المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الخامس 175/ 5/ 33 - عن أبي هريرة رضي الله - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام - جـ ٥

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الزكاة

- ‌33 - باب الزكاة

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌34 - باب صدقة الفطر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌كتاب الصيام

- ‌35 - باب الصيام

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس والسادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌36 - باب الصوم في السفر [وغيره]

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌الحديث التاسع

- ‌الحديث العاشر

- ‌الحديث الحادي عشر

- ‌37 - باب فضل الصيام وغيره

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

- ‌الحديث الخامس

- ‌الحديث السادس

- ‌الحديث السابع

- ‌الحديث الثامن

- ‌38 - باب ليلة القدر

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌39 - باب الاعتكاف

- ‌الحديث الأول

- ‌الحديث الثاني

- ‌الحديث الثالث

- ‌الحديث الرابع

الفصل: ‌ ‌الحديث الخامس 175/ 5/ 33 - عن أبي هريرة رضي الله

‌الحديث الخامس

175/ 5/ 33 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل، وخالد بن الوليد، والعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما ينقم ابن جميل إلَّا أن كان فقيراً، فأغناه الله [تعالى] (1)، وأما خالد: فإنكم تظلمون خالداً، وقد احتبس ادراعه واعتاده في سبيل الله، وأما العباس: فهي عليّ ومثلها، ثم قال: يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه"(2).

الكلام عليه من وجوه زائدة على العشرين، وفي مواضع منه إشكالات ستتضح إن شاء الله -تعالى-:

الأول: في التعريف براويه وبالأسماء الواقعة فيه. أما أبو هريرة فتقدمت ترجمته في [كتاب](3) الطهارة، وكذا عمر رضي الله عنه.

(1) زيادة من متن العمدة.

(2)

البخاري (1468)، ومسلم (983)، وأبو داود (1623) في الزكاة، باب: في تعجيل الزكاة، والنسائي (5/ 33)، والبغوي (1578)، والدارقطني (2/ 123)، والبيهقي (6/ 164، 165).

(3)

في الأصل (باب)، والتصحيح من ن ب د.

ص: 71

وأما ابن جميل: فهو -بفتح الجيم وكسر الميم ثم ياء مثناة ثم لام-.

قال ابن مسنده: لا يعرف اسمه، وتبعه بعض الشراح فجزم به.

وذكره ابن الجوزي (1): مع جماعة لا يعرفون إلَّا بالنسبة إلى آبائهم فقط.

ووقع في "تعليق" القاضي حسين و"بحر" الروياني في متن الحديث [(2)]، عبد الله بن جميل.

ووقع في "غريب" أبي عبيد: منع أبو جهم ولم يذكر أباه.

وقال ابن بزيزة: اسمه حميد فاستفد ذلك (3)، فإنه من المهمات.

وذكر القاضي حسين في "تعليقه": أن ابن جميل هذا هو

(1) انظر: تلقيح فهوم أهل الأثر (283).

(2)

في ن ب زيادة (عن).

(3)

قال في فتح الباري (3/ 333): ابن جميل لم أقف على اسمه في كتب الحديث، لكن وقع في تعليق القاضي حسين المروزي الشافعي، وتبعه الروياني أن اسمه عبد الله، ووقع في شرح الشيخ سراج الدين بن الملقن -أي صاحب هذا الكتاب- أن ابن بزيزة سماه حميداً ولم أرَ ذلك في كتاب ابن بزيزة، ووقع في رواية ابن جريج: أبو جهم بن حذيفة بدل ابن جميل، وهو خطأ لإِطباق الجميع على ابن جميل، وقول الأكثر أنه كان أنصاريّاً، وأما أبو جهم بن حذيفة فهو قرشي فافترقا، وذكر بعض المتأخرين أن أبا عبيد البكري ذكر في شرح الأمثال له أنه أبو جهم بن جميل. اهـ. انظر: رواية ابن جريج في مصنف عبد الرزاق (4/ 18).

ص: 72

الذي نزل فيه قوله -تعالى-: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ} (1)، وذكر غيره:"أنها نزلت في ثعلبة".

[قال](2) المهلب: كان منافقاً أولّا فمنع الزكاة فأنزل الله -تعالى-: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} (3)، قال: فاستثانه الله فتاب [وصلَحت](4) حاله.

وأما خالد: فسيأتي التعريف به في كتاب الأطعمة إن قدر الله الوصول إليه وشاء، وخذ لك هنا عجالة وهي: أنه سيف الله، أسلم في صفر شيبة ثمان، وبادر فشهد غزوة مؤتة، وكان النصر على يده، ومات شيبة إحدى وعشرين بحمص.

وأما العباس فهو ابن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف أبو الفضل الهاشمي: عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو ثلاث، ومات سنة اثنين وثلاثين بالمدينة، وصلَّى عليه عثمان رضي الله عنه، وعاش ثمانياً وثمانين سنة، وقد أفرد ترجمته بالتصنيف ابن أبي الدنيا، وغيره.

قال ابن دحية في كتابه "مرج البحرين": وكان العباس طويلاً يقل من الأرض فيما زعموا الجمل إذا برك بحمله.

(1) سورة التوبة: آية 75.

(2)

في ن ب (وقال) ، وفي ن د (وكان).

(3)

سورة التوبة: آية 74.

(4)

في الأصل (وصلح)، والتصحيح من ن ب د. وإكمال إكمال المعلم (3/ 115).

ص: 73

الوجه الثاني: قوله: "بعث" معناه أرسل، وكذا ابتعث.

وقولهم: "كنت في بعث فلان" أي في الجيش الذي بعث معه.

والبُعُوث: الجيوش.

الثالث: فيه بعث الإِمام العمال لجباية الزكوات.

الرابع: فيه أيضاً أن يكونوا أمناء. فقهاء. ثقات عارفين حيث بعث عليها عمر.

الخامس: قوله: "على الصدمه". أي الزكاة المفروضة، هذا هو الصحيح المشهور، نقله القرطبي عن الجمهور.

وقيل: المراد صدقة التطوع، وبه قال ابن القصار (1): حكاه

(1) قال ابن حجر في الفتح (3/ 333) على قوله: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة"، في رواية مسلم من طريق ورقاء عن أبي الزناد "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ساعياً على الصدقة" -قلت: وفي رواية عبد الرزاق المشار إليها آنفاً "ندب"- وهو مشعر بأنها صدقة الفرض، لأن صدقة التطوع لا يبعث عليها السعاة، وقال ابن القصار المالكي: الأليق أنها صدقة التطوع، لأنه لا يظن بهؤلاء الصحابة أنهم منعوا الفرض، وتعقب بأنهم ما منعوه كلهم جحداً ولا عناداً، أما ابن جميل فقد قيل: إنه منافق ثم تاب بعد ذلك، كذا حكاه المهلب، وجزم القاضي حسين في تعليقه أن فيه نزلت:"وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ" الآية انتهى، والمشهور أنها نزلت في ثعلبة، وأما خالد فكان متأولاً بإجزاء ما حبسه عن الزكاة، وكذلك العباس لاعتقاده ما سيأتي التصريح به عذر النبي صلى الله عليه وسلم خالداً والعباس ولم يعذر ابن جميل. اهـ. أيضاً إكمال إكمال المعلم (3/ 113).

ص: 74

القاضي قال: ويؤيده أن عبد الرزاق (1) روى هذا الحديث، وذكر في روايته أنه عليه الصلاة والسلام ندب الناس إلى الصدقة، وذكر تمام الحديث.

قلت: أغربت في العزو فهذا في البخاري (2)، ولفظه عن أبي هريرة قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقيل: منع ابن جميل، ثم ساق الحديث إلى آخره، وظاهر غيره من الأحاديث أنها في الزكاة، ويبعد أن يراد بها صدقة التطوع لوجوه:

أحدها: أن المتبادر إلى الذهن خلافه.

ثانيها: أنه عليه الصلاة والسلام إنما كان يبعث في الزكاة المفروضة على ما نقل.

ثالثها: قوله: "وأما العباس فهي عليّ"، [وعليّ](3) من ألفاظ الوجوب.

رابعها: أن ابن جميل تاب لما نزلت فيه الآية السالفة [ثمَّ](4)، والتوبة لا تكون [(5)] من ترك المندوبات.

السادس: قوله: "فقيل: منع ابن جميل"، أي منع الزكاة وامتنع من أدائها، وكأن هذا الامتناع على وجه التأويل، فتأول خالد

(1) المصنف لعبد الرزاق (4/ 18).

(2)

انظر ت (2)، (71).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

زيادة من ن ب د.

(5)

في الأصل ون ب زيادة (إلَّا)، وهي غير موجودة في ن ج.

ص: 75

بأن يحتسب له بها، والعباس بأنه عليه الصلاة والسلام يحملها عنه، أو بغير ذلك من التأويلات المسوغة كما سيأتي، ولم يكن فيهم أبعد تأويلاً من ابن جميل ولذلك عتب [عليه](1) صلى الله عليه وسلم.

وقوله: "فقيل: منع" إلى آخره، لم أقف على تعيين قائله، وظاهر قوله في أثناء الحديث:"فإنكم تظلمون خالداً"، إنهم جماعة، وسياق آخر الحديث قد يشعر بأن قائل ذلك، هو عمر رضي الله عنه، فالله أعلم.

ويؤخذ من ذلك تعريف الإِمام بمانعيها، ليعينهم على أخذها منهم، أو يبين لهم وجوه أعذارهم في منعها.

السابع: قوله: "ما ينقم ابن جميل"، هو بكسر [القاف](2) والماضي منه بفتحها، كضرب يضرب وهي [لغة](3) القرآن، قال -تعالى-:{وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} (4)، وقال:{وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)} (5)، وقال الشاعر:

وما نقم الناس من أمية

إلَّا أنهم يحلمون إن غضبوا

وأنهم سادة الملوك

ولا تصلحُ إلَّا عليهم العرب

ويقال: بفتحها في المضارع وكسرها في الماضي كعَلِم،

(1) زيادة من ن ب د.

(2)

في ن ب ساقطة.

(3)

زيادة من ن ب د.

(4)

سورة التوبة: آية 7.

(5)

سورة البروج: آية 8.

ص: 76

يَعْلَم، وقد استعمل هذه اللغة الحريري، واختُلِفَ في معناه على أقوال:

أحدها: ينكر.

وثانيها: يكره.

وثالثها: يعيب وقد فُسر قوله -تعالى-: {هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا} (1) الآية. [يتكرهون](2)[وينكرون](3)، فإن فسرناه، بينكر فإن معناه: أنه لا عذر له في المنع إذا لم يكن موجبه، إلَّا أن كان فقيراً فأغناه الله، وجاء في البخاري:"فأغناه الله ورسوله"(4)، وذلك ليس بموجب له فلا موجب البتة، وهذا من وَادِي قوله:

ولاعيب فيهم، غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

فيقصدون النفي على سبيل المبالغة في الإِثبات، إذ المعنى أنه لم يكن لهم عيب إلَّا هذا، وهذا ليس بعيب فلا عيب فيهم البتة، وكذلك المعنى هنا إذا لم ينكر ابن جميل إلَّا كون الله أغناه بعد

(1) سورة المائدة: آية 59.

(2)

في ن د (بيكرهون).

(3)

في ن ب ساقطة.

(4)

قال ابن حجر في الفتح (3/ 333): وقوله: "فأغناه الله ورسوله" إنما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه لأنه كان سبباً لدخوله في الإِسلام فأصبح غنيّاً بعد فقره بما أفاء الله على رسوله وأباح لأمته من الغنائم، وهذا السياق من باب تأكيد المدح بما يشبه الذم، لأنه لم يكن له عذر إلَّا ما ذكر من أن الله أغناه، فلا عذر له، وفيه التعريض بكفران النعم وتقريع بسوء الصنيع في مقابلة الإِحسان. اهـ.

ص: 77

فقره، فلم ينكر منكراً أصلاً، فلا عذر له في المنع، وكذلك إن فسرناه بيكره أي ما يكره إخراج الزكاة على ما تقدم.

ويقال: نقم الإِنسان إذا جعله مؤدياً إلى كفر النعمة. فالمعنى: أن غناه أداه إلى كفر نعمة الله -تعالى- بالمنع، فما ينقم أي ما يكره إلَّا أن يكفر النعمة، وأما تفسيره "بيعيب" ففيه بعد.

الثامن: فيه تعريف الفقير بنعمة الله -تعالى- عليه في الغنى، ليقوم بحق الله -تعالى- فيه في الواجب والمندوب.

التاسع: فيه أيضاً عتب الإِمام على من منع الخير، وإن كان منعه مندوباً في غيبته وحضوره إذا قلنا: إن المراد بالصدقة: صدقة التطوع.

العاشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "فإنكم تظلمون خالداً"(1)، هو خطاب للعمال على الصدقة [حيث](2) لم يحتسبوا له بما أنفق في الجهاد من الجتد والعدة، لأنهم طلبوا منه زكاة اعتاده ظنًّا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم عليّ. فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن خالداً منع الزكاة، فقال: إنكم تظلمون خالداً"، لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها، ولا زكاة فيها. قاله النووي (3) في شرحه. قال: ويحتمل أن يكون المراد لو وجبت عليه زكاة [لأعطاها ولم يشح بها لأنه قد وقف

(1) انظر: فتح الباري (3/ 334)، وحاشية العمدة للصنعاني (3/ 302).

(2)

في ن ب ساقطة، وفي د (حين).

(3)

انظر: شرح مسلم (7/ 56).

ص: 78

أمواله لله -تعالى- متبرعاً. فكيف يشح بواجب عليه] (1) ويحتمل أنه لم يقفها، بل رفع يده عنها، وخلى بينها وبين الناس في سبيل الله، لا أنه احتبسها وقفاً على التأبيد.

لأنه صرفها مصرفها حيث تعينت للجهاد، وقد جعل الله للجهاد حظّاً من الزكاة، فرأى صرفها فيه، فاشترى بها ما يصلح له، كما يفعله الإِمام، فلما تحقق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قال:"إنكم تظلمون خالداً" فإنه قد صرفها مصرفها وأجاز له ذلك، وبه جزم القرطبي في شرحه، وقيل: يجوز أن يكون عليه الصلاة والسلام أجاز لخالد أن يحتسب ما حبسه من ذلك فيما يجب عليه من الزكاة، لأنه في سبيل الله. حكاه القاضي عياض (2).

قال: فهو حجة لمالك في جواز دفعها لصنف واحد، وهو قول العلماء كافة، خلافاً للشافعي في وجوب قسمتها على الأصناف الثمانية (3).

قال: وعلى هذا يجوز إخراج القيمة في الزكاة، وقد أدخل البخاري (4) هذا الحديث في باب: أخذ العَرضِ في الزكاة. فيدل على أنه ذهب إلى هذا التأويل.

ومذهب مالك والشافعي: منع إخراج القيمة في الزكاة.

وأبو حنيفة: يجيز ذلك، وحكاه البغداديون عن مذهب مالك،

(1) في ن ب ساقطة، وأيضاً موجودة في شرح مسلم.

(2)

إكمال إكمال المعلم (3/ 115).

(3)

انظر: الاستذكار (9/ 204، 206). والمرجع السابق.

(4)

انظر: الفتح (3/ 311).

ص: 79

قال الشيخ تقي الدين (1): وهذا التأويل لا يزيل الإِشكال لأن ما حبس على [جهة](2) معينة تعين صرفه [إليها](3)، واستحقه أهل تلك الصفة مضافاً إلى جهة الحبس، فإن كان قد طلب من خالد زكاة ما حبسه، فكيف يمكن ذلك مع تعيّن ما حبسه لمصرفه! وإن كان [قد](4) طلب منه زكاة المال الذي لم يحبسه -من العين والحرث، والماشية- فكيف يحاسب بما وجب عليه في ذلك، وقد تعين صرف ذلك المحبس إلى جهته؟

قال: وأما الاستدلال بذلك على أن صرف الزكاة [على](5) صنف من الثمانية جائز، وأنّ أخذ [القيمة](6) جائز، فضعيف جدّاً، لأنه لو أمكن توجيه ما قيل في ذلك لكان الإِجزاء في المسألتين مأخوذاً على تقدير ذلك التأويل. وما ثبت [على تقدير لا يلزم أن يكون واقعاً إلَّا إذا ثبت وقوع ذلك التقدير. و [لم](7) يثبت] (8) ذلك بوجه، ولم [يتبين](9) بهذه المقالة إلَّا مجرد الجواز، والجواز

(1) انظر: إحكام الأحكام (3/ 302).

(2)

في ن ب (وجهه).

(3)

زيادة من ن ب د.

(4)

زيادة من إحكام الأحكام.

(5)

في إحكام الأحكام (3/ 303)(إلى).

(6)

في إحكام الأحكام (القيم).

(7)

في المصدر السابق (ولا).

(8)

في ن ب ساقطة.

(9)

في المصدر السابق (يبين قائل هذه).

ص: 80

لا يدل على الوقوع [إلَّا أن يريد القاضي أنه حجة لمالك وأبي حنيفة على التقدير، فقريب. إلَّا أنه يجب التنبيه لأنه لا يفيد الحكم في نفس الأمر (1)](2). قال: وأنا أقول: يحتمل أن يكون تحبيس خالد لأدراعه وأعتاده في سبيل الله إرصادَه إياها لذلك، وعدم تصرفه بها في غير ذلك. وهذا النوع حبيس، وإن لم يكن تحبيساً، ولا يبعد أن يراد مثل ذلك بهذا اللفظ، ويكون قوله عليه الصلاة والسلام:"إنكم تظلمون خالداً"، مصروفاً إلى قولهم:"منع خالد" أي تظلمونه في نسبته إلى منع الواجب، مع كونه صرف ماله [إلى](3) سبيل الله، ويكون المعنى:[إنه](4) لم يقصد منع الواجب، ويحمل منعه على غير ذلك.

قلت: وهو عين ما أسلفناه عن القرطبي فهذه تأويلات. تأويل النووي (5). الأول: وهو ظنهم أنها عروض للتجارة.

وتأويل القرطبي والشيخ تقي الدين الثاني.

(1) زيادة من حاشية الصنعاني فإنه قال في بعض العمدة: زيادة، وأشار إليها (3/ 303).

(2)

في إحكام الأحكام (3/ 304) زيادة (قال شيخنا الإِمام الشارح رحمه الله، قال في الحاشية: أقول هذا الكلام لابن الأثير تلميذ ابن دقيق العيد الذي ذكر في الخطبة أنه طلب منه تأليف هذا الشرح، جزاهما الله خيراً.

(3)

المصدر السابق (في).

(4)

في ن ب (أن) ، وما أثبت يوافق إحكام الأحكام.

(5)

انظر: شرح مسلم (7/ 56).

ص: 81

والتأويل الثالث: الذي حكاه القاضي عياض (1)، وتأويله هو أنه أخرج العروض قيمة عما وجب في ماله، وأنه صرفها في أحد مصارف الزكاة، وهو سبيل الله.

واعترض الفاكهي على الثاني فقال: إن قصد الشيخ تقي الدين أنها صارت حبساً بغير لفظ الحبس فالإِشكال الذي قرره أولاً يعود، وإن أراد إرصاده كما صرح به فالزكاة باقية في الذمة، ولم يعلم ما جرى فيها ورجح تأويل القاضي عياض. ثم هذا كله إذا قلنا: إن الصدقة هي الزكاة، وهو الظاهر على ما تقدم.

فإن قلنا: إنها صدقة التطوع ارتفع الإِشكال من أصله، ويكون المعنى: أنه عليه الصلاة والسلام اكتفى بما حبسه [خالد](2)[في سبيل الله](3) عن أخذ شيء آخر من صدقة التطوع [حتى يكون الطالب منه شيئاً آخر بعد تحبيسه ماله ظالماً على طريق المبالغة والتوسع](4).

الحادي عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله" معنى احتبس (5): وقف ويحتمل أن

(1) انظر: إكمال إكمال المعلم (3/ 115).

(2)

في ن ب ساقطة، وموجودة في إحكام الأحكام (3/ 305).

(3)

في إحكام الأحكام (3/ 305)(على هذه الجهات).

(4)

النص في إحكام الأحكام (3/ 305): (ويكون من طلب منه شيئاً آخر -مع ما حبسه من ماله وأعتاده في سبيل الله- ظالماً له في مجرى العادة، وعلى سبيل التوسع في إطلاق اسم الظلم).

(5)

انظر: النهاية (1/ 328)، وغريب الحديث لابن الجوزي (1/ 187).

ص: 82

يكون [معناه](1) إبانة اليد عن الملك لله -تعالى- كما يفعل المهدي لبيت الله -تعالى- فيها بالتخلية بينها وبين مستحقيها. وقد سبق كل ذلك.

قال الأصبهاني: واحتبس: لغة في حبس.

والأدراع: جمع درع ويكون من الحديد وغيره.

وأعتاد: هذه اللفظة رويت على أوجه.

أحدها: "أعتاده" كما ذكره المصنف، وأنكره بعضهم، وهي ثابتة في صحيح مسلم (2).

ثانيها: "أعتده" بالتاء المثناة فوق.

وحكى الدارقطني: أن أحمد بن حنبل قال: أخطأ علي بن حفص في هذا وصحف، وإنما هو "وأعبده"(3) يعني بالباء الموحدة، كما سيأتي.

وقال عبد الحق في "الجمع بين الصحيحين": وقع في رواية

(1) في إحكام الأحكام (3/ 305)(على هذه الجهات).

(2)

قال في الحاشية للصنعاني (3/ 300): العتاد: بالعين المهملة والمثناة الفوقية آخره دال مهملة، وهذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري "أعتده" بضم المثناة الفوقانية وإليهما أشار الشارح، ونقل الدارقطني عن أحمد أنه صوبها، قاله ابن الأثير في النهاية. اهـ. وكلها جاءت على الجمع كما أشار إليها في فتح الباري (3/ 333).

(3)

وهم المؤلف -رحمة الله علينا وعليه-: وإنما المذكور في النهاية "وأعْتُده"(3/ 176).

ص: 83

للبخاري "وأعبده"[بالباء](1)، والصحيح "وأعتده" بالتاء المثناة فوق.

قلت: وهي الأعتاد جمع قلة لعتد بفتح العين، والتاء وهو الفرس الصلب.

وقيل: المعد للركوب.

وقيل: السريع الوثب.

وقال الهروي والخطابي (2): هو ما أعده الرجل من سلاح وآلة ومركوب للجهاد. وبه جزم الشيخ تقي الدين، وعزاه النووي (3) إلى أهل اللغة ولم يذكر غيره، وما قدمناه أولاً من أنه الفرس، ثم حكينا الخلاف بعده، هو ما ذكره القرطبي.

ثالثها: "عتاده" ويجمع على "أعِتُده" بكسر التاء وضمها.

رابعها: "أعبده" بالباء الموحدة جمع قلة للعبد وهو الحيوان العاقل، هذا هو [الظاهر](4).

وقيل: إنه جمع صفة من قولهم: "فرس [عتد] (5) " أي

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

معالم السنن (2/ 223).

(3)

شرح مسلم (7/ 56)، وإكمال إكمال المعلم (3/ 115).

(4)

في ن ب (الأظهر).

(5)

في ن د ب (عبد)، وفي إحكام الأحكام (3/ 301)، وفتح الباري (3/ 323)(عتد).

ص: 84

صلب (1).

وقيل: معد للركوب.

وقيل: سريع الوثب. حكى هذه الأوجه الشيخ تقي الدين (2) على هذه الرواية، ثم رجح بعضهم هذا بأن العادة لم تجر بتحبيس العبيد في سبيل الله، بخلاف الخيل.

وأما القاضي فقال: هذا جائز غير ممتنع، بل قد وجد في العرب بزمن المسمى بصوفة (3) وبالربيط وذلك أن أمه ربطت رأسه

(1) قال الصنعاني في الحاشية (3/ 301): وقيل إن لبعض رواة البخاري "أعبدة" بالموحدة جمع "عبد" اهـ، من الفتح (3/ 333)، قال: فدل كلامه على أن الذي هو صفة للفرس هو "أعتده" جمع "عتيد" وهو خلاف كلام الشارح -أي ابن دقيق- ويوافق كلام الفتح أنه في القاموس. فإنه قال في "عند" بالمثناة الفوقية أنه يقال: "فرس عتد"، بل الذي فيه "وفرس عتد" محركة، وككتف معد للجري أو شديد تام الخلق. اهـ. وكلام فتح الباري صريح أن رواية "عبد" بالموحدة إنما هي لغير الفرس، ولذا جعله قولاً مقابلاً للأول. قال أيضاً: وقال ابن حزم إنها وهم أي رواية "أعبده".

(2)

إحكام الأحكام (3/ 300).

(3)

قال ابن الجوزي في كشف النقاب عن الأسماء والألقاب (1/ 304): صوفه لقب الغوث بن مُر. قال ابن الكلبي: كان لا يعيش لأمه ولد فنذرت لئن عاش لتعلقن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيطاً للكعبة ففعلت فقيل له صوفة، وقال عقال بن شبيب: كانت لا تلد إلَّا البنات فنذرت إن ولدت غلاماً لتعبدنه للبيت فولدت الغوث فربطته عند البيت فأصابه الحر فمرت به وقد سقط واسترخى فقالت ما صار ابني إلَّا صوفة فقيل له صوفة وكانت إجازة الحاج إليه وإلى عقبه. اهـ. انظر أيضاً: نزهة الألباب في الألقاب (1/ 430)، والإِكمال (5/ 224).

ص: 85

بصوفه وجعلته ربيط الكعبة فخدمها.

وقيل: مثله في ابن الأخرم (1).

وروي: "فقد احتبس رقيقه ودوابه"، وروى "عقاره"(2) بالقاف والراء وهو الأرض والضياع والنخل ومتاع البيت.

الثاني عشر: فيه دلالة على صحة الوقف إذا قلنا: إنه وقفها حقيقة، وصحة وقف المنقول، وبه قالت الأمة بأسرها إلَّا أبا حنيفة وبعض الكوفيين، وأنه لا زكاة في الوقف.

الثالث عشر: أخذ بعضهم من الحديث وجوب زكاة التجارة، وأن خالد طولب بأثمان الأدراع والأعتد قالوا: ولا [(3)] زكاة في هذه الأشياء إلَّا أن تكون للتجارة. وفيه نظر من حيث إنه استدلال بأمر محتمل غير متعين لما أُدعي (4).

الرابع عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "وأما العباس فهي عليَّ ومثلها". فيه جواز التصريح باسم القريب ولفظ رواية البخاري: "وأما العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فهي عليه صدقة ومثلها معها"، والسر في التصريح باسم القريب: أن اسم

(1) انظر: نزهة الألباب في الألقاب (1/ 63، 64)، والإِكمال (1/ 37).

(2)

انظر: إكمال إكمال المعلم (3/ 115).

(3)

في ن ب زيادة (لو).

(4)

قال في حاشية الصنعاني (3/ 305): "غير متعين لما أُدعى"، إذ لا دليل على أنه كان يتجر في الأدرع والأعتاد، وإنما هو مجرد احتمال لا يتم به الاستدلال. اهـ. وهذا كلام مراد المصنف.

ص: 86

العلم إذا جيء به على أصل وصفه كأنه ذكر معه ما اشتمل عليه من جميع صفاته المعروفة منه، وإلى ذلك أشار سيبويه بقوله: الأعلام مختصِرات الصفات. ودخلت الألف واللام على عباس وإن كان علماً لمحاً لصفته قبل التسمية.

الخامس عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "فهي عليّ ومثلها" في الصحيحين زيادة بعد "ومثلها معها"، وفي معناه أقوال:

أحدها: أني تسلفت منه صدقة عامين فصار ديناً عليَّ وصوبه النووي في شرحه (1)،

(1) قال ابن حجر في الفتح (3/ 333): وجمع بعضهم بين رواية "عليّ" ورواية "عليه" بأن الأصل رواية "عليّ"، ورواية "عليه" مثلها إلَّا أن فيها زيادة هاء السكت حكاه ابن الجوزي عن ابن ناصر، وقيل: معنى قوله "عليّ" أي هي عندي قرض، لأنني استسلفت منه صدقة عامين، وقد ورد ذلك صريحاً فيما أخرجه الترمذي وغيره من حديث علي، وفي إسناده مقال، وفي الدارقطني من طريق موسي بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنا كنا احتجنا فتعجلنا من العباس صدقة ماله سنتين"، وهذا مرسل، وروى الدارقطني أيضاً موصولاً بذكر طلحة فيه، وإسناد المرسل أصح، وفي الدارقطني أيضاً من حديث ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعياً فأتى العباس فأغلظ له، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام، والعام المقبل"، وفي إسناده ضعف، وأخرجه أيضاً هو والطبراني من حديث أبي رافع نحو هذا، وإسناده ضعيف أيضاً، ومن حديث ابن مسعود:"أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقته سنتين"، وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف، ولو ثبت لكان رافعاً للإِشكال ولرجح به سياق رواية مسلم على بقية الروايات، وفيه رد لقول من قال: =

ص: 87

ثانيها: أن معناه: أنا أؤديها عنه، والذي قال: بهذا لا يجوّز تعجيل زكاة عامين.

[وقد جاء](1) في الدارقطني: "إنا تعجلنا منه صدقة عامين"(2)، وأوله بعض المالكية بأن معناه أوجبناها عليه وضمناها له وتركناها عليه ديناً.

وقيل: بل كان تسلف منه النبي صلى الله عليه وسلم مالاً لما احتاج إليه في السبيل، فقاصه بها عند الحول، وهذا مما لا يختلف في جوازه، وحينئذ لا يكون حجة على جواز التقديم.

قلت: وهذه الرواية أعني رواية الدارقطني فيها انفطاع أيضاً كما نبه عليها البيهقي (3).

= إن قصة التعجيل إنما وردت في وقت غير الوقت الذي بعث فيه عمر لأخذ الصدقة، وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق، والله أعلم. وقيل: المعنى استسلف منه قدر صدقة عامين، فأمر أن يقاصَّ به من ذلك، واستبعد ذلك بأنه لو كان وقع لكان صلى الله عليه وسلم أعلم عمر بأنه لا يطالب العباس، وليس ببعيد. اهـ. انظر: تلخيص الحبير (2/ 162)، وشرح مسلم (7/ 57).

(1)

زيادة من ن ب د.

(2)

الدارقطني (2/ 123، 124)، وأيضاً الأحاديث الموجودة في الدارقطني في التعليق السابق، وانظر: تخريج الأحاديث الضعاف من الدارقطني (217، 218)، وقد ضعفه في الفتح (3/ 334).

(3)

السنن الكبرى (4/ 111).

قال الشافعي في الأم (2/ 22): ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أدري أثبت أم لا: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف صدقة مال العباس قبل أن تحل"، وانظر: =

ص: 88

ثالثها: أنه عليه الصلاة والسلام قبض منه صدقة العام الذي شكاه فيه العامل وتعجيل صدقة عام ثان، فقال:"هي عليّ ومثلها معها"(1).

رابعها: أنه عليه الصلاة والسلام تحمل الصدقة وأداها عنه السنتين، ولذلك قال:"إن عم الرجل صنو أبيه"(2).

خامسها: يحتمل أنه تبرع بزيادة على ما وجب على العباس إكراماً له، ويعضده آخر الحديث. وأما رواية البخاري السالفة:"هي عليه صدقة ومثلها معها"، فقال البيهقي (3): يبعد أن تكون محفوظة لأن العباس كان من جملة بني هاشم الذين تحرم عليهم الصدقة.

وقال غيره: لعل ذلك قبل تحريمها على آله صلى الله عليه وسلم، ورأى عليه الصلاة والسلام إسقاط الزكاة عامين لوجه رآه.

وقال القرطبي: هي نص في أنه تركها له ومثلها، وذلك لأنه

= المعرفة (6/ 82)، والسنن الكبرى (4/ 111)، وتلخيص الحبير (2/ 162)، وقد ضعفه في الفتح (3/ 334).

(1)

قال البغوي -رحمنا الله وإياه- في شرح السنة (6/ 35): أن يكون قد قبض منه صدقة ذلك العام الذي شكاه فيه العامل، وتعجَّل صدقة عام ثانٍ، فقال: هي عليَّ، أي الصدقة التي قد خلت، وأنت تطالبه بها مع مثلها من صدقة عام لم يحلَّ، فيكون قد أخذ صدقة أحد العامين بعد محلها، واستعجل صدقة العام المقبل. اهـ.

(2)

قال ابن دقيق العيد في الأحكام (3/ 306): فإن في هذه اللفظة إشعاراً بما ذكرناه، فإن كونه صنو الأب: يناسب تحمل ما عليه.

(3)

السنن الكبرى (4/ 111).

ص: 89

قد فدا نفسه وعقيلاً فكأنه كان غريماً، وإليه يرد قوله أي في الرواية الآتية:"فهي له ومثلها".

وفي البخاري عن ابن إسحاق عن أبي الزناد: "هي عليه ومثلها معها"(1)، وقال ابن جريج (2): حدثت عن الأعرج مثله. فيحتمل أن يحمل على هذه الرواية.

ويحتمل أن يكون عليه الصلاة والسلام أخرها عنه عامين لحاجة كانت بالعباس (3) إليها، وللإِمام تأخير ذلك إذا أداه اجتهاده إليه كما فعل عمر بن الخطاب عام الرمادة إلى أن حيَّ الناس من العام المقبل، فأخذ منهم زكاة عامين (4).

ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "ومثلها معها"، أن عليه صدقة عام آخر قبله وأخرهما ليجد رفقاً به، حكاه الأصفهاني.

(1) قال ابن حجر في الفتح (3/ 334): بني الجمع بين الروايات، ومعنى "عليه" على التأويل الأول أي لازمة "له" وليس معناه أنه يقبضها لأن الصدقة عليه حرام لكونه من بني هاشم، ومنهم من حمل رواية الباب على ظاهرها فقال: كان ذلك قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، ويؤيده رواية موسي بن عقبة عن أبي الزناد عن ابن خزيمة بلفظ "فهي له" بدل "عليه"، وقال البيهقي: اللام هنا بمعنى على لتتفق الروايات، وهذا أولى لأن المخرج واحد وإليه مال ابن حبان.

(2)

المرجع السابق.

(3)

انظر: شرح مسلم (7/ 57).

(4)

البغوي في السنة (6/ 35)، والأموال لأبي عبيد (465، 705).

ص: 90

وحكى معه قولاً آخر بعيداً [أُنبه](1)[عليه](2) لئلا يعتد به وهذا لفظه في حكايته قيل: فيه دليل على أن للإِمام أن يأخذ الصدقة ومن منعها فله أن يعزره على حسب ما يؤدي إليه اجتهاده أضعّف الصدقة عليه على ضرب من التعزير، وهذا لا يحل ذكره عندي إلَّا على وجه [التنبيه على وهنه فإن آخر الحديث يرده (3).

وفي رواية موسى بن عقبة: "هي له] (4) ومثلها معها"[وعنها](5) جوابان:

أحدهما: وإليه يميل أبو حاتم بن حبان أن "له" بمعنى "عليه"، قال -تعالى-:{لَهُمُ اللَّعْنَةُ} (6)، وقال -تعالى-:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} (7) وأشبههما (8)، احتماله عليه الصلاة والسلام لها على

(1) في ن ب ساقطة.

(2)

في ن ب عليه السلام.

(3)

قال ابن حجر في الفتح (3/ 334): وأبعد الأقوال كلها قول من قال: كان هذا في الوقت الذي كان فيه التأديب بالمال، فألزم العباس بامتناعه من أداء الزكاة بأن يؤدي ضعف ما وجب عليه لعظمة قدره وجلالته، كما في قوله -تعالى- في نساء النبي صلى الله عليه وسلم:{يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} .

(4)

في ن ب ساقطة.

(5)

في ن ب ساقطة.

(6)

سورة الرعد: آية 25.

(7)

سورة الإِسراء: آية 7.

(8)

قال ابن أبي حاتم في صحيحه (8/ 69): وقد روى موسي بن عقبة عن أبي الزناد هذا الخبر، وقال في شأن العباس:"فهي له ومثلها معها"، يريد فهي له عليَّ كما قاله ورقاء بن عمر في خبره، وانظر ت (1)، (87) =

ص: 91

ما تقدم ويعضده [رواية](1): "فهي له وصدقة عليها"، لا أنه أحل له الصدقة، ولكنه تركها له فأخرج الصدقة عنه من مال نفسه (2).

= و (1)، (90) لزيادة الإِيضاح.

وقد رجح ابن باز -حفظه الله- في الفتح (3/ 333)، قائلاً: وظاهر الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم تركها له وتحملها عنه وسمى ذلك صدقة تجوزاً وتسامحاً في اللفظ، ويدل على ذلك رواية مسلم فهي "عليّ ومثلها"، والله أعلم. اهـ. وهذا هو الجواب الثاني.

(1)

زيادة من ن ب د.

(2)

قال ابن حبان في صحيحه (8/ 69): وقد روى شعيب بن أبي حمزة هذا الخبر عن أبي الزناد، وقال في شأن العباس:"فهي عليه صدقة ومثلها معها".

قال ابن حجر في الفتح (3/ 333): كذا في رواية شعيب، ولم يقل: ورقاء ولا موسي بن عقبة "صدقة"، فعلى الرواية الأولى يكون ألزمه بتضعيف صدقته، ليكون أرفع لقدره، وأنبه لذكره، وأنفى للذم عنه، فالمعنى: فهي صدقة ثابتة عليه سيصدق بها، ويُضيف إليها مثلها كرماً، ودلت رواية مسلم على أنه صلى الله عليه وسلم التزم بإخراج ذلك لقوله:"فهي عليّ"، وفيه تنبيه على سبب ذلك وهو قولُه:"إن العم صنو الأب"، تفضيلاً له وتشريفاً. اهـ. من الفتح.

ثم قال ابن حبان -ويشبه أن يكون معناه-: فهي له صدقة، لأن العرب في لغتها تقول "عليه"، بمعنى "له" قال الله:{أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} ، يريد: عليهم اللعنة، والعباس لم يحل له أخذ الصدقة من وجهين، أحدهما: أنه كان غنيّاً لا يحل له أخذ الصدقة الفريضة، والأخرى: أنه كان من صبية بني هاشم فكيف يترك المصطفى صلى الله عليه وسلم صدقته عليه وهو لا يحل له أخذها، ويمنعها من أهلها الفقراء؟ اهـ. للاطلاع =

ص: 92

السادس عشر: قوله عليه الصلاة والسلام: "إن عم الرجل صنو أبيه"، أي يرجع مع أبيه إلى أصل واحد فيتعين إكرامه كما يتعين إكرام الأب، ومنه قوله -تعالى-:{صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ} (1)، وأصله في النخلتين والثلاث والأربع التي ترجع إلى أصل واحد، فكل واحدة منهن صنو، والاثنان صنوان، والثلاث صنوانٌ برفع النون.

فالصنوان: جمع صنو كقنوان وقنو ويجمع أصناء كأسماء، فإذا كثرت قلت الصنى والصُني، وعن ابن الأعرابي: أن الصنو المثل أي مثل أبيه، وذكر ذلك صلى الله عليه وسلم لعمر تعظيماً لحق العم وهو مقتض ومناسب لأن يحمل قوله:"هي عليَّ" أنه يحملها، [عنه احتراماً له ومبرة وإكراماً حتى لا يتعرض له بطلبها أحد إذا تحملها](2) عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السابع عشر: في الحديث البيان للعمال ما يظلمون فيه من غيره.

الثامن عشر: فيه أيضاً تحمل الإِمام عن بعض رعيته وأتباعه وأقاربه ما وجب عليه أو ندب إليه.

التاسع عشر: فيه أيضاً بيان فضل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم

= على تفاصيل مما مر من الروايات. انظر: تهذيب السنن لابن القيم (2/ 222)، ومعالم السنن.

(1)

سورة الرعد: آية 4.

(2)

زيادة من ن ب د.

ص: 93

والتنبيه على فضل العم وأنه يرفق به ويخص بمزيد إِكرام، وقد نبه عليه الصلاة والسلام في حديث آخر على فضل الخالة فقال:"الخالة بمنزلة الأم"(1).

العشرون: فيه أيضاً أنه يجوز للإِمام ويستحب له أن يتأول لمن شكي إليه من رعيته في منع الحق التأويلات المحتملة وإن كانت خلاف الظاهر.

الحادي والعشرون: فيه أيضاً جواز تعجيل الزكاة قبل وقت وجوبها على ما مر من التأويل، وهو مذهب أبي حنيفة والأوزاعي والشافعي وفقهاء المحدثين، ومن هؤلاء من جوّز تقديم زكاة عامين أخذاً بهذا الحديث، ومنع ذلك مالك والليث، وهو قول عائشة وابن سيرين وقالوا: لا يجوز تقديمها على وقت وجوبها كالصلاة، وعن مالك خلاف فيما قرب، وتحديد القرب مذكور في كتبهم، وكأن هؤلاء لم يرتضوا بذلك التأويل أو يجعلوه خاصّاً بالعباس.

(1) البخاري (1844، 2699، 4251)، وأحمد (1/ 98، 108، 115) عن علي (4/ 298)، عن البراء، والدارمي (2/ 237)، وابن حبان (4873)، والترمذى (3765)، وابن سعد (4/ 36)، والحاكم (3/ 120).

ص: 94