الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث السابع
184/ 7/ 35 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَسِي وَهُوَ صائِمٌ، فأَكلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فإنَّما أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقاهُ"(1).
الكلام عليه من وجوه:
الأول: الواو [في](2)"وهو صائم" واو الحال أي نسي في حال صومه فأكل أو شرب.
وقوله: "فأكل أو شرب" عند البخاري إسقاط الألف في أو شرب والمراد الإِثبات.
الثاني: خص الأكل والشرب من بين سائر المفطرات لأنهما
(1) البخاري (1933، 6669)، ومسلم (1155)، وأبو داود (2398) في الصيام، باب: من أكل ناسياً، والترمذي (721، 722)، وابن ماجه (1673)، وابن الجارود (389)، وابن خزيمة (1989)، والدارمي (2/ 13)، وابن حبان (3519)، وأحمد (2/ 180، 42، 491)، وعبد الرزاق (7372)، والدارقطني (2/ 178).
(2)
زيادة من ن ب د.
أغلبها وقوعاً، وإنهما لا يستغنى عنهما بخلاف غيرهما، ولكن نسيان الجماع نادر بالنسبة إلى ذلك. والتخصيص بالغالب لا يقتضي مفهوماً فلا يدل ذلك على نفي الحكم عما عداه، أو لأنه من باب تعليق الحكم باللقب، ولم يقل به إلَّا الدقاق (1).
الثالث: ظاهر الحديث عدم القضاء على من أكل ناسياً في صومه، وهو صريح رواية ابن حبان في صحيحه والدارقطني في سننه، وقال: إسنادها صحيح، وكلهم ثقات "إذا أكل الصائم ناسياً أو شرب ناسياً فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه" وفي رواية لهما وللحاكم في مستدركه على الصحيحين:"من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة"(2).
قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم.
وقال الدارقطني: تفرد به محمد بن مرزوق وهو ثقة عن الأنصاري.
قلت: قد تابعه أبو حاتم محمد بن إدريس، كما رواه البيهقي (3).
(1) هو محمد بن محمد بن جعفر الدقاق ولد في جمادى الآخرة سنة ست وثلاثمائة، وتوفي في رمضان سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة. ومن اختياراته أن مفهوم اللقب حجة. انظر: طبقات ابن شهبة (1/ 167)، والإِسنوي (1/ 523). وقد سبق هذا المبحث في الجزء الثاني.
(2)
ابن حبان (3521)، والدارقطني (2/ 178)، والحاكم (1/ 430)، وابن خزيمة (1990).
(3)
البيهقي (4/ 229).
وبعدم وجوب القضاء قال به جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم منهم: الشافعي وأبو حنيفة وداود و [نقله](1) النووي في شرح مسلم (2) عن الأكثرين، سواء كان [الصوم](3) فرضاً أو تطوعاً، وسواء كان الفطر بأكل أو شرب أو جماع، وعمدتهم الروايات المذكورة، وسمي الذي يتمه صوماً، وظاهره حمله على الحقيقة الشرعية، دون [اللغوية](4) وهي صورة الصوم. والحمل على الأول أولى، إلَّا أن يكون ثم دليل خارج يقوي به اللغوي، فبعمل به ويتعين هنا حمله على الشرعي لصريح ما أسلفناه وإذا حمل عليه وقع مُجْزياً، ويلزم من ذلك عدم وجوب القضاء، وهو صريح الروايتين السالفتين.
وقوله: "فإنما أطعمه الله وسقاه" ظاهره إقامة عذر الناس لإِضافته إلى الله، وأنه فعله، ولهذا قال في الرواية السالفة:"فإنما هو رزف ساقه الله إليه". إذ الإِفساد يناسبه إضافة الفعل إلى المكلف، وذهب ربيعة ومالك إلى أنه لا بد من القضاء في الصوم المفروض.
قال الشيخ تقي الدين (5): وهو القياس، فإن الصوم قد فات ركنه -يعني به الإِمساك- وهو من باب المأمورات، والقاعدة تقتضي أن النسيان لا يؤثر فيها.
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
شرح مسلم (8/ 35).
(3)
زيادة من ن ب د.
(4)
ما أثبت من ن د، وفي الأصل ون ب (اللغة).
(5)
إحكام الأحكام (3/ 339).
قلت: وهذا القياس هدمه النص السالف الصريح الصحيح في أنه لا قضاء عليه.
قال الفاكهي: وكأن أصحابنا حملوا الإِضافة في قوله: "فإنما أطعمه الله وسقاه" على الإِخبار بعدم المؤاخذة لعلة النسيان، لا أنه يدل على صحة الصيام.
قلت: هذا حمل بعيد، ويرده أيضاً ما أسلفناه، ولما ذكر القرطبي في "مفهمه" رواية "ولا قضاء عليه" ونقل عن الدارقطني أن إسنادها، صحيح ورجاله كلهم ثقات. وذكر الرواية الثانية التي فيها عدم القضاء والكفارة أيضاً، قال: هي صحيحة أيضاً، قال: وهذه نصوص لا تقبل احتمال سقوط المؤاخذة فقط، قال: والشأن في صحتها، فان صحت وجب الأخذ وحكم بسقوط القضاء، وهذا عجيب منه، فإنه نقل عن الدارقطني أنه قال في الأولى: إسنادها صحيح، ثم قال في الرواية الثانية: هي صحيحة أيضاً، فكيف يقول بعد ذلك: الشأن في صحتها (1)!!.
الرابع: اتفق أصحابنا على أن الأكل والشرب القليل ناسياً لا يفطر، واختلفوا في الكثير على وجهين:
أصحها: عند الأكثرين منهم لا يفطر؛ لإِطلاق الحديث. وصحح الرافعي أنه يفطر، كما في كلام الناسي في الصلاة إذا كثر، لأن النسيان في الكثير نادر. والأول: فرّق بينهما بأن الصلاة ينقطع نظمها بذلك بخلاف الصوم.
(1) انظر: فتح الباري (4/ 157).
الخامس: الجماع في الصوم ناسياً: كالأكل فيه ناسياً، على ما سلف، وهو ما صححه أصحابنا، ويدل له الرواية السالفة "من أفطر في شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة".
فإن قلنا: بصحة صومه فلا كفارة عليه.
وكذا إن قلنا: بعدم صحته على الأصح، لأنها تتبع الإِثم.
وقال عطاء والأوزاعي والليث (1): يجب القضاء في الجماع دون الأكل.
وقال أحمد (2): يجب في الجماع القضاء (3)[دون](4) الأكل والشرب.
ومدار الكل على قصور حالة المجامع ناسياً عن حالة الأكل ناسياً، فيما يتعلق بالعذر والنسيان ومن أراد إلحاق الجماع بالمنصوص عليه فإنما طريقه القياس، [والقياس](5) مع الفارق متعذر، إلَّا إذا بين القائس أن الوصف الفارق ملغى، كذا قال الشيخ (6) تقي الدين.
ولك أن تقول: لا نأخذه من القياس، بل من قوله: "من أفطر
(1) انظر: الاستذكار (10/ 111).
(2)
انظر: المرجع السابق.
(3)
في ن ب د زيادة (والكفارة).
(4)
في ن ب د (ولا يجب في).
(5)
في ن ب ساقطة.
(6)
انظر: إحكام الأحكام (3/ 342).
في شهر رمضان" (1) الحديث الذي أسلفناه عن رواية الدارقطني والحاكم.
فائدة: [الحدث](2) يستوي عمده وسهوه في النقض، بخلاف الأكل في الصوم. وفرّق القفال بينهما بأوجه، ومن "فتاويه" نقلت.
أحدها: [الحدث](3) من ضرورات الإِنسان. والأصول مبناها على أن الضرورات تلحق بالنسيان، والنسيان لا يبطل بخلافه.
ثانيها: أن الطهر ينتقض بالغلبة من نوم أو إغماء بخلافه.
[ثالثها: أن الوضوء أغلظ بدليل بطلانه بخروج الريح بخلافه](4).
رابعها: أن الحدث ليس بمنهي عنه، بخلاف الأكل، فلهذا فرّق فيه، وهذا أصحها.
…
(1) قال ابن حجر في الفتح (4/ 156): وأجاب بعض الشافعية بأن عدم وجوب القضاء عن المجامع مأخوذ من عموم قوله في بعض طرق الحديث: "من أفطر في شهر رمضان"، لأن الفطر أعم من أن يكون بأكل أو شرب أو جماع، وإنما خص الأكل والشرب بالذكر في الطريق الأخرى لكونهما أغلب وقوعاً ولعدم الاستغناء عليه غالباً. اهـ. وانظر: حاشية الصنعاني (3/ 342).
(2)
في ن ب (الحديث).
(3)
في ن ب (الحديث).
(4)
في ن ب ساقطة.