصار فيما أحرزوه بالنصرة، ولا يجوز أن يكون المراد النسب قطعاً.
وقال ابن الجوزي في "كشف مشكل الصحيحين": إن قال قائل: كيف يتصور أن يكون عليه الصلاة والسلام من الأنصار وكيف أراد هذا ونسبه أفضل؟!
فالجواب: أنه لم يرد تغيير النسب، ولا محو الهجرة، إذ كلاهما ممنوع من تغييره. وإنما أراد النسبة إلى المدينة والنصرة للدين. فالتقدير: لولا أن النسبة إلى الهجرة نسبة دينية لا يسع تركها لانتسبت إلى داركم، قال: ثم إن لفظة لولا تراد لتعظيم الأمر وإن لم يقع، كقوله -تعالى-:{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ} (2) وهذا إنما صدر منه بياناً لفضيلتهم وحبه إياهم.
التاسع عشر: "الوادي"(3) اسم للحفيرة. وقيل: للماء،
(1) انظر: إحكام الأحكام (3/ 311).
(2)
سورة الأنفال: آية 68.
(3)
قال الأصفهاني في المفردات (518): أصل الوادي الموضع الذي يسيل =
والأول أشهر، وجمعه أودية، ولا نظير له في كلامهم، كما أسلفته في باب صلاة الاستسقاء.
العشرون: "الشعب"(1) بالكسر اسم لما انقدح بين الجبلين.
وقيل: هو الطريق في الجبل، وبالفتح: القبيلة العظيمة، وهو أبو القبائل الذين ينسبون إليه، أي يجمعهم ويضمهم.
والشعب: أيضاً ما تشعب من قبائل العرب على العجم، وقصد صلى الله عليه وسلم بقوله:"لسلكت وادي الأنصار وشعبها" جبرهم والتنبيه على ما حصل لهم من الإِيمان والنصرة والقناعة بالله ورسوله؛ لأن
= فيه الماء، ومنه سمى المفرج بن الجبلين وادياً وجمعه أودية، ويستعار الوادي للطريقة كالمذهب والأسلوب فيقال فلان في وادٍ غير واديك، قال:"ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون"، فإنه يعني أساليب الكلام من المدح والهجاء والجدل والغزل
…
إلخ. انظر: بصائر ذوي التمييز (5/ 192).
(1)
قال في لسان العرب (7/ 126): الشعب: ما انفرج بين جبلين، والشعب: مسيل الماء. في بطن من الأرض، له حرفان مشرفان، والشَّعْبُ: ما تَشَعَّبَ من قبائل العرب والعجم. قال ابن الأثير: الشعوب ومنها العجم ووجهه أن الشعب ما تشعب من قبائل العرب أو العجم فخُص بأحدهما.
الشعب: القبائل: وحكى ابن الكلبي، عن أبيه، الشعب أكبر من القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ. وقيل: الشعب، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة. انظر: المفردات للأصفهاني (261)، ومختار الصحاح (145)، وبصائر ذوي التمييز (3/ 322).
من كان هذا وصفه فهو حقيق بأن يسلك طريقه، ويتبع حاله لما فيها من الراحة الدنيوية والأخروية والسلامة فيها.
وفيه أيضاً التنبيه على فضيلة نصرة الحق وعلى تعظيم من نصره وأعان عليه وأقام منار الدين وسعى في إظهار الحق.
الحادي والعشرون: قوله عليه الصلاة والسلام: "الأنصار شعار والناس دثار" الشعار: الثوب الذي يلي الجلد من الجسد. والدثار: الثوب الذي فوقه، وهذا من أحسن التشبيه، فإنه استعارة لفرط قربهم، وكأنه جعلهم بطانته وخاصته، وأنهم ألصق به وأقرب إليه من غيرهم.
وذكر الماوردي في "حاويه"(1) في كتاب السير: أنه دعا لهم بعد ذلك: "اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار [وأبناء أبناء الأنصار] (2) وأن القوم بكوا إذ ذاك حتى اخضلت لحاهم، وقالوا "رضينا بالله ورسوله قسماً وحظّاً" (3).
الثاني والعشرون: قوله عليه الصلاة والسلام: "إنكم ستلقون بعدي أثرة" وفي مسلم "أثرة شديدة".
والأثرة: بفتح الهمزة والثاء على الأفصح الأشهر واللغة الثانية ضم الهمزة وسكون الثاء.
(1)(18/ 79).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد (3/ 76)، وانظر: مجمع الزوائد (10/ 32).
والأثرة: الاستئثار بالمشترك أي يستأئر عليكم ويفضل عليكم غيركم بغير حق. قاله النووي (1).
وقال القرطبي: روايتنا هي الأولى.
قال أبو عبيد: أي يستأثر عليكم فيفضل [(2)] غيركم نفسه عليكم في الفيء.
والأثرة: اسم من أثر يؤثر إيثاراً.
وقال الأزهري: الأثرة الإِيثار والاسم: الأثر.
قال القرطبي: ورواه بعضهم بالثاني وأصل [الأثرة](3) الفضل.
قال أبو عبيد: يقال: له عليّ أثرة أي فضل، ومعناها قريب من الأولى.
قلت: وفيه لغة ثالثة بكسر الهمز وإسكان الثاء، وهي قليلة (4)، قال أبو علي القالي: ومعناها الشدّة [وكان](5) يتأول الحديث، ولكن التفسير السالف أظهر، وعليه الأكثر. وسياق الحديث وسببه يشهد له وهو إيثارهم المهاجرين على أنفسهم، كما
(1) انظر: شرح مسلم (7/ 153).
(2)
في ن ب (زيادة عليكم).
(3)
في ن ب (الأثر).
(4)
غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 288)(2/ 58)، ولسان العرب (1/ 69)، ومختار الصحاح (10).
(5)
في ن د (وبه كان).
جاء فأثر الأنصار المهاجرين أن فضلوهم فأجابهم عليه الصلاة والسلام بهذا.
الثالث والعشرون: هذا الحديث علم من أعلام نبوته، فإنه إخبار بما سيقع، وقد وقع على وفق ما أخبر به من الاستئثار عليهم بالدنيا، فلم ينالوا رتبة من رتب ولياتها.
الرابع والعشرون: قوله عليه الصلاة والسلام: "فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" أصل الصبر في اللغة الحبس، ومعناه حبس النفس عن حظوظها الدنيوية رجاء للحظوظ الأخروية. فأمرهم عليه الصلاة والسلام بذلك لرضاه لهم بالأخرى على الأولى لعلمه وتحققه أنها خير من الأولى، كما أخبر الله -تعالى- في كتابه العزيز (1) عن صحف إبراهيم وموسى صلى الله عليه وسلم ولا شك أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد. والجميل منه الذي لا شكوى فيه ولا جزع. ومن لم يتعاطاه ويوصي به ويقبل الوصية فهو في خسر، كما أخبر -تعالى- به من سورة العصر.
الخامس والعشرون: في الحديث أن للإِمام صرف بعض الخمس على ما يراه من تفضيل الناس فيه، وأن يعطي الواحد منه الكثير وأنه يصرفه في مصالح المسلمين، وله أن يعطي الغني منه لمصلحة.
(1) أي في سورة الأعلى: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} [سورة الأعلى: آيات 15 - 19].
السادس والعشرون: فيه أيضاً إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإِسلام منه.
السابع والعشرون: [فيه أيضاً إقامة الحجة عند الحاجة إليها على الخصم كما سلف.
الثامن والعشرون] (1): فيه أيضاً أن المؤمن إذا وجد [في](2) نفسه شيئاً من فوات الدنيا وتحدث به لا ينقصه ولا يبطل ثوابه.
التاسع والعشرون: فيه استحباب الخطبة للإِمام عند الأمر يحدث، سواء كان الأمر خاصّاً بقوم أو عامّاً بالناس.
وذكر الماوردي في "حاويه"(3) في كتاب السير: أن سعد بن عبادة "دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء فأعطيت غيرهم وحرمتهم. قال: "فأين سعد من ذلك" قال: يا رسول الله! ما أنا إلَّا من قومي. قال: "فأجمع لي قومك فلما اجتمعوا خطبهم" (4) الحديث.
الثلاثون: فيه تخصيص المخاطب بالنداء في الخطبة.
الحادي والثلاثون: فيه أيضاً تذكير العاتب على فوات الدنيا بنعم الله عليه الظاهرة والباطنة، ومن جرت على يديه أو بسببه.
(1) في ن ب ساقطة.
(2)
في الأصل ون د (من).
(3)
(18/ 78).
(4)
مسند أحمد (3/ 76، 77)، عن أبي سعيد، وانظر: مجمع الزوائد (10/ 33).
الثاني والثلاثون: فيه أيضاً الأدب مع الله في الألفاظ وتنزيلها منازلها.
الثالث والثلاثون: فيه أيضاً التخصيص على طلب الهداية والألفة والغنى.
الرابع والثلاثون: فيه أيضاً أن المنة لله ورسوله على الإِطلاق.
الخامس والثلاثون: فيه أيضاً استعطاف العاتب وتبين الحجة لرد عتبه.
السادس والثلاثون: فيه أيضاً وجوب مراعاة جانب الله -تعالى- ورسوله -عليه أفضل الصلاة والسلام- وولاة الأمور العادلين وتقديمها على مصلحة نفس الإِنسان لما فيها من مصالح الدنيا والدين.
السابع والثلاثون: فيه أيضاً بيان فضل الأنصار ومزيتهم على غيرهم من الناس كما سلف.
الثامن والثلاثون: فيه أيضاً اتباع آثار أهل الفضل والإِحسان والتحضيض عليه.
التاسع والثلاثون: فيه أيضاً تقديم جانب الآخرة على جانب الدنيا.
الأربعون: فيه أيضاً الأمر بالصبر عن حظوظ الدنيا وحطامها، وما استؤثر به منها، وادخار ثواب ذلك للدار الآخرة التي لا تفنى.
***