الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"عن عِمران بن حُصين رضي الله عنه: أن غلاماً لأناسٍ فقراءَ"، المراد بهذا الغلام: الحُرُّ لا الرقيق؛ يعني: عاقلته كانوا فقراء.
"قطعَ"؛ أي: بالخطأ "أُذنَ غلامٍ لأناسٍ أغنياء، فأتى أهلُه النبي صلى الله عليه وسلم (فقالوا) اعتذاراً بالفقر: "إنمّا أناسٌ فقراء فلم يجعل"؛ أي: النبيُّ صلى الله عليه وسلم "عليهم شيئاً"؛ لأنه لا شيءَ على الفقير من العاقلة، ولو كان الجاني رقيقاً تعلَّق جنايته برقبته في قول العامة، وفقرُ مولاه لا يَدفَع ذلك.
* * *
3 - باب ما لا يُضْمَنُ من الجنايات
(باب ما لا يُضمَن من الجنايات)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2635 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "العَجْماءُ جُرْحُها جُبارٌ، والمَعْدِنُ جُبارٌ والبئرُ جُبارٌ".
* * *
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: العَجْمَاءُ جرحُها جُبَارٌ"؛ أي: هَدَرٌ.
"والمعدنُ جُبارٌ، والبئرُ جُبَارٌ": تقدم البيان فيه في (باب ما تجب فيه الزكاة).
* * *
2636 -
وعن يَعْلى بن أُميةَ قال: غزَوْتُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم جيشَ العُسْرَةِ وكانَ لي أَجيرٌ، فقاتلَ إنسانًا فَعَضَّ أحدُهما يدَ الآخرِ، فانتزَعَ المعْضُوضُ يدَه مِن فِيْ العاضِّ فأنْدَرَ ثَنِيَّتَه فسقطَتْ، فانطلقَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فأهدَرَ ثَنِيَّتَه وقال:"أيدع يدَهُ في فيكَ تَقضمُها كالفَحْلِ؟ ".
"وعن يَعلَى بن أمية رضي الله عنه أنه قال: غزوتُ مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جيشَ العُسرة"، المراد منه: غزوة تبوك، وسُميت بذلك؛ لشدة الأمر عليهم فيها بالحَرّ، وعُسرِ الحال من الزاد والماء والظَّهر.
"وكان لي أجير، فقاتَلَ إنساناً، فعضَّ أحدُهما يدَ الآخر فانتزع المعضوضُ يدَه من في العاضِّ"؛ أي: من فمِه.
"فأنْدَرَ"؛ أي: أسقطَ "ثنيتَه، فسقطت، فانطلق إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فأَهدرَ ثنيتَه"؛ أي: لم يُلزْمه شيئاً.
"وقال"؛ أي: النبيُّ صلى الله تعالى عليه وسلم إشارةً إلى علَّة الإهدار:
"أيَدع"؛ أي: يتركُ "يدَه في فيك"؛ أي: في فمِك "تَقضَمُها" القضم: الأكل بأطراف الأسنان، "كالفحل" من الإبل.
وفي الحديث: بيان أن دفعَ الشخصِ عن نفسِه مباحٌ.
* * *
2637 -
وعن عبدِ الله بن عَمرٍو رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن قُتِلَ دونَ مالِهِ فَهُو شَهيدٌ".
"عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: مَن قُتل دونَ مالهِ"؛ أي: عند الدفع عن ماله، أو لأجل ماله.
"فهو شهيد"، وفيه؛ جواز مقاتلة قاصد المال بغير حقٍّ، قلَّ أو كَثُرَ.
وقال بعض أصحاب مالك: لا يجوز إن طلبَ قليلاً، والحديثُ بإطلاقه حُجَّة عليهم.
* * *
2638 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! أَرأيتَ إنْ جاءَ رجل يُريدُ أخْذَ مالي؟ قال: "فلا تُعْطِه مالَكَ"، قال: أرأيتَ إنْ قاتَلَني؟ قال: "قاتِلْهُ"، قال: أرأيتَ إنْ قتلَني؟ قال: "فأنتَ شهيدٌ"، قال: أرأيتَ إنْ قتلتُه، قال:"هوَ في النَّارِ".
"وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء رجل فقال: يا رسولَ الله! أرأيتَ"؛ أي: أخبرْني.
"إنْ جاء رجل يريد أخذَ مالي؟ قال: فلا تُعطِه مالَك، قال: أرأيتَ إن قاتَلَني؟ قال: قاتِلْه، قال: أرأيتَ إن قتلَني؟ قال: فأنتَ شهيدٌ، قال: أرأيتَ إن قتلتُه؟ قال: هو في النار"، فيه: أيضاً دليل على أن دفعَ الصائلِ - وإنْ هلكَ في الدفع - مباحٌ.
* * *
2639 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ:"لو اطَّلَعَ في بيتِكَ أَحَدٌ ولم تأذَنْ له، وخَذَفْتَه بحَصاة فَفَقَأتَ عينَهُ، ما كانَ عليكَ مِن جُناحٍ".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: لو اطَّلع في بيتك"؛ يعني: لو نظرَ فيه.
"أحدٌ" من شقِّ بابٍ أو كوةٍ، وكان البابُ غيرَ مفتوح.
"ولم تأذَن له" في ذلك.
"فحَذَفْتَه"؛ أي: فرميتَه "بحصاةٍ، ففقأتَ عينَه"؛ أي: قلعتَها.
"ما كان عليك من جُناحٍ"؛ أي: إثيم، عمل الشافعي بالحديث، وأسقطَ عنه ضمانَ العين، قيل: هذا إذا فقأها بعد أن زجرَه فلم ينزجر، وأصحُّ قولَيه: أنه لا ضمانَ مطلقًا؛ لإطلاق الحديث.
وقال أبو حنيفة: عليه الضمانُ، فالحديثُ محمولٌ على المبالغة في الزجر.
* * *
2640 -
وعن سَهْلِ بن سَعدٍ: أن رَجُلاً اطَّلَعَ في جُحْرٍ مِن بابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِدْرًى يَحُكُّ بهِ رأسَهُ فقال:"لو أَعلمُ أنَّكَ تَنْظُرني لَطَعَنْتُ بهِ في عينكَ، إنما جُعِلَ الاستِئْذانُ مِن أَجلِ البَصَرِ".
"عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه -: أن رجلاً اطلع في جُحرٍ في باب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ومع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مِدْرًى" بكسر الميم وسكون الدال المهملة: حديدة يُسوَّى بها شَعر الرأس، وفي "الصحاح": أنه القَرن.
"يحك به رأسَه، فقال: لو أعلم أنك تنظرني لَطعنتُ به في عينك؛ إنما جُعل الاستئذانُ من أجل البصر"؛ أي: إنما احتِيجَ إلى الاستئذان في الدخول؛ لئلا يقعَ نظرُ مَن في الخارج إلى داخل البيت، فيكون النظرُ بلا استئذانِ منهيًّا كالدخول.
* * *
2641 -
عن عبدِ الله بن مُغفَّلٍ رضي الله عنه: أنَّه رأى رَجُلاً يَخذِفُ فقال له: لا تَخذِفْ فإنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نهَى عن الخَذْفِ وقال: "إنه لا يُصادُ به صَيدٌ،
ولا يُنْكَأُ به عدوٌّ، ولكنَّه قد يَكْسِر السّنَّ ويَفقأُ العينَ".
"عن عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه: أنه رأى رجلاً يَخذِف"، الخذف - بالخاء والذال المعجمتين -: رمي الحصاة من بين السبَّابتين، أو الإبهام والسبَّابة.
"فقال له: لا تَخذِف؛ فإن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم نَهَى عن الخذف وقال: إنه لا يُصاد به صيد، ولا يُنكَأ به"؛ أي: لا يُجرَح به "عدوٌّ" من (نكيتُ في العدوّ نِكايةً): إذا أثَّرتُ فيه بجرحٍ.
"ولكنها قد تَكسِر السنَّ وتَفقَأ العينَ"؛ أي: تقلعها، وإنما نهَى عن الخذف؛ لأنه لا مصلحةَ فيه، ويُخاف من فساده، ويلتحق به كلُّ ما شاركه في هذا المعنى.
* * *
2642 -
وقال: "إذا مرَّ أحدكم في مسجدنا، أو في سُوقنا، ومعَه نبلٌ فليُمسِك على نِصالِها أنْ يُصيبَ أحداً مِن المسلمينَ منها بشيء".
"عن أبي بُردة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا مرَّ أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا، ومعه نبَلٌ": وهي السِّهام العربية.
"فَلْيُمسكْ على نصالها"؛ أي: فَلْيأخذْ نصالَها بيده.
"أن يصيبَ"؛ أي: كراهةَ أن يصيبَ.
"أحداً من المسلمين منها بشيءٍ".
* * *
2643 -
وقال: "لا يُشيرُ أحدكم على أخيهِ بالسِّلاحِ، فإنَّه لا يدري لعَلَّ الشَّيطانَ ينزِعُ في يدِه فيقَعُ في حُفرةٍ مِن النَّارِ".
"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يشير": نفيٌ بمعنى النهي.
"أحدُكم على أخيه"؛ أي: أخيه المسلم، ويُلحق به الذمِّي.
"بالسلاح": وهو ما أُعدَّ للحرب من آلة الحديد.
"فإنه لا يدري لعل الشيطانَ": مفعول (يدري)، ويجوز أن يكون (يدري) نازلاً منزلةَ اللازم، فنَفَى الدرايةَ عنه أصلاً، ثم استَأنفَ بقوله:(لعل).
"يَنزِع" بالعين المهملة؛ أي: يَجذِبه "في يده": كانه يرفع يدَه فيحقق إشارتَه، ويُروى بالغين المعجمة من: النزغ الإفساد والإغراء؛ أي: يُغريه فيحمله على تحقيق الضرب والطعن، وإسناد الفعل إلى الشيطان من الإسناد إلى المسبب.
"فيقع"؛ أي: المُشِير.
"في حفرة من النار".
وفيه: نهيٌ عن الملاعبة بالسلاح؛ فإنها تُفضي إلى صيرورة الهزلِ جداً واللعبِ حرباً، فيقتل أحدُهما الآخرَ، فيدخل النارَ.
* * *
2644 -
وقال: "من أشارَ إلى أَخيْهِ بحديدةٍ فإنَّ الملائكةَ تَلعنهُ حتى يضعَها، وإنْ كانَ أَخاهُ لأِبيهِ وأُمِّهِ".
"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن أشارَ إلى أخيه بحديدة"؛ أي: بما هو آلةُ القتل.
"فإن الملائكةَ تلعنُه"؛ يعني: تدعو عليه بالبُعد عن الجنة أولَ الأمر.
"حتى يضعَها، وإن كان أخاه"؛ أي: المُشِير أخا المُشَار إليه "لأبيه
وأمِّه"؛ يعني: وإن كان هازلاً ولم يَقصد ضربَه، كنى به عنه؛ لأن الأخ الشقيقَ لا يقصد قتلَ أخيه غالباً.
* * *
2645 -
وقال: "مَن حَمَلَ علينا بالسِّلاحِ فليسَ مِنَّا، ومَن غشَّنا فليسَ مِنَّا".
وفي رواية: "مَن سَلَّ علينا السَّيفَ فليسَ مِنَّا".
"عن سَلَمة بن الأكوع - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن حَملَ علينا السلاحَ": نُصب بنزع الخافض؛ أي: بالسلاح، ويجوز أن يكون مفعول (حمل) و (علينا) حالاً؛ أي: حالَ كويه علينا لا لنا.
"فليس منا"؛ أي: من عاملي سُنَّتنا.
"ومَن غشَّنا"؛ أي: خاننَا وتركَ النصيحةَ لنا.
"فليس منا"، قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مَرَّ على صُبْرةِ طعامٍ، فأدخل يدَه فيها، فأصابت أصابعه بللاً، فقال:"ما هذا يا صاحبَ الطعام؟ " قال: أصابته السماء - أي: المطر - يا رسولَ الله، قال:"أفلا جعلتَ المبلولَ فوقَ الطعام حتى يراه الناسُ؟ ".
"وفي رواية: مَن سلَّ علينا السيفَ فليس منا".
* * *
2646 -
وقال: "إنَّ الله يُعذِّبُ الذينَ يُعذِّبونَ النَّاسَ في الدُّنيا".
"وعن هشام - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله
تعالى عليه وسلم يقول: إن الله تعالى يعذِّب الذين يعذِّبون الناسَ في الدنيا"؛ أي: بغير حقٍّ.
* * *
2647 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"يوشِكُ إنْ طالَتْ بكَ مُدَّةٌ أنْ تَرَى قوماً في أَيديهم مثلَ أذنابِ البقرِ، يَغْدُونَ في غضبِ الله، وَيرُوحونَ في سَخَطِ الله" ويُروى: "ويَروحونَ في لَعْنَتِهِ".
"وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يُوشِك"؛ أي: يَقرُب.
"إن طالت بك مدةٌ"؛ أي: حياةٌ.
"أن ترى": اسم (يوشك)، ولا خبر له؛ لأنه ليس بناقص.
"قوماً في أيديهم سِيَاط" جمع: سَوط.
"مثل أذناب البقر"، تُسمى تلك السياط في ديار العرب بالمقارع، جمع: مَقْرَعة، وهي جِلد طرفُها مشدود، عَرضُه كعَرض الإصبع الوسطى، يضربون بها السارقين عُراةً.
وقيل: هم الطوَّافون على أبواب الظَّلَمة، الساعين بين أيديهم كالكلاب العقورة، يطردون الناسَ عنها بالضرب والسِّباب.
"يَغْدُون في غضب الله، ويروحون في سخط الله، ويروى: ويروحون في لعنة الله".
* * *
2648 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "صِنفانِ مِن أهلِ النَّارِ لم أَرَهُما: قومٌ معهم سِياط كأذنابِ البقرِ يضرِبُونَ بها النَّاسَ، ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ، مُمِيلاتٌ مائلاتٌ،
رؤوسُهنَّ كأسنِمَةِ البُخْتِ المائلةِ، لا يَدْخُلْنَ الجنَّةَ ولا يَجدْنَ ريحَها، وإنَّ ريحَها لتوجَدُ مِن مَسيرةِ كذا وكذا".
"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: صنفانِ من أهل النار لم أَرَهما"؛ أي: في عصره صلى الله عليه وسلم؛ لطهارة ذلك العصر، بل حَدَثَا بعدَه صلى الله عليه وسلم.
"قوم"؛ أي: أحدُهما قومٌ "معهم سِيَاطٌ كأذناب البقر، يضربون بها الناسَ، ونساء"؛ أي: ثانيهما نساءٌ "كاسيات"؛ أي: في الحقيقة "عاريات"؛ أي: في المعنى؛ لأنهن يَلبَسْنَ ثياباً رِقَاقاً تصفُ ما تحتَها، أو معناه: عاريات من لباس التقوى، وهن اللواتي يُلقِينَ ملاحفَهنَّ من ورائهن، فتنكشف صدورهن، كنساء زماننا، وقيل: كاسيات من نِعَمِ الله تعالى، عاريات عن الشكر.
"مميلاتٌ"؛ أي: يُمِلْنَ قلوبَ الرجال إلى النساء بهن، أو مميلاتٌ أكتافَهن وأكفالَهن كما تفعل الرقَّاصات، أو مميلاتٌ مقانعَهن عن رؤوسهن لتظهرَ وجوهُهنَّ.
"مائلاتٌ"؛ أي: إلى الرجال، أو معناه: متبختراتٌ في مشيهنَّ.
"رؤوسُهنَّ كأسنمة البُخت"؛ يعني: يعظِّمن رؤوسَهن بالخُمر والقَلَنْسُوة، حتى تشبهَ أسنمةَ البُخت.
"المائلة" - بالهمزة - من: الميل؛ لأن أعلى السِّنام يميل لكثرة شحمه، وهذا من شعار نساء مصر.
"لا يَدخلْنَ الجنةَ ولا يجدْنَ ريحَها" قبل دخول الجنة، كما تجده العفائف المتورِّعات قبل دخولهن الجنة، لا أنهن لا يَدخلْنَ الجنةَ أبدًا.
"وإنَّ ريحها لَتوجد من مسيرة كذا وكذا"؛ أي: توجد من مسيرة أربعين عامًا، هكذا صُرِّحَ في حديث آخر.
* * *
2649 -
وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا قاتَلَ أحدكم فليجتَنِبِ الوجْهَ، فإنَّ الله تعالى خَلَقَ آدمَ على صُورتهِ".
"وعنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا قاتَلَ أحدكم فَلْيجتنِبِ الوجهَ"؛ أي: فَلْيحتززْ عن ضرب الوجه؛ لأن في جرحِه الشَّينَ والمُثْلةَ، قيل: الأمر فيه للندب؛ لأن ظاهرَ حال المسلم أن يكون قتالُه مع الكفار، والضربُ في وجوههم أنجحُ للمقصود.
"فإن الله تعالى خلقَ آدمَ على صورته": الضمير عائد إلى (آدم)؛ أي: على صورة مختصةٍ به لم يُخلَق عليها غيرُه، أو إلى الله، وإضافته للتكريم كإضافة: بيت الله، وناقة الله، والمعنى: أن اللُّه أكرمَ هذه الصورةَ؛ لأنه خلقَها بيده وأَمر ملائكتَه بالسجود لها، فمِن حقِّها أن تُكرَمَ ويُجتنبَ الاستخفافُ بها.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2650 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"الرِّجْلُ جُبارٌ".
2651 -
وقال: "النَّارُ جُبارٌ".
"من الحسان":
" عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الرِّجلُ جُبَارٌ"؛ يعني: أن الراكبَ دابة إذا رَمَحَتْ؛ أي: طَعنتْ دابتُه إنساناً برِجلها فهو هَدَرٌ، وإن ضربتْه بيدها فهو ضامن؛ وذلك لأن الراكبَ يملك تصريفَها من قُدَّامها دون خلفها.
وقال الشافعي: اليد والرِّجل سواءٌ في كونهما مضمونيَن.
* * *
"والنار جُبَار".
2652 -
وعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن كَشَفَ سِتراً فأَدخَلَ بصرَهُ في البيتِ قبلَ أنْ يُؤذَنَ له فرأَى عَورةَ أهلِهِ فقد أتى حدًّا لا يَحِلُّ له أنْ يأتيَهُ، ولو أنَّه حينَ أَدخَلَ بصرَهُ فاستقبلَهُ رجلٌ ففقَأ عينَهُ ما عَيَّرتُ عليهِ، وإنْ مرَّ الرَّجُلُ على بابٍ لا سِترَ له، غيرِ مُغلَقٍ، فنظرَ فلا خطيئةَ عليهِ، إنَّما الخطيئةُ على أهلِ البيتِ"، غريب.
"عن أبي ذَرٍّ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن كَشفَ سِتراً"؛ أي: رفعَ سِترَ بيتٍ.
"فأدخلَ بصرَه في البيت قبل أن يُؤذَنَ له، فرأى عورةَ أهله، فقد أتى حدًّا"؛ أي: فقد فعلَ شيئاً يوجب حدًّا، والمراد به: التعزير.
"لا يحل": أي: لا يجوز له.
"أن يأتيَه، ولو أنه حين أدخلَ بصرَه، فاستقبله رجلٌ ففقأ عينَه، ما عَيَّرتُ عليه"؛ أي: ما لُمتُه وما ضمَّنتُه الأَرْشَ.
"وإن مرَّ رجل على باب لا سترَ له غيرَ مُغلَق": بنصب (غير) على الحال.
"فنظر، فلا خطيئةَ عليه" إنما الخطيئةُ على أهل البيت"؛ لعدم غَلقِهِم البابَ.
"غريب".
* * *
2653 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُتَعاطَى السَّيفُ مَسلولاً.
"عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى
عليه وسلم أن يُتعاطى السيفُ"؛ أي: يُتناول.
"مسلولاً"؛ أي: مشهوراً.
* * *
2654 -
وعن الحسنِ، عن سَمُرةَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهى أنْ يُقَدَّ السَّيْرُ بينَ أُصبَعَينِ.
"عن الحسن، عن سَمُرة - رضي الله تعالى عنهما -: أن رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى أن يُقدَّ"؛ أي: يُقطَع.
"السَّيرُ": وهو القَدُّ من الجِلد.
"بين أصبعَين"؛ لئلا تَعقُر الحديدةُ يدَه، والنهي في هذين الحديثين نهيُ تنزيهٍ وشفقةٍ.
* * *
2655 -
وعن سعيدِ بن زيدٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَن قُتِلَ دونَ دِينهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ دمِهِ فهو شَهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ مالِهِ فهو شَهيدٌ، ومَن قُتِلَ دونَ أهلِهِ فهو شَهيدٌ".
"عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: مَن قُتل دونَ دِينهِ"؛ أي: عند حفظ دينه "فهو شهيد، ومَن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومَن قُتل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتل دون أهله"؛ أي: عند محافظة محارمه "فهو شهيد". وعامة العلماء على أن الرجلَ إذا قُصد مالُه، أو دمُه، أو أهلُه فله دفعُ القاصد بالأحسن فالأحسن، فإن لم يمتنع إلا بالمقاتلة، فقتلَه، فلا شيءَ عليه.
* * *