الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني
209/ 2/ 39 - عن عائشة رضي الله عنها "أنها كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه".
وفي رواية: "وكان لا يدخل البيت إلَاّ لحاجة الإِنسان"(1).
وفي رواية: أن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلَاّ وأنا مارة".
[الترجيل: تسريح الشعر](2).
الكلام عليه من وجوه:
أحدها: الترجيل: تسريح الشعر، قال ابن السكيت: شعر
(1) البخاري أطرافه في الفتح (296)، ومسلم (297)، وأبو داود (2468) في الصوم، باب: المعتكف يدخل البيت لحاجته، والنسائي (1/ 193)، والكبرى له (2/ 265، 266، 267، 268)، وابن ماجه (633، 1776)، والبيهقي (4/ 315، 320)، وأحمد (6/ 231، 234، 264، 272)، وابن أبي شيبة (3/ 88، 94)، والبغوي (1837)، وابن خزيمة (2230، 2231).
(2)
زيادة من إحكام الأحكام.
رجل ورجل إذا لم يكن شديد الجعودة ولا سبطاً، يقول منه رجل الشعر ترجيلاً.
ثانيها: الحجرة معروفة وجمعها: حُجر مثل غرف وحجرات، [قال ابن فارس: وحجرات] (1) بالفتح أي بفتح الجيم.
وأما حَجرة القوم: بفتح الحاء فناحية دارهم.
والجمع: حجرات كحجرات ويجوز حجر كحجر.
ثالثها: قولها: "يناولها رأسه كأنه من مجاز التشبيه إذ المناولة نقل الشيء من شخص إلى غيره، يقال: ناولته الشيء فتناوله إذا أعطيته.
رابعها: "الرأس" مذكر، قال الفاكهي: ولا أعلم فيه خلافاً، وما أكثر تأنيث العامة له من المتفقهة وغيرهم.
قلت: وهو مهموز، ويجوز تركه، وله أسماء أخر ذكرتها في لغات المنهاج فليراجع منها.
خامسها: حاجة الإِنسان هنا: البول، والغائط.
سادسها: في الحديث دلالة على طهارة بدن الحائض، والجنب أولى منها.
سابعها: فيه أيضاً أن خروج رأس المعتكف من المسجد لا يبطل اعتكافه.
ثامنها: فيه أيضاً أن خروج بعض البدن من المكان الذي حلف أنه لا يخرج منه لا يوجب حنثه، وكذلك دخول بعض بدنه إذا
(1) في ن ب ساقطة، انظر: مجمل اللغة (1/ 264).
حلف، أن لا يدخله من حيث إن امتناع الخروج من المسجد يوازيه تعلق الحنث بالخروج، لأن الحكمة في كل واحد تعلق بعدم الخروج، فخروج بعض البدن إن اقتضى مخالفة ما علق عليه من أحد الموضعين اقتضى مخالفته في الآخر، وحيث لم يقتض في أحدهما، لم يقتض من الآخر لاتحاد المأخذ فيهما، وكذلك تنتقل هذه المادة في الدخول أيضاً بأن يقول: لو كان دخول البعض مقتضياً للحكم المعلق بدخول الكل لكان خروج البعض مقتضياً للحكم بخروج الجملة، لكنه لا يقتضيه، ثمَّ، فلا يقتضيه هنا، وشأن الملازمة أن الحكم في الموضعين متعلق بالجملة، فإما أن يكون بالبعض موجباً لتركيب الحكم أو لا إلى أخره.
تاسعها: فيه أيضاً جواز ترجيل المعتكف رأسه، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يتعاهد شعره بالترجيل، ولم يحلق شعره إلَاّ في حج أو عمرة، وفي معنى ترجيل المعتكف رأسه حلقه وتقليم أظفاره، وتنظيف بدنه من الشعث.
عاشرها: فيه أيضاً جواز ملامسة الحائض للمعتكف وغيره، وعند مالك أن الاعتكاف يبطل بالمباشرة.
[وقال ابن لبابة وغيره منهم: تحرم المباشرة في المسجد دون غيره.
وقال بعض أهل الظاهر: تبطل بالمباشرة] (1) إلَاّ في ترجيل الشعر لهذا الحديث.
(1) في ن ب ساقطة.
الحادي عشر: فيه أيضاً أن الخروج من المعتكف للحاجة الضرورية التي لا يمكن فعلها في المسجد جائز، وهذا الحديث بعمومه يدل على ذلك، وأنه ممنوع من الخروج لغير الحاجة الضرورية من حيث أن الضرورة دعت إليه، والمسجد مانع منه، وكل ما ذكره الفقهاء من الجواز في ذلك، واختلفوا فيه فهذا الحديث يدل على عدم الخروج له كما ذكرنا، ولا بد أن يضم إلى الحاجة المجوزة للخروج قيامُ الداعي الشرعي في بعضه كعيادة المريض وصلاة الجنازة وشبهه، وهذا كله إنما نقول به على سبيل الاستحباب وتأكده، إذ الاعتكاف سنة مؤكدة، ومعلوم أن من دخل في تطوع لا يلزمه إتمامه خلافاً لأبي حنيفة، ومالك. في منع الخروج من صلاة التطوع وصيامه فعندهما أن الخروج لغير حاجة حرام إذن.
الثاني عشر: قد أسلفنا أن حاجة الإِنسان [هنا](1) كناية عن الخبث، وظاهره حصر الخروج في ذلك وإن كان المعتكف يخرج لغيره كما هو مقرر في كتب الفروع، وكأنها أخبرت بصورة الواقع منه صلى الله عليه وسلم فلا يدل ذلك على عدم الخروج لغيره وسيأتي في الحديث الرابع خروجه عليه الصلاة والسلام ليقلب صفية رضي الله عنها وهو معتكف.
الثالث عشر: قولها في المريض: "فلا أسأل عنه إلَاّ وأنا مارة" فيه دليل على جواز عيادة المريض على وجه المرور من غير تعريج، وفيه إشارة إلى المنع من العيادة على غير هذه الحالة.
(1) زيادة من ن ب د.
الرابع عشر: في الحديث أيضاً استقرار المرأة في بيت الزوج، وإن لم يكن له حاجة في الدخول إليها أوله مانع ضروري شرعي أو غيره من دخوله لسفر واعتكاف.
الخامس عشر: فيه أن الكون في المسجد لو لم يكن شرطاً لما فعل ذلك، لأن في إخراج رأسه دون بقية جسده مشقة، فكل من رآه فعل ذلك يتبادر إلى فهمه أن لولا شرطية ذلك في الاعتكاف لما تحمل هذه المشقة.
***