الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الخامس
190/ 5/ 36 - " عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر: فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، وأكثرنا ظلاًّ صاحب الكساء، فمنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، وقام المفطرون، فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر" (1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: "الأبنية" جمع بناء، وهي البيوت التي يسكنها العرب في الصحراء: كالخباء والقبة والمضرب وقد تكرر ذكره مفرداً أو مجموعاً.
الثاني: "الركاب" الإِبل وجمعه ركائب.
الثالث: قوله: "وأكثرنا ظلاًّ صاحب الكساء" يعني أنه لم يكن فساطيط ولا أخبية، وأن أكثرهم ظلاًّ من له كساء يلقيه على رأسه
(1) البخاري (2890)، ومسلم (1119)، والنسائي (4/ 182)، وابن خزيمة (2032، 2033)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 68).
اتقاءً لحر الشمس، ففيه دلالة على عدم احتفالهم بآلات السفر كالخيم، ونحوها، بل كان جل احتفالهم بآلة الحرب، بخلاف حال الزمان اليوم. ومعنى:"يتقي الشمس بيده" يستتر بها.
الرابع: فيه رد على من يقول: بعدم جواز الصوم في السفر، وانعقاده فيه لتقرير الصائمين على صومهم، ودلالة على ترجيح الفطر فيه.
الخامس: قوله عليه الصلاة والسلام: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر"، أي بأجر يزيد على أجر الصائمين، فإن عملهم كان متعدياً، وعمل الصائمين كان قاصراً، ويحتمل كما قاله الشيخ تقي الدين (1): أن يكون أجرهم قد بلغ في الكثرة بالنسبة إلى أجر الصائمين مبلغاً ينغمر فيه أجر الصوم، فتحصل المبالغة بسبب ذلك، ويجعل كأن الأجر كله للمفطر، ويقرب من هذا قول بعضهم في إحباط الأعمال الصالحة ببعض الكبائر، وأن ثواب ذلك العمل يكون مغموراً جدًّا بالنسبة إلى ما يحصل من عقاب الكبيرة، فكأنه كالمعدوم المحبط، وإن كان الصوم هنا ليس من المحبطات، لكن المقصود المبالغة في أن الثواب وإن قل جداً قد يجعل كالمعدوم مبالغة، وهذا قد يوجد مثله في التصرفات الوجودية، وأعمال الناس في مقابلتهم حسنات من يفعل منهم منها شيئاً بسيئاته، فإنهم يجعلون اليسير جدًّا كالمعدوم بالنسبة إلى الإِحسان والإِساءة، كحجامة الأب لولده، وإيجار الأم لولدها الوجور الكريه لدفع الأمر الأعظم عنه
(1) إحكام الأحكام (3/ 374).
كالمرض وغيره، فإن كلاًّ منهما يعد محسناً مطلقاً، ولا يعد مسيئاً بالنسبة إلى الإِيلام بالحجامة، والمرارة ليسارة ذلك الألم بالنسبة إلى دفع الأمر الشديد من المرض وغيره.
السادس: في الحديث دلالة على أنه إذا تعارضت المصالح قدم أولاها وأقواها، فإن الصوم مصلحة، والفطر أيضاً، والحالة هذه مصلحة، ولكن مصلحة الفطر حينئذ أولى لتعديها، وقصور مصلحة الصيام كما تقدم.
السابع: فيه دلالة أيضاً على ما كانت الصحابة عليه من الزهادة في الدنيا والصبر على المؤلمات في طاعة الله تعالى.
الثامن: منه أيضاً جواز حكاية مثل ذلك للقدوة والتأسي.
التاسع: فيه أيضاً جواز اتخاذ الأبنية ونحوها للاستظلال.
العاشر: فيه أيضاً جواز اتقاء الشمس وحرها عن البصر والبدن باليد ونحوها.
الحادي عشر: فيه أيضاً القيام بمصالح الدواب من الإِبل وغيرها بالسقي وغيره وهو واجب.
الثاني عشر: فيه أيضاً أن اطلاعه عليه الصلاة والسلام على الشيء وتقريره إياه من غير نكير شرع، فإنه أقرهم على الصوم والفطر.
***