الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14 -
كِتَابُ القِصَاص
(كتاب القصاص)
القِصَاص: وهو إما من: (قصَّ أثرَه): إذا اتَّبعه، والوليُّ يتبع القاتلَ في فعلِه، وإما من: المُقاصَّة، وهي المساواة والمماثلة، معناه: القَوَد.
1 - باب
مِنَ الصِّحَاحِ:
2584 -
عن عبدِ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دمُ امرئٍ مُسلمٍ يشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وأنِّي رسولُ الله إلا بإحدى ثلاثٍ: النَّفْسُ بالنَّفْسِ، والثَّيبُ الزَّاني، والتارِكُ لديِنهِ المُفارِقُ للجماعةِ".
"من الصحاح":
" عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ"؛ أي: إراقُة دمِه.
"يَشهَد أن لا إله إلا الله وأني رسولُ الله": هذا تفسير لـ (مسلم).
"إلا بإحدى ثلاث"؛ أي: عِلَلٍ ثلاثٍ.
"النَّفْس"؛ أي: اقتصاصُ النَّفْس.
"بالنَّفْس، والثيب"؛ أي: زِنا الثيب.
"الزاني"، والمراد من (الثيب: الزاني المحُصَن، وهو المسلم المكلَّف الحرُّ الذي أصاب في نكاحٍ صحيحٍ، ثم زَنىَ.
"والمارق"؛ أي: مرقُ المارقِ.
"لدِينه"؛ أي: الخارج عنه، من: المُرُوق، الخروج؛ يعني: المرتدُّ.
"التارك للجماعة"؛ أي: الإجماع.
* * *
2585 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لنْ يزالَ المؤمنُ في فُسْحَةٍ مِن ديِنهِ ما لم يُصِبْ دَماً حرامًا".
"وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لن يزالَ المؤمنُ"، (لن): لتأكيد نفي المستقبل.
"في فُسحةٍ"؛ أي: في سَعَةٍ.
"مِن دِينهِ ما لم يُصِبْ"، (ما): للدوام، يقال: أصابَه: إذا وجدَه.
"دماً حراماً"؛ يعني: إذا لم يَصدُر منه قتلُ نفسٍ بغير حقٍّ تسهُل عليه أمورُ دِينه، ويوفَّق للعمل الصالح.
* * *
2586 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أوَّلُ ما يُقضَى بينَ الناسِ يومَ القيمةِ في الدِّماءِ".
"وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أولُ ما يُقضَى بين الناس يومَ القيامة في الدماء"، وفيه: عظمُ أمرِها وكِبَرُ خطرها،
وليس هذا مخالفًا للحديث المشهور: "أولُ ما يُحاسَب به العبد صلاتُه"؛ لأنه فيما بين العبد وبين الله تعالى، وحديث الباب فيما بين العباد.
* * *
2587 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقْتَلُ نفسٌ ظُلْمًا إلا كانَ على ابن آدمَ الأولِ كِفْلٌ مِن دَمِها، لأنهُ أوَّلُ مَنْ سَنَّ القتلَ".
"وعن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تُقتَلُ نفسٌ ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها؛ لأنه أولُ مَن سَنَّ القتلَ": تقدم بيانه في آخر (صحاح باب العلم).
* * *
2588 -
عن المِقْدادِ بن الأَسودِ: أنه قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ لقيتُ رجلاً مِن الكُفَّارِ فاقْتَتَلْنا فضربَ إحدَى يديَّ بالسَّيفِ فقطعَها ثم لَاذَ مِنِّي بشجرةٍ، فقال: أسلمتُ للهِ، أَأَقْتُلُه بعدَ أَنْ قالَها؟ قال:"لَا تقتلْهُ"، فقالَ: يا رسولَ الله! إنه قطعَ إحدى يديَّ! فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقتلْهُ، فإنْ قتَلْتَه فإنَّهُ بمنزِلَتِكَ قبلَ أَنْ تقتُلَهُ، وإنكَ بمنزِلَتِهِ قبلَ أنْ يقولَ كلمتَهُ التي قالَها".
"عن المِقداد بن أسود أنه قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ"؛ أي: أخبرْني.
"إنْ لقيتُ" - بصيغة المتكلم - "رجلاً من الكفار، فاقتتلنا، فضربَ إحدى يديَّ بالسيف، فقطعَها، ثم لاذَ مني بشجرة"؛ أي: اعتصمَ بها وجعلَها مَلاذاً.
"فقال: أسلمتُ لله، أأقتله" بهمزة الاستفهام.
"بعد أن قالَها؟ "؛ أي: تلك الكلمةَ.
"قال"؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقتلْه": وهذا يستلزم الحكمَ بإسلامه،
ويُستفاد منه صحةُ إسلامِ المُكرَه، وأنَّ الكافرَ إذا قال: أسلمتُ، أو: أنا مسلم حُكِمَ بإسلامه.
"فقال"؛ أي: المقدادُ: "يا رسولَ الله: إنه قَطعَ إحدى يديَّ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تَقتلْه" فيه: دليل على أن الحربيَّ إذا جَنَى على مسلمٍ، ثم أَسلمَ، لم يُؤخَذ بالقصاص، إذ لو وجبَ لَرُخِّصَ له في قطع إحدى يدَيه بالقصاص.
"فإنْ قتلتَه فإنه بمنزلتك"؛ يعني: أنه معصومُ الدمِ مُحرَّمٌ قتلُه بعد ذكر تلك الكلمة.
"قبل أن تقتلَه، وإنك بمنزلته"؛ يعني: أنك غيرُ معصومِ الدمِ ولا مُحرَّمُ القتلِ
"قبل أن يقول كلمتَه التي قالها".
* * *
2589 -
وعن أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنه قال: بعَثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أُناسٍ من جُهَينةَ، فأتيتُ على رجلٍ منهم فذهبتُ أَطعنهُ فقالَ: لا إله إلا الله فطعنتُهُ فقتلتُه، فجئتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأخبرْتُهُ فقالَ:"أقَتَلْتَه وقد شهِدَ أنْ لا إلهَ إلا الله؟ " قلتُ: يا رسولَ الله! إنَّما فعلَ ذلكَ تعوُّذاً، قال:"فهلَاّ شَقَقْتَ عن قلبهِ".
"عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أنه قال: بعثنَا رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى أناسٍ من جُهَينةَ، فأتيتُ على رجلٍ منهم"، قيل: ذلك الرجل لم يكن جُهَينيًا، بل وُجِدَ بأرضهم، راعي غنمهم، فعُدَّ منهم، واسمه مرداس بن نهيك الفَزَاري، وقيل: مرداس بن عمرو الفَدَكي.
"فذهبتُ"؛ أي: طفقتُ.
"أَطعنُه"؛ أي: أضربُه بالرمح.
"فقال: لا إله إلا الله، فطعنتُه فقتلتُه"، ظنَّ أسامةُ أن إسلامَه لا عن ضمير قلبه، وأن الإيمانَ في مثل هذه الحالة لا يَنفَع.
"فجئتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: أَقتلتَه وقد شهد أن لا إله إلا الله؟! قلت: يا رسولَ الله! إنما فعل ذلك تعوُّذاً"؛ أي: ما أَسلمَ إلا مستعيذاً من القتل بكلمة التوحيد، وما كان مُخلِصًا في إسلامه.
"قال: فهلَاّ شققتَ عن قلبه"، الفاء: جواب شرط مقدَّر؛ أي: إذا عرفتَ ذلك فلِمَ لا شققتَ عن قلبه؛ لتَعلَمَ ذلك وتطَّلعَ على ما في قلبه أتعوذاً قال ذلك أم إخلاصًا؟! وشقُّ القلب: مستعار هنا للفحص والبحث عن قلبه: أنه مؤمن أو كافر؟
حاصله: أن أسامةَ ادَّعى أمراً يجوز معه القتل، والنبي صلى الله عليه وسلم نفاه لانتفاء سببه؛ لأن الاطلاعَ عليه إنما يمكن للباحث عن القلوب، ولا سبيلَ إليه للبشر، وهذا يدل على أن الحكمَ بالظاهر، وأما السرائرُ فتُوكَلُ الله تعالى.
* * *
2590 -
ورواه جُنْدبٌ البَجَلِيُّ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "كيفَ تصنعُ بلا إلهَ إلا الله إذا جاءَتْ يومَ القيامةِ" قالَهُ مِراراً.
"ورواه جُندب البَجَلي: أن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال" لأسامة: "كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت"؛ أي: كلمةُ لا إله إلا الله، أو مَن يخاصم لها مِن الملائكة، أو صاحبُها الذي تلفَّظ بها "يومَ القيامة؟! قاله مراراً".
* * *
2591 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قتلَ مُعاهِداً لم يَرِحْ رائحةَ الجنةِ، وإنَّ ريحَها تُوجدُ مِن مَسيرةِ أربعينَ خريفًا".
"وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن قَتَلَ مُعاهِداً" بكسر الهاء: مَن عاهَدَ مع الإمام على ترك الحرب، ذمِّيًّا كان أو غيره، ورُوي بفتح الهاء، وهو مَن عاهَدَه الإمامُ.
"لم يَرحْ": بفتح حرف المضارعة وضمها وفتح الراء وكسرها.
"رائحةَ الجنة"؛ أي: لا يشمُّ ولا يجدُ رِيحَها.
"وإن ريحَها": الواو فيه للحال.
"يوجد من مسيرة أربعين خريفاً"؛ أي: عامًا، قيل: المستحقُّ للجنة يجد ريحَها في الموقف ويستريح منه، فهذا القاتل يُحرَم من تلك الرائحة بقتلهِ ذلك، وقيل: عدمُ وجدانِ الريحِ كنايةٌ عن عدم دخول الجنة، فيُؤوَّل بالمُستحِلِّ.
* * *
2592 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من تردَّى مِن جبلٍ فقتلَ نفسَه فهو في نارِ جهنمَ يَتَردَّى فيها خالداً مُخلَّداً فِيها أبداً، ومَن تَحَسَّى سُمًّا فقَتَلَ نفسَه فسُمُّه في يدهِ يتحسَّاهُ في نارِ جهنمَ خالِداً مخلَّداً فيها أبداً، ومَن قتلَ نفسَهُ بحديدَةٍ فحديدتُه في يدهِ يَجَأ بها في بطنِهِ في نارِ جهنمَ خالِداً مخلَّداً فيها أبداً".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن تردَّى"؛ أي: أَلقَى نفسَه "من جبلٍ، فقَتلَ نفسَه، فهو في نار جهنم يتردَّى فيها خالداً مخلَّداً فيها أبداً": الحديث محمول على المُستحِلِّ، أو على بيان أن فاعلَه مستحقٌّ بهذا العذاب، أو المراد بالخلود: طول المدة، وتوكيده بـ (المخلَّد) والتأبيد يكون للتشديد.
"ومَن تحسَّى"؛ أي: شربَ في مهلةٍ يتجرَّع.
"سمًّا، فقَتلَ نفسَه، فسمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالداً مخلَّداً فيها أبداً، ومَن قتلَ نفسَه بحديدةٍ فحديدتُه في يده يَجَأُ بها"؛ أي: يضربُ بها "في بطنه في نار جهنم خالداً مخلَّدًا فيها أبداً".
* * *
2593 -
وقال: "الذي يخنُق نفسَه يخنُقُها في النَّار، والذي يطعنُها يطعنُها في النار".
"وقال: الذي يخنقُ نفسَه يخنقُها في النار، والذي يطعنُها"؛ أي: يطعنُ نفسَه.
"يطعنُها في النار"، والمعنى: أن مَن فعلَ فعلاً يتوصَّل به إلى هلاك نفسه في الدنيا عُوقِبَ في العُقبى بمِثلِ فعلِه.
* * *
2594 -
عن جُندبِ بن عبدِ الله قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كانَ فيمن كانَ قبلَكم رجلٌ به جُرْحٌ فجزِعَ، فأخذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بها يدَهُ فما رَقَأَ الدَّمُ حتى ماتَ، قال الله تعالى: بادَرَني عبدِي بنفسِه فحرَّمتُ عليهِ الجنة".
"عن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: كان فيمَن كان قبلَكم رجلٌ به جرحٌ، فجزعَ"، الجزع: نقيض الصبر؛ أي: لم يصبر على ألم الجرح.
"فأخذ سكِّينًا فحزَّ بها"؛ أي: قطعَ بالسكين "يدَه"، و (السكين): يُذكر ويُؤنث.
"فما رَقَأ" بالهمزة؛ أي: ما انقطعَ "الدمُ حتى مات، قال الله تعالى: بادَرَني عبدي بنفسه، فحرَّمتُ عليه الجنةَ": يُحمل الحديثُ على المُستحِلِّ، أو على أنه حرَّمها أولَ مرةٍ حتى يُذيقَه وبالَ أمره، ثم يرحمه بفضله.
* * *
2595 -
عن جابرٍ رضي الله عنه: أن الطُّفيلَ بن عمرٍو الدَّوسيَّ لما هاجَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، هاجرَ إليه وهاجرَ معَهُ رجلٌ مِن قومِهِ فمَرِضَ فجزِعَ، فأخَذَ مشاقِصَ له فقطَعَ بها بَرَاجِمَهُ فشخَبتْ يداهُ حتى ماتَ، فرآهُ الطُّفيلُ بن عمرٍو رضي الله عنه في منامهِ وهيئتُه حَسَنةٌ، ورآهُ مُغطِّيًا يدَيْهِ، فقالَ له: ما صنعَ بكَ ربُّكَ؟ فقال: غفرَ لي بهجرَتي إلى نبيهِ صلى الله عليه وسلم، فقالَ: ما لي أراكَ مُغَطِّياً يديْكَ؟ قالَ، قيلَ لي: لن نُصلِحَ منكَ ما أَفْسَدْتَ، فقصَّها الطُّفيلُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اللهمَّ وَلِيَدَيْهِ فاغفِرْ".
"عن جابر - رضي الله تعالى عنه -: أن الطُّفيلَ بن عمروٍ الدَّوسي لمَّا هاجَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجَرَ إليه"؛ أي: الطفيلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
"وهاجَرَ معه رجلٌ من قومه، فمرضَ"؛ أي: الرجلُ الذي هاجَرَ معه.
"فجزع"؛ أي: اشتدَّ مرضُه.
"فأخذ مَشَاقِصَ له" بفتح الميم: جمع المِشْقَص، وهو السكِّين، وقيل: نَصْلَ السهم إذا كان طويلاً عريضًا.
"فقَطعَ بها بَرَاجِمهَ" بفتح الباء: جمع بُرْجُمَة، مفاصل الأصابع المتصلة بالكَفِّ، وقيل: رؤوس السُّلَاميات، وهي المرتفعة عند قبض الكَفِّ.
"فشَخَبتْ يداه"؛ أي: سالَ دمُها "حتى مات، فرآه الطُّفيل بن عمرو في منامه وهيئته"؛ أي: صورته وحاله "حسنة، ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنعَ
بك ربُّك؟ قال: غَفَرَ لي ربي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: مالي أراك مغطياً يدَيك؟ قال: قيل لي: لن نُصلِحَ منك ما أفسدتَ، فقصَّها الطُّفيلُ على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ولِيَدَيهِ": عطف من حيث المعنى على قوله: (قيل: لن نُصلِحَ منك ما أفسدتَ)؛ لأن التقديرَ: قيل لي: غُفرتْ سائرُ أعضائك إلا يدَيك، فقال صلى الله عليه وسلم:(اللهم ولِيَدَيه).
"فاغفرْ": الفاء جواب شرط مقدَّر، تقديره: اللهم إذا غفرتَ لجنايةِ سائرِ جوارحِه فاغفرْ لجنايةِ يدَيه أيضًا، وفيه: دليل على عدم خلود المؤمن الجاني على نفسه في النار.
* * *
2596 -
عن أبي شُرَيْحٍ الكَعْبيِّ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "ثم أنتم يا خُزَاعَةُ قد قتلْتُم هذا القتيلَ مِن هُذَيْل وَأَنا والله عاقِلُهُ، مَن قتَلَ بعدَه قتيلاً فأهلُه بينَ خِيرتَيْنِ إن أَحَبُّوا قتَلُوا، وإنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا العَقْلَ".
"عن أبي شُريح الكَعبي رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله [صلى الله] تعالى عليه وسلم أنه قال: ثم أنتم يا خُزاعةُ": لفظة (ثم) صدر هذا الحديث يؤذن بعدم إيراده بتمامه.
"قد قتلتُم هذا القتيلَ من هُذَيل، وأنا والله عاقِلُه"؛ أي: معطي دِيته؛ إرادةً لإطفاء نائرة الفتنة بين القبيلتين، والعَقل: الدِّيَة، سُميت بها؛ لأنها تَعقِل عن القتل؛ أي: تَمنَع.
"مَن قَتلَ بعدَه قتيلاً فأهلُه"؛ أي: أهلُ المقتول.
"بين خِيرَتَين" بكسر الخاء المعجمة وفتح الياء: اسم بمعنى الاختيار.
"إن أحبُّوا قتَلُوا وإن أحبُّوا أخذوا العقلَ": وهذا يدل على أن الخيارَ لولي
القتيل، ولا يُعتبر رضا القتيل، وأن الدِّيَة مستحقةٌ لأهله كلِّهم، الرجال والنساء والزوجات، وأنه إن غابَ بعضٌ أو كان طفلاً لم يقتصَّ الباقون، حتى يبلغَ الطفلُ ويَقْدَمَ الغائبُ، وعليه الشافعي.
* * *
2597 -
عن أنسٍ رضي الله عنه: أن يهوديًّا رَضَّ رأسَ جاريةٍ بينَ حَجَريْنِ فقيلَ لها: مَنْ فعلَ بكِ هذا أَفُلانٌ؟ أَفُلانٌ؟ حتى سُمِّيَ اليهوديُّ فأَوْمَأَتْ برأسِها، فجيءَ باليهوديِّ فاعتَرفَ، فأمرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فَرُضَّ رأسُه بالحِجارةِ.
"عن أنس - رضي الله تعالى عنه -: أن يهوديًّا رضَّ"؛ أي: كسرَ ودقَّ.
"رأسَ جاريةٍ"، وهي مِن النساء: مَن لم يَبلُغ الحُلمَ.
"بين حَجَرَين، فقيل لها: مَن فعل بك هذا؟ أفلان أم فلان؟ حتى سُمِّيَ اليهوديُّ، فأومتْ برأيها"؛ أي: أشارت به، أصله: أومأت - بالهمزة -، ثم لُينت بالفاء، ثم حُذفت للساكنَين.
"فجيءَ باليهودي، فاعتَرفَ، فأمَر به رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم فَرُضّ رأسُه بالحجارة"، فيه: دليل على قتل الرجل بالمرأة وبالعكس، وعليه العامة، إلا الحسن وعطاء فإنهما قالا: لا يُقتَل الرجلُ بالمرأة، وعلى أن القتلَ بمثقلٍ يَقتُل غالباً يُوجِب القصاصَ، وعليه الأكثر خلافاً لأصحاب الرأي وعلى اعتبار جهة القتل فيقتص منه بمثل فعله.
* * *
2598 -
عن أنس رضي الله عنه: أنَّه قال: كَسَرَتْ الرَّبَيعُ، وهي عمَّهُ أنسِ بن مالكٍ، ثَنِيَّةَ جاريةٍ من الأنصارِ فأَتَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمَرَ بالقِصاصِ، فقال أنسُ بن
النّضر، عمُّ أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: لا والله لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُها يا رسولَ الله، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يا أنسُ كتابُ الله القِصاصُ"، فرَضيَ القومُ وقَبلُوا الأَرْشَ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ مِن عبادِ الله مَنْ لو أَقسَمَ على الله لأبَرَّهُ".
"عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: كسَرَتِ الرُّبَيعُ، وهي عمَّة أنس بن مالك، ثَنِيَّةَ جاريةٍ من الأنصار"، فطلبوا منها العفوَ، فلم تَرْضَ.
"فأتوا النبيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم، فأمر بالقصاص، فقال أنسُ بن النَّضْر عمُّ أنسِ بن مالك: لا، والله لا تُكسَر ثنيَّتُها يا رسولَ الله": وهذا ردٌّ لأمرِه صلى الله عليه وسلم بالقصاص على سبيل التعجب، أو الكرامات؛ لكون الكاسرةِ أشرفَ، لا على سبيل الإنكار.
"فقال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يا أنسُ! كتابُ الله القصاصُ": وهو قوله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} [المائدة: 45] الآية {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وقيل: كتابُ الله فرضَه على لسان نبيه.
"فرَضيَ القوم"؛ أي: قومُ التي كُسِرَ سِنُّها بعدم الكسر.
"وقَبلُوا الأَرْشَ، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن مِن عباد الله مَن لو أَقسَمَ على الله لأَبرَّه"؛ أي: يجعله بارًّا صادقاً في يمينه لكرامته.
* * *
2599 -
وعن أبي جُحَيْفَةَ قال: سألتُ علياً هل عِندَكم شيءٌ ليسَ في القرآنِ؟ فقال: والذي فلقَ الحبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ ما عِندَنا إلا ما في القرآنِ، إلَاّ فَهْماً يُعطَى رجلٌ في كتابهِ، وما في الصَّحيفةِ! قلتُ: وما في الصَّحيفةِ؟ قال:
العقلُ، وفِكاكُ الأسيرِ، وأنْ لا يُقْتَلَ مُسلم بكافرٍ.
"عن أبي جُحَيفة رضي الله عنه أنه قال: سألتُ عليًّا: هل عندكم شيء ليس في القرآن؟ ": وإنما سألوه بذلك لزعمهم أنه صلى الله عليه وسلم خصَّ أهلَ بيته - سيَّما عليًّا رضي الله عنه بأسرار الوحي، أو لأنهم وجدوا عندَه رضي الله عنه علماً وتحقيقًا لم يجدوه عند غيره، فحَلَفَ عليُّ - رضي الله تعالى عنه - إزاحة لوهمِ ما توهَّمُوه.
"فقال: والذي فَلَقَ الحَبّةَ"؛ أي: شقَّها بإخراج النبات منها.
"وَبَرأَ النَّسمةَ"؛ أي: خلقَها، والنسمة: النَّفْس، وكلُّ ذي روح فهي نسمة.
"ما عندنا": جواب القَسَم.
"إلا ما في القرآن": استثناء منقطع؛ أي: ليس عندَنا شيءٌ غير القرآن.
"إلا فهماً يُعطَى الرجلُ في كتابه": استثناء من الاستثناء الأول، أراد به استدراكَ معنى اشتبه عليهم معرفتُه؛ يعني: لكن الناسَ يتفاوتون في الفهم والإدراك واستنباط المعاني، والفهم: الفِطنة التي يقف بها المرءُ على ما في الكتاب.
"وما في الصحيفة": عطف على (ما في القرآن)، قَرَنَه به احتياطاً في يمينه؛ لاحتمال انفراده بسماع ما فيها، وكانت تلك الصحيفةُ مكتوبة من إملاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في علاقة سيف عليٍّ رضي الله تعالى عنه.
"قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العَقلُ": أراد به أسنانَ إبل الدِّيَة وعددَها وسائرَ أحكامها، وقيل: إيجاب الدِّيَة نفسا وطرفاً.
"وفَكاكُ الأسير" بفتح الفاء: ما يُفتكُّ به؛ يعني: من جملة ما فيها تخليصُه، وفيه: استحبابُ فَكاكِه.
"وأن لا يُقَتلَ مسلم بكافرٍ": يدُّكُ على أن المؤمَن لا يُقتصَّ بالكافر، حربيًّا كان أو ذمِّيا؛ لعموم النفي، وعليه الشافعي.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2600 -
عن عبدِ الله بن عمرٍو رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَزَوالُ الدُّنيا أهونُ على الله مِن قتلِ رجلٍ مسلمٍ"، ووقَفَه بعضُهم، وهو الأصحُّ.
"من الحسان":
" عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنه -: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لَزوالُ الدنيا": التي هي مَعبَرُ الإنسانِ إلى دار البقاء، ومحلُّ تحصيل الأنبياء والأولياء أنواعَ القربات، من عالِم الملكوت، ومما عند الله سبحانه مما لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعتْ، ولا خَطَرَ على قلب بشر.
"أهونُ"؛ أي: أَسهلُ.
"على الله مِن قتلِ رجلٍ مسلمٍ"؛ أي: من إراقةِ دمهِ؛ إذ المسلمُ هو المقصود مِن إيجاد الدنيا وخلقها.
"ووقفَه بعضُهم"؛ أي: وقفَ بعضُ أصحابِ الحديثِ هذا الحديثَ على ابن عمرو؛ "وهو الأصح".
* * *
2601 -
وعن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه، وأبي هريرةَ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"لو أن أهلَ السماء والأرضِ اشتركُوا في دمِ مؤمنٍ لأكَبَّهم الله في النارِ"، غريب.
"وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لو أن أهلَ السماء والأرض اشتركوا"؛ أي: لو ثبتَ اشتراكُهم.
"في دمِ مؤمنٍ لَكبَّهم الله"؛ أي: صرعَهم. "في النار. غريب".
* * *
2602 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه قال: "يجيءُ المقتولُ بالقاتِلِ يومَ القيامةِ ناصيتُه ورأسُه بيدِه وأَوْداجُه تَشْخُبُ دماً يقولُ: يا ربِّ قتلَني حتى يدُنِيَه مِن العَرشِ".
"عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: يجيء المقتولُ بالقاتل يومَ القيامة، ناصيتُه ورأسُه بيده، وأوداجُه" جمع: وَدَج - بفتحتين -، وهو العِرق المحيطة بالعُنق، يقطعها الذابح.
"تَشخُب"؛ أي: تَسيلُ "دماً، يقول: يا ربِّ قتلَني، حتى يُدنيَه"؛ أي: يُقرِّب المقتولُ القاتلَ "من العَرش": كان هذا عبارةٌ عن استقصاء المقتول في طلب ثأره.
* * *
2603 -
عن عثمانَ رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحِلُّ قتلُ امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاثٍ: كفرٌ بعد إيمان، أو زناً بعدَ إحصانٍ، أو قَتْلُ نفسٍ بغيرِ نفسٍ".
"عن عثمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: لا يحلُّ دم امرئٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث: كفرٍ بعدَ إيمانٍ"، يريد به: الارتداد.
"أو زِنًا بعد إحصانٍ": تقدم معنى (الإحصان).
"أو قتلِ نفسي بغير نفسٍ".
* * *
2604 -
عن أبي الدَّرداء، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزالُ المؤمنُ مُعْنِقا صالحاً ما لم يُصِبْ دماً حراماً، فإذا أصابَ دماً حراما بَلَّحَ".
"عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: لا يزالُ المؤمنُ مُعنقِاً"؛ أي: منبسطاً في سيرِه يومَ القيامة، يقال: أَعتَقَ الرجلُ؛ أي: سارَ العَنَقَ، وهو ضربٌ من السير السريع، وقيل: معناه: مسارعا إلى الخيرات موفَّقا لها.
"صالحاً ما لم يُصِبْ دماً حراماً، فإذا أصاب دماً حراماً بَلَّحَ"؛ أي: أَعيا وأعجزَ وانقطعَ وتحيَّر بشؤمِ ما ارتكب من الإثم.
* * *
2605 -
وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كلُّ ذنبٍ عسى الله أنْ يغفِرَهُ إلا مَن ماتَ مُشركاً، أو من يَقتُلُ مؤمناً مُتعمِّداً".
"وعنه، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: كلُّ ذنبٍ"؛ أي: كلُّ قارفِ ذنبٍ.
"عسى الله أن يغفرَه إلا ذنب مَن ماتَ مُشرِكاً، أو": ذنباً مَن يقتلُ مؤمناً متعمِّداً، إذا كان مُستحِلاً دمَه.
* * *
2606 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقامُ الحدودُ في المساجدِ، ولا يُقادُ بالولدِ الوالدُ".
"عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تُقام الحدودُ في المساجد"؛ لأنها بنيت للصلاة وقراءة القرآن وغير ذلك من العبادات.
"ولا يُقاد بالولد الوالدُ"؛ أي: لا يُقتصُّ والد بقتلهِ ولدَه، أو لا يُقتَلُ الوالدُ عوضَ ولدِه الواجبُ عليه القصاصُ بقتلهِ أحداً ظلمًا، وقد كان في الجاهلية يُقتَل أحدُهما بالآخر، فنَهَى صلى الله عليه وسلم عنه.
* * *
2607 -
عن أبي رِمْثَةَ رضي الله عنه قالَ: دخلتُ مع أبي على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فرأَى أبي الذي بظَهرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ: دَعْني أُعالجُ الذي بظهركَ فإني طبيبٌ، فقالَ:"أنتَ رفيق، والله الطبيبُ"، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ هذا مَعَك؟ " قالَ: ابني فاشهدْ به، فقالَ:"أَما إنه لا يَجني عليكَ ولا تَجْني عليهِ".
"عن أبي رِمْثَةَ رضي الله عنه أنه قال: دخلتُ مع أبي على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فرأى أبي الذي بظَهر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، يريد به: موضع خاتم النبوة، وكان ذلك ناتئاً عن ظَهره، فظنُّ أبوه أنه سِلْعةٌ (1) تولَّدت من الفضلات.
"فقال: دَعْني"؛ أي: اتركْني.
"أعالج الذي بظَهرك"؛ أي: أُداويه.
(1) السَّلْعَة: خراج في العنق، أو غُدَّة فيها، أو زيادة في البدن كالغُدَّة. "القاموس"(س ل ع).
"فإني طبيبٌ"، أخرجه صلى الله عليه وسلم عن زعمه إلى غيره راداً عليه، "فقال: أنتَ رفيق" من: الرِّفق؛ أي: لين الجانب، وقيل: الرِّفق: لطافة القول أو الفعل؛ أي: أنت ترفقُ بالناس في العلاج بلطافة الفعل وحفظ المزاج من الأغذية الرديَة.
"والله الطبيبُ"؛ أي: المداوي الحقيقي الشافي عن الداء، العالِم بحقيقة الدواء، القادر على الصحة والبقاء؛ يعني: ليس هذا مما يُعالَج، بل يفتقر كلامُك إلى العلاج، حيث سَمَّيتَ نفسَك بالطبيب، والله هو الطبيب.
قيل: كان مكتوباً على خاتم النبوة: توجَّه حيث شئتَ؛ فإنك منصورٌ.
"وقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن هذا معك؟ قال: ابني، فاشهَدْ به": بصيغة الأمر؛ أي: فاشهَدْ بأنه ابني، مريداً بهذا إلزامَ ابنهِ ضمانَ الجنايات عنه، على رسم الجاهلية.
"فقال: أَمَا إنه لا يجني عليك"؛ أي: لا يجني جناية يكون القصاصُ أو الضمانُ فيها عليك.
"ولا تجني عليه".
* * *
2608 -
عن عمرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: عن سُراقةَ بن مالكٍ رضي الله عنه قالَ: "حضرتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقِيْدُ الأبَ من ابنهِ، ولا يُقيدُ الابن من أبيهِ"، ضعيف.
"عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن سُراقةَ بن مِالك رضي الله عنه قال: حضرتُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يُقِيدُ الأبَ من ابنه، ولا يُقِيدُ الابن من أبيه"؛ أي: كان يَقتُلُ الأبَ إذا قَتلَ ابنه، ولا يَقتُلُ الابن إذا قَتلَ أباه.
"ضعيف"؛ أي: هذا الحديث ضعيف، لا يقاوم ما مرَّ من حديث ابن عباس:"ولا يُقاد بالولد الوالا"، وقيل: كان هذا في صدر الإسلام، ثم نُسخ.
* * *
2609 -
عن الحسنِ، عن سَمُرَة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن قتلَ عبدَهُ قتلْناهُ، ومَن جَدع عبدَهُ جَدَعْناهُ، ومَن أَخْصَى عبدَه أَخصيْناه".
"عن الحسن، عن سَمُرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: مَن قَتلَ عبدَه قتلناه، ومَن جَدع عبدَه"؛ أي: قطعَ أطرافَه "جَدَعْنَاه" ومَن أَخْصَى عبدَه"؛ أي: سلَّ خصيتَه "أَخْصَيْنَاه"، قيل: هذا على سبيل الزجر؛ ليرتدعوا ولا يُقدموا على ذلك، كما قال في شارب الخمر: "إذا شربَ فاجلدوه"، ثم قال في الرابعة أو الخامسة: "فإن عاد فاقتلوه"، ولم يَقتلْه حين جِيءَ به وقد شربَ رابعا أو خامسا، وتأوله بعضُهم على العبدِ المُعتَق؛ لأنه يُسمَّى عبدَه عُرفا باعتبار ما كان، وقيل: منسوخ.
* * *
2609/ -م - عن عمرِو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قتلَ متعمِّداً دفع إلى أولياءِ المقتولِ فإنْ شاءوا قتلُوا، وإنْ شاؤوا أخذُوا الدِّيَةَ وهي: ثلاثونَ حِقَّة، وثلاثونَ جَذَعَة، وأربعونَ خَلِفَةً، وما صالَحوا عليهِ فهو لهم".
"عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنهم: أن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: مَن قتلَ" - ببناء الفاعل - "متعمِّداً دُفع" - ببناء المفعول؛ أي: القاتلُ - "إلى أولياء المقتول؛ فإن شاؤوا قَتلوا، وإن شاؤوا أخذوا الدِّيَةَ،
وهي ثلاثون حِقَّةً وثلاثون جَذَعةً وأربعون خَلِفَةً" بفتح الخاء وكسر اللام: الحامل من النُّوق.
"وما صالحوا عليه فهو لهم".
* * *
2610 -
عن عليٍّ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"المسلمونَ تَتكافَأُ دماؤُهم، وَيسعَى بذِمَّتِهم أَدناهم، وَيرُدُّ عليهم أَقْصاهم، وهُم يَدٌ على مَنْ سِواهم، ألا لا يُقتَلُ مُسلمٌ بكافرٍ، ولا ذُو عهدٍ في عهدِه".
"عن عليٍّ رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المسلمون تتكافَأ دماؤُهم"؛ أي: تتساوى في القصاص والديات، لا فضلَ فيها لشريف وكبير وعالِم على رجلٍ وضيعٍ وصغيرٍ وجاهلٍ وامرأة، خلافَ ما كان يفعله أهلُ الجاهلية؛ إذ كانوا يقتلون عدةً من قبيلة القاتل الوضيع، قيل: هذا من جملة ما في الصحيفة.
"ويسعى بذَّمتهم"؛ أي: يُعطي أمانَهم.
"أدناهم" في المنزلة، وفيه حُجَّة للشافعي في جواز أمان العبد.
"وَيرُدُّ عليهم أقصاهم"؛ أي: ما أَخذَ أبعدُهم يُرَدُّ على أقربهم، وهذا إذا خرجت جيوش المسلمين إلى الغزو، ثم انفصل منهم سرية عند قربهم بلادَ العدوِّ، فغنموا، يردُّون ما غنموا على الجيش الذين هم رِدْءٌ لهم، ولا ينفردون به، بل يكونون جميعا شركاء فيه.
"وهم يدٌ"؛ أي: المسلمون، نصرةً ومعونةً، يعاون بعُضهم بعضاً، كأنهم يدٌ واحدةٌ في التعاون والتناصر.
"على مَن سواهم" مِن الكفار.
"ألا لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ": ذهب الشافعي بهذا على أن المسلمَ لا يُقَتل بكافرٍ ذي عهد مؤبَّدٍ، أو مستأمنٍ ذي عهدٍ مؤقَّتٍ.
وقال أبو حنيفة - رحمة الله عليه -: بُقتَل المسلم بالذمي، وتأويل الحديث: لا يُقتَل مسلمٌ بكافرٍ حربيٍّ؛ لأنه المرادُ، بدليل عطف ما بعده عليه.
"ولا ذو عهدٍ في عهده": في موضع النصب على الحال، أراد: أن ذا العهدِ لا يجوزُ قتلُه ابتداء ما دام في العهد.
* * *
2611 -
عن أبي شرَيح الخُزاعي قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَن أُصيبَ بدمٍ أو خَبْلٍ - والخَبْلُ: الجُرْحُ - فهو بالخيارِ بينَ إحدَى ثلاثٍ، فإن أرادَ الرَّابعةَ فَخُذُوا على يَدَيْه، بينَ أنْ يَقتَصَّ، أو يَعفُوَ، أو يأخذَ العَقْلَ، فإنْ أخذَ مِن ذلكَ شيئاً ثم عَدا بعدَ ذلكَ، فلهُ النارُ خالِداً فيها مخلَّداً أبداً".
"عن أبي شُريح الخُزاعي - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: مُن أُصيبَ بدمٍ أو خَبْلٍ" بالسكون: فساد الأعضاء.
"والخَبْلُ الجرح"؛ أي؛ أُصيب بقتلِ نفسٍ أو قطعِ عضوٍ.
"فهو بالخيار بين إحدى ثلاث، فإن أراد"؛ أي وبعدَ هذا فإن أراد "الرابعةَ"؛ أي: الزائدةَ على الثلاث "فخذوا على يدَيه"؛ أي: امنعوه عن ذلك.
"بين أن يَقتصَّ": بدل من قوله: (بين إحدى ثلاث).
"أو يَعفوَ، أو ياخذَ العقلَ"؛ أي: الديَةَ.
"فإن أخذَ من ذلك"؛ أي: من الخصال الثلاث "شيئاً، ثم عدا بعد ذلك"؛ أي: تجاوَزَ بعد الخصال الثلاث بطلبِ شيءٍ آخرَ، كأن عَفَا، ثم طلبَ العقلَ بعد ذلك، أو طلبَ واحداً من العقل أو القصاص "فله النارُ خالداً مخلَّداً فيها أبداً".
* * *
2612 -
عن طاوسٍ، عن ابن عبَّاسٍ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"من قُتِلَ في عِمِّيَّةٍ، في رمي يكونُ بينَهم بالحجارةِ أو جَلْدٍ بالسِّياطِ أو ضَرْبٍ بعصاً، فهو خطأ، وعَقْلُه عَقْلُ الخَطَإ، ومَن قتلَ عمداً فهو قَوَدٌ، ومَن حالَ دونهَ فعليهِ لعنةُ الله وغَضَبُه، لا يُقبَلُ منه صَرْفٌ ولا عَدْلٌ".
"عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: مَن قُتِلَ في عِمَيَّةٍ، بكسر العين والميم المشددة، ويروى بضم العين أيضاً: هي الضلالة، وقيل: الفتنة، وقيل: الأمر المُلتبس الذي لا يُعرَف وجهُه.
"في رميٍ": بدل من قوله: (في عِمِّية).
"يكون بينهم بالحجارة"؛ يعني: تَرَامَى القومُ، فيُوجَد بينهم قتيلٌ يَعمَى أمرُه ولا يُدرَى قاتلُه.
"أو جَلْدٍ بالسِّياط" جمع: السَّوط.
"أو ضربٍ بعصاً؛ فهو خطأ، وعَقلُه عَقلُ الخطأ، ومَن قتل عمداً فهو قَوَدٌ"؛ أي: بصددِ أن يُقاد منه، ومستوجبٌ له، مصدر بمعنى المفعول، أطلقه باعتبار ما يَؤُول إليه، وهذا على تقدير كونِ (قَتَلَ) على بناء الفاعل، وإن كان
على بناء المفعول فتفسيره: أن يُقاد له.
"ومَن حَالَ"؛ أي: مَنعَ.
"دونهَ"؛ أي: دونَ القصاص، أو دون القاتل؛ يعني: منعَ المستحقَّ من الاستيقاد، أو أَخفَى المُستحَقَّ عليه.
"فعليه لعنةُ الله وغضبُه، لا يُقبَل منه صرفٌ"؛ أي: نافلةٌ "ولا عَدْلٌ"؛ أي: فريضةٌ.
* * *
2613 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا أُعْفي مَن قتلَ بعدَ أخْذِ الدِّيةِ".
"عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا أُعفي" بصيغة المضارع المتكلم المعلوم "مَن قَتلَ بعدَ أخذِ الدِّيَةِ"؛ أي: لا أَدعُ القاتلَ بعد أخذِ الديةِ، فيُعفَى عنه، أو يُرضَى منه بالدية، والمراد منه: التغليظ عليه بمباشرة الأمر الفظيع.
وفي بعض النسخ: "لا يُعفَى" على بناء المجهول؛ أي: لا يُترَك، لفظه خبر ومعناه نهي، وهو حسنٌ إن صحَّ روايةَ، وفي بعضها:"لا أُعفِيَ" بصيغة الماضي المجهول، وهو دعاء عليه.
* * *
2614 -
عن أبي الدَّرداءَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "ما مِن رجلٍ يُصابُ بشيءٍ في جسده فتصَدَّقَ به إلَاّ رفَعَه الله بهِ درجةً، وحَطَّ عنهُ بهِ خطيئةً".