الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
177/ 1/ 34 - عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر -أو قال رمضان- على الذكر والأنثي والحر والمملوك: صاعاً من تمرٍ، أو صاعاً من شعير: قال: "فعدل الناس به نصف صاع من بر، على الصغير والكبير"(1).
وفي لفظ: "أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"(2).
(1) البخاري (1511، 1512)، ومسلم (984)، وأبو داود في الزكاة، باب: كم يؤدي في صدقة الفطر (1613، 1614، 1615)، والترمذي (675) في الزكاة، باب: ما جاء في صدقة الفطر، وابن خزيمة (2393، 2395، 2397، 2403، 2404، 2409، 2411)، والطحاوي (2/ 44)، والبيهقي (4/ 159، 160، 161، 164)، والدارقطني (2/ 139، 140)، والشافعي (1/ 251)، وأحمد (2/ 5، 55، 66، 102)، وابن حبان (3304)، والدارمي (1/ 392)، وابن أبي شيبة (3/ 72).
(2)
البخاري (1503)، وأبو داود (1612) في الزكاة، باب: كم يؤدي في صدقة الفطر، والنسائي (5/ 48) في الزكاة، باب: فرض زكاة رمضان على المسلمين دون المعاهدين، والبيهقي (4/ 162)، وابن حبان (3303)، والبغوي (1594)، والدارقطني (2/ 139، 140).
الكلام عليه من سبعة عشر وجهاً:
الأول: في التعريف براويه وقد سلف في باب الاستطابة.
الثاني: اختلف في معنى "فرض" على قولين.
أصحهما: عند الجمهور أوجب وألزم.
ثانيهما: بمعنى قدّر، وهو أصله في اللغة [لكنه](1) نقل في عرف الاستعمال إلى الوجوب. فالحمل عليه أولى، لأن ما اشتهر في الاستعمال فالقصد إليه هو الغالب (2) لمن قال بالأول قال: صدقة الفطر واجبة، وهو المشهور من مذاهب العلماء [لأن](3) الفرض يغلب استعماله شرعاً في هذا المعنى، وهي داخلة أيضاً في عموم قوله -تعالي-:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} (4).
ونقل إسحاق بن راهويه وابن المنذر والبيهقي الإِجماع في ذلك (5).
(1) زيادة من ب د.
(2)
قال الصنعاني في الحاشية (3/ 314): قوله: "هو الغالب"، أقول: وذلك لأن الحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية، إلَّا أنه قد يقال: أول ما تكلم به صلى الله عليه وسلم، ولم يكن قد تعورف أنه بمعنى الإِيجاب، لأن الفرض أن هذا أول إطلاقه، إلَّا أنه يقال: قد سبق عرف الشارع بذلك بمثل هذا اللفظ، وما أعز دليل هذه الدعوى، ولكن في قوله:"حق واجب" ما يوجب حمل فرض على الإِيجاب. اهـ. وهذا استدلال من حديث سيأتي بعد تعليق.
(3)
في ن ب (ألا إن).
(4)
سورة البقرة: آية 110.
(5)
انظر: الفتح (3/ 367)، والسنن الكبرى (4/ 159)، والحاوي =
ومن قال بالثاني قال: إنها سنَّة (1)، وبه قال بعض أهل العراق وداود (2) في آخر أمره، وابن اللبان من الشافعية، والقولان لمالك، والمشهور منهما الأول، وإن كان بعض شيوخه المتأخرين كان يعتقد أن مشهور مذهبه الثاني، كما نبه عليه الفاكهي.
= (4/ 376). قال الصنعاني في الحاشية (3/ 313): أقول: نقل ابن المنذر وغيره الإِجماع على وجوبها، لكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفرض. على قاعدتهم من التفرقة -كما سيذكره المصنف- وفي نقل الإِجماع في ذلك نظر، لأن إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كيسان الأصم، قالا: إن وجوبها نسخ، واستدل لهما بما روى النسائي وغيره عن قيس بن عبادة -وسيأتي تخريجه- قال وتعقب بأن في إسناده راوياً مجهولاً، وعلى تقدير الصحة فلا دليل على النسخ للاكتفاء بالأمر الأول، لأن نزول فرض لا ينسخ فرض آخر. اهـ.
(1)
قال الصنعاني في الحاشية (3/ 313): قوله: "وذهب بعضهم إلى عدم الوجوب"، أقول: نقله المالكية عن أشهب فقال: إنها سنة مؤكدة، وهو قول بعض الظاهرية وابن اللبان من الشافعية، ولم يذكر لهم دليل يوجب تأويل فرض مقَدَّر كما قال الشارح، فإنه لا يؤول اللفظ ويخرج عن ظاهره إلَاّ بدليل، وكأنهم يقولون هو لغة التقدير، ولا يثبتون أنه نقل شرعاً إما لعدم قولهم بالحقيقة الشرعية كما هو قول طائفة من الأصوليين حينئذٍ فلا ينبغي أن يقال: تأولوا "فرض" بل هو معناه اللغوي، ولم ينقل عنه، ولكنه يؤيد نقله حديث ابن عباس عند الحاكم بلفظ:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صارخاً ببطن مكة ينادي: إن صدقة الفطر حق واجب". أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وانظر كلام ابن عبد البر في الاستذكار (9/ 351) على قوله: "فرض".
(2)
انظر: الاستذكار (9/ 350)، والتمهيد (14/ 323).
وقال أبو حنفية: هي واجبة لا فرض (1) على قاعدته في التفرقة بينهما.
وأغرب بعضهم فقال: إنها منسوخة بالزكاة (2) وهو غلط صريح.
ثم اختلفوا هل وجبت بعموم آي الزكاة أو بغيرها؟ وذلك الغير هل هو الكتاب وهو قوله -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} (3)، أي -صلاة العيد- أو السنَّة. فيه خلاف لأصحابنا حكاه الماوردي (4).
والمشهور أنها فرضت في السنة الثانية من الهجرة عام فرض رمضان، وفي "سنن النسائي" و"ابن ماجه" و"صحيح الحاكم" عن قيس بن سعد بن عبادة قال:"أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت: "لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله" (5).
قال الحاكم: [حديث](6) صحيح على شرط الشيخين، وهو دال على وجوبها بالسنَّة، ولا دلالة فيه على إسقاطها، لأنه سبق الأمر به، والأصل بقاؤه.
(1) انظر التعليق ما قبل هذا.
(2)
انظر: الاستذكار (9/ 349).
(3)
سورة الأعلى: آيتان 14، 15.
(4)
الحاوي (4/ 377، 378).
(5)
النسائي في الزكاة (5/ 49)، وابن ماجه في الزكاة (1828)، وأحمد (6/ 6)، وعبد الرزاق (5801)، والطحاوي في مشكل الآثار (3/ 85)، وأبو يعلى (1434).
(6)
زيادة من ن ب د.
الوجه الثالث: اختلف العلماء في وقت وجوبها على أربعة أقوال.
أصحها: عندنا وعند المالكية تجب بغروب الشمس ليلة عيد الفطر، وهو مذهب أحمد أيضاً (1).
(1) قال في الحاشية (3/ 314): وهو المعتمد عند الشافعية، قالوا: لأنها طهرة للصائم من اللغو والرفث، فكانت عند تمام صومه، قالوا: فتخرج عمن مات بعد غروب الشمس. اهـ. قال البهوتي في الروض مع الحاشية (3/ 279): "وتجب" الفطرة "بغروب الشمس ليلة" عيد "الفطر" لإِضافتها إلى الفطر، والإِضافة تقتضي الاختصاص والسببية، وأول ما يقع فيه الفطر من جميع رمضان، مغيب الشمس من ليلة الفطر. اهـ.
وقال في فتح الباري (3/ 368): قوله: "زكاة الفطر" زاد مسلم من رواية مالك عن نافع "من رمضان" واستدل به على أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر لأنه وقت الفطر من رمضان، وقيل: وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد، لأن الليل ليس محلاً للصوم، وإنما يتبين الفطر الحقيقي بالأكل بعد طلوع الفجر، والأول قول الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي في الجديد وإحدى الروايتين عن مالك، والثاني قول أبي حنيفة والليث والشافعي في القديم والرواية الثانية عن مالك، ويقويه قوله في حديث الباب:"وأمر بها أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة"، قال المازري: قيل إن الخلاف ينبني على أن قوله: "الفطر من رمضان" الفطر المعتاد في سائر الشهر فيكون الوجوب بالغروب، أو الفطر الطارىء بعد فيكون بطلوع الفجر. وقال ابن دقيق العيد: الاستدلال بذلك لهذا الحكم ضعيف لأن الإِضافة إلى الفطر لا تدل على وقت الوجوب، بل تقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر من رمضان، وأما وقت الوجوب فيطلب من أمر آخر. اهـ. ثم أشار إلى "باب الصدقة قبل العيد"، قال ابن =
وثانيها: تجب بطلوع الفجر ليلة العيد، وبه قال أبو (1) حنيفة.
وثالثها: تجب بمجموع الوقتين، وهذا القول خرجه صاحب "التلخيص"، وأنكره الأصحاب.
ورابعها: تجب بطلوع شمس يوم العيد، وهو محكي في مذهب مالك، حكاه القرطبي وغيره، ولم يطلع عليه ابن العطار في شرحه، فقال: لا أعلم أحداً قال بوجوبها بالطلوع، وعندهم أيضاً قول آخر أنها تجب وجوباً موسعاً من الغروب إلى الطلوع. وحكى عندهم الأول والثاني أيضاً، فهذه أربعة أقوال عندهم، وعندنا الثلاثة الأُول فقط.
= التين: أي قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، وبعد صلاة العيد، وبعد صلاة الفجر. وقال ابن عيينة في تفسيره: عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته، فإن الله بقول:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)} ، ولابن خزيمة من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية: فقال: نزلت في زكاة الفطر". اهـ. من الفتح (3/ 375). وقد ضعف هذا الحديث الشيخ ابن باز في تعليقه على الفتح قائلاً: "هذا الحديث ضعيف الإِسناد، لأن كثيراً ضعيف جدّاً عند أهل الحديث.
(1)
قال الصنعاني في الحاشية (3/ 314): وعلله الرافعي بأنها قربة متعلقة بالعيد فلا تتقدم على العيد كالأضحية "وهو مردود" فإن وقت العيد من طلوع الشمس، ولأن الليل ليس محلاًّ للصوم، وهنا نسخة من شرح العمدة بلفظ "طلوع الشمس" بدلاً عن طلوع الفجر، والهادية تقول من طلوع الفجر، واستدلوا بحديث:"أغنوهم في هذا اليوم" إلَّا أنه حديث تكلموا على ضعفه وهو أيضاً كلام الحنفية والليث والشافعي في القديم.
وتظهر فائدة هذا الخلاف فيما إذا ولد له ولد أو تزوج امرأة أو ملك عبداً أو باعه أو أسلم عبده الكافر أو مات فيما بين هذه الأزمان ولا يخفى عليك تفريعه وارتداد الزوج والرقيق وطلاقها البائن كالموت، وسبب هذا الخلاف أن الشرع قد أضاف هذه الزكاة للفطر، وهل هو الفطر المعتاد في سائر الشهر فيكون الوجوب من وقت الغروب أو الفطر المعتاد في كل يوم فيكون من طلوع الشمس أو المراد أول الفطر المأمور به يوم الفطر، فيكون من طلوع الفجر.
وقال ابن قتيبة: معنى صدقة الفطر أي صدقة النفوس. والفطرة أصل الخلقة، وهذا بعيد بل مردود (1)، كما قال القرطبي بقوله في رواية لمسلم:"صدقة الفطر من رمضان".
وقال الشيخ تقي الدين (2): قوله "صدقة الفطر" أو قال: "رمضان" وفي رواية أخرى "من رمضان" قد يتعلق به من يرى أن وقت الوجوب غروب الشمس من ليلة العيد، وقد يتعلق به من يرى أن وقت الوجوب طلوع [شمسه](3) من يوم العيد وكلاهما ضعيف. لأن إضافتها إلى الفطر من رمضان (4) [لا يستلزم أنه وقت الوجوب،
(1) انظر: الفتح (3/ 367) باب: فرض صدقة الفطر.
(2)
انظر: إحكام الأحكام (3/ 314).
(3)
في إحكام الأحكام (الفجر).
(4)
قال الصنعاني في الحاشية (3/ 315) بعد ذكره لحديث ابن عمر: "أمر بصدقة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"، فإنه دال على أن وقت الإِخراج قبل صلاة العيد، ويحتمل تقدم الإِيجاب، وأما تعقب =
بل يقتضي إضافة هذه الزكاة إلى الفطر في رمضان] (1)، فيقال حينئذٍ:[بالوجوب](2) بظاهر لفظة: "فرض" ويؤخذ وقت الوجوب من أمر آخر.
الرابع: قوله: "على الذكر والأنثى والحر والمملوك"(3)[يقتضي](4) هذا اللفظ وجوب إخراج الفطرة عن هؤلاء المذكورين وإن كانت لفظة "على"[يقتضي](5) الوجوب عليهم أنفسهم ظاهراً.
وقد اختلف الفقهاء في الذي يخرج عنهم هل باشرهم الوجوب أو لا؟ والمُخرِج عنهم يتحمله أو الوجوب يلاقي المخرج أو لا؟
= العراقي الشارح، بأنه لا معنى لإِضافتها إلى الفطر إلَاّ أنه وقت الوجوب فضعيف. اهـ. محل المقصود منه.
(1)
زيادة من ن ب د، وإحكام الأحكام.
(2)
في إحكام الأحكام (بالوجوب).
(3)
قال ابن حجر في الفتح (3/ 368): ظاهره إخراج العبد عن نفسه ولم يقل به إلَّا داود فقال: يجب على السيد أن يمكن العبد من الاكتساب لها كما يجب عليه أن يمكنه من الصلاة، وخالفه أصحابه والناس، واحتجوا بحديث أبي هريرة مرفوعاً:"ليس في العبد صدقة إلَّا صدقة الفطر" أخرجه مسلم، وفي رواية له:"ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة، إلَّا صدقة الفطر في الرقيق" وقد تقدم من عند البخاري قريباً بغير الاستثناء، ومقتضاه أنها على السيد، وهل تجب عليه ابتداء أو تجب على العبد ثم يتحملها السيد؟ وجهان للشافعية، إلى الثاني نحا البخاري كما سيأتي في الترجمة التي تلي هذه. اهـ. انظر: الحاشية (3/ 315).
(4)
في ن ب د (مقتضى).
(5)
في ن ب (مقتضى).
وهما وجهان عندنا وقيل: قولان مستنبطان أصحهما أولهما فمن قال به أخذ بظاهر الحديث حملاً للفظة "علي" على مقتضاها. ومن قال بالثاني تأول لفظة "على" بمعنى "عن" وهذا الخلاف له فوائد فروعية ذكرتها في "شرح المنهاج" وغيره.
الخامس: قوله: "على الذكر والأنثى". تقتضي أيضاً الإِخراج عن كل غني أو فقير ممن تعلق الوجوب به وهو كونه: "من المسلمين"(1) كما قيد في الصحيح خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه، حيث قالوا: لا تلزم من يحل له أخذها.
السادس: مقتضاه أيضاً الإِخراج عن الصغير وبه صرح في آخره، ولا خلاف عند من يقول: إنها تخرج بسببه أن وليه هو الذي يخاطب بإخراجها إذ الصبي لم يجر عليه بعد قلم التكليف.
قال ابن بزيزة: وهو قول جمهور العلماء. قال: وجمهورهم على أنها غير واجبة على الجنين في بطن أمه.
ومن شواذ الأقوال إخراجها عنه، قال: وروينا عن عثمان وسليمان بن يسار أنهما كانا [يخرجانها](2) عنه (3).
(1) قال في الفتح (3/ 369): فيه رد على من زعم أن مالكاً تفرد بها، وانظر تقريره على هذا الزيادة في الفتح (3/ 369، 370)، حيث صحح هذه الزيادة وأنها وردت من عدة طرق، عمر بن نافع والضحاك، وغيرهم.
انظر: التمهيد (14/ 312، 316).
(2)
في ن د (يخرجاها)، ون د (يخرجها).
(3)
نقل عن عثمان رضي الله عنه أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (4/ 63)، والإِمام أحمد في مسائل ابنه عبد الله (170)، ونقله ابن قدامة =
ونقل عن قوم من السلف أنه إذا كمل الجنين في بطن أمه أربعة أشهر قبل الفجر وجب الإِخراج عنه، وإنما خص الأربعة أشهر بذلك للاعتماد على حديث ابن مسعود (1) أن الخلق يجمع في بطن أمه أربعين يوماً.
[الوجه](2) السابع: مقتضاه أيضاً الإِخراج عن البادي كالحاضر وهو مذهب الجمهور وخالف الليث وربيعة والزهري وعطاء، فقالوا
= في المغني (4/ 316) ولم يعزه، وضعف الألباني ما ورد في ذلك في الإِرواء (3/ 331). والصدقة عن الجنين غير واجبة وإنما هي مستحبة. قال ابن قاسم في حاشية الروض (3/ 277): واتفق عليه الأئمة الأربعة وغيرهم، وعن أبي قلابة: كان يعجبهم الفطر عن الحمل، في بطن أمه. اهـ.
(1)
البخاري (6594، 7454، 3208، 3332)، ومسلم (2643)، وأبو داود (4708) في السنَّة، باب: في القدر، والترمذي (2137) في القدر، باب: ما جاء في أن الأعمال بالخواتيم، والنسائي في الكبرى (6/ 336) ح (11246/ 1) باب: قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)} ، وابن ماجه (76)، وابن أبي عاصم في السنَّة (175)، والبغوي في السنَّة (71)، وابن حبان (6174)، وأبو يعلى (57/ 5)، وأحمد (1/ 414).
قال ابن حجر في الفتح (3/ 369): ونقل ابن المنذر الإِجماع على أنها لا تجب على الجنين، قال: وكان أحمد يستحبه ولا يوجبه، ونقل بعض الحنابلة رواية عه بالإِيجاب، وبه قال ابن حزم لكن قيده بمائة وعشرين يوماً من حمل أمه به، وتعقب بأن الحمل غير محقق، وبأنه لا يسمى صغيراً لغة ولا عرفاً. اهـ.
(2)
في جميع النسخ (الحديث)، وما أثبت من المصحح.
وجوبها خاص بأهل الحاضرة والقرى دون أهل العموم والخصوص (1).
الثامن: ذهب الجمهور إلى وجوب إخراجها على الزوج، وخالف الكوفيون فقالوا: إنما يجب عليها وهو مقتضى الحديث.
وأجاب الجمهور عنه: بأن "على" بمعنى "عن" أو أنها وجبت عليها ثم تحملها الزوج.
التاسع: قوله "والحر والمملوك" ذهب الجمهور إلى أن المملوك ليس مخاطباً بها، لأنه لا شيء له ولو كان له مال فسيده قادر على انتزاعه. وخالف داود (2) فأوجبها عليه تمسكاً بهذا الحديث. وقال: على سيده أن يتركه لاكتسابها كما لا يمنعه من صلاة الفرض.
وأجاب الجمهور: بما تقدم في فطرة الزوجة.
وإذا قلنا بقولهم: فهل يخاطب السيد بإخراجها عنه أم لا؟
جمهورهم أيضاً على أنه يجب عليه ذلك، لأنه يلزمه نفقته ومؤنته، وهذه من جملة المؤن، فإن المخاطب بإخراجها مكلف الواجد لها حين الوجوب عن نفسه وعن من تلزمه نفقته (3).
(1) قال ابن حجر في الفتح (3/ 371): واستدل بعموم قوله: "من المسلمين" على تناولها لأهل البادية خلافاً للزهري والليث وربيعة في قولهم: "إن زكاة الفطر تختص بالحاضرة"، وانظر: الإِقناع لابن المنذر (1/ 184).
(2)
انظر: الاستذكار (9/ 336).
(3)
انظر هذه المسألة وما قبلها في الفتح (3/ 368، 369)، والتمهيد (14/ 332).
فرع: لو كان لعبده عبد.
قال ابن بريزة: اختلف الفقهاء في لزوم إخراجها عنه، والصحيح نعم، لأن الكل ملكه (1).
فرع: لو انقطع خبر عبده فالأصح عندنا وجوب إخراج فطرته في الحال.
ومذهب مالك الوجوب، وإن كانت الغيبة قريبة مرجوة.
وقال قوم: تجب مطلقاً لبقاء الملك.
ونقل الفاكهي عن الشافعي أنها لا تؤدى عنه مطلقاً، لما يتطرق إليه من الإِغرار واحتمال الحياة والموت قال وهو أصله في منع بيع الغائب على الصفة، وهذا عجيب، فهذا قول ضعيف عنده. والصحيح من مذهبه ما قدمناه.
العاشر: "الصاع": مكيال معروف. وقد تقدم ذكره [وضبطه](2) في آخر باب الجنابة. وأن الأصح أنه خمسة أرطال وثلث، وخالف أبو حنيفة فجعله ثمانية أرطال. واستدل مالك بنقل الخلف عن السلف بالمدينة، وهو استدلال قوي صحيح في مثل هذا، ولما ناظر أبا يوسف بحضرة الرشيد في هذه المسألة رجع أبو يوسف إلى قوله لما استدل بذلك (3).
(1) انظر: الاستذكار (9/ 369).
(2)
في ن ب ساقطة.
(3)
قال في الحاشية (3/ 316)، على قوله: "ولما ناظر
…
إلخ" أقول: لما حج هارون الرشيد ومعه أبو يوسف حصل بينه وبين مالك مناظرة في =
فرع: الصواب اعتماد الكيل في الصاع، وأبعد من اعتمد فيه الوزن.
الحادي عشر: قوله: "صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير""من" فيه لبيان الجنس المخرج.
قال القاضي عياض: واختلف في النوع المخرج، فأجمعوا على أنه يجوز البر والزبيب والتمر والشعير، إلَّا خلافاً في البر لا يعتد به، وخلافاً في الزبيب لبعض المتأخرين، وكلاهما مسبوق بالإِجماع، مردود قوله به. وأما الإِقط فأجازه مالك والجمهور (1).
ومنعه الحسن: وهو قول للشافعي.
وقال أشهب: لا يخرج إلَاّ هذه الخمسة.
وقاس مالك (2) على هذه الخمسة كل ما هو عيش أهل بلد من
= تقدير الصاع، لأن أبا حنيفة يقول: إنه ثمانية أرطال بالعراقي، فأحضر أهل المدينة صيعانهم كل يقول: هذا صاعي أخبرني أبي عن جديّ أنه أتى بصدقة الفطر به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاير هارون الرشيد فكانت خمسة أرطال وثلث، فرجع أبو يوسف إلى ذلك.
وأخرج الدارقطني أيضاً من رواية إسحاق بن سليمان الرازي في السنن (2/ 151)، قال صاحب التعليق المغني: قال صاحب التنقيح: إسناده مظلم ورجاله غير مشهورين. ثم قال: والمشهور ما أخرجه البيهقي، عن الحسين بن الوليد القرشي وهو ثقة
…
إلخ -أي ما ذكر بعالية-.
(1)
التمهيد لابن عبد البر (14/ 138).
(2)
المرجع السابق: وقال ابن قاسم في حاشية الروض (3/ 287): وعنه يجزىء. كل حب وثمر يقتات، ولو لم تعدم الخمسة، اختاره الشيخ =
القطاني وغيرها، وعن مالك قول آخر أنه لا يجزىء غير المنصوص في الحديث. وما في معناه ولم يجز عامة العلماء إخراج الزكاة في القيمة وأجازه أبو حنيفة (1).
= وغيره، وقال: وهو قول لجمهور العلماء، مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، واحتج بقوله:"من أوسط ما تطعمون أهليكم"، وبقوله:"صاع من طعام" والطعام قد يكون برّاً، أو شعيراً، وقال أيضاً: يخرج من قوت أهل بلده، مثل الأرز وغيره، ولو قدر على الأصناف المذكورة في الحديث، وهو رواية عن أحمد، وقول أكثر العلماء، وقال في موضع آخر: هو قول أكثر العلماء، وهو أصح الأقوال، فإن الأصل في الصدقات، أنها نجب على وجه المساواة للفقراء، وذكر الآية والحديث، ثم قال: لأن هذا كان قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتاً لهم، بل يقتاتون غيره، لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتونه. اهـ. الفتاوى (25/ 68، 69)(10/ 410)(22/ 326)(21/ 205).
وقال ابن القيم وغيره: وهو الصواب الذي لا يقال بغيره، إذ المقصود سد خلة المساكين ليوم العيد، ومواساتهم، من جنس ما يقتات أهل بلدهم، لقوله:"اغنوهم في هذا اليوم". اهـ، من أعلام الموقعين (3/ 12).
وصحح النووي أنه يتعين عليه غالب قوت بلده. اهـ.
(1)
قال عبد المعطي العجلوني محقق كتاب المعرفة للبيهقي (6/ 190)، ناقلاً مذاهب الفقهاء في هذه المسألة: قال الجمهور: تؤدي زكاة الفطر من الحبوب والثمار المقتات صاع، ويعادل (751، 2 كلغ)، وقال الحنفية: تجب زكاة الفطر من أربعة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب، وقدرها نصف صاع من حنطة، أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب، ويجوز عندهم أن يعطي عن جميع ذلك القيمة دراهم أو دنانير، لأن الواجب أغناه الفقير لقوله صلى الله عليه وسلم:"أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم"، والإِغناء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= يحصل بالقيمة، بل أتم وأوفر وأيسر، لأنها أقرب إلى دفع الحاجة فتبين أن النص معلل بالإِغناء.
وقال الجمهور: لا يجزىء إخراج القيمة عن هذه الأصناف، فمن أعطى القيمة لم تجزئه، لقول ابن عمر:"فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر، وصاعاً من شعير" فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض.
وإخراج المال هو قول جماعة من الصحابة والتابعين، منهم الحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، وهو مذهب الثوري، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، واختاره من الحنفية الفقيه أبو جعفر الطحاوي، وبه العمل والفتوى عندهم في كل زكاة، وفي الكفارات والنذور والمحراج وغيرها، وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو ثور، كما هو مذهب بقية أهل البيت، أعني القيمة عند الضرورة، وجعلوا منها: طلب الإِمام المال بدل المنصوص وهو قول جماعة من المالكية كابن حبيب، وأصبغ، وابن أبي حازم، عيسى بن دينار بن وهب المالكي، وانظر: التمهيد (4/ 139)، والاستذكار (9/ 361).
وبوَّب ابن أبي شيبة في مصنفه (3/ 174): "إعطاء الدراهم في زكاة الفطر" وأورد آثاراً في ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وعن الحسن البصري وعن أبي إسحاق السبيعي.
وألَّف أحمد بن محمد الغماري من علماء المغرب رسالة لطيفة، أسماها: "تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال مستدلاًّ بالآتي:
الوجه الأول: أن الأصل في الصدقة المال، قال تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} فالمال هو الأصل، وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم المنصوص عليه إنما هو للتيسير ورفع الحرج، لا لتقييد الواجب وحصر المقصود فيه.
الوجه الثاني: أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً حين خرج إلى اليمن بالتيسير على الناس، فكان معاذ يأخذ الثياب مكان الذرة والشعير، لأنه أهون عليهم، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال: ائتوني بعرض ثياب خمس أو لبيس في الصدقة فكان الشعير الذرة، ثم قال: وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. انظر: البخاري (3/ 311)، والخراج ليحيى بن آدم (147)، ومصنف ابن أبي شيبة (3/ 181)، وغيرها .. وكان علي رضي الله عنه يأخذ في الجزية من أهل المال. وقد أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لخالد أن يحاسب نفسه لما حبسه فيما يجب عليه من أعتد وأدراع، فدل على جواز إِخراج القيمة في الزكاة، وفي إِخراج الشاة عن خمس من الإِبل، دليل على أن المراد قدرها من المال. وقاله العيني في عمدة القاري (9/ 8) تعليقاً على حديث ابن لبون: لا مدخل له في الزكاة إلَّا بطريق القيمة لأن الذكر لا يجوز في الإِبل إلا بالقيمة ولذلك احتج به البخاري أيضاً في جواز إخراج القيمة مع شدة مخالفته للحنفية.
الوجه الثالث: وفيه بيان أنه إذا ثبت جواز أخذ القيمة سمي الزكاة المفروضة في الأعيان فجوازها في الرقاب أولى وهي صدقة الفطر.
الوجه الرابع: وفي حديث: "أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التمر والشعير صاعاً، ومن البر نصف صاع" دليل على أنه اعتبر القيمة.
الوجه الخامس: ثم أورد المصنف أدلة على أن الصحابة فهموا اعتبار القيمة ومراعاة المصلحة من النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما ذكره في الكتاب.
انظر: مغني المحتاج (1/ 405، 407)، والمهذب (1/ 165)، وبدائع الصنائع (2/ 72)، والفتاوى الهندية (1/ 179)، وفتح القدير (2/ 36، 41)، والكتاب مع اللباب (1/ 147/ 160)، وتبيين الحقائق (1/ 308)، والشرح الصغير (1/ 675)، وبداية المجتهد (1/ 272)، والقوانين الفقهية (112)، والمغني (3/ 60، 65)، وكشاف القناع (2/ 295، 297)، والفقه على المذاهب الأربعة (1/ 627، 630)، والفقه الإِسلامي وأدلته =
وقال أصحابنا: جنس الفطرة فكل حب معشر، وكذا الإِقط على الأظهر كما تقدم، وأصح الأوجه أنه يتعين غالب قوت بلده.
وقيل: قوته.
وقيل: يخير بين الأقوات لظاهر "أو" المذكورة.
وأجاب الأولون: عن ذلك لأنها للتنويع كما في قوله -تعالى-: {أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا
…
} الآية (1) ويجزىء [الأعلى عن الأدنى](2) ولا عكس، والاعتبار بزيادة الاقتيات [لا القيمة في الأصح](3).
الثاني عشر: قوله: "فعدل الناس به نصف صاع من بر" الضمير من "به" عائد على التمر، وهو مذهب أبي حنيفة، وجماعة (4) من السلف في البر، وأنه يخرج نصف صاع.
قال القرطبي: واحتجوا بأحاديث لم يصح عند أهل الحديث شيء منها، وكذا قال النووي (5) وأنّ ضعفها بين.
وخالفهم الجمهور، فقالوا: الواجب من ذلك صاع أيضاً،
= (2/ 909، 911)، ورؤوس المسائل (211)، والمبسوط (2/ 156)، والمجموع (5/ 402)، وفتح الباري (3/ 311).
(1)
سورة المائدة: آية 33.
(2)
في الأصل تقديم وتأخير.
(3)
في ن ب ساقطة.
(4)
انظر: الاستذكار (9/ 361).
(5)
شرح مسلم (7/ 60).
لحديث أبي سعيد الآتي (1) لأن فيه: "صاعاً من طعام" وهو البر كما سيأتي، ولأنه ذكر أشياء قيمتها مختلفة، وأوجب في كل نوع منها صاعاً. فدل على أن المعتبر صاع ولا نظر إلى قيمته.
وقوله: "فعدل الناس به" هو معاوية كما ستعلمه في الحديث الآتي.
قال القاضي عياض: ولم يقل بذلك معاوية في كل بر، وإنما قاله في سمراء الشام (2)[وخالفهم الجمهور، فقالوا: الواجب من ذلك صاع أيضاً، لحديث أبي سعيد الآتي، لأن فيه صاعاً من طعام، وهو البر كما سيأتي، ولأنه ذكر أشياء فيها](3).
الثالث عشر: قوله في لفظ "أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" يعني إلى صلاة عيد الفطر. وبهذا قال جمهور العلماء واستحبوه، وليستغني بها المساكين عن السؤال في ذلك اليوم، ويتفرغ قلبهم لما هم بصدده من العبادات، وهو سر الحديث المرفوع:"أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم"(4) وكرهوا تأخيرها عن
(1) انظر: حاشية إحكام الأحكام (3/ 317، 318).
(2)
في ن ب د زيادة (لما فيها من الريع). وهذه الزيادة مثبتة في إكمال إكمال المعلم (3/ 119).
(3)
في ن ب د ساقطة.
(4)
الدارقطني (2/ 153)، والحاكم في معرفة علوم الحديث (131)، والبيهقي (4/ 175)، والأموال لابن زنجويه (1251)، وضعفه النووي في المجموع (6/ 126)، والحافظ في بلوغ المرام (159) باب: صدقة الفطر، قال: ولابن عدي والدارقطني بإسناد ضعيف ثم ساقه، والمغني =
يوم الفطر، ورخص بعضهم في تأخيرها، وقاله مالك وأحمد.
قال القرطبي: ومشهور مذهب مالك أن آخر يوم الفطر آخر وقت أدائها (1)، وما بعد الفطر وقت قضائها.
ومذهب الشافعي والجمهور: أنه يحرم (2). تأخيرها عن يومه،
= (4/ 293، 298، 301)، والحافظ في تلخيص الحبير (2/ 183)، وسكت عنه، والحديث تكلم على إسناده البيهقي (4/ 175)، وابن حزم من أجل أبي معشر هذا، وهو نجيح السندي. انظر: تهذيب التهذيب (10/ 419)، وتقريبه (2/ 298)، والضعفاء لابن الجوزي (3/ 157)، ونصب الراية (2/ 432)، حيث ذكر أن ابن عدي أخرجه في الكامل، وأعله بأبي معشر وأيضاً ابن حجر في الفتح (3/ 375)، وضعفه الألباني في الإِرواء (3/ 332).
(1)
قال ابن حجر في الفتح (3/ 375): ودل حديث ابن عمر على أن المراد بقوله: "يوم الفطر" أي أوله، وهو ما بين صلاة الصبح إلى صلاة العيد، وحمل الشافعي التقييد بقبل صلاة العيد على الاستحباب لصدق اليوم على جميع النهار، ثم ساق حديث ابن عمر:"كان يأمرنا أن نخرجها قبل أن نصلي، فإذا انصرف قسمه بينهم وقال: "اغنوهم عن الطلب"، أخرجه سعيد بن منصور، ولكن أبا معشر ضعيف. اهـ. وضعفه في مختصر البدر المنير ح (811).
(2)
قال في زاد المستنقع مع شرحه وحاشيته (3/ 282): "وتكره في باقيه" أي باقي يوم العيد، بعد الصلاة. قال في الحاشية:"لمخالفة الأمر، وخروجاً من الخلاف في تخريجها". وقال شيخ الإِسلام وغيره: "إن أخرها بعد صلاة العيد، فهي صدقة من الصدقات". اهـ.
قال ابن القيم: بعد بيانه بالأدلة وقتها: ومقتضى قوله: "من أداها قبل الصلاة
…
إلخ: أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأنها تفوت =
فلو أخرها بالنية وعينها لمستحقيها ولم يتفق له قبضها جاز، لأنه لم يؤخر عن يوم العيد في المعنى، نصّ على ذلك أصحابنا كما نقله عنهم ابن العطار في شرحه، ولا يحضرني من نقله ذلك عنهم غيره.
فرع: يجوز عندنا تعجيل الفطرة من أول رمضان ويمتنع قبله (1).
وعند المالكية: حكاية قولين في جواز تقديمها بيوم أو يومين أو ثلاثة. وفي الموطأ عن ابن عمر: أنه كان يؤديها قبل الفطر بيومين
= بالفراغ في الصلاة، وصوبه، وقال قواه شيخنا ونصره. اهـ. انظر: زاد المعاد (1/ 151)، وبدائع الفوائد (4/ 70).
ويحرم إذا أخرها عمداً، وقال ابن رشد: تأخيرها عن يوم العيد حرام بالاتفاق، وقال ابن الوزير: اتفقوا على أنها لا تسقط عمن وجبت عليه بتأخير، وهي دين عليه، حتي يؤديها. اهـ، من حاشية الروض.
(1)
عند الشافعية: يجوز تعجيل زكاة الفطر من أول رمضان، لأنها تجب بسببين: صوم شهر رمضان، والفطر منه، فإذا وجد أحدهما جاز تقديمها على الآخر. انظر: المهذب (1/ 165)، ومغني المحتاج (1/ 401)، والمجموع (6/ 118).
وعند الحنفية: يجوز تقديمها مطلقاً قبل رمضان. انظر: تبيين الحقائق (1/ 310)، والفتاوى الهندية (1/ 179)، وفتح القدير (2/ 41)، وتحفة الفقهاء (1/ 519)، وحلية العلماء (3/ 108)، وبدائع الصنائع (2/ 74).
أما المالكلية والحنابلة: فيجوزون تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين لا أكثر لفعل ابن عمر -الآتي تخريجه بعد هذا- ولا تجزىء قبل ذلك ولأن ذلك هو المأمور به بقوله -اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم- وهي متعلقة بالعيد، بخلاف زكاة المال.
أو ثلاثة (1).
الرابع عشر: يؤخذ من الحديث جواز قول "رمضان" من غير إضافة إلى شهر من غير كراهة.
واختلف السلف في كراهته.
والأصح: لا كراهة، سواء كان هناك قرينة أو لم يكن.
وقيل: يكره وفيه حديث لكنه ضعيف (2).
(1) البخاري (1551)، والموطأ (1/ 285) في الزكاة، باب: وقت إرسال زكاة الفطر، والسنن الكبرى (4/ 175)، والصغرى له (2/ 66)، والمعرفة له (6/ 204).
(2)
ولفظه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله -تعالى-، ولكن قولوا شهر رمضان" موضوع آفته أبو معشر نجيح. اهـ. انظر: الآلىء المصنوعة (2/ 97، 98)، وتنزيه الشريعة (2/ 153)، وأخرجه البيهقي في السنن (4/ 201، 202)، وضعفه، وقال ابن الجوزي في الموضوعات (2/ 187): هذا حديث موضوع لا أصل له
…
إلخ. وقال ابن كثير في تفسير سورة البقرة: آية 185 بعد تضعيفه، قال: وقد وهم في رفع هذا الحديث
…
إلخ. وأيضاً نقل هذا ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه (1/ 249)، فقال: هذا خطأ إنما هو قول أبي هريرة. اهـ. وضعفه ابن حجر في الفتح (4/ 113)، وانظر: الكامل لابن عدي (7/ 2517)، وقد أورده تمام في فوائده من رواية ابن عمر (2/ 162) أيضاً، وورد من رواية عائشة كما أشار إليها صاحب الآلىء المصنوعة وتنزيه الشريعة، وأيضاً ورد أثر عن مجاهد كما ذكره الخطابي في شأن الدعاء (109، 110)، وأيضاً أورده الطبري في تفسيره بإسناده سورة البقرة: آية 185، وقد =
وقيل: إن كان هناك قرينة تدل على الشهر لم يكره وإلَاّ كره.
الخامس عشر: فيه أيضاً وجوب إخراج الصاع من كل نوع يخرج كما سلف بالخلاف فيه.
السادس عشر: فيه أيضاً أنه لا يجوز تأخير الفطرة عن يوم العيد كما سلف. وأن الأفضل إخراجها قبل الخروج إلى المصلَّى وتأخيرها عن الخروج مكروه عند أبي الطيب.
وقال البندنيجي: يكون تاركاً للأفضل.
السابع عشر: فيه أيضاً أن الاجتهاد والعمل به لا ينعقد مع وجود النص أو الظاهر المعمول به. فإنه تُرك اجتهاد معاوية في تعديل البر، وعمل بالنص أو الظاهر الموصوف، كما سيأتي في الحديث بعده.
[الثامن عشر](1): قال [المازري](2) قوله في رواية مسلم: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زكاة الفطر من رمضان"، إلى آخره فيه دلالة لمن يقول لا تجب إلَّا على من صام رمضان، ولو يوماً واحداً، لأنها طهرة للصائم من اللغو والرفث.
= انتصر البخاري رحمه الله في صحيحه لجواز إطلاق رمضان بدون إضافة الشهر. انظر: فتح الباري (4/ 113)، وبدائع الفوائد (2/ 104)، والأذكار للنووي (331) ومعجم المناهي (172).
(1)
في ن ب د (تنبيه).
(2)
في الأصل (الماوردي)، وما أثبت من ن ب د وهو الصواب. المعلم (2/ 13).
خاتمتان [الأولى](1): لا تخرج الفطرة إلَّا عن مسلم، فلا يلزم المسلم فطرة العبد والقريب والزوجة الكفار، وبه قال مالك والشافعي والجمهور.
وقال الكوفيون وبعض السلف: يجب على العبد الكافر.
قال النووي في "شرح المهذب"(2): ولا خلاف في ذلك عندنا (3).
قلت: قد حكى القاضي حسين وجهاً: أن المسلم يخرج الفطرة عن العبد الكافر (4) بناء على أن الوجوب يلاقي السيد أولاً
(1) زيادة من ن ب د.
(2)
المجموع (6/ 106)، والحاوي (4/ 379).
(3)
قال ابن حجر في الفتح (3/ 371): قال الطيبي: قوله "من المسلمين" حال من العبد وما عطف عليه، وتنزيلها على المعاني المذكورة أنها جاءت مزدوجة التضاد للاستيعاب لا للتخصيص، فيكون المعنى فرض على جميع الناس من المسلمين، وأما كونها فيما وجبت وعلى من وجبت؟ فيعلم من نصوص أخرى. اهـ.
(4)
وقال أيضاً: نقل ابن المنذر أن بعضهم احتج بما أخرجه من حديث ابن إسحاق: "حدثني نافع أن ابن عمر كان يخرج عن أهل بيته حرهم وعبدهم وصغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم من الرقيق"، قال: وابن عمر راوي الحديث، وقد كان يخرج عن عبده الكافر، وهو أعرف بمراد الحديث، وتعقب بأنه لو صح حمل على أنه كان يخرج عنهم تطوعاً ولا مانع منه.
وقال أيضاً في (3/ 369): واتفقوا على أن الزوج لا يخرج عن زوجته الكافرة مع أن نفقتها تلزمه. اهـ. وانظر التعليق (15).
وقال أيضاً (3/ 370): واستدل بهذه الزيادة على اشتراط الإِسلام في =
وهو من أهله وطرده في "التتمة" في الزوجة والقريب، حكاه عنهما ابن الرفعة في "كفايته".
وتأول الطحاوي قوله: "من المسلمين" في الحديث الصحيح: على أن المراد به السادة دون العبيد، وهو مردود بظواهر الأحاديث (1).
الثانية: لا تجب (2) الفطرة عند الشافعي والجمهور إلَّا على من ملك فاضلاً عن قوته وقوت عياله يوم العيد. واعتبر أبو حنيفة النصاب.
= وجوب زكاة الفطر ومقتضاه أنها لا تجب على الكافر عن نفسه وهو أمر متفق عليه إلى أن قال: وهل يخرجها المسلم عن عبده الكافر؟ قال الجمهور: لا، خلافاً لعطاء والنخعي والثوري والحنفية وإسحاق، واستدلوا بعموم قوله:"ليس على المسلم في عبده صدقة إلَّا صدقة الفطر" وقد تقدم وأجاب الآخرون: بأن الخاص يقضي على العام، فعموم قوله:"في عبده" مخصوص بقوله: "من المسلمين" -إلى أن قال- وقال القرطبي: ظاهر الحديث أنه قصد بيان مقدار الصدقة ومن تجب عليه ولم يقصد فيه بيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره، بل شمل الجميع
…
إلخ.
(1)
قال ابن حجر في الفتح (3/ 370): وقال الطحاوي: قوله: "من المسلمين" صفة للمخرجين لا للمخرج عنهم، وظاهر الحديث يأباه. لأن فيه العبد وكذا الصغير في رواية عمر بن نافع وهما ممن يخرج عنه، فدل على أن صفة الإِسلام لا تختص بالمخرجين، ويؤيده رواية الضحاك عند مسلم بلفظ "على كل نفس من المسلمين حرًّ أو عبدٍ". اهـ.
(2)
للاطلاع على أقوال أهل العلم، انظر: الاستذكار (9/ 353).
وقال سفيان: من له خمسون درهماً وجبت عليه.
وقال بعضهم: من له أربعون، ومشهور مذهب مالك وجوبها على من عنده قوت يومه معها.
وقيل: إنما تجب على من لا يجحف به إخراجها (1).
…
(1) قال ابن القاسم في الحاشية (3/ 271): على قوله: "ولا يعتر لوجوبها ملك نصاب"، وقاله شيخ الإِسلام وغيره، لأنه قد حصل له غنى هذا اليوم، فاحتمل ماله المواساة ولعموم حديث ابن عمر، ولما رواه أبو داود قال:"أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فسيرد الله عليه أكثر مما أعطاه" وقال أحمد: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر، على الغني والفقير.
وظاهره صحة هذا الحديث عنده. اهـ. وانظر: فتح الباري (3/ 369)، حيث قال: وقال ابن بزيزة: لم يدل دليل على اعتبار النصاب فيها لأنها زكاة بدنية لا مالية. اهـ.