المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٤

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةِ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتِقْ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاص

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الدِّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدةِ والسّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كتاب الحدود

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب قطع السرقة

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدَّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإِمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب مِنَ الصِّحَاحِ:

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزقِ الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجِهَاد

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهادِ

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارىَ

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجزية

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْء

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِح

- ‌2 - باب (باب ذكر الكلب)

- ‌3 - باب ما يحلّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌10 - باب عشرة النساء وما لكل واحدة من الحقوق

تَابِع (12) كِتَابُ النِّكَاحِ

‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةِ من الحقوقِ

" باب عشرة النساء" اسم من المعاشرة وهي المخالطة، "وما لكل واحدة من الحقوق".

مِنَ الصِّحَاحِ:

2415 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استَوصُوا بالنساءِ خيرًا، فإنهنَّ خُلِقْنَ من ضلَعٍ، وإنَّ أَعْوَجَ شيءٍ في الضلَعِ أعلاهُ، فإنْ ذهبتَ تُقيمُهُ كَسَرتَهُ، وإنْ تركتَهُ لم يزلْ أعوَجَ".

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيرًا" الاستيصاء: قبول الوصية؛ يعني: أوصيكم بهن خيرَّا فَاقبلوا وصيتي.

قال الإمام الطِّيبي: الأظهر أن السين للطلب مبالغة؛ أي: اطلبوا الوصية من أنفسكم في حقهن بخير فنقل الباء في بخير إلى النساء فصار معناه: أريدوا الخير بالنساء، ولا تغضبوا عليهن إذا فعلن فعلًا غير مرضي.

"فإنهن خلقن من ضلع" بكسر الضاد وفتح اللام واحد الأضلاع والضلوع وهو عظم مِعْوَج، "وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه"، يريد: أنهن خلقن من

ص: 5

أصل معوج لا يتهيأ الانتفاع بهن إلا بمداراتهن والصبر على اعوجاجهن، وذلك أن أول النساء وهي حواء خلقت من أعوج ضلع من أضلاع آدم وهو الضلع الأعلى كما قال تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} فلا يستطيع أحد أن يغيرهن عما جبلت عليه أمُّهن.

"فإن ذهبت تقيمه"؛ أي: إن شرعت أن تجعل الضلع المعوج مستقيمًا "كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج" فكذلك المرأة إن أردت أن تجعلها مستقيمة في أفعالها وأقوالها أدى ذلك إلى كسرها؛ أي: طلاقها، فلا يمكن الانتفاع بها إلا بالترك على اعوجاجها ما لم يكن في ذلك إثم ومعصية.

* * *

2416 -

وقال: "إنَّ المرأةَ خُلِقَت مِن ضلَعٍ، لن تستقيمَ لكَ على طريقةٍ، فإنْ استمتعتَ بها، اسْتَمْتَعْتَ بها وبها عِوَجٌ، وإنْ ذهبتَ تُقيمُها كَسَرْتَها، وكَسْرُها طلاقُها".

"وعن أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة"؛ أي: لا توافقك على ما تريد، بل إن وافقتْكَ مرة خالفتك أخرى، "فإن استمتعت بها استمتعت وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها".

* * *

2417 -

وقال: "لا يَفْرَكْ مُؤْمنٌ مُؤْمِنةً، إنْ كَرِهَ منها خُلُقًا رضي منها آخرَ".

"وعنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يفرك مؤمن مؤمنة" من الفرك بالكسر ثم السكون: بغض أحد الزوجين الآخر، وهذا حث على حسن العشرة والصحبة والصبر على سوء خلقهن، فإنه "إن كره منها خلقًا رضي منها آخر"؛ يعني: لا يكون جميع أخلاقها سيئة بل يكون فيها خلق حسن في مقابلة الخلق السيء.

* * *

ص: 6

2418 -

وقال صلى الله عليه وسلم: "لولا بنو إسرائيلَ لم يَخْنَزِ اللَّحمُ، ولولا حوَّاءُ لم تَخُنْ أُنثى زَوجَها الدَّهرَ".

"وعنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم"؛ أي: لم يتغير ولم يَنْتَنْ؛ يريد: أنَّه تعالى كان قد نهاهم في التِّيه وقد أنزل عليهم المَنَّ والسلوى أن يأخذوا فوق كفايتهم، فخالفوا حرصًا منها، فتغيرت رائحة اللحم بسببه، فإنهم ادخروا السلوى حتى أنتن لحمه فخنز اللحم شيء عوقبت به بنو إسرائيل لسوء صنيعهم فيه وهو الادخار الناشئ من عدم الثقة بالله، واستمر النتن في ذلك الوقت، لأن البادي للشيء كالحامل للغير على الإتيان به.

"ولولا حواء"؛ أي خيانة حواء "لم تخن أنثى زوجها الدهر"، قيل: خيانتها أنها ذاقت الشجرة قبل آدم وكان نهاها عن أكلها فغوته حتى أكل منها، وقيل: خيانتها أنها أرسلها آدم لقطع الشجرة فقطعت سنبلتين وأرته سنبلة وأخفت أخرى، وقع كل ذلك من جهة العوج في أصل خلقتها.

* * *

2419 -

وقال: "لا يَجْلِدْ أحدكم امرأتَه جَلْدَ العبدِ ثم يجامعُها في آخرِ اليومِ".

وفي روايةٍ: "يَعمِدُ أحدكم فيجلدُ امرأتَه جَلْدَ العبدِ، فلعلَّه يضاجعُها في آخر يومِهِ"، ثم وَعَظَهم في ضَحِكِهِم للضَّرطَةِ فقال:"لِمَ يضحَكُ أحدكم مما يفعلُ؟ ".

"عن عبد الله بن زمعة أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد"؛ أي: لا يضربها مثل ضرب العبد "ثم يجامعها في آخر اليوم، وفي رواية: لا يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد، فلعله يضاجعها"؛ أي: يرجع

ص: 7

على قضاء شهوته منها "في آخر يومه"؛ أي: يوم جلده ولا تطاوعه، والنهي عن ضربهن كان قبل أمره به كما يأتي، وهذا يدل على جواز ضرب العبد والأمة للتأديب إذا لم يتأدبوا بالكلام الغليظ ولكن العفو أولى.

"ثم وعظهم"، (ثم) للتراخي في الزمان؛ يعني: بعدما تكلم بالكلام السابق بزمان رآهم يضحكون من الضرطة فوعظهم "في ضحكهم من الضرطة"؛ أي: الريح من الدبر.

"فقال: لم يضحك أحدكم مما يفعل"؛ أي: يفعل مثله، فإن الإنسان لا يخلو من الريح، وفيه استحباب التغافل عن ضرطة الغير كيلا يتأذى فاعلُها.

* * *

2420 -

وقالت عائِشَةُ رضي الله عنها: كُنْتُ أَلْعَبُ بالبناتِ عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكانَ لي صَواحِبُ يَلعبن معي، وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخلَ يَنْقَمِعْنَ منه فَيُسرِّبُهُنَّ إليَّ فيَلْعَبن معي.

"وقالت عائشة رضي الله رضي الله عنه: كنت ألعب بالبنات" وهي اللُّعب جمع لُعبة - بضم اللام -، والمراد هنا: ما يلعب به الصبيان، فالباء للتعدية، أو الجواري فالباء بمعنى مع.

"عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن"؛ أي: يستترن "منه، فيسربهن"؛ أي: يبعثهن معي ويرسلهن "إلي فيلعبن معي"، والمراد إظهار حسن أخلاق النبي وعشرته مع نسوته.

* * *

2421 -

وقالت: والله لقد رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقومُ على باب حُجْرَتي، والحَبَشَةُ يلعبونَ بالحِرابِ في المسجدِ، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَستُرني بردائِهِ لِأنْظُرَ

ص: 8

إلى لَعِبهم بين أذُنِهِ وعاتقِهِ، ثم يقومُ من أجلي حتى كونَ أنا التي أَنصرِفُ، فاقدِرُوا قَدْرَ الجاربةِ الحديثةِ السِّنِّ، الحريصةِ على اللهوِ.

"وقالت: والله لقد رأيت النبي يقوم على باب حجرتي والحبشة" وهي جماعة معروفة من الناس "يلعبون بالحراب" جمع حربة وهي رُمح قصير "في المسجد ورسول الله يسترني بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه" متعلق بقوله: (لأنظر)، ولعبهم في المسجد ونظرها إليه يحتمل أنهم كانوا في رَحْبة المسجد؛ أي في التوسط، وكانت تنظر إليهم من باب الحجرة وذلك من داخل المسجد، فقالت في المسجد لاتصال الرحبة به، أو دخلوا المسجد لتضايق الموضع بهم، وإنما سومحوا به لأن لعبهم ذلك لم يكن من اللعب المكروه بل كان مما يُعد من عُدَّة الحرب فصار عبادة بالقصد كالرمي بالنَّبل ونحوه.

"ثم يقوم"؛ أي: بعد فراغهم من لعبهم كان عليه الصلاة والسلام يقوم "من أجلي" ويقف كالساتر لي "حتى كون أنا التي أنصرف" أولًا مستترة بظهره عن الناس.

"فاقدروا"؛ أي: قدروا وقيسوا من الزمان "قدر الجارية"؛ أي: قدر وقفة الجارية "الحديثة السن الحريصة على اللهو" كم يكون قدر مُكْثها في النظر إلى اللعب، فإني مكثت ذلك القدر؛ تريد طول لبثها ناظرة، وتَحمُّل النبيِّ عليه الصلاة والسلام منها ذلك، ومصابرته صلى الله عليه وسلم، وقد علم منه كثرة تلطفه عليه الصلاة والسلام بنسائه وحسن معاشرته لهن.

* * *

2422 -

وقالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأَعلمُ إذا كنتِ عني راضيةً وإذا كنتِ عليَّ غَضْبَى! فقلتُ: مِن أينَ تعرفُ ذلكَ؟ فقالَ: إذا كنتِ عنِّي راضيةً فإنك تقولينَ: لا وربِّ مُحمَّدٍ، وإذا كُنْتِ غَضْبَى قلتِ: لا وربِّ إبراهيمَ"،

ص: 9

قالت، قُلتُ: أَجَلْ، والله يا رسولَ الله، ما أهجرُ إلا اسمَكَ.

"وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى" تأنيث غضبان "قلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى قلت: لا ورب إبراهيم" جواز الاستدلال بالأفعال على ما في البال.

"قالت: قلت أجل" وهو حرف تصديق؛ أي: نعم "والله يا رسول الله، ما أهجر"؛ أي: ما أترك "إلا اسمك"؛ يعني: هجراني مقصور على اسمك لا يتعدى منه إليك، والمراد بالاسم هنا التسمية؛ يعني: لا أترك إلا ذكر اسمك ولكن محبتك في قلبي ثابتة.

* * *

2423 -

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرَّجلُ امرأتَه إلى فراشِه فأَبَتْ فباتَ غضبانَ لَعَنتها الملائكةُ حتى تُصْبحَ".

وفي روايةٍ: "إلا كانَ الَّذي في السَّماءِ ساخِطًا عليها حتى يَرْضَى عنها".

"وعن أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان لعنتها الملائكة حتى تصبح" لأنها كانت مأمورة بطاعة زوجها في غير معصية، قيل: الحيض ليس بعذر في الامتناع؛ لأن له حقًّا في الاستمتاع فوق الإزار، وإنما عين اللعنة بالإصباح؛ لأن الزوج يستغني عنها عنده لحدوث المانع عن الاستمتاع فيه غالبًا.

"وفي رواية: إلا كان" مستثنى في قوله: (إذا دعا. . .) إلى آخره؛ لأنه في معنى النفي "الَّذي في السماء"؛ أي الَّذي قدرتُه وعَظمتُه في السماء "ساخطًا عليها حتى يرضى عنها"، وفيه دليل على أن سخط الزوج يوجب سخط الرب،

ص: 10

ورضاه يوجب رضاه، هذا في قضاء الشهوة، فكيف إذا كان في أمر الدين.

* * *

2424 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في خُطبةِ حَجَّةِ الوَداعِ: "اتَّقُوا الله في النِّساءِ فَإنَّكم أخذتُمُوهُنَّ بأمانِ الله، واستَحْلَلتم فروجَهُنَّ بكلمةِ الله، ولكم عليهِنَّ أنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكْرَهُونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ فاضرِبُوهنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولَهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسْوَتُهنَّ بالمعروفِ".

"وعن جابر رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن أحدًا فرشكم تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهنَّ ضربًا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" تقدم بيان معنى الحديث في قصة حجة الوداع، والحديث يدل على جواز ضربهن على ما أتين به من الفواحش، أو تركن من الفرائض، أو خرجن بغير إذنه، أو دخل بيته غير محرم، أو خانته خيانة ظاهرة، فله تأديبها لأنه قيم عليها ومسؤول عنها.

* * *

2425 -

وعن أسماءَ: أن امرأة قالت: يا رسولَ الله! إنَّ لي ضَرَّةً، فهل عليَّ جناحٌ إنْ تَشَبَّعتُ من زوجي غيرَ الَّذي يُعطيني؟ فقال:"المُتَشَبعُ بما لم يُعْطَ كلابسِ ثَوْبَيْ زورٍ".

"عن أسماء: أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن لي ضرة" ضرة المرأة: امرأة زوجها، "فهل علي جناح"؛ أي: إثم "إن تشبعت من زوجي غير الَّذي يعطيني"؛ أي: أظهرت لضرتي أنَّه يعطيني أكثر مما هو يعطيني إدخالًا للغيظ عليها، فنهى عليه الصلاة السلام عنه، "فقال: المتشبع بما لم يعط"؛ أي: الَّذي

ص: 11

يري أنَّه شبعان وليس به "كلابس ثوبي زور"، وهو الَّذي تزوَّر على الناس بأن تزيَّا بزي أهل الزهد ويلبس لباس ذوي التقشف رياء، وأضاف الثوبين إلى الزور لأنهما كانا ملبوسين لأجله.

* * *

2426 -

وقال أنسٌ رضي الله عنه: آلَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن نسائِهِ شهرًا، وكانَتْ انفكَّت رِجْلُه فأقامَ في مَشْرُبةٍ تسعًا وعشرينَ ليلةً ثم نزلَ، فقالوا: يا رسولَ الله! آلَيْتَ شهرًا فقال: "إنَّ الشَّهرَ يكونُ تسعًا وعشرينَ".

"وقال أنس: آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه"؛ أي: حلف أن لا يدخل عليهن "شهرًا"، وإنما عدَّاه بـ (من) لتضمينه إياه معنى الامتناع من الدخول، روي: أن أمهات المؤمنين حين تغايرن وطلبن زيادة النفقة ولم يرضَين بفقره هجرهُنَّ شهرًا، فنزلت الآية.

"وكانت انفكت رجله"؛ أي: تألمت مفصلُ قدمه عليه الصلاة والسلام، يقال: سقط فلان فانفكت قدمه: إذا انفرجت وزالت، قيل: إن قدمه كأنها انفرجت من طول القيام، وقيل: قد كان عليه الصلاة والسلام سقط من فرسه فخرج عظم رجله من موضعه.

"فأقام في مشربة" بضم الراء؛ أي: غرفة "تسعًا وعشرين ليلة"، ولم يخرج إلى أصحابه "ثم نزل فقالوا: يا رسول الله! آليت شهرًا، فقال: إن الشهر يكون تسعًا وعشرين"؛ يعني: في بعض الأوقات وإن كان في العرف ثلثين، وعن هذا قيل: مَنْ نذر صوم شهر بعينه فكان تسعًا وعشرين لم يلزم أكثر من ذلك، ومَنْ نذر شهرًا من غير تعيين فعليه إكمال ثلاثين.

* * *

ص: 12

2427 -

وقال جابرٌ: عَزَلهن شهرًا، أو تِسْعًا وعشرينَ، ثم نزلَتْ هذه الآية:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ} - إلى قوله - {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} فبدأَ بعائشةَ رضي الله عنها فقال: "يا عائشةُ! إني أريدُ أنْ أعرِضَ عليكِ أمرًا، أُحِبُّ أنْ لا تَعْجَلي فيهِ حتى تَستشيري أَبَويكِ! " قالت: وما هو يا رسولَ الله؛ فتلا عليها هذه الآيةَ، فقالت: أَفيكَ يا رسولَ الله أَستشيرُ أَبَوَيَّ؟ بل أختارُ الله ورسولَه والدارَ الآخرةَ، وأسالُكَ أنْ لا تُخبرَ امرأة مِن نسائكَ بالذي قلتُ، قال:"لا تسألُني امرأةٌ منهنَّ إلا أَخبرتُها، إنَّ الله لم يَبعَثْني مُعَنِّتًا ولا مُتَعَنِّتًا، ولكن بعثَني مُعلِّمًا مُيسِّرًا".

"قال جابر رضي الله عنه: عزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ} - إلى قوله - {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} "{فَتَعَالَيْنَ} أي: جئن إلى ما أعرِض عليكن {أُمَتِّعْكُنَّ} أي: بشيء من الدنيا، {وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} أي: أطلقكن بإحسان من غير سوء بكنَّ؛ يعني: لا أراجعكن حتى تبين بالعدة، {وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}؛ أي: رضاهما {وَالدَّارَ الآخِرَةَ} ؛ أي: الجنة {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ} ؛ أي: للمطيعات أمرهما {مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} ؛ أي: ثوابًا جزيلًا في الجنة.

"فبدأ"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام "بعائشة فقال: يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمرًا أحب أن لا تعجلي فيه"؛ أي: في جوابه من تلقاء نفسك، "حتى تستشيري أبويك"، إنما قاله عليه الصلاة والسلام لعلمه أن أبويها لا يأمرانها باختيار نفسها وافتراقها، "قالت: وما هو يا رسول الله! فتلا عليها هذه الآية، فقالت: أفيك"؛ أي: في فراقك "يا رسول الله أستشير أبوي، بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك"؛ أي: أطلب منك "أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلته" من الاختيار، ومرادها من هذه الكلام أن نساءه لو

ص: 13

علمن أن عائشة رضيت بنكاحه لوافقتها في الرضا به.

"قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا"؛ أي مؤذيًا وموقعًا أحدًا في العَنَت وهي المشقة والشدة، "ولا متعنتًا"؛ أي: ولا طالبًا زَلَّة أحد وخطئه، "ولكن بعثني معلمُا ميسرًا"، فأخبرهن فاخترن كلُّهن اختيارَ عائشة.

* * *

2428 -

وقالت عائِشَةُ رضي الله عنها: كُنْتُ أغارُ على اللائي وَهَبن أنفسَهن لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: أتهَبُ المرأةُ نفسَها؟ فلمَّا أنزلَ الله عز وجل: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} ، قلتُ: ما أَرَى ربَّكَ إلا يُسارعُ في هَواكَ.

"وقالت عائشة: كنت أغار" نفس متكلم، من الغيرة؛ أي: أعيب "على اللائي وهبن أنفسهن لرسول الله" لئلا تهبن أنفسهن فلا تكثر النساء ويقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تحته "فقلت: أتهب المرأة نفسها" استفهام على سبيل الإنكار.

"فلما أنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} "؛ أي: تؤخر وتترك مضاجعة من تشاء منهن بطلاقٍ وغيره " {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ} "؛ أي: تضم وتضاجع " {مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ} "؛ أي: التي طلبتها " {مِمَّنْ عَزَلْتَ} "؛ أي: تركتها " {فَلَا جُنَاحَ} "؛ أي: لا إثم " {عَلَيْكَ} " في فعلك بنسائك، نزل حين أراد أن يفارق نساءه لطلبهن زيادة في النفقة والقسم بينهن، فأباح الله لرسوله أن يكون الاختيار في يده فيفعل بهنَّ ما يشاء من الطلاق وترك القسم وغيرهما.

"قلت: ما أرى" ما أظن "ربك إلا يسارع في هواك"، روي أنَّه عليه الصلاة والسلام أرجأ منهن سودة وجويرية وصفية وميمونة وأم حبيبة، فكان

ص: 14

يقسم لهن ما شاء كما شاء، وآوى إليه عائشة وحفصة وأم سليم وزينب.

وروي: أنَّه كان يسوي مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة، فإنها وهبت نوبتها لعائشة، وقالت له عليه الصلاة والسلام: لا تطلقني حتى أحشر في زموة نسائك.

* * *

مِنَ الحِسَان:

" مِنَ الحِسَان":

2429 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّها كانت معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ، قالت: فسَابقتُه فسَبقتُه على رِجْلَيَّ، فلمَّا حَمَلتُ اللحمَ سابقتُه فسبَقَني، قال:"هذه بتلكَ السَّبْقَةِ".

"من الحسان":

" عن عائشة: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، قالت: فسابقته"؛ أي: عدوت ماشية معه عليه الصلاة والسلام لننظر أينا أسرع عَدْوًا، "فسبقته"؛ أي: غلبت عليه في العدو، "على رجليَّ، فلما حملت اللحم"؛ أي: سمنت "سابقته فسبقني، قال: هذه بتلك السبقة"؛ يعني: تقدمي عليك في هذه النوبة في مقابلة تقدمك عليَّ في النوبة الأولى، والمراد منه بيان حسن أخلاقه وتلطفه بنسائه.

* * *

2430 -

عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم خيرُكم لأهلِهِ، وأنا خيرُكم لأهلي، وإذا ماتَ صاحِبُكم فدَعُوه".

ص: 15

"عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خيركم خيركم لأهله"؛ يعني: خيركم مَنْ هو أحسن أخلاقًا على أهله، "وأنا خيركم لأهلي"، وفيه إشارة إلى صلة الرحم والحث عليها.

"فإذا مات صاحبكم فدعوه"؛ أي: اتركوه ولا تتعرضوا بذكر معايبه، والمراد النهي عن غِيبة الموتى، قيل: أراد بالصاحب نفسَه، وقيل: معناه اتركوا التلهف والتحسر عليه، فإنَّ في الله خَلَفًا عن كل فائت.

* * *

2431 -

وعن أنسٍ رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المرأةُ إذا صَلَّتْ خمسَها، وصامَتْ شهرَها، وأحصَنَتْ فرجَها، وأطاعَتْ بعلَها، فَلْتدخُلْ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شاءَتْ".

"عن أنس رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المرأة إذا صلت خمسها"؛ أي: خمس صلوات، "وصامت شهرها"؛ أي: شهر رمضان، "وأحصنت فرجها" إن عفت ومنعت نفسها عن الفواحش، "وأطاعت بعلها"؛ أي: زوجها "فلتدخل" الجنة من أي أبواب الجنة شاءت".

* * *

2432 -

وقال: "لو كُنْتُ آمِرًا أحدًا أنْ يَسجُدَ لأَحدٍ، لأمرتُ المرأةَ أنْ تسجُدَ لزَوجِها".

"وعن قيس بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد"؛ يعني: لو جاز السجود لغير الله "لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"، وفيه بيان تأكيد حق الزوج على الزوجة.

* * *

ص: 16

2433 -

وقال: "أيُّما امرأةٍ ماتَتْ وزوجُها عنها راضٍ، دخلَت الجنةَ".

"وعن أم سلمة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة"، وفيه بيان ثواب طاعة الزوجة زوجها.

* * *

2434 -

وعن طَلْقِ بن عليٍّ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرَّجُلُ زوجتَه لحاجتِه فلْتَأتِهِ، وإنْ كانَتْ على التنُّورِ".

"عن طلق بن علي أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دعا الرجل زوجته لحاجته "؛ أي: للغشيان "فلتأته وإن كانت على التنور"؛ أي: لتجب دعوته وإن كانت تخبز على التنور، وهذا بشرط أن يكون الخبز للزوج لأنه إذا دعاها في هذه الحالة فقد رضي لإتلاف مال نفسه، وتلفُ المال أسهل من وقوع الزوج في الزنا.

* * *

2435 -

عن معاذٍ رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"لا تُؤذي امرأةٌ زوجَها في الدُّنيا إلا قالَتْ زوجتُه من الحورِ العِينِ: لا تؤذِيهِ، قاتَلكِ الله، فإنما هوَ عندَكِ دخيلٌ، يُوشِكُ أنْ يُفارِقَكِ إلينا"، غريب.

"عن معاذ رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين" وذلك بأن رفع الله تعالى الحجاب من الحور العين بين أزواجهن في الدنيا حتى يعلمن ما يجري بينهم وبين زوجاتهم، "لا تؤذيه، قاتلك الله" خطاب للمرأة المُؤذية زوجها، "فإنما هو عندك دخيل"؛ أي: ضعيف غريب ليس له عندك بقاء، "يوشك"؛ أي: يقرب "أن يفارقك إلينا" ويتركك في النار ولا تلحقين يه، وهذا على تقدير كون المرأة

ص: 17

كتابية لا إشكال فيه لأنها مخلَّدة في النار، وإن كانت مسلمة فتوجيهه: أن إيذاءك زوجك سببُ دخولك النار، وهو يفارقك ويصل إلينا مدةَ بقائك في النار إلى أن تدخلي الجنة. "غريب".

* * *

2436 -

عن حكيم بن مُعاويةَ القُشَيريِّ، عن أبيه قال: قلتُ: يا رسولَ الله! ما حقُّ زوجةِ أحدِنا عليهِ؟ قال: "أنْ تُطعِمَها إذا طَعِمْتَ، وتَكْسُوَها إذا اكتسَيْتَ، ولا تَضْرِب الوجْهَ، ولا تُقَبحْ، ولا تَهجُرْ إلا في البيتِ".

"عن حكيم بن معاوية القشيري، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت" بالخطاب فيهما، ليس معناه: إذا طعمت فأطعمها وإذا لم تطعم فلا تطعمها، وكذا في الكسوة، بل يجب عليه إطعام الزوجة وكسوتها سواء طعم أو لا، وإنما قاله عليه الصلاة والسلام لأن من عادة بعض العرب أنهم يأكلون ويشربون ويلبسون ويتركون أهاليهم جائعين عارين، فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام عن تلك العادة.

"ولا تضرب الوجه" هذا يدل على جواز ضرب غير الوجه إذا ظهر منها فاحشة أو تركت من فرائض الله تعالى، "ولا تقبح" بتشديد الباء المكسورة؛ أي: لا تقول لها قولًا قبيحًا ولا تشتمها بأن تقول: قَبَّح الله وجهك ونحوه.

"ولا تهجر إلا في البيت"؛ أي: في المضجع؛ يعني: إذا غضبت عليها فلا تتحول عنها إلى دار أخرى وتتركها في بيت خال.

* * *

2437 -

وعن لَقيطِ بن صَبرة قال: قلتُ يا رسولَ الله! إنَّ لي امرأةً في

ص: 18

لسانِها شيءٌ - يعني البَذَاء - قال: "طلِّقْها"، قلتُ: إنَّ لي منها وَلَدًا ولها صُحبةٌ، قال:"فَمُرْها - يقولُ عِظْها - فإنْ يَكُ فيها خيرٌ فستَقْبَلُ، ولا تضرِبن ظَعِينتَكَ ضَرْبَكَ أُمَيَّتَكَ".

"عن لقيط بن صبرة قال: قلت يا رسول الله! إن لي امرأة في لسانها شيء؛ يعني: البذاء" بفتح الباء والذال المعجمة والمد: هو الفحش في القول؛ يعني: تؤذيني بلسانها.

"قال"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام: "طلقها، قلت: إن لي منها ولدًا ولها صحبة، قال: فمرها، يقول" من قول الراوي بمعنى: يريد؛ أي: يريد عليه الصلاة والسلام بقوله: مرها: عظها إذا لم تطلقها، والأمر هنا الوعظ والنصيحة.

"فإن يك فيها خير فستقبل "وعظك، "ولا تضربن ظعينتك" وهي المرأة التي في الهودج، والمراد بها هنا الزوجة، والحق أنهم يَكْنون بها عن المرأة الكريمة على أهلها؛ لأن الهودج لا يضم إلا مَنْ كُنَّ كرائم عندهم؛ يعني: لا تضرب الحرة الكريمة من النساء التي هي منك بأعز مكان "ضربك"؛ أي: مثل ضربك "أميتك" تصغير أَمَة، وإنما صَغَّر للمبالغة في حقارتها، وأصلها أموة حذفت الواو ثم ردت في التصغير وقلبت ياء لياء التصغير وأدغمت.

* * *

2438 -

وعن إياسِ بن عبد الله: أنَّه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضرِبُوا إماءَ الله"، فأتاهُ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسولَ الله! ذَئِرَ النِّساءُ على أزواجِهنَّ، فأذِنَ في ضَربهِنَّ، فأَطافَ بآلِ محمدٍ نساءٌ كثيرٌ كلُّهنَّ يَشتكينَ أزواجَهنَّ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لقد أطافَ بآلِ مُحمَّدٍ سبعونَ امرأةً كلُّهنَّ يشتكينَ أزواجَهنَّ، ولا تِجدُونَ أولئكَ خيارَكم".

ص: 19

"وعن إياس بن عبد الله أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تضربوا إماء الله" يريد بها الزوجات، "فأتاه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله! ذئر النساء"؛ أي: نشزت واجترأت "على أزواجهن، فأذن"؛ أي: النبي عليه الصلاة والسلام "في ضربهن"، وهذا يدل على جواز ضرب النساء في منع حقوق النكاح ضربًا غيرَ مبرح، "فأطاف بآل محمد نساء كثيرة"؛ أي: ترددْنَ إلى باب محمد، والمراد بالآل: أهل بيته عليه السلام من أزواجه.

"يشتكين أزواجهن"؛ أي: على كثرة ضرب أزواجهن، "فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لقد أطاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن تشتكين أزواجهن ولا تجدون"، أنتم أيها الرجال والسامعون "أولئك" الرجال الذين يضربون نساءهم، "خياركم" مفعول ثان لـ (لا تجدون)، فإن الصبر معهن والعفو عن سوء أدبهن خيرٌ من ضربهن.

* * *

2439 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ليس مِنَّا مَن خَبَّبَ امرأةً على زَوْجِها، أو عبدًا على سيدِه"؛ أي: أفسدَ.

"عن أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة"؛ أي: خدع وأفسد، والمراد: أن يوقع أحد عداوة بين زوج وزوجة.

"على زواجها" بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته، "أو عبدًا على سيده"، بأن يذكر مساوئ السيد عند عبده بحيث يقع بينهما خصومة، أو طلاق، أو تقصير في خدمته، أو فرار، وغير ذلك.

* * *

2440 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مِن أَكْملِ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا،

ص: 20

وأَلْطَفُهم بأهلِهِ".

"وعن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وألطفهم بأهله"، قيل: فيه دليل لمن قال يزيد الإيمان بالطاعة وينقص بالمعصية، وعليه الشافعي ومالك.

* * *

2441 -

وقال: "أَكْمَلُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخِيارُكم خيارُكُم لنِسائهم"، صحيح.

"وعن أبي هريرة أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم".

* * *

2442 -

عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قَدِمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن غزوةِ تبوكَ، أو حُنَينٍ؛ وفي سَهْوتها ستْرٌ فَهَبَّت ريحٌ فكشفَتْ ناحيةَ السَّترِ عن بناتٍ لعائشةَ - لُعَبٍ - فقال:"ما هذا يا عائشةُ؟ " قالت: بناتي، ورَأَى بَينهنَّ فَرَسًا له جناحانِ من رِقاعٍ، فقال "ما هذا الَّذي أَرَى وَسْطَهنَّ؟ " قالت: فرسٌ، قال:"وما هذا الَّذي عليه؟ " قالت: جناحانِ، قال:"فرسٌ لهُ جناحانِ! " قالتُ: أَما سمعتَ أن لسليمانَ خيلًا لها أجنحةٌ؟ قالت: فضَحِكَ حتى رأيتُ نَواجِذَهُ.

"عن عائشة أنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو حنين أو خيبر وفي سهوتها"؛ أي: في صفة بيتنا "ستر فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ "قالت: بناتي، ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع"؛ أي: من قرطاس، "فقال: ما هذا الَّذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الَّذي عليه؟ قالت: جناحان، قال:

ص: 21