المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - باب من الصحاح: - شرح المصابيح لابن الملك - جـ ٤

[ابن الملك]

فهرس الكتاب

- ‌10 - باب عشرةِ النِّساءِ وما لكلِّ واحدةِ من الحقوقِ

- ‌11 - باب الخُلعِ والطلاقِ

- ‌12 - باب المُطلَّقَةِ ثلاثًا

- ‌فصل

- ‌13 - باب اللِّعَانِ

- ‌14 - باب العِدَّة

- ‌15 - باب الاستبراء

- ‌16 - باب النَّفقاتِ وحَقّ المَملوكِ

- ‌17 - باب بلوغِ الصَّغيرِ وحضانتهِ في الصِّغَرِ

- ‌13 - كِتابُ العِتِقْ

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب إعتاقِ العَبْدِ المُشتَرَك وشراءِ القريبِ والعتقِ في المَرَضِ

- ‌3 - باب الأيمانِ والنذورِ

- ‌فصل في النُّذورِ

- ‌14 - كِتَابُ القِصَاص

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب الدِّيَاتِ

- ‌3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات

- ‌4 - باب القَسامة

- ‌5 - باب قتلِ أهل الرِّدةِ والسّعاةِ بالفسادِ

- ‌15 - كتاب الحدود

- ‌1 - باب

- ‌2 - باب قطع السرقة

- ‌3 - باب الشَّفاعةِ في الحُدودِ

- ‌4 - باب حدَّ الخمرِ

- ‌5 - باب لا يُدْعى على المَحدودِ

- ‌6 - باب التَّعْزيرِ

- ‌7 - باب بيانِ الخَمْرِ ووعيدِ شاربها

- ‌16 - كِتابُ الإِمَارَة وَالقَضَاءِ

- ‌1 - باب مِنَ الصِّحَاحِ:

- ‌2 - باب ما على الوُلاةِ من التيسيرِ

- ‌3 - باب العَملِ في القضاءِ والخَوفِ منهُ

- ‌4 - باب رزقِ الوُلاةِ وهداياهم

- ‌5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ

- ‌17 - كِتابُ الجِهَاد

- ‌2 - باب إعدادِ آلةِ الجِهادِ

- ‌3 - باب آدابِ السَّفَرِ

- ‌4 - باب الكتابِ إلى الكُفَّارِ ودعائِهم إلى الإسلامِ

- ‌5 - باب القِتالِ في الجهادِ

- ‌6 - باب حُكْمِ الأُسارىَ

- ‌7 - باب الأمانِ

- ‌8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها

- ‌9 - باب الجزية

- ‌10 - باب الصُّلحِ

- ‌11 - باب الجلاء: إخراجِ اليهودِ من جزيرةِ العَرَبِ

- ‌12 - باب الفَيْء

- ‌18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِح

- ‌2 - باب (باب ذكر الكلب)

- ‌3 - باب ما يحلّ أكلُه وما يحرُمُ

- ‌4 - باب العقِيقةِ

- ‌19 - كِتابُ الأَطْعِمَةِ

- ‌2 - باب الضيافَةِ

- ‌فصل

- ‌3 - باب الأشرِبةِ

- ‌4 - باب النَّقيعِ والأنبذةِ

- ‌5 - باب تغطيةِ الأواني وغيرِها

الفصل: ‌1 - باب من الصحاح:

16 -

كِتابُ الإِمَارَة وَالقَضَاءِ

(باب الإمارة والقضاء)

‌1 - باب مِنَ الصِّحَاحِ:

2752 -

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن أطاعَني فقد أطاعَ الله، ومن عصَاني فقد عَصَى الله، ومَن يُطِع الأميرَ فقد أطاعَني، ومن يَعْصِ الأميرَ فقد عصَاني، وإنَّما الإمامُ جُنَّةٌ، يُقاتَلُ مِن ورَائِه ويُتَّقَى بهِ، فإنْ أَمَرَ بتقوَى الله وعَدلَ فإنَّ له بذلك أَجْراً، فإن قالَ بغيرِه فإنَّ عليهِ مِنهُ".

"من الصحاح":

" عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله" لأنه صلى الله عليه وسلم لا يأمر ولا ينهى إلا بما أمر الله ونهى.

"ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يَعْصِ الأمير فقد عصاني" قيل: كانت قريش لا تعرف الإمارة، وإنما يطيعون رؤوساء قبائلهم، فلمَّا كان الإسلام وولِّي عليهم الأمراء أنكرته نفوسهم وامتنع بعضهم من الطاعة، فقال صلى الله عليه وسلم هذا القولَ إعلاماً بأن طاعتهم كطاعته، وعصيانهم كعصيانه؛ ليطيعوا مَن ولِّي عليهم من الأمراء.

ص: 239

"وإنما الإمام جُنَّة يقاتَلُ مِن ورائه ويُتَّقى به" الفعلان كلاهما على بناء المجهول، وهما كالبيان لكونه جنةً؛ يعني: ينبغي أن يكون الإمام في الحرب قدَّامَ القوم؛ ليستظهروا به ويقاتلوا بقوته كالترس للمتترس، والأَولى أن يحمل على جميع الحالات؛ لأن الإمام ملجأ للمسلمين في حوائجهم، ويدفع الظالمين عن المظلومين ويحميهم.

"فإن أمر بتقوى الله وعدل فإن له بذلك"؛ أي: بأمره بالتقوى مع عدله "أجراً، وإن قال"؛ أي: حكم "بغيره" أو المراد مطلق القول أو أعم منه، وهو ما يراه ويُؤْثره فعلاً وقولاً.

"فإن عليه منه"؛ أي: من ذلك الغير، وقيل: أي: من صنيعه وفعله وزراً.

* * *

2753 -

وقال: "إنْ أُمِّرَ عليكم عبدٌ مُجَدَّعٌ يَقودُكم بكتابِ الله، فاسمَعُوا له وأَطيعُوا".

"عن أبي ذر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن أُمِّر عليكم"؛ أي: جُعل أميركم "عبدٌ مجدع"؛ أي: بين الجدع، وهو قطع الأنف أو الأذن، أو نحوه.

"يقودكم"؛ أي: يسوقكم.

"بكتاب الله تعالى"؛ أي: بالأمر والنهي على مقتضى الكتاب.

"فاسمعوا له"؛ أي: قوله.

"وأطيعوا"؛ أي: أمره، وهذا حثٌّ على المداراة والموافقة مع الولاة.

* * *

ص: 240

2754 -

وقال: "اسمعُوا وأطيعُوا وإنْ استُعمِلَ عليكم عبدٌ حَبَشيٌّ، كأنَّ رأسَهُ زَبيبةٌ".

"وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبدٌ حبشيٌّ"؛ أي: وإن استعمله الإمام عليكم؛ أي: جعله أميراً، لا أن يكون هو الإمام؛ لأن الأئمة من قريش، أو المراد به الإمام على سبيل الفرض والتقدير مبالغةً في طاعته ونهياً عن مخالفته.

"كأن رأسه زبيبة" وهذا أيضاً من قبيل المبالغة في باب طاعة الوالي وإن كان حقيراً، مع أن الحبشة توصف بصغر الرأس الذي هو نوع من الحقارة.

* * *

2755 -

وقال: "السُّمعُ والطَّاعةُ على المرءِ المسلمِ فيما أَحَبَّ وكرِهَ، ما لم يُؤمرْ بمعصيةٍ، فإذا أُمِرَ بمعصيةٍ فلا سَمْعَ ولا طاعةَ".

"عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: السمع والطاعة"؛ أي: سماع كلام الإمام وطاعتُه واجبٌ على المرء المسلم فيما أحب وكره"؛ أي: فيما يوافق طبعَه وفيما لا يوافق طبعه.

"ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" لكن لا يحارب الإمام، بل يخبره أني لا أفعل لأنه معصية.

* * *

2756 -

وقال: "لا طاعةَ في معصيةٍ، إنَّما الطَّاعةُ في المعروفِ".

"وعن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا طاعة في معصية الله"؛ أي: لا يجوز طاعة الإمام فيما لا يرضى الله به.

ص: 241

"إنما الطاعة في المعروف".

* * *

2757 -

وعن عُبادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: بايعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السَّمعِ والطَّاعةِ، في العُسرِ واليُسرِ، والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وعلى أثَرَةٍ علينا، وعلى أنْ لا ننُازعَ الأمرَ أهلَهُ، وعلى أنْ نقولَ بالحق أينما كُنَّا، لا نخافُ في الله لومَةَ لائمٍ.

وفي روايةٍ: وعلى أنْ لا ننُازِعَ الأمرَ أهلَه، إلا أنْ تَرَوْا كُفراً بَواحاً عندَكم مِن الله فيهِ بُرهانٌ.

"عن عبادة بن الصامت أنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"؛ أي: عاهدنا.

"على السمع والطاعة في العسر واليسر" قد ينازع فيه السمع والطاعة؛ أي: في كل حالتي العسر واليسر؛ أي: الشدة والرخاء.

"والمنشط والمكره " وهما مصدران؛ أي: في حالة النشاط، وهو الأمر الذي تنشط له النفس وتحث إليه، وعلى حالة الكراهة وهي ضده، أو اسما مكانِ وزمانٍ؛ أي: في مكان أو زمان انشراح صدرٍ منا وطيبِ قلب لنا ومضادَّةٍ.

"وعلى أثَرة علينا" وهي - بفتحتين - اسم من آثره؛ أي: فضَّله؛ أي: وعلى أن نؤْثِره على أنفسنا.

"وعلى أن لا ننازع الأمر أهله"؛ أي: لا نطلب الإمارة؛ أي: لا نعزل الأمير من الإمارة ولا نحاربه، والمراد من الأهل هو الذي وكل الأمر (1) للنيابة.

(1) في "غ": "الأمير".

ص: 242

"وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله"؛ أي: في أمر الله أو في سبيل الله.

"لومة لائم"؛ أي: ملامةَ عاذلٍ؛ أي: على أن لا نخاف إيذاءَ منَ يؤذينا فيما فيه رضا الله.

"وفي رواية: وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً"؛ أي: جهاراً ظاهراً.

"عندكم من الله فيه برهان"؛ أي: آية أو سنة لا تحتمل التأويل، وهذا القول كالبيان للبواح، وصفة له.

والحديث يدل على أن الإمام لا ينعزل بطريان الفسق، وللعلماء فيه خلاف، لكن لو أمكن تبديله بغير إثارةِ فتنة فهو أولى.

* * *

2758 -

وعن ابن عُمرَ: كُنَّا إذا بايَعْنا رسولَ الله على السَّمعِ والطَّاعةِ يقولُ لنا: "فيما استطعتُم".

"وقال ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - كنا إذا بايعنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم" الكلام فيه كالكلام في العسر واليسر.

* * *

2759 -

وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من رَأَى مِن أمِيرِه شيئاً يكرهُهُ فليصبرْ، فإنَّه ليسَ أحدٌ يُفارِقُ الجماعةَ شِبراً فيموتُ، إلا ماتَ مِيتةً جاهليةً".

"وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من

ص: 243

رأى من أميره شيئاً يكرهه"؛ أي: غير الكفر "فليصبر فإنه ليس أحدٌ يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات مِيْتَة" بكسر الميم للنوع.

"جاهلية" صفة (ميتة)؛ أي: مات على الضلالة كما يموت أهل الجاهلية عليها، من جهةِ أنهم كانوا لا يطيعون أميراً ولا يتَّبعون إماما استنكافاً، بل كان يأكل القويُّ منهم الضعيف.

* * *

2760 -

وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن خرجَ مِن الطَّاعةِ وفارقَ الجَماعةَ فماتَ، ماتَ مِيتةً جاهليةً، ومَن قاتَل تحتَ رايةٍ عُمِّيةٍ يَغضبُ لِعَصبيَّةٍ، أو يَدعُو لِعَصبيَّةٍ، أو يَنصرُ عَصبيَّة فقُتِلَ، فقِتْلَةٌ جاهليةٌ، ومَن خرجَ على أُمَّتي بسيفِهِ يَضرِبُ بَرَّها وفاجِرَها، ولا يتحاشَى مِن مؤمِنِها، ولا يَفي لذي عَهْدٍ عهدَه، فليسَ مِنِّي ولَستُ مِنهُ".

"وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من خرج من الطاعة"؛ أي: طاعة الإمام.

"وفارق الجماعة"؛ أي: ما عليه جماعة المسلمين، وما عليه أئمة الهدى من الاعتقادات.

"فمات" على ذلك.

"مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عِمِّيَّة" بكسر العين وضمِّها، وبالميم والياء المشددتين: من العمى، وهو الضلال، وهذه هي الراية التي يقاتل أهلها من غير بصيرةٍ ولا معرفة بأن المُحِقَّ أيُّ الطائفتين.

"يغضب" حال، أو استئناف.

"العصبية" وهي الخصلة المنسوبة إلى العصبة.

ص: 244

"أو يدعو"؛ أي: يطلب.

"لعصبية، أو ينصر عصبية" لا يعلم أن هذا لإعلاء الحق وإظهار الدين.

"فقُتل، فقِتْلة" بكسر القاف للنوع.

"جاهلية"؛ أي: صارت قِتْلتُه كقِتْلةِ أهل الجاهلية؛ لأن مقاتلتهم لم تكن إلا لمجرَّد العصبية.

"ومن خرج على أمتي بسيفه يضرب برها" بفتح الباء؛ أي: صالحها.

"وفاجرها"؛ أي: فاسقها.

"ولا يتحاشى"؛ أي: لا يبالي.

"من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده"؛ أي: ينتقص عهد أهل الذمة بأخذ مالهم وقتلهم.

"فليس مني ولست منه"؛ أي: ليس هو من أمتي، وفيه تهديد شديد، وهذا السلب يكون كسلب الأهلية عن ابن نوح في قوله تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود: 46] لعدم اتِّباعه لأبيه.

* * *

2761 -

عن عوفِ بن مالكٍ اْلأَشجعيِّ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"خِيارُ أئِمَّتِكُم الذينَ تُحِبُّونَهم ويُحِبُّوَنُكم، وتُصَلُّونَ عليهم ويُصَلُّوَن عليكم، وشِرارُ أئِمَّتُكم الذينَ تُبغِضُونَهم ويُبغِضُونَكم، وتَلعنُونهَم ويَلعنُونَكم"، قال: قُلنا: يا رسولَ الله! أفلا ننُابذُهم عندَ ذلك؟ قال: "لا، ما أَقامُوا فيكم الصلاةَ، لا، ما أَقامُوا فيكم الصلاةَ؛ أَلا مَن وُلِّيَ عليهِ والٍ فرآهُ ياتي شيئاً مِن معصيةِ الله، فليَكرهْ ما يأتي مِن معصيةِ الله، ولا يَنزِعنَّ يداً مِن طاعةٍ".

"وعن عوف بن مالك الأشجعي، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه

ص: 245

وسلم أنه قال: خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم"؛ يعني: خير الأئمة الذين عدلوا في الحكم، فينعقد بينكم وبينهم مودةٌ ومحبة.

"وتصلُّون عليهم"؛ أي: تدعون لهم بالمعونة على القيام بالحق والعدل.

"ويصلُّون عليكم"؛ أي: يدعون لكم، ويجوز أن يراد بها صلاة الجنازة.

"وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم"؛ أي: الذين ظلموا لكم بحيث انعقدت بينكم وبينهم عداوة وبغضٌ.

"وتلعنونهم ويلعنونكم قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم"؛ أي: أفلا ننبذ إليهم البيعة ونترك الطاعة ونحاربهم عند ذلك.

"قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة" منعه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ما داموا مُقِيمي الصلاة الفارقةِ بين الإيمان والكفر يحذر هيجان الفتنة التي هي أشد من المصابرة على ما ينكر منهم، وفيه دليل على عدم انعزال الإمام بالفسق.

"ألا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعته (1) ".

* * *

2762 -

عن أمِّ سلمةَ قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يكونُ عليكم أمراءُ تَعرِفُونَ وتُنكِرون، فمَن أَنْكَرَ فقد بَرِئَ، ومَن كَرِهَ فقد سَلِمَ، ولكنْ مَن رضيَ وتابعَ"، قالوا: أفلا نقُاتلُهم؟ قال: "لا، ما صَلَّوا، لا، ما صلَّوا"، يعني: مَن كَرِهَ بقلبه وأنكرَ بقلبه.

(1) في "غ": "طاعة".

ص: 246

"عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يكون عليكم أمراء تعرفون وتنكرون"؛ أي: ترضون بعض أقوالهم وأفعالهم؛ لكونه حسناً شرعاً.

"فمن أنكر"؛ أي: بلسانه فسقَ الأمراء.

"فقد برئ"؛ أي: من إثم صنيعهم، أو من النفاق، لكن ربما لم يَسْلَم من فتنةٍ يوقعونها به بسبب إنكاره.

"ومن كره ذلك" بقلبه دون لسانه؛ لعدم الاقتدار على الإنكار باللسان.

"فقد سَلِمَ" من عقوبة إثمهم وفتنتهم، أو من العقوبة على ترك النكير لأجل كراهته.

"ولكن من رضي" فسقَهم بقلبه "وتابع" بعمله، لم يبرأ من الإثم والنفاق، ولم يَسْلَم من عقوبة يُوْقِعونها.

"قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلَّوا، لا ما صلَّوا"؛ يعني: لا تقاتلوهم ما داموا صلَّوا، كرَّر للتأكيد.

"يعني: من كره بقلبه وأنكر بقلبه (1) " هذا تفسير لقوله: (فمن أنكر)(ومن كره) المذكورَيْنِ في الحديث.

قيل: هذا التفسير غير مستقيم؛ لأن الإنكار يكون باللسان والكراهية تكون بالقلب، ولو كان كلاهما بالقلب لكانا مكرَّرين (2)؛ لأنه لا فرق بينهما بالنسبة إلى القلب.

(1) في "غ": "بقلبه".

(2)

في "غ": " منكرين".

ص: 247

وفي بعض النسخ: (يعني: من كره بقلبه وأنكر بلسانه) وهي جيدةٌ كما قلنا.

* * *

2763 -

عن عبدِ الله رضي الله عنه قال: قالَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم سَتَرَوْنَ بعدي أثَرَةً وأُموراً تُنْكِرونها"، قالوا: فما تأمُرنا يا رسولَ الله؟ قال: "أَدُّوا إليهم حقَّهم، وسَلُوا الله حَقَّكم".

"عن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنكم سترون بعدي أثَرَة"؛ أي: أصحابَ أثرةٍ يُؤثِرون أهواءَهم على الحق، ويخصُّون أنفسهم بالفيء والغنيمة.

"وأموراً تنكرونها" من اختيارِ غيرِ مستحِقِّ الإمامة والفيء والغنيمة على مستحِقِّها، أو ما هو أعم من هذا، وذلك (1) بأن تروا الحكام يُفضلون عليكم مَن ليس له فضيلةُ التفضيل.

"قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: أدُّوا إليهم"؛ أي: إلى الولاة.

"حقَّهم" وهو طاعتكم إياهم، يعني: أطيعوهم فيما يأمرونكم.

"واسألوا الله" أن يواصل إليكم حقَّكم، وهو ما آثر فيه الأئمةُ من الولاة غيرَكم عليكم، ولا تقاتلوهم طلباً لاستيفاء حقكم، بل كِلُوا الأمر إلى الله إن الله لا يضيع عمل المصلحين.

* * *

2764 -

وسأل سلمةُ بن يزيدٍ الجُعْفيُّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبيَّ الله!

(1)"وذلك": ليست في "غ".

ص: 248

أرأيتَ إنْ قامَتْ علينا أُمراءُ يَسأَلوننَا حقَّهم وَيمنعوننَا حقَّنا، فما تَأمرُنا؟ قال:"اسمعُوا وأَطيعوا، فإنَّما عليهم ما حُمَّلُوا وعليكم ما حُمِّلْتُم".

"وسأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا نبيَّ الله أرأيت"؛ أي: أخبرني "إن قامت علينا أمراءُ يسألوننا حقَّهم ويمنعوننا حقنا، فما تأمرنا؟ قال: اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم"؛ يعني: إن الله يسألهم عما أمرهم به، ويسألكم عما أمركم به، وهذا مثلُ قوله تعالى:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 134].

* * *

2765 -

عن عبدِ الله بن عُمرَ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن خَلعَ يداً مِن طاعةٍ لقيَ الله يومَ القيامةِ لا حُجَّةَ لهُ، ومَن مَاتَ وليسَ في عُنقِهِ بَيْعةٌ ماتَ مِيتَةً جاهليةً".

"عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: مَن خلع يداً"؛ أي: نزعها.

"من طاعة الله"؛ يعني: من نقض عهد الإمام، ولمَّا كان شأن البائع أن يضع يده على يد مَن يبايعه حالةَ المعاهدة؛ أي: العادة صار خلعُها كنايةً عن نقض العهد.

"لقي الله يوم القيامة ولا حجة له"؛ أي: لا عذر له.

"ومن مات وليس في عنقه بيعة"؛ أي: عهدُ إمام المسلمين "مات ميتة جاهلية".

* * *

ص: 249

2766 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"كانت بنو إسرائيلَ تَسُوسُهم الأنبياءُ، كُلَّما هلكَ نبيٌّ خَلَفَهُ نبي، وإنَّه لا نبيَّ بعدي، وسيكونُ خلفاءُ فيَكثُرونَ"، قالوا: فما تَأْمرُنا؟ قال: "فُوا بَيْعَةَ الأولِ فالأولِ، أَعطُوهم حقَّهم، فإنَّ الله تعالى سائِلُهم عَمَّا استرعاهُم".

"عن أبي هريرة أنه قال: كانت بنو إسرائيل تسوسُهم الأنبياء"؛ أي: تحفظهم وتلي أمرهم.

"كلما هلك نبي خلفه نبي"؛ أي: قام مقامه.

"وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء"(كان) هذه تامة.

"فيكثرون"؛ أي: يقوم في كل ناحية شخص يطلب الإمامة.

"قالوا: فما تأمرنا؟ "؛ أي: باقتدائهم تأمرنا؟

"قال: فُوا بيعة الأول فالأول" والوفاء ببيعة الأول: الاقتداءُ به وعزلُ الثاني.

"أعطوهم حقهم من الطاعة فإن الله سائلهم عما استرعاهم" حِفْظَه، بحذف المفعول الثاني؛ يعني: إذا جعل الله أحداً حاكماً على قوم فقد استرعاه؛ أي: طلب منه حفظ نفوسهم وأموالهم وجميع مصالحهم، فإنْ ظلمهم في شيء من ذلك فلا ينبغي أن ينتقموا منه، بل عليهم بالصبر، فإن الله يسأله عن ذلك كلِّه وينتقم لهم منه.

* * *

2767 -

وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بُويعَ لخليفتَيْنِ، فاقتلوا الآخِرَ منهما".

"عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بويع

ص: 250

لخليفتين فاقتلوا الآخِرَ منهما"؛ أي: أبطلوا دعوته واكسروا بيعته، واجعلوه كميتٍ في توهين أمره، أو المراد المقاتلةُ.

وإنما أمر بذلك؛ لأنه لا يجوز أن يكون للمسلمين إمامان؛ لئلا يتفرق أمرهم وتقع الفتنة بينهم.

* * *

2768 -

وقال: "إنَّه سيكونُ هَنَاتٌ وهَنَاتٌ، فمَن أرادَ أنْ يُفرِّقَ أمرَ هذهِ الأُمةِ وهي جَمِيعٌ، فاضرِبُوهُ بالسَّيفِ كائِناً مَنْ كانَ".

"وعن عرفجة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: سيكون هناتٌ وهنات"؛ أي: شرورٌ وفساد وخصال سيئةٌ خارجة عن السنَّة والجماعة، يقال: فلان في هنات؛ أي: خصالِ شرٍّ، ولا يستعمل في الخير، والمراد منها الفتن؛ أي: سيظهر في الأرض أنواع الفتنة والفساد، ويطلب الإمامةَ في كلِّ جهة واحد، وإنما الإمام مَن انعقدت له البيعة أولاً.

"فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع"؛ أي: مجتمعون متفقون؛ يعني: من أراد أن يعزل الإمام الأولَ ويأخذ الإمامة.

"فاضربوه بالسيف كائناً من كان"؛ أي: سواءٌ كان من أقاربي، أو من أولادي، أو من غيرهم، لكن بشرط أن يكون الإمام الأول قرشياً، إذ لا يجوز إمامةُ غيره، والمراد بالإمامة هنا الخلافة.

* * *

2769 -

وقال: "مَنْ أَتاكُم وأَمرُكم جَمِيعٌ على رَجُلٍ واحدٍ، يريدُ أنْ يَشُقَّ عَصَاكُم، ويُفرِّقَ جماعتَكم فاقتُلُوه".

ص: 251

"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من أتاكم وأمركم جميعٌ على رجل واحد"؛ أي: مَن قصد أن يعزل إمامكم الذي اتفقتم على إمامته، وأراد أن يأخذ الإمامة.

"يريد أن يشق عصاكم"؛ أي: يفرِّق جماعتكم، والعصا كنايةٌ عن الاجتماع والائتلاف، وشقُّها عن التفريق والاختلاف.

"ويفرِّق جماعتكم" عطفُ تفسيرٍ له، "فاقتلوه".

* * *

2770 -

وقال: "مَنْ بايَعَ إماماً فأعطاهُ صَفْقَةَ يدِه وثَمَرةَ قلْبهِ، فلْيُطِعْهُ إنْ استطاعَ، فإنْ جاءَ آخرُ يُنازِعُه فاضرِبُوا عُنُقَ الآخرِ".

"وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده"؛ أي: يمينَه وبيعته.

"وثمرة قلبه"؛ أي: خالِصَ عهده، أو المال.

أو (صفقة يده) كناية عن المال، و (ثمرة قلبه) عن المحبة، أو (ثمرة قلبه) كناية عن مبايعته مع ولده.

"فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر".

* * *

2771 -

وقال: "يا عبدَ الرحمنِ بن سَمُرةَ! لا تَسأل الإمارةَ، فإنَّك إنْ أُعطِيتَها عن مسألةٍ وُكِلتَ إليها، وإنْ أُعطِيتَها عن غيرِ مسألةٍ أُعِنتَ عليها".

"وقال: يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة"؛ أي: لا تطلبها.

"فإنك إن أعطيتها عن مسألة"؛ أي: سؤال.

ص: 252

"وُكِلت" على بناء المجهول وتخفيف الكاف؛ أي: خُلِّيت "إليها"؛ يعني: لا يعينك الله فيها؛ لأنك حرصت على المنصب معتمداً على نفسك، فتكون أنت مفوَّضاً إلى تلك الإمارة.

"وإن أُعطيتها من غير مسألة أُعنت عليها" على بناء المجهول؛ أي: أعانك الله على تلك الإمارة وحفظك من الإثم فيها؛ لأن عملك يكون لطاعة الإمام.

* * *

2772 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّكم ستحرِصُونَ على الإمارةِ وستكونُ نَدامةً يومَ القِيامَةِ، فَنِعمَتِ المُرضعَةُ، وبئْستِ الفاطِمَةُ".

"عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامةً يوم القيامة" لأنه قلَّما يقدر الرجل على العدل؛ لغلبة الحرص وحب المال والجاه.

"فنعمت المرضعة، وبئست الفاطمة" والمخصوص بالمدح والذم محذوفٌ، وهو الإمارة، ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المرضعةَ مثلاً للإمارة الموصلةِ إلى صاحبها من المنافع العاجلة، والفاطمة - وهي التي انقطع لبنها - مثلاً لمفارقتها عنها بالانعزال أو بالموت.

* * *

2773 -

عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله! ألا تَستعمِلُني، قال: فضربَ بيدِه على مَنْكِبيْ ثم قال: يا أبا ذر، إنَّك ضعيفٌ، وإنَّها أَمانةٌ، وإنَّها يومَ القيامةِ خِزْيٌ ونَدامةٌ، إلا مَنْ أخذَها بحقِّها وأَدَّى الذي عليهِ فيها".

"عن أبي ذر أنه قال: قلت: يا رسول الله! ألا تستعملني": الهمزة

ص: 253

للاستفهام؛ أي: ألا تجعلني حاكمًا على قوم؟.

"قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: يا أبا ذر! إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا مَن أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".

* * *

2773/ -م - وقال: يا أبا ذرٍّ! إنِّي أَرَاكَ ضعيفاً، وإنِّي أُحِبُّ لكَ ما أُحِبُّ لنفسي، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنينِ ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيمٍ".

"وقال: يا أبا ذر! إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي"؛ أي: أحب لك الخير كما أحبه لنفسي.

"لا تَأَمَّرنَّ على اثنين"؛ أي: لا تَّصِرْ حاكماً عليهما، فمان العدل أمر شديد في الحكم.

"ولا تَوَلَّيَنَّ مال يتيم" من التولِّي وهو التقلُّد، حُذفت إحدى التاءين من كِلا الفعلين.

* * *

2774 -

عن أبي موسى رضي الله عنه قال: دخلتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنا ورَجُلانِ مِن بني عمِّي فقالا: أمِّرْنا على بعضِ ما وَلَّاكَ الله، فقال:"إنَّا والله لا نُوَلِّي على هذا العملِ أحداً سألَهُ، ولا أحداً حَرَصَ عليهِ".

"عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقا لا: أمِّرنا" بصيغة الأمر؛ أي: اجعلنا أميراً.

"على بعض ما ولاك الله"؛ أي: جعلك الله حاكماً فيه من الأمور.

ص: 254

"فقال: إنا والله لا نولِّي على هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه".

* * *

2774/ -م - وقال: "لا نستعملُ على عَملِنا مَنْ أرادَهُ".

"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا نستعمل"؛ أي: لا نجعل عاملاً "على عملنا مَن أراده"؛ أي: طلب العمل وحرص عليه.

* * *

2775 -

وقال: "تَجدونَ مِن خيرِ النَّاسِ أشدَّهُم كَراهِيةً لهذا الأمرِ حتى يقعَ فيه".

"وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: تجدون من خير الناس أشدَّهم كراهية لهذا الأمر"؛ أي: للإمارة.

"حتى يقع فيه" غاية للكراهية.

* * *

2776 -

وقال: "ألا كلُّكُم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رَعيَّتِه، فالإمامُ الذي على النَّاسِ راعٍ، وهوَ مسؤولٌ عن رعيَّتِهِ، والرجلُ راعٍ على أهلِ بيتِهِ وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِهِ، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ زوجها وولدِه وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرَّجُلِ راعٍ على مالِ سيدِهِ وهو مسؤولٌ عنهُ، أَلا فَكُلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِهِ".

"عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله

ص: 255

تعالى عليه وسلم: ألا كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيته" يقال: رعى الأميرُ القومَ رعايةً فهو راع؛ أي: قام بإصلاح ما يتولاه، وهم رعيةٌ فَعِيلة بمعنى مفعول، ودخلت التاء لغلبة الاسمية.

"فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته"؛ يعني: يَسأل الله يوم القيامة من كل حاكم أَعَدَلَ في رعاية أمر رعيته أم لا؟ فرعايتُه حفظُ أمور الرعية وقيامُه بإصلاحهم بدفع العدو وإقامة الحدود.

"والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته" فرعايتُه قيامه عليهم بحق النفقة والكسوة وحسن العشرة.

"والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم" فرعايتها حسنُ التدبير في ذلك وخدمة أضيافه.

"وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه" فرعايته حفظ ما في يده من مال سيده والقيام بشغله.

"ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".

* * *

2777 -

وقال: "ما مِن والٍ يلي رعيةً مِن المسلمينَ، فيموتُ وهو غاشٌّ لهم إلا حرَّمَ الله عليهِ الجنةَ".

"وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما من والٍ يلي رعيةً من المسلمين فيموت وهو غاشٌّ لهم"؛ أي: خائنٌ، وقيل: أي: ظالمٌ لا يعطي حقوقهم ويأخذُ منهم ما لا يجب عليهم.

"إلا حرَّم الله عليه الجنة".

* * *

ص: 256

2778 -

وقال: "ما مِن عبدٍ يَسْتَرعيهِ الله رَعِيّةً، فلم يَحُطْها بنصيحةٍ إلَاّ لم يَجدْ رائحةَ الجنَّةِ".

"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية"؛ أي: يطلب أن يكون راعيَ جماعته بأن يكون أميراً عليهم.

"فلم يحطها"؛ أي: لم يحفظها.

"بنصيحة"؛ أي: بخير.

"إلا لم يجد رائحة الجنة".

* * *

2779 -

وقال: "إنَّ شرَّ الرِّعاءِ الحُطَمَةُ".

"وعن عائذ بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن شر الرِّعاء": جمع راعٍ، والمراد بهم هنا: الأمراء.

"الحطمة"؛ أي: الذي يظلم الرعية ولا يرحمهم، من الحَطْمِ وهو الكسر.

* * *

2780 -

وقال: "اللهم مَن وَلِيَ مِن أَمْرِ أُمَّتي شَيئاً فشَقَّ عليهم فاشْقُقْ عليهِ، ومَن وَلِيَ مِن أمرِ أُمَّتي شَيئاً فَرَفَقَ بهم فارْفُقْ بهِ".

"وعن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: اللهم مَن وليَ من أمر أمتي فشق عليهم"؛ أي: عسَّر عليهم أمورهم وأوصل المشقة إليهم "فاشقُق عليه".

"ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرَفَقَ بهم"؛ أي: رحمهم ويسَّر عليهم

ص: 257

أمورهم "فارفق به".

* * *

2781 -

وقال: "إنَّ المُقسِطينَ عندَ الله على منابرَ مِن نورٍ عن يمينِ الرَّحمنِ، وكِلتا يديهِ يمينٌ، الذينَ يَعدِلُون في حُكْمِهِم وأهليهم وما وَلُوا".

"وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن المقسطين"؛ أي: العادلين.

"عند الله" خبر (إن)؛ يعني: مقرَّبون، وهذه العندية عنديةُ مكارِمَ.

"على منابر" خبرٌ بعد خبر، أو حالٌ من الضمير المستتر في الظرف.

"من نور" صفة (منابر) صفة مخصِّصة لبيان الحقيقة.

"عن يمين الرحمن" صفة أخرى للمنابر، أو حالٌ بعد حال على التداخل، مبينةٌ للمرتبة والمنزلة؛ لأن الجالس عن يمين السلطان على كرسيٍّ أعظم قدراً عنده.

"وكلتا يديه يمين" جملة معترضة، إشارة إلى أن يمينه تعالى ليست جارحة وليست من جنس اليمين المقابل لليسار، بل له القدرةُ الكاملة من غير نقص.

"الذين يعدلون" صفة كاشفة للمقسطين، أو صفة مادحة، أو بدلٌ منه.

"في حكمهم"؛ أي: فيما تقلَّدوا من خلافةٍ أو إمارةٍ أو قضاءٍ.

"وأهليهم"؛ أي: فيما يجب لأهله عليه من الحقوق.

"وما وَلُوا" بالتخفيف بصيغة المعلوم من الولاية؛ أي: فيما له ولايةٌ من النظر على يتيم، أو صدقة، أو وقف، أو نحو ذلك.

ص: 258

وروي بتشديد اللام على بناء المجهول؛ أي: جُعِلوا والين.

* * *

2782 -

وقال: "ما بَعَثَ الله مِن نبيٍّ ولا استخلَفَ مِن خَليفةٍ إلا كانَتْ لهُ بِطانتَان: بِطانَةٌ تَأمُرُهُ بالمعروفِ وتَحُضُّهُ عليهِ، وبطانةٌ تأمرُهُ بالشرِّ وتَحضُّهُ عليهِ، والمعصومُ مَن عَصَمَهُ الله".

"وعن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان"؛ أي: داعيان باطنان: أحدهما الملك، والآخر الشيطان، وبطانةُ الرجل: صاحب سرِّه الذي يشاوره في جميع أحواله، وقيل: البطانة: الخليل والخاصة.

"بطانة تأمره بالمعروف وتحضه"؛ أي: تحرِّضه وتحثُّه "عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضُّه عليه"؛ أي: لكلِّ أحدٍ جليسٌ أو خليلٌ يأمر بالخير، وآخَرُ بالشر.

"والمعصوم مَن عصمه الله"؛ يعني: لا يقدر الرجل على طاعة ذا أو ذاك إلا بتوفيقه تعالى.

* * *

2783 -

وقال أنس: كانَ قيسُ بن سعدٍ رضي الله عنه مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمنزلةِ صاحِبِ الشُّرَطَةِ مِن الأميرِ.

"وقال أنس - رضي الله تعالى عنه - كان قيس بن سعد" هو سعد بن عبادة الأنصاري سيد الخزرج، وقيس هذا ذو رياسة للجيوش صاحب رأي صائب وكرم وسخاء.

ص: 259

"من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بمنزلة صاحب الشُّرَط من الأمير"، (الشُّرَط) بالضم ثم الفتح: جمع شرطة، وهو الذي يقال [له] بالفارسية: سرهنك، يعني: هو المقدَّم بين يدي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لتنفيذ أوامره، ونائبُه في إقامة الأمور [و] السياسة.

* * *

2784 -

وعن أبي بَكْرةَ قال: لمَّا بَلَغَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ أهلَ فارسَ قد مَلَّكُوا عليهم بنتَ كِسرَى قال: "لن يُفْلِحَ قومٌ وَلَّوْا أَمْرَهم امرأةً".

"وعن أبي بكرة أنه قال: لمَّا بلغ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى"؛ أي: جعلوها ملكةً.

"قال: لن يفلح قومٌ ولَّوا أمرهم امرأة" إذ متولِّي الأمر من إمامةٍ وقضاء يحتاج للخروج لقيام أمور المسلمين، والمرأة عورةٌ لا تصلح لذلك، ولأنها ناقصةٌ والإمامةُ والقضاء من أكمل الولايات لا يصلح لهما إلا الكامل من الرجال.

* * *

مِنَ الحِسَان:

2785 -

قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "آمُرُكم بخمسٍ: بالجَماعةِ، والسَّمعِ، والطَّاعةِ، والهِجرةِ، والجهادِ في سَبيلِ الله، فإنَّهُ مَن خرجَ مِن الجَماعةِ قِيْدَ شِبْرٍ، فقد خَلعَ رِبْقةَ الإسلامِ مِن عُنُقِهِ، إلا أنْ يُراجِعَ، ومَن دَعا بدعْوَى الجاهِليةِ فهوَ مِن جُثَاء جهنَّمَ، وإنْ صامَ وصلَّى وزَعمَ أنَّه مسلمٌ".

"من الحسان":

" عن الحارث الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:

ص: 260

آمركم بخمس: بالجماعة"؛ أي: باتِّباع جماعة المسلمين في القول والعمل والاعتقاد.

"والسمع"؛ أي: بسماع كلمة الحق من الأمير والمفتي وغيرهما.

"والطاعة"؛ أي: بالانقياد للأمير فيما وافق الشرعَ.

"والهجرة"؛ أي: بالانتقال (1) من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة، ومن دار الكفر إلى دار الإسلام بعد الإسلام، ومن المعصية إلى التوبة، قال صلى الله عليه وسلم:"المهاجِرُ مَن هَجَر الخطايا والذنوب".

"والجهاد في سبيل الله" مع الكفار ومع النفس بكفِّها عن شهواتها.

"وإنه من خرج من الجماعة قيد شبر"؛ أي: قدرها.

"فقد خلع"؛ أي: نزع "رِبقة الإسلام من عنقه"، (الرِّبقة) بكسر الراء: واحد الرِّبْق، وهو حبلٌ فيه عدَّةُ عُرًى يُشدُّ بها البُهْم، وهي أولاد الضأن، استُعيرت للإسلام؛ أي: ما يَشد المسلم نفسه من عرى الإسلام؛ أي: حدودِه وأحكامه، واستعير الخلع للنقض، والربقة لمَا لزم من الذمة والعهد.

والمعنى: أن مَن خرج مِن الطاعة وفارق الجماعة بترك السنة وارتكاب البدعة، أو عن موافقة إجماع المسلمين ولو بقَدْرِ شبرٍ، فقد نقض عهد الإسلام الذي لزم أعناق العباد.

"إلا أن يراجع، ومَن دعا"؛ أي: نادى.

"بدعوى الجاهلية"؛ أي: بمثْلِ ندائهم، وذلك أن الواحد منهم إذا كان مغلوبًا في الخصام نادى بأعلى صوته: يا آل فلان، مستصرخاً قومَه، فأتوه مسرعين لنصرته ظالمًا كان أو مظلوماً، جهلاً منهم وعصبيةً.

(1) في "غ": "والهجرة والانتقال".

ص: 261

"فهو من جُثى" بضم الجيم والقصر؛ أي: جماعة "جهنم" أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يبتغي سنَّة الجاهلية فهو من أهل جهنم "وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم".

* * *

2786 -

وقال: "مَن أهانَ سُلطانَ الله في الأرضِ أَهَانَهُ الله"، غريب.

"عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى تعالى عليه وسلم: من أهان سلطان الله في الأرض"؛ أي: أذلَّ حاكماً بأن آذاه أو عصاه.

"أهانه الله"؛ أي: أذلَّه الله.

"غريب".

* * *

2787 -

وقال: "لا طَاعةَ لمخلُوقٍ في معصيةِ الخَالقِ".

"عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"؛ يعني: لا يجوز لأحد أن يطيع أحداً فيما فيه معصية.

* * *

2788 -

وقال: "ما مِن أميرِ عَشَرَةٍ إلا يُؤتَى بهِ يومَ القيامةِ مَغْلولاً، حتى يَفُكَّ عنه العَدلُ، أو يُوبقَهُ الجَوْرُ".

"عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولاً"؛ أي: مشدودةً يداه إلى عنقه.

"حتى يفكَّ عنه العدلُ" بفتح الياء وضم الفاء وتشديد الكاف؛ أي: يَحُلَّ

ص: 262

ويزيل عنه القيدَ بأن كان قد عَدَل في الحكم.

"أو يوبقه الجور"؛ أي: يهلكه بأن كان قد ظلم فيه.

* * *

2789 -

وقال: "وَيْلٌ للأُمراءِ، ويلٌ للعُرفاءِ، ويلٌ للأُمناءِ، لَيَتَمنَّينَّ أقوامٌ يومَ القيامةِ أن نَواصِيَهم مُعلَّقةٌ بالثُريَّا، يَتَجَلْجَلُونَ بينَ السَّماءِ والأرضِ وأنَّهم لم يَلُوا عَملاً".

"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ويل للأمراء"؛ أي: الذين ظلموا.

"ويل للعرفاء" جمع عريف، فعيل بمعنى مفعول، وهو سيد القوم والقيمُ بأمور الجماعة من القبيلة والمحلة يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم، وهو دون الرئيس.

"ويل للأمناء" جميع الأمين، وهو الذي جُعل قيماً على اليتامى لحفظهم وحفظِ أموالهم، وكذلك مَن جُعل أميناً على خزانة مال، أو تصرُّفٍ (1) فيه.

"ليتمنين أقوام يوم القيامة أن نواصيهم" جمع ناصية، وهي شعر مقدَّم الرأس.

"معلقة بالثُّرَيَّا" بضم الثاء وتشديد الياء: النجم المجتمع.

"يتجلجلون"؛ أي: يتحركون مع الصوت.

"بين السماء والأرض، وأنهم لم يَلُوا عملاً"؛ أي: لم يَصيروا حاكمين في أمورهم.

* * *

(1) في "غ": "تصدق".

ص: 263

2790 -

وقال: "إنَّ العِرافَةَ حقٌّ، ولا بُدَّ للنَّاسِ مِن عُرَفاءَ، ولكنَّ العُرفاءَ في النَّار".

"وقال: إن العرافة حق"؛ أي: سيادةُ القوم جائزةٌ في الشرع؛ لأنها تتعلَّق بمصالح الناس وقضاء أشغالهم.

"ولا بد للناس من عرفاء، ولكن العرفاء في النار"؛ أي: أكثرُهم فيها، فإن المجتنب للظلم منهم يستحق الثواب، لكن لمَّا كان الغالب منهم خلافَ ذلك أجراه مجرى الكل.

* * *

2791 -

وقال لكعبِ بن عُجْرَةَ: "أُعيذُكَ بالله مِن إمارةِ السُّفهاءِ"، قال: وما ذاكَ يا رسولَ الله؟ قال: "أُمراءُ سيكونُونَ مِن بَعْدي، مَن دَخلَ عليهم فصدَّقَهم بكذبهم وأعانهَم على ظُلمِهم، فلَيْسوا مِنِّي ولستُ منهم، ولم يَرِدُوا عليَّ الحوضَ، ومَن لم يدخلْ عليهم ولم يُصَدِّقْهم بكذبهم ولم يُعِنْهم على ظُلمِهم، فأولئكَ مِنِّي وأنا مِنهم، وأُولئكَ يَرِدُونَ عليَّ الحَوضَ".

"عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لكعب بن عجرة: أُعيذك بالله من إمارة السفهاء، قال: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: أمراءُ سيكونون من بعدي مَن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليسوا مني ولست منهم" وإنما قال ذلك لكعب بن عجرة تحذيراً له من الرئاسة والتأمُّر.

"ولن يَرِدُوا عليَّ الحوض، ومَن لم يدخل عليهم ولم يصدَّقهم بكذبهم ولم يُعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم، وأولئك يَرِدُون عليَّ الحوض".

* * *

ص: 264

2792 -

عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَن سَكن الباديةَ جَفا، ومن اتَّبَع الصَّيدَ غَفَلَ، ومَن أَتَى السُّلطانَ افتُتِن".

ويروى: "من لزِمَ السُّلطانَ افتُتِنَ، وما ازدادَ عبدٌ مِن السُّلطانِ دُنُوًّا إلا ازدادَ مِن الله بُعْداً".

"عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَن سكن البادية"؛ أي: اتخذ البادية وطناً.

"جفا"؛ أي: صار غليظ القلب؛ لقلة اختلاطه بالناس فيترك المودة والصلة.

"ومن اتبع الصيد"؛ أي: واظب على الاصطياد لهواً وطرباً.

"غفل" عن الطاعات ولزوم الجماعات؛ لحرصه على اللهو، أو لتشبُّهه بالسباع ببعده عن الرقة والترحُّم (1).

"ومن أتى السلطان"؛ أي: دخل عليه وصدَّقه على ظلمه، أو داهنه ولم ينصحه".

"افتُتن"؛ أي: وقع في الفتنه لأنه مخاطر على دينه، وأما مَن دخل على السلطان وأمره بالمعروف ونهاه [عن] المنكر فكان دخوله عليه أفضل من الجهاد.

"ويروى: مَن لزم السلطان افتتن، وما ازداد عبد من السلطان دنواً"؛ أي: قرباً "إلا ازداد من الله بعداً".

(1) في "غ": "والرحم".

ص: 265

2793 -

عن المِقْدَامِ بن مَعْدِيكَرِبَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ضربَ على مَنْكِبَيْهِ ثم قالَ: "أَفْلَحتَ يا قُدَيْمُ انْ مُتَّ ولم تَكُنْ أميراً ولا كاتِباً ولا عَرِيفاً".

"عن المقدام بن معدي كرب: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ضرب يده على منكبيه، ثم قال: أفلحت يا قُديم" تصغير مقدام بالترخيم بحذف الزوائد.

"إن مِتَّ ولم تكن أميراً ولا كاتباً ولا عريفاً، وهذا أيضاً للتحذير من التعرُّض للرئاسة والتأمُّر؛ لمَا فيه من الفتنة واستحقاقِ العقوبة إذا لم يقم بحقه.

* * *

2794 -

عن عُقْبةَ بن عامرٍ قال: قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا يدخُلُ الجنَّةَ صاحِبُ مَكْسٍ"، يعني الذي يَعْشُرُ النَّاسَ.

"عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يدخل الجنة صاحب مَكْسٍ"؛ أي: الماكِسُ الذي يأخذ من التجار إذا مرُّوا عليه مكساً باسم العُشر.

"يعني الذي يعشر الناس"؛ أي: يأخذ عُشْرَ أموال المسلمين، لا الساعي الذي يأخذ الصدقة وما على أهل الذمة من العُشر.

* * *

2795 -

وقال: "إنَّ أحبَّ النَّاسِ إلى الله يومَ القِيامةِ، وأَقربَهم منهُ مجلِساً إمامٌ عادِلٌ، وإنَّ أبغضَ النَّاسِ إلى الله يومَ القيامةِ وأشدَّهم عذاباً - ويروى: وأَبعدَهم منهُ مجْلِساً - إمَامٌ جائرٌ"، غريب.

"وعن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى

ص: 266

عليه وسلم: إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلساً" يريد به قربَ الثواب والدرجة.

"إمامٌ عادل، وإن أبغض الناس إلى الله يوم القيامة وأشدَّهم عذاباً - ويروى: وأبعدهم منه مجلساً - إمامٌ جائر. غريب".

* * *

2796 -

وقال: "أفضلُ الجهادِ مَن قالَ كلمةَ حَقٍ عندَ سُلطانٍ جائرٍ".

"وعن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أفضل الجهاد مَن قال"؛ أي: جهادُ مَن قال.

"كلمةَ حق عند سلطان جائر" وإنما كان أفضل؛ لأن مجاهد العدو متردِّدٌ بين أن يَغْلِبَ ويُغْلَبَ، ومَن عند السلطان مقهورٌ في يده، فإذا قال الحق أو أَمر به فقد تعرَّض للتلف.

* * *

2797 -

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أرادَ الله بالأميرِ خيراً جَعلَ لهُ وزيرَ صدقٍ، إنْ نَسيَ ذَكَّرَهُ وإنْ ذَكَرَ أعانَهُ، وَإذا أرَادَ بهِ غيرَ ذلكَ جَعلَ لهُ وزيرَ سُوءٍ، إنْ نَسيَ لم يُذَكِّرْهُ، وإنْ ذَكَرَ لم يُعِنْهُ".

"عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق"؛ أي: وزيراً صادقاً مصلحاً.

"إن نسي" ما هو الحق "ذكَّره"؛ أي: علَّمه.

"وإن ذكر"؛ أي: كان عالماً به.

ص: 267

"أعانه" بأن يحرِّضه على إتمام الحق ورغِّبه فيه ويعلم (1) ثوابه، ولا يتركه حتى ينساه.

"وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يُعنه".

* * *

2798 -

عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الأميرَ إذا ابتغَى الرِّيبَةَ في النَّاسِ أَفْسَدَهم".

"عن أبي أمامة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس"؛ أي: طلب عيوبهم وتجسَّس أحوالهم واتهمهم.

"أفسدهم" لأن الإنسان قلما يخلو من صغيرة أو زلَّة، فلو آذاهم بكلِّ فعلٍ وقول لشقَّ الحال عليهم، بل ينبغي أن يستر عليهم عيوبهم ما أمكن.

* * *

2799 -

وعن مُعاويةَ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّك إذا اتَّبَعْتَ عَوراتِ النَّاسِ أَفسدْتَهم".

"وعن معاوية - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: إنك إذا اتبعت عورات الناس": جمع عورة، وهي القبيح من الفعل والقول.

"أفسدتهم" معناه كمعنى الحديث المتقدم.

* * *

(1) في "غ": "وبعلم"، ولعل الصواب:"ويعُلمه".

ص: 268