المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحديث الحادي عشر - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٥

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌33 - باب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌34 - باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌35 - باب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس والسادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌36 - باب الصوم في السفر [وغيره]

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌37 - باب فضل الصيام وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌38 - باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌39 - باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌الحديث الحادي عشر

‌الحديث الحادي عشر

196/ 11/ 36 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال:"إني لست مثلكم، إني أطعم وأسقى"(1).

رواه أبو هريرة (2) وعائشة (3) وأنس (4) ولمسلم عن أبي سعيد

(1) البخاري (1962)، ومسلم (1102)، ومالك (1/ 300)، وأبو داود (2360).

(2)

البخاري (1965، 1966، 6851، 7242، 7299)، ومسلم (1103)، وأحمد (2/ 231، 244، 253)، والدارمي (2/ 8)، والبغوي (1736)، وابن خزيمة (2068)، وابن أبي شيبة (3/ 82)، والبيهقي (4/ 282).

(3)

البخاري (1994)، ومسلم (1105)، وأحمد (6/ 89، 93، 126، 242، 258)، وأبو يعلى (4367، 4378، 4513)، والمقصد العلي (505)، وذكره ابن حجر في المطالب العالية (944)، ومجمع الزوائد (3/ 154).

(4)

البخاري (1961، 7241، 7299) ومسلم (1104)، والترمذي (778)، والبغوي (1739)، وأحمد (3/ 170، 235، 218، 124، 200)، وابن خزيمة (2070)، وأبو يعلى (2874، 2972، 3052، 3099، 3215، 3282)، والبيهقي (4/ 282)، والدارمي (2/ 8)، وابن =

ص: 317

الخدري (1): "فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر".

الكلام عليه من وجوه، والتعريف براويه ومن ذكر بعده سلف معرفاً:

فالأول: في باب الاستطابة، والرابم فيها أيضاً، والثاني، والثالت في الطهارة، والخامس في الصلاة، وحديث أبي هريرة وعائشة وأنس. اتفق الشيخان على إخراج حديثهم، ولعله ذكر رواية هؤلاء بعد حديث ابن عمر لتقرير النهي وتأكيده حيث إن كلاًّ منهم متأخر التحمل عنه صلى الله عليه وسلم والرواية، وذلك دليل على استقرار حكم النهي وعمومه، وأما عزوه الزيادة الأخيرة إلى رواية مسلم فهو سبق قلم، فإني لم أرها فيه، وعبد الحق عزاها إلى أفراد البخاري، وكذا صاحب "المنتقى" في أحكامه (2)، وكذا المصنف في عمدته الكبرى عزاها إلى البخاري فقط (3).

الوجه الأول: حقيقة الوصال أن يتَّصل صوم اليوم الأول باليوم الثاني من غير فطر بينهما، فلا يتناول ذلك الفطر وقت

= أبي شيبة (3/ 82).

(1)

البخاري (1967)، ومالك في الموطأ (1/ 301)، والدارمي (2/ 7، 8)، والحميدي (1009) وابن خزيمة (2073)، والبغوي (1737)، وأحمد (2/ 237، 244، 257، 418)، وأبو داود (2361)، وعبد الرزاق (7755).

(2)

المنتقى (2/ 179).

(3)

انظر: كتاب تصحيح العمدة للزركشي، عدد (75، 76 ص 105)، تحقيق د. الزهراني، في مجلة الجامعة الإِسلامية.

ص: 318

السحر، ولا يكون ذلك وصالاً، لكنه عليه الصلاة والسلام قال:"فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر"، وذلك يقتضي تسميته وصالاً، فيكون صورة لا معنى، فيحمل على مواصلة ترك الفطر وعدم تعجيله لا على من مواصلة الصوم المنهى عنه، فإن الليل غير قابل للصوم إجماعاً، وهذه الإِباحة مشروطة بأن لا يفوت بها حقاً ولا واجباً.

قال ابن الصلاح: ويزول الوصال بما يزيل به [صور](1) الصوم من ماء وغيره، هذا هو المعروف، ولا يتوقف على الأكل كما وقع في الوسيط.

الثاني: الحكمة في النهي عنه الملل [المترتب](2) عليه والتعرض للتقصير في بعض وظائف الدين من إتمام الصلاة، ووظائفها وغيرها من وظائف العبادات المشروعة في ليله ونهاره، أو ترك الصوم بالكلية أو إبطاله، ولهذا المعنى نهى في الصوم عن الفصد والحجامة، ومنع من القبلة ونحوها فيه، من حيث إن ذلك يؤدي إلى إبطاله وإفساده، وما أدى إلى الفساد فهو فاسد، وإبطال العبادة: إما ممنوع على مذهب بعض الفقهاء وهو من يوجب إتمام المندوب. وإما مكروه، وكيف ما كان [فَعِلة](3) الكراهة موجودة إلَّا أنه تختلف رتبها، فإن أجزنا الإِفطار كان رتبة هذه الكراهة أخف من رتبة الكراهة في الصوم الواجب [قطعاً، وإن منعناه فيحتمل

(1) في ن ب د (ضرر).

(2)

في الأصل ون د (المترتب)، وما أثبت من ن ب.

(3)

في الأصل ون ب (فعله)، وما أثبت من ن د.

ص: 319

استواؤهما] (1) في الكراهة لاستوائهما في الوجوب، ويحتمل افتراقهما لاختلافهما في الإِيجاب بأصل الشرع، وبإِيجاب الشخص دون الشرع، ويؤيده صحة النهي عن النذر مع وجوب الوفاء بالمنذور، فلو كان مطلق الوجوب مما يقتضي مساواة المنذور بغيره من الواجبات، لكان فعل الطاعة بعد النذر أفضل من فعلها قبله، لأنه حينئذ يدخل تحت قوله -تعالى- فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه -تعالى (2) -:"وما تقرب عبدي إليَّ بمثل أداء ما افترضته عليه"، ويحمل (3) على أداء ما افترض بأصل الشرع، لأنه لو حمل على العموم لكان النذر وسيلة إلى تحصيل الأفضل، فكان يجب أن يكون مستحبّاً، وهذا على إجراء النهي عن النذر على عمومه.

قال ابن العطار في شرحه: ولم يقل أحد باستحباب النذر، بل اتفقوا على كراهته، وهو عجيب. فقد جزم القاضي حسين والمتولي والغزالي والرافعي: بأنه قربة.

الثالث: قوله عليه الصلاة والسلام: "إني لست كهيئتكم" أي مثلكم، كما جاء مفسراً في الرواية الأخرى "إني لست مثلكم".

ويقال: فلان حسن الهيئة بفتح الهاء وكسرها.

الرابع: قوله عليه الصلاة والسلام: "إني أطعم وأسقى"، فيه أقوال:

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

من رواية أبي هريرة عند البخاري (6502).

(3)

في ن ب زيادة (ما).

ص: 320

أصحها: إني أعطى قوة الطاعم والشارب، لأنه لو كان حقيقة لم يكن مواصلاً، ويؤيده قوله في حديث أنس:"إني أظل يطعمني ربي ويسقيني"، ولا يقال: ظلَّ، إلَّا في النهار، فدل على أن المراد الكناية عن القوة الحاصلة له. [نعم] (1) في الصحيحين من حديث أبي هريرة:"إني أبيت" بدل أظل، ويقال: بات يفعل كذا، إذا فعله ليلاً (2).

ثانيها: أنه يطعم ويسقى حقيقة من طعام الجنة وشرابها كرامة له، لا تشاركه في ذلك الأمة (3).

ثالثها: أن معناه أن محبة الله -تعالى- تشغنلي عن الطعام والشراب، والحب البالغ يشغل عنهما.

واستبعد القرطبي قول من قال: إنه -تعالى- يخلق فيه شبعاً وريّاً ما يخلقه فيمن أكل وشرب. فقال: هذا القول يبعده النظر إلى حاله عليه الصلاة والسلام، فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع، ويربط على بطنه الحجارة من الجوع، وكان يقول:"الجوع حرفتي" على ما روي عنه.

(1) في الأصل (دونهم)، والتصحيح من ن ب د.

(2)

قال الصنعاني في حاشية العمدة (3/ 398).

(3)

في حاشية ن د (حاشية: قال الفاكهي: كنت يوماً مع شيخنا المكين الأسمر مع جماعة من أصحابنا فحضر الطعام، وكنت صائماً فلم آكل. فقال الشيخ: أنا آكل عنه. فوجدت من الشبع والري ما يجده الطاعم الشارب، وظللت بقية يومي متغذياً بذلك).

ص: 321

ويبعده أيضاً النظر إلى المعنى، وذلك أنه لو خلق فيه الشبع والري لما وجد لعبادة الصوم روحها الذي هو الجوع والمشقة، وحينئذ كان يكون ترك الوصال أولى (1).

وقال ابن حبان في صحيحه: في هذا الخبر دليل على أن الأخبار التي فيها ذكر وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على بطنه كلها بواطيل، وإنما معناها الحُجَر: وهو طرف الإِزار لا الحجر، إذ الله -جل وعلا- كان يطعم رسوله ويسقيه إذا واصل، فكيف يتركه جائعاً مع عدم الوصال حتى يحتاج إلى شد حجر على بطنه، وما يغني الحجر من الجوع (2).

قلت: قد أخرج هو في صحيحه من حديث ابن عباس (3) خرج أبو بكر بالهاجرة إلى المسجد فسمع بذلك عمر، فقال: يا أبا بكر ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجني إلَاّ ما أجد من الجوع، قال: وأنا والله ما أخرجني غيره. فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما أخرجكما هذه الساعة؟ " قالا: والله ما أخرجنا إلَاّ ما نجد في بطوننا من الجوع، قال: "وأنا والذي نفسي

(1) انظر كلام ابن القيم -رحمنا الله وإياه- في زاد المعاد (2/ 33، 38)، ومدارج السالكين (3/ 88) ، ومفتاح دار السعادة (36).

(2)

انظر: فتح الباري (4/ 208).

(3)

ابن حبان (5216)، والطبراني في الصغير (1/ 67)، وأورده الهيثمي في المجمع (10/ 317، 318). قال ابن علان في شرح الأذكار (5/ 231)، نقلاً عن ابن حجر في نتائج الأفكار: هذا حديث حسن ، فيه غرابة من وجهين، أحدهما: ذكر أبي أيوب، وقصة فاطمة.

ص: 322

بيده ما أخرجني غيره فقوموا فانطلقوا (1) حتى أتوا باب أبي أيوب، ذكر الخبر بطوله. وهو في مسلم بنحوه من حديث أبي هريرة (2).

وفي "صحيح البخاري" من حديث جابر (3) قال: إنا يوم الخندق نحفر. فذكر الحديث إلى أن قال: "ثم قام يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً" الحديث بطوله.

وفي "صحيح مسلم" من حديث أنس (4) جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) في ن ب زيادة (فانطلقوا).

(2)

مسلم (2038)، والترمذي (2822، 2369، 2370)، والنسائي في الكبرى في التفسير (6/ 521)، وفي الوليمة كما في التحفة (10/ 467)، وأبو داود (4965)، كتاب الأدب، باب: في المشورة، وابن ماجه (3745)، وانظر إلى الحديث كاملاً في سنن الترمذي.

(3)

البخارى (4101)، ومسلم (2039).

(4)

البخاري (422، 3578، 3581، 5451، 6688)، ومسلم (2040)، والترمذي (3634)، وأبو يعلى (1426)، وأحمد (3/ 147)، وأبو نعيم في دلائل النبوة (322)، والنسائي في الكبرى (4/ 142)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 306).

وورد أيضاً عن عمر عند أبي يعلى (250)، والبزار (3681). قال البزار: لا نعلمه يروى عن عمر إلَّا بهذا الإِسناد، والبيهقي في الدلائل (1/ 362).

وعن أبي بكر عند المروزي في "مسنده لأبي بكر"(55)، وعند أبي يعلى (78).

وعن ابن مسعود في الطبراني الكبير (10496)، قال في مجمع الزوائد (10/ 319): وفيه محمد بن السائب الكلبي وهو كذاب. =

ص: 323

يوماً فوجدته جالساً مع أصحابه يحدثهم، وقد عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه بعصابة -قال أسامةُ: وَأنَا أَشُكُ- على حجر فقلت: لبعض أصحابه لِمَ عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم بطنه؟ فقالوا: من الجوع، ثم ذكر الحديث.

وفي "جامع الترمذي"(1) بإسناد صحيح عن أنس بن مالك عن أبي طلحة قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر. ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين". قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلَاّ من هذا الوجه، فهذه أحاديث رادة على ما ادعاه ابن حبان.

الخامس: في الحديث المنع من [الوصال](2) لغيره صلى الله عليه وسلم وهو

= وعن ابن عمر عند الطبراني ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 319)، قال الهيثمي: فيه بكار بن محمد السيريني وقد ضعفه الجمهور، ووثقه ابن معين، وبقية رجاله ثقات.

قال المنذري (8/ 28): وأخرجه الترمذي من حديث أم سلمة. وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان ولا يحتج بحديثه -إلى أن قال-: وقد رواه أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأبي الهيثم بن التيهان، والنعمان بن بشير، وسمرة بن جندب، وعمرو بن عوف، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر، وعبيد بن صخر، وفي طرقها كلها مقال. اهـ.

ورواية أبي الهيثم بن التيهان في دلائل النبوة للبيهقي (1/ 360)، ورواية عن أبي الهيثم مجهول.

(1)

سنن الترمذي (2371).

(2)

في ن ب (الواصل).

ص: 324

مباح في حقه [وقال إِمام الحرمين (1): بل قربة](2) خص بذلك من بين أمته، إكراماً وتخفيفاً في حقه، لا تشديداً عليه.

وقد اختلف السلف من الصحابة فمن بعدهم فيه على أقوال.

أحدها: أنه لا حرج فيه للقادر عليه، لحديث عائشة قالت:"نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم. قالوا: إنك تواصل". الحديث متفق عليه، وهذا لا يمنع النهي عنه، وكونه مرجوحاً فعله من حيث إن الشرع سد [باب](3) الذرائع، ولما كان الوصال يؤدي غالباً إلى المشقة، وترك الواجب منع منه لئلا يتكلفوا ما يشق عليهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:"إني لست مثلكم"، وبهذا جزم أبو عوانة في "صحيحه" (4) حيث قال: إنه مباح لمن أطاقه والنهي عنه للرفق.

وقال الفارقي (5) من أصحابنا أيضاً حيث قال: هو حرام إن خشي الضعف، وإلَاّ فلا قال، وهذا لأن الصحابة كانوا قليلي العيش والطعام، فنهاهم لذلك (6).

(1) انظر: المجموع (6/ 358) بل عده من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

(2)

زيادة من ن ب د.

(3)

زيادة من ن ب د.

(4)

القسم المفقود من مسند أبي عوانة (120).

(5)

هو عمر بن إسماعيل بن مسعود أبو حفص الربعي الفارقي ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وتوفي مخنوقاً بالظاهرية في رابع محرم سنة تسع وثمانين وستمائة طبقات الإِسنوي (2/ 286)، وابن قاضي شهبة (2/ 242).

(6)

انظر: الاستذكار (10/ 151).

ص: 325

ثانيها: جوازه، وقد فعله من الصحابة عن عبد الله بن الزبير [وابنه عامر بن عبد الله](1) حتى روي أن عبد الله بن الزبير كان يواصل سبعة أيام حتى تتبين أمعاؤه، فإذا كان اليوم السابع أتى بصبر وسمن فتحساه حتى [تلين](2) الأمعاء مخافة أن تنشق بدخول الطعام فجأة فيها (3).

ونقل ابن يونس في "شرح التعجيز": أنه فعله سبعة عشر يوماً ثم أفطر بسمن ولبن وصبر.

قال الماوردي (4): وتأول في السمن أنه يلين الأمعاء، وفي اللبن أنه ألطف غذاء، وفي الصبر أنه يقوي الأعضاء.

وقال أبو عمر (5): قال مالك: كان عامر بن عبد الله بن الزبير يواصل في شهر رمضان ثلاثاً قيل له ثلاثة أيام. قال: لا ومن يقوى يواصل ثلاثة أيام يومين وليلة.

ثالثها: حرمته وهو قول الجمهور، ونص عليه الشافعي وأصحابه، ولهم في المنع وجهان:

أحدهما: منع كراهة رفقاً بهم ورحمة لهم كما سلف. ولهذا لما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يومان. ثم رأوا

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في الأصل (تلتق)، وما أثبت في ن ب د.

(3)

انظر: معجم فقه السلف (3/ 106).

(4)

في الحاوي الكبير (3/ 471)، والمجموع (6/ 358).

(5)

التمهيد (14/ 361) والاستذكار (10/ 151).

ص: 326

الهلال فقال: "لو تأخر الهلال لزدتكم: كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا" متفق عليه (1) من حديث أبي هريرة. وفي رواية للبخاري: "كالمنكر لهم" بالراء بدل اللام، وفي رواية لهما من حديث أنس:"لو تمادى في الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم"(2).

وأصحهما: عندهم منع تحريم، لأنه لا معنى للنهي إلَاّ التحريم مع قوله عليه الصلاة والسلام:"إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم". فأي وصال بقي.

رابعها: أنه يواصل إلى السحر، وبه قال ابن وهب وأحمد وإسحاق (3)، واختاره اللخمي من المالكية لأن أكلة السحر يؤمن معها الضعف والمشقة التي لأجلها كره الوصال. وتمسك هؤلاء بالرواية السالفة، وقد تقدم الكلام عليها، والمراد منها.

وقال المتولي (4) والروياني (5) في "الحلية"، وابن يونس في

(1) سبق تخريجه.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

انظر: الاستذكار (10/ 151).

(4)

هو عبد الرحمن بن مأمون بن علي بن إبراهيم النيسابوري المتولي المولود سنة (426)، والمتوفي سنة (478) كان بارعاً في الفقه والأصول والخلاف، والإِسنوي (1/ 305)، وابن هداية الله (177،176).

(5)

عبد الواحد بن إسماعبل بن أحمد بن محمد الإِمام الجليل المولود سنة (415)، والمتوفي سنة (502)، صاحب البحر. أحد رؤوس الأئمة والأفاضل لساناً وبياناً لخ الجاه العريض والمقبول التام. السبكي (7/ 193، 203)، وابن هداية الله (190، 191).

ص: 327

"شرح التعجيز" من الشافعية: إن قصد بالإِمساك الوصال حرم، وإلَاّ فلا.

قال الروياني: وعلى كلا الوجهين في أن الكراهة للتحريم أو للتنزيه لو خالف، وفعل لم يكن صائماً، بل يكون مفطراً ممسكاً، لأن الفطر يحصل بدخول الليل نوى الإِفطار أو لم ينوه (1).

تنبيه: لا يفسد الصوم بالوصال قطعاً، لأن النهي لا يعود إلى الصوم.

[الخامس](2): قولهم: "إنك تواصل" فيه معارضة المفتي إذا أفتى بخلاف حاله، ولم يعلم المستفتي بسر المخالفة، فيؤخذ منه أن الأتباع إذا رأوا من متبوعهم شيئاً مخالفاً لما أمرهم به أو نهاهم عنه سألوه عنها، وأن المتبوع يبينه لهم، ويذكر لهم علته.

سادسها: في الحديث ما خص الله -تعالى- به نبيه -عليه أفضل الصلاة والسلام- من الأحكام دون غيره تكريماً له، وتشريفاً ولطفاً وتعريفاً لقدره وتبيناً لعظيم رتبته عند ربه -تعالى- فإن الوصال من خصائصه كما أسلفناه، ولا خلاف فيه في حقه.

سابعها: فيه أيضاً بيان قدرة الله على اتخاذ المسببات العاديات من غير سبب ظاهر للخلق، وإن كان له سبب خفي لا يعلمه إلَاّ الخواص؛ لأنه لو كان السبب في وصاله عليه الصلاة والسلام ظاهراً لما سألوه [عنه](3) ولما احتاج إلى البيان لهم.

(1) انظر: المجموع (6/ 358).

(2)

في ن ب د (السادس)

إلخ الأوجه.

(3)

في ن ب ساقطة.

ص: 328