المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌6 - باب حكم الأسارى - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٤

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةِ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتِقْ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاص

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الدِّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدةِ والسّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كتاب الحدود

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب قطع السرقة

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدَّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإِمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب مِنَ الصِّحَاحِ:

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزقِ الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجِهَاد

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهادِ

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارىَ

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجزية

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْء

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِح

- ‌2 - باب (باب ذكر الكلب)

- ‌3 - باب ما يحلّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌6 - باب حكم الأسارى

تعالى عليه وسلم في سَرِيَّة فحاصَ الناس حَيْصَةً"؛ أي: مَالوا وعدلوا عن جهتهم إلى جهةٍ أخرى؛ يريد به: الفرار والانهزام، والمراد بالناس هنا: أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

"فأتينا المدينة فاختفينا بها"؛ استحياء من النبي صلى الله عليه وسلم.

"وقلنا: هَلَكْنَا" أي: صِرْنا مستحقين للعذاب؛ لفرارنا من الحرب.

"ثم أتينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله! نحن الفرَّارون، قال: بل أنتم العَكَّارون" أي: العائدون إلى القتال.

"وأنا فِئَتُكم" وهي الطائفة المقيمة وراء الجيش؛ للالتجاء إليهم عند الهزيمة.

"وفي رواية: لا بل أنتم العكارون" مَهَّدَ صلى الله عليه وسلم بذلك عذرهم وأشار إلى قوله تعالى: {إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16]؛ لأن مَنْ فَرَّ على نِيَّةِ الالتجاء إلى جيش آخر والرجوع إلى الحرب فلا إثم عليه.

"قال فدنونا" أي: فقربنا "فقبَّلنا يده، فقال: أنا فئة المسلمين".

* * *

‌6 - باب حُكْمِ الأُسارىَ

" باب حكم الأُسَرَاء": جمع الأسير، والمراد به هنا: الكفار الذين أخذهم المسلمون.

مِنَ الصِّحَاحِ:

3010 -

عن سَلَمةَ بن الأكْوَعِ رضي الله عنه قال: أتى النبَّيَّ صلى الله عليه وسلم عينٌ مِنَ المشركينَ وهو في سفرِ، فجلسَ عندَ أصحابهِ يتحدثُ، ثم انفتَلَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:

ص: 400

"اُطلبُوه واقتلُوهُ"، فَقَتَلْتُهُ، فنفَّلَنِي سَلَبَهُ.

"من الصحاح":

" عن سَلَمَة بن الأَكْوَع قال: أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم عَيْنٌ" أي: جاسوس.

"من المشركين، وهو" أي: النبي صلى الله عليه وسلم "في سفر، فجَلَسَ" أي: العيْنُ.

"عند أصحابه" أي: أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

"يتحدَّث ثم انْفَتَلَ" أي: انصرف.

"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبوه واقتلوه، فأدركْتُهُ فقتلْتُهُ"، قتله لدخوله من دار الحرب بلا أَمَان، وإن كان ذمياً فلنقْضِ العَهْدِ بالتَّجَسُّسِ للكفار.

"فنفَّلَني سَلَبَه" أي: أعطاني ما عليه من الثياب والسلاح والفرس.

* * *

3009 -

عن أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"عَجبَ الله من قومٍ يدخُلونَ الجنةَ في السَّلاسِلَ".

وفي روايةٍ: "يُقادُونَ إلى الجنةِ بالسَّلاسلِ".

"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عَجبَ الله من قوم" أي: رضي منهم، وقيل: أي عظم شأنهم عنده.

"يدخلون الجنة في السَّلاسل، وفي رواية: يُقَادون إلى الجنة بالسَّلاسل"؛ يعني: يؤخذون أسارى عنوة في السَّلاسل والقيود، فيدخلون في دار الإسلام، ثم يرزقهم الله الإيمان، فيدخلون به الجنة، فأَحَلَّ الدُّخول في الإسلام مَحَلَّ دخول الجنة لإفضائهم إليه.

* * *

ص: 401

3011 -

وعن سَلَمَةَ بن الأكوَعِ قال: غَزَوْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هَوَازِن، فَبَيْنَا نحنُ نتَضَحَّى معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءَ رجلٌ على جملٍ أحمرَ فَأَنَاخَهُ، وجَعَلَ ينظرُ، وفينا ضَعْفَةٌ وَرِقَّةٌ مِن الظَّهْرِ، وبعضُنا مشاةٌ، إذ خرجَ يشتدُّ فأَتَى جملَهُ فَأَثَارَهُ، فاشتدَّ به الجَمَلُ، وخرجْتُ أشتدُّ حتى أخذتُ بخِطامِ الجَمَلِ فَأَنَخْتُهُ، فلمَّا وضعَ ركبتَهُ في الأرضِ اخْتَرَطْتُ سيفي فضربْتُ رأسَ الرَّجلِ، ثم جئتُ بالجملِ أقودُه وعليهِ رَحْلُه وسِلاحُه، فاستقبلَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والناسُ فقالَ:"مَن قتلَ الرَّجلَ؟ " قالوا: ابن الأكوَعِ، قال:"لهُ سَلَبَهُ أَجْمَعُ".

"وعن سَلَمَة بن الأَكْوَع قال: غزوْنَا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هوازن" قبيلة من قيس، وهذه الغزوة هي غزوة حنين.

"فبينا نحن نتضحَّى" أي: نأكل الغداء وقت الضُّحى.

"مع رسول الله، إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه" أي: فأبركه.

"وجعل" أي: طفق.

"ينظر وفينا ضَعْفَةٌ" أي: ضعفاء.

"ورِقَّةٌ"، وهي استعارة للقلَّة "من الظَّهر" أي: المركوب.

"وبعضنا مشاة" جمع الماشي، خلاف الراكب.

"إذ خرج" أي: الرجل بعد ما رآنا وعرف حالنا.

"يشتدُّ" أي: يعدو.

"فأتى جَمَلَهُ فأثَارَه" أي: أقامَهُ من موضعه فأزعجه.

"فاشتدَّ به الجمل" أي: أسرع.

"وخرجت أشتدُّ" أي: أعدو.

"حتى أخذْتُ بخِطَام الجمل فأنختُهُ، فلمَّا وضَعَ ركبته في الأرض

ص: 402

اخْتَرَطْتُ سيفي" أي: سللته من غمده.

"فضربْتُ به رأسَ الرجل، ثم جئْتُ بالجمل أقودُهُ عليه رَحْلُهُ"؛ أي: متاعه "وسلاحه، فاستقبلني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والناس فقال: مَنْ قتلَ الرجل؟ فقالوا: ابن الأكوع، قال" صلى الله عليه وسلم: "له سَلَبُهُ أجمع"؛ أي: كله.

* * *

3012 -

عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: لما نزَلَتْ بنو قُرَيْظَةَ على حُكْمِ سعدِ بن معاذٍ، بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فجاءَ على حمارٍ فلمَّا دَنَا قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قوموا إلى سَيدِكم"، فجاءَ فجلسَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ هؤلاء نزَلُوا على حُكْمِكَ"، قال: فإني أَحْكُمُ أنْ تُقتَلَ المُقاتِلَةُ وأنْ تُسْبَى الذُّرِّيةُ، قال:"لقد حكمْتَ فيهم بحُكْمِ المَلِكِ".

ويروى: "بحُكْمِ الله".

"عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزَلَتْ بنو قُرَيْظَةَ" بعد ما حصرهم النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وعشرين ليلة وجهدهم الحصار.

"على حُكْم سَعْدِ بن معاذ" سيد الأوس؛ ظناً منهم بمراعاة جانبهم.

"بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إليه" أي: إلى سعد، وكان قد أُصِيْبَ يوم الخندق.

"فجاء على حمار" شاكياً وَجَعَه.

"فلمَّا دنا"؛ أي: قرب من النبي صلى الله عليه وسلم.

"قال النبي صلى الله عليه وسلم " لحاضريه من الأوس: "قوموا إلى سيدكم"، قال الطيبي: هذا القيام ليس للتَّعظيم بل كان للإعانة على النزول؛ لكونه وَجِعًا ولو كان المراد منه قيام التوقير لقال: قوموا لسيدكم.

ص: 403

"فجاء فجلس" مجلسه منه صلى الله عليه وسلم.

"فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنَّ هؤلاء" أي: أهل بني قُرَيظة "نزلوا على حُكْمِكَ، فقال: فإني أحكم أن تقتل المقاتِلَة وأن تُسْبَى الذُّرِّية قال: لقد حكمْتَ فيهم بحُكْم الملِك" بكسر اللام، هو الله؛ أي: أصبْتَ فيهم وقضيْتَ بقضاء ارتضاه الله، ويُروى بفتحها؛ أي: النَّازل بالوحي، أو الذي يُلقِي الصواب في القلب.

"ويروى: بحكم الله"، وهذه تُؤَيد الرواية الأولى.

* * *

3013 -

وعن أبي هريرةَ قال: بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قِبَلَ نَجْدٍ فجاءَتْ برجلٍ مِن بني حَنِيفةَ يقال له: ثُمَامَةُ بن أُثالٍ سَيدُ أهلِ اليَمامةِ، فربطوهُ بساريةٍ من سَوَارِي المسجدِ فخرجَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ماذا عندَكَ يا ثُمَامَةُ؟ "، قال: عندي يا محمدُ! خيرٌ، إنْ تَقْتُلْ تَقتُلْ ذا دَمٍ، وإنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكِرٍ، وإنْ كنتَ تريدُ المالَ فسلْ تُعْطَ منه ما شئتَ، فترَكَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى كانَ الغدُ فقالَ لهُ:"ما عندَكَ يا ثُمَامَةُ؟ "، قال: عندي ما قلتُ لك: إن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكرٍ، وإنْ تَقْتُلْ تقتلْ ذا دَمٍ، وإنْ كُنْتَ تريدُ المالَ فَسَلْ تُعْطَ منهُ ما شِئتَ، فتركَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى كانَ بعدَ الغدِ فقال:"ما عِندكَ يا ثُمامَةُ؟ "، قال: عندي ما قلتُ لكَ: إن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكرٍ، وإنْ تقتُلْ تقتُلْ ذا دمٍ، وإنْ كنتَ تريدُ المالَ فسلْ تُعْطَ منه ما شئتَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أَطْلِقوا ثُمامَةَ"، فانطلَقَ إلى نخلٍ قريبٍ من المسجدِ فاغتسلَ ثم دخلَ المسجدَ فقال: أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وأشهدُ أن محمَّداً عبدُه ورسولُه، يا محمدُ! والله ما كانَ على الأرضِ وَجْهٌ أبغضَ إليَّ مِن وجهِكَ، فقد أصبحَ وجهُكَ أحبَّ الوجوهِ كلِّها إليَّ، والله ما كانَ مِن دِينٍ أبغضَ إليَّ مِن دينِكَ فأصبحَ دينُكَ أحبَّ الدِّينِ كلِّه

ص: 404

إليَّ، والله ما كَانَ مِن بلدٍ أبغضَ إليَّ من بلدِكَ، فَأَصْبَحَ بلدُكَ أحبَّ البلادِ كلِّها إليَّ، وإنَّ خيلَكَ أَخَذَتْني وأنا أُريدُ العُمْرةَ فماذا ترى؟ فَبَشَّرَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَهُ أنْ يَعْتَمِرَ، فلمَّا قَدِمَ مكةَ قالَ له قائلٌ: صَبَأْتَ؟! فقال: لا، ولكنِّي أسلَمْتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلَا والله لا يأْتِيكُمْ مِن اليمامَةِ حَبّهُ حِنْطَةٍ حتى يأذَنَ فيها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.

"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خَيْلاً" أي: جيشاً.

"قِبَلَ نَجْدٍ" أي: جانب أرض نجد، وذلك في السنة السادسة.

"فجاؤوا برجل من بني حَنِيفة يقال له: ثُمامة بن أُثال سيد أهل اليَمامة، فربطوه بسارية" أي: بعمود.

"من سواري المسجد" أي: من أعمده.

"فخرج إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: ماذا عندك" أي: ما يقتَضيْ رأيُكَ "يا ثُمَامة؟ قال: عندي يا محمد خير، إن تَقْتُلْ تَقْتلْ ذا دم"، يحتمل أن يريد به: شرفه في قومه، وأنه ليس ممن يَبْطُل دمه، بل يُطْلَبُ ثأره، أو أراد: مَنْ توجَّه عليه القتل بما أصابه من دم، وهذا أنسب لباقي كلامه.

قال الشافعي: كان قد توجَّه على ثُمَامة القصاص في الكفر.

"وإن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكر" أي: إن تعتقني أشكرك وأعرف نعمتك عليَّ.

"وإن كنْتَ تريد المال فسَلْ تُعْطَ منه ما شِئْتَ، فتركَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى كان الغد فقال له: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلْتُ لك، إن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكر، وإن تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذا دم، وإن كنت تريد المال فَسَلْ تُعْطَ منه ما شِئْتَ، فتركه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى كان بَعْد الغد فقال: ما عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي ما قلْتُ لك، إن تُنْعِمْ تُنْعِمْ على شاكر، وإن تَقْتُلْ تَقْتُلْ

ص: 405

ذا دم، وإن كنت تريد المال فسَلْ تُعْطَ منه ما شِئْتَ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أطلقوا ثمامة"؛ أي: خلُّوا سبيله، وفيه دلالة على جواز المنِّ على الكافر بالإطلاق بلا فداء، ودخوله المسجد، وربط الأسير فيه، وتقديمه القتل على أخويه في اليوم الأول لمكان غضبه صلى الله عليه وسلم فيه، وتوسيطه في الثاني والثالث للرجاء حذاقة منه، وحَدَس وحُسْن سؤال الذي هو نصف العلم.

"فانطلق إلى نخلٍ قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، يا محمدا والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحبَّ الوجوه كلِّها إليَّ، والله ما كان من دينِ أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحبَّ الدِّين كلِّه إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك فأصبح بلدك أحبَّ البلاد كلها إليَّ، وإن خيلك أخذتني وإنِّي أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشَّره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمره أن يعتمر" تبشيره صلى الله عليه وسلم إيَّاه؛ إما بما ناله بالإسلام على يده، أو بصحبته، أو بما سيناله من ثواب العمرة.

"فلمَّا قدم مكة، قال له قائل" أي: كافر من كفار مكة! "صَبَوْتَ" أي: مِلْتَ عن الحقِّ إلى الباطل.

"فقال لا"؛ يعني: ما صَبَوْتُ.

"ولكني أسلمْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: على يديه.

"ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حَبّه حِنْطَة حتى يأذَنَ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة على أنه يأمر بأوامره صلى الله عليه وسلم ولا يخرج عنه بحال.

* * *

3014 -

عن جُبَيْرِ بن مُطْعِمٍ رضي الله عنه: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في أُسارَى بدرٍ: "لو

ص: 406

كانَ المُطْعِمُ بن عَدِيٍّ حَيًّا ثم كلَّمني في هؤلاءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهم له".

"عن جُبَيْرِ بن مُطْعِم أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في أُسَارى بدر: لو كان مُطْعِم بن عَديٍّ حَيًّا" مُطْعِم هذا: أبو الراوي، وكان له عنده صلى الله عليه وسلم يَد؛ لأنه أجاره وذَبَّ عنه المشركين حين رجع صلى الله عليه وسلم من الطَّائف فأحبَّ صلى الله عليه وسلم مكأفاته بأنه لو كان حياً، "ثم كلمني في هؤلاء النَّتْنَى" جمع نتِن، بمعنى مُنْتِن كالزمنى، سماهم (نَتْنَى) لتدنسهم بالكفر فجعلهم بمثابة الجيف المنتنة.

"لتركتهم له" أي: هؤلاء الأسارى لأجله، قيل: إنما قال صلى الله عليه وسلم ذلك تطييباً لقلب ابنه وتأليفاً له على الإسلام، وفيه بيان حسن المكافآت، وجواز فرض المحال.

* * *

3015 -

عن أنسٍ: أنَّ ثمانينَ رَجُلاً مِن أهلِ مكَّةَ هَبَطُوا على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِن جبلِ التَّنعيم مُتَسَلِّحِينَ، يُريدونَ غِرَّةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ، فأخذَهم سِلْماً فاستَحْيَاهُم - ويُروى: فَأَعْتَقَهُمْ - فأنزلَ الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} ".

"عن أنس أن ثمانين رجلاً من أهل مكَّة هبطوا" أي: نزلوا.

"على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من جبل التَّنعيم متسلِّحين" أي: مجهزين بالسلاح.

"يريدون"؛ أي: يقصدون.

"غِرَّة النبي صلى الله عليه وسلم " بكسر الغين المعجمة؛ أي: غفلته.

"وأصحابه"؛ أي: غِرَّة أصحابه.

"فأخذهم"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم أولئك.

ص: 407

"سِلْماً"؛ أي: أُسَرَاء.

"فاسْتَحْيَاهم" أي: تركهم أحياء ولم يقتلهم.

"ويروى: فأعتقهم، فأنزل الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ} ".

* * *

3016 -

عن أبي طلحةَ: أن نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم أمرَ يومَ بدرٍ بأربعةٍ وعشرينَ رَجُلاً من صَنَادِيدِ قُرَيشٍ، فَقُذِفُوا في طَوِيٍّ من أطواءِ بدرٍ خَبيثٍ مُخْبثٍ، وكانَ إذا ظهرَ على قومٍ أقامَ بالعَرْصَةِ ثلاثَ ليالٍ، فلمَّا كانَ ببدرٍ اليومَ الثالثَ أمرَ براحِلَتِهِ فَشُدَّ عليها رَحْلُها ثم مَشَى، واتَّبَعَهُ أصحابُهُ، حتى قامَ على شَفَةِ الرَّكِيِّ، فجعلَ يُنادِيهِم بأسمائِهم وأسماءِ آبائهم:"يا فُلانُ بن فلانٍ، ويا فُلَانُ بن فلانٍ، أَيَسرُّكم أنكم أطَعْتُم الله ورسولَهُ؟ فإنَّا قد وَجَدْنَا ما وَعَدَنَا ربنا حَقًّا، فهل وجدْتُم ما وَعَدَ ربُّكم حقاً؟ قالَ عمرُ: يا رسولَ الله! ما تُكَلِّمُ مِن أجسادٍ لا أَرْوَاحَ لها؟ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيدِه، ما أنتُم بأسمَعَ لِمَا أقولُ منهم".

وفي روايةٍ: "ما أنتُمْ بأسمعَ منهم، ولكنْ لا يُجيبونَ".

"عن أبي طلحة - رضي الله تعالى عنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم أَمَرَ يومَ بَدْرٍ بأربعة وعشرين رجلاً من صَنَاديد قريش" جمع صِنْدِيد، وهو كل عظيم غالب، وقال الجوهري: السَّيد الشُّجاع، والمراد هنا: أكابر كفار مكة.

"فَقُذفوا": أي: أُلقوا.

"في طَوِيٍّ"، وهي البئر المطوية بالحجارة؛ أي: المحكمة بها.

"من أطواء بدر خبيث": صفة بئر، وصفها به لإلقاء الجيف فيها.

"مُخْبث"؛ أي: ذي خَبَث، أو أصحابه خبثاء، أو خبيث ماؤها؛ أي:

ص: 408

كريه الطعم، و (مخبث): فيها أشياء خبيثة كخرق الحيض وغيرها.

"كان"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم.

"إذا ظهر" أي: غلب.

"على قوم أقام بالعَرْصَة" أي: عرصتهم وأرضهم، والعَرْصَة أيضًا: كل موضع واسع لا بناء فيه، والمراد هنا: المعترك.

"ثلاث ليال"؛ ليطهر تلك الناحية من الكفرة.

"فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فَشُدَّ عليها رَحْلُها ثم مشى"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم.

"واتَّبعه أصحابه حتى قام"؛ أي: وقف.

"على شَفَةِ الرَّكِيِّ"؛ أي: على طرف البئر التي أُلقِيَ فيها أولئك الصَّناديد.

"فجعل"؛ أي: طفق.

"يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان، أيسرُّكم أنكم أطعتم الله ورسوله"؛ يعني: تتمنون أن تكونوا مسلمين بعد ما كُشِفَ عنكم الغطاء، ورأيتم من عذاب الله.

"فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً" من أن يجعلنا غالبين عليكم ويقوى ديننا بالنصرة عليكم {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا} من العذاب كذلك.

"فقال عمر - رضي الله تعالى عنه: - يا رسول الله! ما تكلِّم"، (ما) مبتدأ بمعنى الذي "من أجسادٍ" بيان (ما) "لا أرواح لها" خبره؛ يعني: ما تكلم معهم يا نبي الله أجساد لا أرواح لها فكيف يجيبونك، وقيل:(ما) استفهامية و (من) زائدة.

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول

ص: 409

منهم" متعلق بـ (أسمع)، قال قتادة: أحياهم الله حتى أسمعهم قوله صلى الله عليه وسلم توبيخاً وحسرة وندامة.

"وفي رواية: ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون"؛ لعدم قدرتهم عليه.

* * *

3017 -

عن مروانَ، والمِسْوَرِ بن مَخْرَمَة: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ حينَ جاءَهُ وفدُ هَوازِنَ مسلمينَ فسألُوهُ أَنْ يَرُدَّ إليهم أموالَهم وسَبْيَهم، قال:"فاختارُوا إحدى الطَّائفَتينِ: إمَّا السَّبْيَ، وإمَّا المالَ"، قالوا: فإنَّا نختارُ سَبْيَنَا، فقامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَأَثْنَى على الله بما هوَ أهلُهُ ثم قالَ:"أمَّا بعدُ فإنَّ إخوانَكم قد جَاؤوا تائبينَ، وإني قد رأيتُ أنْ أَرُدَّ إليهم سَبْيَهم، فَمَنْ أَحَبَّ منكم أنْ يُطَيبَ ذلكَ فَلْيَفْعَلْ، ومَن أحبَّ منكُمْ أنْ يكونَ على حظِّهِ حتى نُعطِيَهِ إيَّاهُ مِن أوَّلِ ما يُفِيءُ الله علينا فليَفْعَلْ"، فقالَ الناسُ: قد طَيَّبنا ذلكَ يا رسولَ الله! فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنا لا نَدري مَن أذِنَ منكم ممن لَمْ يأذنْ، فارجِعُوا حتى يرفعَ إلينا عُرَفاؤُكم أَمْرَكُم"، فرجعَ النَّاسُ فكلَّمَهم عُرَفاؤُهم، ثم رَجَعُوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأخبروهُ أنهم قد طَيَّبُوا وأَذِنُوا.

"عن مروان والمِسْوَر بن مَخْرَمَةَ: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال حين جاءه وفد هَوَازِن مسلمين" بعد ما أغار صلى الله عليه وسلم على قبيلتهم، وأخذ أموالهم، وسبى ذريتهم.

"فسألوه أن يردَّ إليهم أموالهم وسَبْيَهُم، قال": بدل من (قال) الأول.

"فاختاروا إحدى الطائفتين"، يريد به: أحد الأمرين.

"إما السَّبْي وإما المال، قالوا: فإنا نختار سَبْيَنَا، فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإن إخوانكم قد جاؤوا تائبين"؛ أي: مسلمين.

ص: 410

"وإني قد رأيْتُ أن أَرُدَّ إليهم سَبْيَهم"؛ أي: مسبيَّهم.

"فمَنْ أحبَّ منكم أن يُطَيب ذلك" بتشديد الياء؛ أي: يردَّ ما في يده بطِيب قلبه "فليفعل"، وإنما استأذنهم صلى الله عليه وسلم في ذلك لصيرورته مُلْكاً للمجاهدين، فلا يجوز استردادها منهم إلا بطِيب قلوبهم.

"ومن أحبَّ منكم أن يكون على حظّه"؛ أي: يكون له نصيب عوض ما رده.

"حتى نعطيه" أي: ذلك الحظ.

"إيَّاه من أول ما يفيء الله تعالى علينا"؛ أي: يعطينا فيئاً، وهو ما حصل من أموال الكفار من غير قتال.

"فليفعل" أي: ليرده.

"فقال الناس: قد طَيَّبنا ذلك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا ندري مَنْ أَذِنَ" أي: مَنْ رَضي "منكم" في ردِّ السَّبي.

"ممن لم يأذن، فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم": جمع العريف، وهو القيم بالأمور؛ أي: يخبرنا رضاءكم في غيبتي.

"فرجع الناس، فكلمهم عرفاؤهم، ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه أنهم طَيَّبوا وأَذِنُوا".

* * *

3018 -

عن عِمرانَ بن حُصَيْنٍ قال: كان ثَقِيفٌ حليفاً لبنِي عُقَيْلٍ، فأسَرَتْ ثَقيفٌ رجلينِ من أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأَسَرَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عُقَيْلٍ، فأَوْثَقوهُ فطَرَحُوه في الحَرَّةِ، فمرَّ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَنَادَاهُ: يا مُحمدُ! يا محمدُ! فيمَ أُخِذْتُ؟ قال: "بجريرةِ حُلفائِكم ثَقيفٍ"، فتركَهُ ومضى، فنادَاهُ: يا محمدُ! يا محمدُ! فَرَحِمَهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فرجَعَ فقال:

ص: 411

"ما شأنُكَ؟ "، فقال: إنِّي مُسلِمٌ، فقال:"لو قُلْتَها وأنتَ تملِكُ أمرَكَ أفلحْتَ كلَّ الفَلَاحِ"، قال: فَفَدَاهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالرَّجُلَينِ اللَّذَيْنِ أَسَرَتْهُما ثقيفٌ.

"عن عِمْرَان بن حُصَيْن قال: كان ثَقِيْفٌ حليفاً" أي: محالفاً.

"لبني عُقَيل" بالتصغير: قبيلة، وكان بينه صلى الله عليه وسلم وبين ثَقِيْفُ عهداً: أن لا يتعرضوا لأحد من المسلمين.

"فأسَرَتْ ثَقِيْفُ رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأَسَرَ أصحاب رسول الله"؛ أي: أخذوا.

"رجلاً من بني عُقَيْل" عوضاً عن الرجلين الذين أخذهما ثَقِيْف، وكان عادة العرب أن يأخذوا الحليف بجرم حليفه، ففعل صلى الله عليه وسلم هذا الصَّنيع على عادتهم.

"فأوثقوه" أي: شدُّوه بالوثاق.

"وطَرَحُوه" أي: ألقوه.

"في الحرَّة" وهي الأرض الكثيرة الحجارة السُود بين جبلين بظاهر المدينة.

"فمرَّ به رسول الله، فناداه: يا محمد! فِيْمَ أُخِذْتُ؟ " استفهام عن السبب الموجِب للأخذ.

"قال بِجَرِيْرَة حلفائكم ثَقِيْف"؛ أي: بجنايتكم، وهذا يحمل على ابتداء الإسلام ثم نسخ.

"فتركه" أي: النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل.

"فمضى، فناداه: يا محمد! يا محمد! فرحمه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرجع فقال: ما شأنك؟ فقال: إني مسلم، فقال: لو قلتها" أي: كلمة الشهادة.

ص: 412

"وأنت تملِكُ أمرَكَ" أي: في حال اختيارك وقبل كونك أسيراً.

"أفلحْتَ كلَّ الفلاح" أي: نجوت في الدنيا بالخلاص من الرقِّ، وفي العقبى بالنجاة من النار، وفيه دلالة على أن الكافر إذا وقع في الأسر فادَّعى أنه كان قد أسلم قبله لم يقبل إلا ببينة، وإن أسلم بعده حرم قتله، وجاز استرقاقه، وإن قَبلَ الجزية بعده، ففي حرمة قتله خلاف.

"قال: ففداه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالرجلين اللذين أسرهما ثقيف" فيه دلالة على جواز الفدية.

قيل: الظاهر أنه مسلم لأن معنى قوله: (أفلحت كلَّ الفلاح) أفلحت بإسلامك، ولكن لم يحصل لك كل الخلاص به؛ لذِكْرِك إيَّاه بعد الأسر، ولو ذَكَرْتَه قبله تخلصْتَ كلَّ الخَلَاص، وأما رده وأخذه الرجلين بدله، فلا ينافي إسلامه لجواز أن يكون الرد شرطاً بينهم في العهد الجاري بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم.

* * *

مِنَ الحِسَان:

3019 -

عن عائشةَ قالت: لمَّا بعثَ أهلُ مكَّةَ في فداءَ أُسرَائِهم، بعثَتْ زينبُ في فداءَ أبي العاص بمالٍ، وبعثَتْ فيهِ بقِلادةٍ لها كانَتْ عندَ خديجةَ أدخلَتْها بها على أبي العاصِ، فلمَّا رَآها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَقَّ لها رِقَّةً شديدةً، وقال:"إنْ رأيتُم أَنْ تُطْلِقُوا لها أَسيرَها، وتردُّوا عليها الذي لها؟ "، فقالوا: نعم، وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أخذَ عليه أنْ يُخلِّيَ سبيلَ زينبَ إليه، وبعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زيدَ بن حارثةَ ورَجُلاً من الأنصارِ فقال:"كُونَا ببطنِ يَأْجِجٍ حتى تَمُرَّ بِكُمَا زينبُ فتصْحَبَاها حتى تَأْتِيا بها".

"من الحسان":

" عن عائشة رضي الله عنها [قالت:] لما بَعَثَ أهل مكَّة في فداء

ص: 413

أُسَرَائهم" حين غلب النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر عليهم، فقتل بعضهم وأَسَرَ بعضهم، وطلب منهم الفداء.

"بعثَتْ زينب" بنت النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة.

"في فِدَاء" زوجها.

"أبي العاص" بن الربيع، عبد الشمس القرشي.

"قال (1) "، وهو كان من جملة أُسَرَاء بدر، وكان تزويج الكافر بالمسلم جائز، فنسخ بقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221]، وقيل: زوجها منه قبل المبعث.

"وبعثَتْ فيه"؛ أي: في فِدَائه.

"بقِلادة لها كانت"؛ أي: تلك القلادة.

"عند خديجة أدخلَتْها بها"؛ أي: خديجة القلادة بزينب؛ أي: معها.

"على أبي العاص"؛ يعني: دفعتها إليها حين دخل عليها أبو العاص وزُفَّتْ إليه.

"فلما رآها" أي: تلك القلادة.

"رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رَقَّ لها" أي: لزينب.

"رِقَّةً شديدة" لوجدتها، وتذكَّر عهد خديجة وصحبتها؛ فإن القلادة كانت لها وفي عنقها.

"وقال" أي: النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "إن رأيتم أن تطلقوا أسيرها وتردُّوا عليها الذي لها" وثاني مفعولي (رأيتم) وجواب الشرط محذوفان؛ أي: إن رأيتم

(1) في "ت": "بمال".

ص: 414

الإطلاق والرد حسناً فافعلوا (1).

"فقالوا: نعم"، وفيه: جواز المَنِّ على الأسير بلا فداء.

"وكان النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عليه"؛ أي: على أبي العاص عهداً عند إطلاقه.

"أن يُخلي سبيل زينب" ويرسلها.

"إليه"؛ أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويأذن لها بالهجرة إلى أبيها بالمدينة.

"وبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار فقال: كونا ببطن ناجح" بالنون والجيم والحاء المهملة بعد الجيم، وفي بعض النسخ: بالياء حرف العلة والجيمين: موضعٌ بمكة، وهو من بطون الأودية التي حول الحرم، وقيل: موضع أمام مسجد عائشة.

"حتى تمرَّ بكما زينب، فتصحباها حتى تأتيا بها"، وفيه: أن للإمام الأعظم إرسال رجلين فصاعداً مع أجنبية في طريق إن أمن الفتنة.

* * *

3020 -

ورُوِيَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أسرَ أهلَ بدرٍ قتلَ عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْطٍ والنضرَ بن الحارثِ، ومَنَّ على أبي عزَّة الجُمَحِي.

"وروي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لما أَسَرَ أهل بدر قتل عُقْبَةَ بن أبي مُعَيْط والنَّضر بن الحارث، ومنَّ على أبي عَزَّة الجُمَحي"؛ أي: خلَّى سبيله، وهذا يدل على جواز قتل الأسارى، وجواز المنَّ.

* * *

3021 -

ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أرادَ قتلَ عُقْبَةَ

(1) في "غ": "فافعلوهما".

ص: 415

ابن أبي مُعَيْطٍ قال: مَن للصِّبْيَةِ؟ قال: "النارُ".

"وروي عن ابن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل عُقْبَة بن أبي مُعَيْطٍ قال" أي: عقبة: "مَن للصِبْيَة"؛ أي: من يحفظ أطفالي ويتكفل أمورهم.

"قال: النار" فيه دليل على أن ذراري المشركين مع (1) آبائهم، ويحتمل أن يكون الجواب من الأسلوب الحكيم، يعني: اهتمَّ بشأن نفسك، وما هُيئَ لك من النار، ودَعْ الصبية فإن كافلهم هو الله.

* * *

3022 -

عن عُبَيْدَةَ عن عليٍّ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أن جبريلَ هبطَ عليهِ فقالَ لهُ: "خَيرْهُم - يعنى: أصحابَكَ - في أُسارَى بدرٍ: القتلَ، أو الفِداءَ على أنْ يُقتَلَ منهم قابلاً مثلُهم"، قالوا: الفِداءُ ويُقْتَلُ مِنَّا. غريب.

"عن عُبَيْدَةَ عن عليٍّ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أن جبرائيل هبط" أي: نزل.

"عليه فقال له: خَيرهم، يعني: أصحابَكَ"؛ أي: قل لهم: أنتم مخيرون.

"في أُسَارى بدر: القتل أو الفداء"؛ أي: بين أن يقتلوا أُسَرَاء بدر ولا يلحقكم ضرر، وبين أن تأخذوا منهم الفداء وتطلقونهم.

"على أن يُقتل منهم"؛ أي: من الصحابة.

"قابلاً"؛ أي: في السنة القابلة.

"مثلهم"؛ أي: بعدد مَنْ يُطْلِقُون منهم؛ لكون الظَّفر للكفار فيها.

"قالوا"؛ إي: الصحابة.

(1) في "ت" و"غ": "من".

ص: 416

"الفداء"؛ أي: اخترنا الفداء.

"ويُقْتَلَ منَّا" نصب بإضمار (أن) بعد الواو العاطفة على (الفداء)؛ أي: وأن يقتل منا في العام القابل مثلهم، قيل: قُتِلَ من المسلمين يوم أحد مثل ما قَتَلَ المسلمون منهم يوم بدر، وإنما اختاروا ذلك رغبةً في إسلام أسارى بدر، وقتلهم للشهادة ورِقَّة منهم على الأسارى لمكان قرابتهم منهم.

"غريب".

* * *

3023 -

عن عَطِيَّةَ القُرَظِيِّ قالَ: كنتُ مِنْ سَبْي قُرَيظةَ، عُرِضْنا على النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكانوا ينظرونَ، فَمَنْ أَنْبَتَ الشَّعرَ قُتِلَ، ومَن لم يُنْبتْ لم يُقْتَل، فكَشَفُوا عانتِي فوجدُوهَا لم تُنْبتْ، فجعَلوني في السَّبْي.

"عن عَطِيَّةَ القُرَظِي قال: كلنت من سَبْي قُرَيظة، عُرِضْنا على النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا ينظرون، فمَنْ أنْبَتَ الشَّعر قُتِلَ، ومن لم يُنْبتْ لم يُقْتَل"، وإنما نظروا إلى عانتهم ولم يسألوا عن بلوغهم؛ لأنهم كانوا لم يتحدثوا بالصِّدق لما رأوا فيه الهلاك.

"فكشَفُوا عانتي فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السَّبي".

3024 -

عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: خرجَ عبْدَانٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، يعني يومَ الحُدَيْبيَةِ قبلَ الصُّلح، فكتبَ موالِيهِم قالوا: يا محمدُ! والله ما خَرَجُوا إليكَ رَغبةً في دينِكَ، وإنَّما خَرجُوا هَرَباً مِنَ الرِّقِّ، فقال ناسٌ: صَدَقُوا يا رسولَ الله! رُدَّهُم إليهم، فغضبَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال:"ما أُراكُم تَنْتَهونَ يا معشَرَ قريشٍ! حتى يبعثَ الله عليكم مَن يَضْرِبُ رِقابَكم على هذا، وأَبَى أنْ يَرُدَّهُم وقال: هُمْ عُتَقَاءُ الله".

ص: 417