الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث العاشر
195/ 10/ 36 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم"(1).
الكلام عليه من وجوه، والتعريف براويه [سلف] (2) في أول الكتاب:
الأول: الإِشارة في الأول إلى جهة المشرق وفي الآخر إلى جهة المغرب، وهما متلازمان في الوجود: إذ لا يقبل الليل إلَّا إذا أدبر النهار، وقد ينفكان في الحس في بعض المواضع، بأن يكون في جهة المغرب ما يستر البصر عن الغروب، ويكون المشرق بارزاً بأن يكون في واد بحيث لا يشاهد الغروب. فيعتمد إقبال الظلام وإدبار
(1) البخاري (1954)، ومسلم (1100)، والترمذي (698)، وأبو داود (2351) في الصيام، باب: متى يحل فطر الصائم، والنسائي في الكبرى (2/ 252)، وابن الجارود (393)، والبغوي في السنَّة (1735)، والبيهقي (4/ 216)، وابن خزيمة (2058)، وأحمد (1/ 28، 35)، والحميدي (20).
(2)
في ن ب (السلف).
الضياء، وجاء في رواية في هذا الحديث [وغابت الشمس](1) وهي ملازمة للإِقبال والإِدبار، لكنها تخرجه [عما](2) ذكرنا فيهما.
الثاني: "اللام" في " [الصائم] (3) " للجنس قطعاً، وهذا يرد قول من يقول: إن الاسم المشتق لا يكون جنساً عامًّا.
الثالث: الإِفطار هنا يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون المعنى فقد حل له الإِفطار حينئذ بعد أن كان حراماً، وصار في حكم المفطر، وإن لم يأكل ويؤيده أنه جاء في صحيح أبي عوانة:"فقد حل الفطر". والغروب على هذا علم على حل الإِفطار.
الثاني: أنه بالغروب صار مفطراً حكماً لاحساً: كالعيد والتشريق.
[وعبارة](4) الراغب في "مفرداته"(5): الفطر: ترك الصوم. فالمعنى دخل في الفطر كما يقال: أصبح إذا دخل [(6)] وقت الصبح وأمسى وأظهر كذلك. وتكون الفائدة فيه أن الليل غير قابل للصوم، وأنه بنفس دخوله خرج الصائم من الصوم، ويكون فيه بيان امتناع
(1) موجودة في صحيح البخاري (4/ 196).
(2)
في ن ب د (على ما).
(3)
في ن ب (الصيام).
(4)
زيادة من ن ب د.
(5)
المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني (382).
(6)
في الأصل زيادة (في)، والتصحيح من ن ب د.
الوصال بمعنى الصوم الشرعي، فلا يكون من أمسك حسّاً صائم شرعاً، بل [هو](1) مفطر شرعاً، وفي ضمن ذلك إبطال فائدة الوصال شرعاً، إذ لا يحصل به ثواب الصوم، بل قال بعضهم: لا يجوز الإِمساك بعد الغروب ، وهو كإِمساك يوم الفطر ويوم النحر.
وقال بعضهم: هو جائز، وله أجر الصائم، واحتجوا بأن الأحاديث الواردة في الوصال فيها ما يدل على أن النهي عن الوصال تخفيف ورفق، وفي بعضها: نهاهم عن الوصال رحمة لهم، كما سيأتي.
فروع: تتعلق بما نحن فيه: وقع ببغداد أن رجلاً قال لامرأته: أنت طالق، إن أفطرت على حار أو بارد. فاستفتى فيها [ابن الصباغ فقال: يحنث لأنه لا بد له من فطره على أحدهما واستفتى] (2) فيها الشيخ أبو إسحاق فقال: لا يحنث لأنه يصير مفطراً بدخول الليل للحديث المذكور.
قال ابن العربي في "القبس"(3): وهذا صريح مذهب الشافعي، لأنه يعلق الأيمان بالألفاظ دون المقاصد، والأول مقتضى مذهب مالك، لأنه يعلقها بالمقاصد.
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
القبس شرح موطأ مالك بن أنس لابن العربي (2/ 279)، مع اختلاف يسير بالألفاظ، طبقات الشافعية للسبكي (5/ 126)، نقلاً عن ابن العربي وإلى تعليق السبكي عليها.
وقال ابن أبي جمرة: في "أقليد التقليد": والقولان قائمان من المدونة.
والثاني: وهو اعتبار المقاصد عليه أكثر مسائلها، وفي الرافعي في الطلاق [أنه] (1) لو قال لامرأته: أنت طالق إن أفطرت بالكوفة. وكان يوم الفطر بها لكنه لم يأكل في يومه، ولم يشرب، فقياس قولنا: إنه لا يحنث، لأن الإِفطار عبارة عن تناول المأكول والمشروب، وأنه ممسك عنه. وإنه لو حلف لا يُعَيَّدَ بالكوفة، فأقام بها يوم العيد، ولم يخرج إلى العيد يحنث، ويحتمل أن لا يحنث.
وفي "فتاوى الغزالي": أنه لو حلف لا يفطر، فمطلق هذا [ينطلق](2) إلى الأكل والوقاع ونحوها، ولا يحنث بالردة والجنون والحيض ودخول الليل.
وفي "شرح العجلي" أنه رأى في بعض التصانيف: لو حلف بالطلاق أن يصوم يوم النحر لم يصح، وطلقت المرأة ولزم الحنث إن أمسك، وفي وقته وجهان:
أحدهما: إلى أن يمضي اليوم كله.
والثاني: في الحال.
الرابع: يستفاد من الحديث بيان وقت الصوم، وتحديده، والرد على أهل الكتاب وغيرهم من الشيعة الذين قالوا: لا يفطر
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
في ن ب د (ينصرف).
حتى تظهر النجوم، وأن الأمر الشرعي أبلغ من الحسي، وأن العقل لا يقضي على الشرع، بل هو قاضٍ عليه حيث جعل دخول الليل فطراً شرعاً، والبيان يذكر اللازم والملزوم جميعاً. فإن اللازم يلزم منه وجود الملزوم، ولا ينعكس فإنه عليه الصلاة والسلام ذكر إقبال الليل وهو لازم، وإدبار النهار وهو ملزوم الفطر للإِيضاح والبيان.
***