الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
19 - كِتابُ الأَطْعِمَةِ
19 -
كِتابُ الأَطْعِمَةِ
(كتاب الأطعمة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3188 -
قال عمرُ بن أبي سلمةَ رضي الله عنه: كنتُ غُلامًا في حَجْرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكانتْ يَدي تَطيشُ في الصَّحْفَةِ، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"سَمِّ الله، وكُلْ بيمينِكَ، وكُلْ ممَّا يَليكَ".
"من الصحاح":
" قال عمر بن أبي سلمة: كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"؛ أي: كنت صبيًا في تربيته، وكانت أمي زوجته صلى الله عليه وسلم.
"وكانت يدي تطيش في الصحفة"، أي: تَخِفُّ (1)، وتتناول في القصعة من كل جانب.
قيل: الصحفة: ما يشبع خمسة، والقصعة: ما يشبع عشرة.
"فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمِّ الله"؛ أي: قل: بسم الله.
"وكُلْ بيمينك، وكُلْ مما يليك"؛ أي: يقربك، لا من كل جانب.
(1) في هامش "غ": "أي: تدور".
3189 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشَّيطانَ يَستحِلُّ الطعامَ أنْ لا يُذكرَ اسمُ الله عليهِ".
"عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن الشيطان يستحل الطعام"؛ أي: يعتقد حله بأن يجعله منسوبًا إليه.
"أن لا يُذكَر" أي: لأن لا يذكر "اسمُ الله عليه"؛ لأن التسمية تكون مانعة عنه، فيصير كالشيء المحرم عليه.
وقيل: المراد به: تطير البركة بحيث لا يشبعُ مَنْ أكله.
3190 -
وقال: "إذا دخلَ الرَّجلُ بيتَهُ فذكرَ الله عندَ دُخولِهِ وعندَ طعامِهِ قالَ الشَّيطانُ: لا مَبيتَ لكُمْ ولا عَشاءَ، وإذا دخلَ فلمْ يذكُرِ الله عندَ دُخولِهِ قالَ الشيطانُ: أدركْتُمُ المَبيتَ، وإذا لمْ يَذْكُرِ الله عندَ طعامِهِ قال: أدركْتُمُ المَبيتَ والعَشاءَ".
"عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه، قال الشيطان" لأعوانه: "لا مبيتَ لكم"؛ أي: موضع البيتوتة.
"ولا عَشاء" بفتح العين والمد: هو الطعام الذي يؤكل في العشية، وهي من صلاة المغرب إلى العتمة؛ يعني: لا يتيسر لكم المسكن والطعام في هذا البيت، فالتيقظُ لذكر الله في جميع الحالات مؤمِّنٌ من إغواء الشيطان وتسويله، ومؤنسٌ له بالكلية.
"وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله، قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال: أدركتم المبيت والعشاء": فإن انتهاز
الشيطان الفرصة من الإنسان هو [في] حالة الغفلة عن الذكر.
* * *
3191 -
وقال: "إذا أكلَ أحدٌ منكُمْ فليأكُلْ بيمينِهِ، وإذا شَرِبَ فلْيَشربْ بيمينهِ".
"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا أكل أحدكم فليأكلْ بيمينه، وإذا شرب فليشربْ بيمينه".
3192 -
وقال: "لا يأكُلَنَّ أحدٌ مِنْكُم بشِمالِهِ، ولا يشرَبن بها، فإنَّ الشَّيطانَ يأكُلُ بشِمالِهِ ويشربُ بها".
"وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يأكلنَّ أحدكم بشماله، ولا يشربن بها"؛ لما فيه من الاستهانة بنعمة الله؛ إذ كرامة النعمة أن يتناول باليمين.
"فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها"؛ أي: يحمل أولياءه من الإنس على ذلك الصنيع؛ ليضار به عباد الله الصالحين، ويجوز حمله على حقيقته؛ لأن الجن لهم أكلٌ.
3193 -
عن كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكُلُ بثلاثِ أصابعَ ويَلْعَقُ يدَهُ قبلَ أنْ يمسحَها.
"عن كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع": وروي: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الأكل بإصبع أكل الشيطان، والأكل
بإصبعين أكل الجبابرة".
"ويلعق يده": ويلحس أصابع يده.
"قبل أن يمسحها" بشيء، والمسحُ بالمنديل قبل اللعق عادة الجبابرة.
3194 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بلَعْقِ الأصابعِ والصَّحْفَةِ، وقال:"إنَّكمْ لا تدرُونَ في أيهِ البَرَكَةُ".
"عن جابر - رضي الله تعالى عنه -: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أمر بلعق الأصابع والصّحْفة وقال: إنكم لا تدرون في أية"؛ أي: أية إصبع أو لقمة من الطعام "البركةُ"، فليحفظ تلك البركة باللعق، أنَّث لفظ (أيَّة) باعتبار الإصبع، أو اللقمة.
3195 -
وعن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أكلَ أحدُكُمْ طعامَه فلا يَمسحْ يَدَهُ حتَّى يَلعقَها أو يُلعِقَها".
"وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أكل أحدُكم فلا يمسح يده حتى يلعقَها"؛ أي: الأصابع بنفسه بعد الفراغ من الطعام.
"أو يُلعِقَهَا"، بضم الياء، مفعوله الثاني محذوف؛ أي: غيرَه، ومن الأدب ترك لعق الأصابع، أو تركْ مَسْحِها بشيء قبلَ الفراغِ من الأكل.
3196 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الشَّيطانَ يحضُرُ أحدُكُمْ عندَ كُلِّ شيء مِنْ شأنِهِ حتَّى يحضُرَهُ عندَ طعامِهِ، فإذا سقَطَتْ منْ
أحدِكُمْ اللُّقْمَةُ فلْيُمِطْ ما كان بِهَا مِنْ أذى ثمَّ ليأكُلْها ولا يدَعْها للشَّيطانِ، فإذا فرغَ فلْيَلْعَقْ أصابعَهُ فإنَّهُ لا يَدْري في أيِّ طَعَامِهِ تكونُ البركَةُ".
"وعن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ الشيطانَ يحضُرُ أحدُكم عند كلِّ شيءٍ من شأنه"، صفة شيء من فعله.
"حتى يحضرَه عندَ طعامهِ، فإذا سقطتْ مِن يدِ أحدِكم اللقمةُ فليُمِطْ"؛ أي: فليُزِل عن اللُّقمة "ما كان بها من أذى"، المراد به ما يُستقذَر من ترابِ ونحوِه.
"ثم ليأكلْها"، وإن وقعتْ على نَجِسٍ فليغسِلْها إن أمكنَ، وإلا أطعمَها هِرَّةً أو كلبًا.
"ولا يَدَعْها"؛ أي: لا يترك اللُّقمةَ الساقطةَ "للشيطان"، تركها له: كناية عن تضييع النعمة والاستحقارِ بها، والتخلُّق بأخلاقِ المتكبرين على رفْعهِا وتناولهِا، وهذا من عمل الشيطان.
"فإذا فرغَ"؛ أي: أحدُكم من الطعام.
"فليلعَقْ أصابعَه، فإنه لا يدريِ في أيِّ طعامِه تكونُ البَرَكة"؛ أي: في الطعام الذي أكلَه أم في الذي لَصِقَ في أصابعه.
3197 -
عن أبي جُحَيْفة رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا آكلُ مُتَّكِئًا".
"عن أبي جُحَيفة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا آكلُ متكئًا"، يجوز أن يرادَ بالاتكاء هنا إسنادُ الظهرِ إلى الشيءِ، أو وَضْعُ إحدى اليدين على الأرضِ والاتكاءُ عليها، أو القُعودُ على وجهِ التمكُّن من الأرضِ والاستواءُ جالسًا، كلَّ ذلك منهيٌّ عنه عندَ الأكل؛ لأن فيه تكبُّرًا.
روي أنه قال: "آكلُ كما يأكلُ العبدُ، وأجلسُ كما يجلِسُ العبدُ، وإنما أنا عبدٌ"، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس على الأرض ويأكلُ عليها.
3198 -
وعن قَتادةَ، عن أنسٍ رضي الله عنه قال: ما أكلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على خِوانٍ ولا في سُكُرُّجَةٍ، ولا خُبزَ لهُ مُرَقَّقٌ. قيل لقتادةَ: علامَ يأكُلونَ؟ قال: على السُّفَرِ.
"عن قَتادة، عن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: ما أكلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على خِوانٍ"، وهو - بالكسر - الذي يؤكَل عليه، معرَّبٌ؛ لأن ذلك دأْبُ الجَبَّارين.
"ولا في سُكُرُّجَةٍ" بضم اليسن والكاف والراء (1): معربة قَصْعَة صغيرة.
وقيل: بفتح الراء؛ لأنه معرَّب سُكَّرَة، والراء في الأصل مفتوحة، وهي غالبًا يوضع فيها الحوامضُ حولَ الأطعمةِ للتشهِّي والهَضْم، وذلك من فِعل الأعاجم، وإنما لم يأكلْ منها احترازًا عن التكبُّر والبخل.
"ولا خُبزَ له"، على صيغة الماضي المجهول.
"مرقَّقٌ "؛ أي: رقيق.
"قيل لقَتَادة: على ما يأكون؟ قال: على السُّفَر"، بضم السين وفتح الفاء جمع السُّفْرَة بالسكون، وهي في الأصل طعامٌ يتخِذُه المسافِرُ، ثم سُمَّي الجِلْد المستدير المحمول.
* * *
3199 -
وقال أنسٌ رضي الله عنه: ما أعلمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأَى رغيفًا مُرقَّقًا حتَّى لحِقَ بالله، ولا رأَى شاةً سَميطًا بعَيْنهِ قطُّ.
(1) في "ت" و"غ": "بضم المثلثة والتشديد".
"وقال أنسٌ: ما أعلَمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رَغِيفًا مرقَّقًا"؛ أي: خبزًا رقيقًا.
"حتى لَحِقَ بالله"؛ أي: مات.
"ولا رأى شاة سَمِيطًا"؛ أي: مشوِيًا مع جِلد بعد أن ينقِّيه من الشعر بالماء الحار؛ أي: ما رآها.
"بعينه قطُّ"؛ لأن فيه تنعُّمًا.
3200 -
وعن سهلِ بن سعدٍ رضي الله عنه قال: ما رأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم النَّقيَّ منْ حِينِ ابتعثَهُ الله حتَّى قبضَهُ الله. وقال: ما رأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنخُلًا مِن حِينِ ابتعثَهُ الله حتَّى قبضَهُ الله. قيل: كيفَ كُنْتُمْ تأكلُونَ الشَّعيرَ غيرَ منخُولٍ؟ قال: كنَّا نَطحَنُهُ وننفخُهُ فيطيرُ ما طار، وما بقي ثَرَّيْناهُ فأكلناه.
"عن سَهْل بن سعد قال: ما رأى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم النَّقِيَّ"؛ أي: خبزَ الحِنْطة المنقاد، أو ما نُقِّي دقيقُه من النِّخَالة.
"من حينَ ابتعثَه الله"؛ أي: أوحى إليه.
"حتى قَبَضَه الله"؛ أي: إلى أن فارقَ الدنيا.
"وقال: ما رأَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُنْخُلاً من حينَ ابتعثَه الله حتى قبضَه الله، قيل: كيف كنتم تأكلُون الشَّعيرَ غيرَ مَنْخُولٍ؟ قال: كنا نطحَنهُ وننفُخُه" بأفواهنا.
"فيطيرُ ما طارَ"؛ يعني يذهَبُ ما ذهبَ من النُّخَالَة.
"وما بقي ثَرَّيْناه"؛ أي: بَلَلْناه بالماء، مِن ثَرى الترابَ يَثْرِيه؛ أي: رشَّ عليه الماء.
"فأكَلْنَاه".
3201 -
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه. قال: ما عابَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم طعامًا قَطُّ، إن اشتَهاهُ أكلَهُ وإنْ كَرِهَهُ تركَهُ.
"عن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه - قال: ما عابَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم طعامًا قطُّ، إن اشتهاه أكلَه وإن كرهَه تركَه"، فالسنَّةُ ألَّا يُعابَ الطعامُ.
3202 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المؤمنَ يأكُلُ في مِعًى واحِدٍ، والكافرُ يأكُلُ في سَبعةِ أمعاءً".
"وعن أبي هريرة وابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قالا: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنَّ المؤمنَ يأكلُ في مِعًى واحد"، بكسر الميم، جمع الأمعاء.
"والكافِرُ يأكلُ في سبعةِ أَمْعَاء"؛ يعني أنَّ المؤمنَ يبارَكُ له في طعامِه ببركة التسميةِ حتى يقعَ النسبةُ بينَه وبينَ الكافر كنسبةِ مَن يأكُلُ في مِعًى واحدٍ مع مَن يأكلُ في سبعة أمعاء، وقيل: معناه يأكلُ الكافِرُ سبعةَ أمثالِ أكْلِ المؤمن، أو تكون شهوتُه سبعةَ أمثالِ شهوة المؤمن، فتكون الأمعاء كنايةً عن الشهوة.
وقيل: أُرِيدَ بالسبعة مجردُ التَّكْثِير، أو المراد: المؤمنُ لا يأكُلُ إلا من جهةٍ واحدةٍ، وهي الحلال، والكافر يأكُل من جهات مختلِفة مَشُوبَة، أو هو مَثَلٌ ضربَه صلى الله عليه وسلم لزهد المؤمن في الدنيا، وحِرْصِ الكافرِ عليها، فهذا يأكلُ بُلْغةً وقُوتاً فيشبعُه القليلُ، وذاك يأكلُ شهوةً وحرصًا فلا يكفيه الكثيرُ، وليس المعنى زيادةَ مِعاءِ الكافر على مِعاءِ المؤمن.
قال أبو عُبيد: وردَ الحديثُ خاصًا في رجلٍ كان أَكُولًا في الكفر، فلما أسلمَ قلَّ أكلُه، وإلا فكم مِن كافرٍ أقلُّ أَكْلًا من مُسْلِم.
3203 -
وفي روايةٍ: "المُؤْمنُ يشربُ في مِعًى واحدٍ، والكافرُ يشربُ في سَبعةِ أمعاءٍ".
"وفي رواية: المؤمنُ يشرَبُ في مِعًى واحدٍ، والكافر يشرَبُ في سبعة أمعاء"، قاله لمَّا ضافَه صلى الله عليه وسلم ضيفٌ كافرٌ، فأمرَ له صلى الله عليه وسلم بشاة فحُلِبَتْ، فشرِبَ حِلَابَها إلى حِلَابِ سبعِ شياه، ثم إنه أصبحَ فأسلمَ، فأمرَ له صلى الله عليه وسلم بشاةٍ فحُلِبت فشرب حِلابَها، ثم أمر له بأخرى فلم يَسْتَتِمَّها.
3204 -
وقال: "طعامُ الاثنينِ كافي الثلاثةِ، وطعامُ الثلاثةِ كافي الأربعَةِ".
"وقال: طعامُ الاثنين كافي الثلاثة"، قيل: معناه: طعامُ الاثنين يُغذِّي الثلاثة، ويُزِيل الضعف عنهم، لا أنه يُشبعِهُم فإنه مذمومٌ كما قال صلى الله عليه وسلم:"أكثركُم شَبَعًا في الدنيا أَطْولُكم جوعًا يوم القيامة".
"وطعام الثلاثةِ كافي الأربعة".
3205 -
وفي روايةٍ: "طعامُ الواحِدِ يَكفي الاثنَيْنِ، وطعامُ الاثنَيْنِ يَكفي الأَربعَةَ، وطعامُ الأَرْبَعَةِ يَكفي الثَّمانِيةَ".
"وفي رواية: طعامُ الواحدِ يَكفي الاثنين، وطعامُ الاثنينِ يكْفِي الأربعةَ، وطعامُ الأربعة يكفي الثمانية"، والغرضُ منه: أن الرجلَ ينبغي أن يَقْنعَ بنصف الشبع، ويعطي الزائد محتاجًا إليه.
3206 -
وعن عائِشَةَ رضي الله عنها: أنَّها قالت: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم -
يقولُ: "التَّلْبينَةُ مُجمَّةٌ لفُؤادِ المريضِ، تَذهبُ ببعضَ الحُزْنِ".
"وعن عائشةَ - رضي الله تعالى عنها - قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: التَّلْبينَة"، وهي حِساءٌ يُتَّخَذُ مِن دقيق، أو نِخَالة، وربما يُجْعَلُ فيها عَسَلٌ، وقيل: هو ماءُ الشعير، سُمِّيت بذلك تشبيهًا باللبن ببياضها ورِقَّتِها.
"مُجِمَّة" بضم الميم، وهو الأكثر بمعنى مريحة من الجِمَام، وهو الراحة، ومنهم من يفتح الميم؛ أي: راحة.
"لفؤاد المريض"؛ أي: لقلبه.
"تذهبُ ببعض الحُزْن"، هذا كالتفسير والبيان لقوله:(مُجِمَّة).
3207 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه أنَّ خيَّاطًا دعا النبيَّ صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صَنعهُ، فذهبتُ معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقرَّبَ خُبزَ شعيرٍ ومَرَقًا فيهِ دُبّاءٌ وقَدِيدٌ، فرأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَتتَبعُ الدُّبَّاءَ منْ حَوالَي القَصْعَةِ، فلمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبّاءَ بعدَ يَومئذٍ.
"وعن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه -: أن خَيَّاطًا دعا النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى طعام صَنعَه، فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرَّبَ خبزَ شعير، ومَرَقًا فيه دُبَّاءٌ"؛ أي: قَرْعٌ.
"وقَدِيدٌ"؛ أي: لحمٌ مُقدَّد.
"فرأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتتبَّع الدُّبَّاء"؛ أي: يطلُبُ القَرْع.
"من حوالَي القَصْعَة"، وهذا يدل على جواز مَدِّ اليدِ إلى ما يلي إذا اختلف، أو لم يعرفْ مِن صاحبهِ كراهة.
"فلم أزلْ أُحبُّ الدُّبَّاء بعدَ يومئِذٍ".
3208 -
عن المغيرةِ بن شُعبةَ قال: ضفتُ معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ فأمرَ بجَنْبٍ فشُوِي، ثمَّ أخذَ الشَّفرةَ فجعلَ يَحُزُّ لي بها منه، قال: فجاءَ بلالٌ يُؤْدِنُهُ بالصَّلاة، فألقَى الشَّفرةَ فقال:"ما لَه تَرِبَتْ يَدَاهُ؟ " قال: وكانَ شَارِبُهُ وَفَى، فقال لي:"أَقُصُّه لك على سِواكٍ" أو "قُصَّهُ على سِواكٍ".
"عن المْغيرة بن شُعبة - رضي الله تعالى عنه - قال: ضفْتُ معَ رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذاتَ ليلةٍ"؛ أي: كنتُ ليلةً ضيفًا.
"فأمرَ بَجنْبٍ فشوي، ثم أخذ الشَّفْرَة فجعلَ يَحُزُّ"؛ أي: يقطعُ "لي بها منه"؛ أي: بالشَّفْرَة من الجَنْبِ المشوِيِّ.
"فجاء بلالٌ يُؤْذِنُه"؛ أي: يُعْلِمُه "بالصلاة، فألقى الشَّفْرة فقال: ما لَه"؛ أي: ما لبلال يؤِّذنُ في هذا الوقت.
"تَرِبَتْ يداه"، دعاء بالفقر تقولُها العرب عند اللوم، وقد يُطْلِقُونها ولا يريدون وقوعَ ذلك.
"قال"؛ أي: المغيرة.
"وكان شارِبُه"؛ أي: شارِبُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم.
"وفاءً"؛ أي: تامًا كاملًا، وقيل: كثيرًا، وفي "شرح السنة": طويلًا.
"فقال"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم "لي: أَقُصُّه لك على سِواك"؛ أي: أُمَكِّنك من قَصِّه قدر سِوَاكٍ عرضًا.
"أو قُصَّه على سِوَاك" بأن يوضَعَ السِّوَاك على الفم، ثم يُقْطَعَ ما يحاذِيه من الشارب.
3209 -
عن عمرِو بن أُمَيَّةَ: أنَّهُ رأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يحتزُّ مِنْ كَتِفِ شاةٍ في
يدِهِ، فدُعيَ إلى الصَّلاةِ فألقاها والسِّكِّينَ التي يحتزُّ بها، ثمَّ قامَ فصلَّى ولمْ يتوضَّأْ.
"عن عمرو بن أمية: أنه رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم يجتَزُّ؛ أي: يْقطَعُ "من كتِفِ شاة" بسِكِّينٍ كان "في يده، فدُعيَ إلى الصلاة فألقاها"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم كتف الشاة.
"والسِّكّينَ التي يَجْتَزُّ بها، ثم قام فصلَّى ولم يتوضَّأْ"؛ أي: لم يغسِلْ يده.
3210 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الحلواءَ والعسلَ.
"وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: كان رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يحبُّ الحُلْوَاء والعَسَل".
3211 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سألَ أهلَهُ الأُدْمَ، فقالوا: ما عِندَنا إلا خَلٌّ، فدَعا بهِ فجعلَ يأكُلُ ويقول:"نِعْمَ الإدامُ الخلُّ، نِعْمَ الإدامُ الخلُّ".
"وعن جابر - رضي الله تعالى عنه -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سألَ أهلَه الأُدمَ"، بضم الهمزة وسكون الدال المهملة: ما يؤتدَم به.
"فقالوا: ما عندنا إلا خَلٌّ فدعا به"؛ أي: طلبَ الخَلَّ.
"فجعلَ"؛ أي: شَرعَ "يأكل به"؛ أي: الخبز بالخل.
"ويقول: نِعْمَ الإدامُ الخَلُّ"، قيل: هذا مَدْحُ الاقتصاد في المأكَلِ ومَنعْ
النفس عن ملاذِّ الأطعمة.
3212 -
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الكَمْأَةُ منَ المَنِّ، وماؤُها شِفاءٌ للعَيْن".
وفي روايةٍ: "مِنَ المَنِّ الذي أنزلَ الله تعالى على موسى عليه السلام".
"وعن سعيدِ بن زيد قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الكَمْأَة" بفتح الكاف وإسكان الميم وبعدها همزة: نبت بالبرية تنشَقُّ عنه الأرض.
"من المَنِّ"؛ أي: مما مَنَّ الله على عباده وأعطاه، أو هي شبيهةٌ بالمنِّ النازل من السماء في حصولها بلا تَعَبٍ وزَرْع.
"وماؤها شفاءٌ للعَيْن"، قيل: مخلوطًا بالأدوية، وقيل: مُفرَدًا وهو الظاهر؛ لأنه عليه السلام أطلقَ ولم يَذْكُر الخَلْطَ، ولَمِا رُويَ عن أبي هريرة أنه قال: عُصَرْتُ ثلاثَة أكمؤةٍ، وجعلتُ ماءَها في قارورةٍ فكَحَلْتُ به جاريةً لي فَبرئَتْ باذن الله تعالى.
"وفي رواية: من المنِّ الذي أنزلَ الله تعالى على موسى".
3213 -
عن عبدِ الله بن جعفرٍ رضي الله عنه قال: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يأكُلُ الرُّطَبَ بالقِثَّاء.
"عن عبد الله (1) بن جعفر أنه قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يأكلُ الرُّطَب بالقِثَّاء".
(1) في غ": "عبد الرحمن".
3214 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا معَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بمَرِّ الظَّهْرانِ نَجْني الكَباثَ، فقال صلى الله عليه وسلم:"عليكُمْ بالأسودِ منهُ فإنَّهُ أطيبُ". فقيلَ: كنتَ ترعَى الغنمَ؟ فقال: "نعمْ، وهلْ مِنْ نبيٍّ إلَّا رَعاها".
"وعن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بَمرِّ الظَّهْران"، اسمُ موضعٍ قريب من المدينة.
"نجني الكَباثَ"، وهو - بفتح الكاف -: النضيجُ منَ ثَمرِ الأراك.
"فقال: عليكم بالأَسْوَد منه"؛ أي: اقصِدُوا ما كان أسودَ من الكَبَاث.
"فإنه أَطْيَبُ"؛ أي: أكثرُ لَذَّةً.
"فقيل: كنتَ تَرْعَى الغنم؟ "؛ يعني هل كنتَ راعيَ الغنم حتى تعرِفَ الأطيبَ من غيره؟ فإن الراعيَ لكثرة تردُّده في الصحراء أعرَفُ به من غيره.
"قال: نعم، وهل من نبيٍّ إلا رعاها"، أراد به: أن الله تعالى لم يضَع النبوةَ في أبناء الدنيا وملوكِها، ولكن في رِعاءِ الشَّاء، وأهلِ التواضع من أصحاب الحِرَف، كما روي أن أيوب عليه السلام كان خَيَّاطًا، وزكريا كان نجارًا، وغير ذلك، ورعاية موسى عليه السلام لشعيبٍ عليه السلام مشهورةٌ.
قيل: الحكمةُ في رَعْيهم الغنمَ تحصيلُ التواضعِ بمؤانسة الضعفاء، وتصفية قلوبهم بالخَلْوة.
3215 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مُقْعِيًا يأكُلُ تَمرًا.
وفي روايةٍ: يأكُلُ منهُ أكلاً ذَريعًا.
"عن أنسٍ قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مُقْعِيًا"، من الإقعاء وهو الجلوس على الوركين.
"يأكل تمرًا، وفي رواية: يأكلُ منه أكلًا ذَرِيعًا"؛ أي: سَرِيعًا، قيل: وفيه دليل على أنه لا بأس بالمناهضة في الطعام وإن تفاوتوا في الأكْلِ إذا لم يقصِد مغالبةَ صاحبهِ.
3216 -
وعن ابن عمرَ قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يَقْرُنَ الرَّجلُ بينَ التَّمرتَيْنِ حتَّى يستأذِنَ أصحابَهُ.
"عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يقرِنَ الرجلُ بين التمرتين"؛ أي: يأكلَ اثنين اثنين.
"حتى يستأذنَ أصحابَه"، هذا إذا كان زمانَ قَحْط، أو كان الطعام قليلاً والآكلون كثيرًا، فإنه إذ ذاك يَحتاج إلى الاستئذان.
3217 -
عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجوعُ أهلُ بيتٍ عندَهُمْ التَّمرُ".
"عن عائشةَ رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يجوعُ أهلُ بيتٍ عندهم التمر"، أرادَ به أهلَ المدينة؛ لأن التمَر غالبُ أقواتهِم، أو مرادُه تعظيمُ شأنِ التمر.
3218 -
وقال: "يا عائشةُ! بيتٌ لا تمرَ فيهِ جِياعٌ أهلُهُ"، قالها مرَّتينِ أو ثلاثًا.
"وقال: يا عائشةُ! بيتٌ لا تمرَ فيه جِياعٌ أهلُه"، جمع جائع؛ لأن من عادتهم ألَّا يشبَعُوا بالخبز دون التمر.
"قالها مرتين أو ثلاثًا".
3219 -
وقال: "من تصبَّحَ بسبعِ تَمَراتٍ عَجْوَةً لمْ يضُرَّهُ في ذلكَ اليومِ سُمٌّ ولا سِحْرٌ".
"وعن سعدِ بن أبي وقَّاص قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن تصبَّحَ بسبع تمراتٍ"؛ أي: أَكلَها صباحًا.
"عَجْوةً"، نصب على التمييز، وهو نوعٌ جيدٌ من التمر.
"لم يَضُرَّه ذلك اليومَ سمٌّ ولا سِحْر"، تخصيص هذا النوع بالذِّكْر؛ لثبوت خاصية فيه لدفع السمِّ والسحر، عرفَها النبي صلى الله عليه وسلم، أو لدعائه صلى الله عليه وسلم بأن يكون شفاءً لذلك الداء.
3220 -
وقال: "إنَّ في عَجْوَةِ العالِيَة شِفاءً، أو إنَّها تِرْيَاقٌ أوَّلَ البُكْرَةِ".
"وعن عائشةَ - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنَّ في عجوةِ العَالِيَة"، وهي موضع قريب من المدينة.
وفي "المغرب": هي ما فوقَ نَجْدٍ إلى تِهَامة.
"شِفاءً، وإنها تِرْيَاقٌ"؛ أي: تُفيد فائدةَ التِّرْياق.
"أَوَّلَ البُكْرَة"، منصوبٌ على الظرفية؛ يعني: وقت الصبح.
3221 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: كانَ يأتي علينا الشَّهرُ ما نُوقدُ فيهِ نارًا، إنّما هو التَّمرُ والماءُ، إلا أنْ نُؤتَى باللُّحَيْم.
"عن عائشةَ - رضيَ الله تعالى عنها - قالت: كان يأتي علينا الشهرُ ما نوقِدُ فيه نارًا"؛ أي: لا نَطْبُخُ شيئاً.
"إنما هو التَّمْرُ والماء"، الضمير للطعام وإن لم يُذْكَر.
"إلا أن نُؤْتَى باللُّحَيْم" تصغير لحم؛ أي: إلا أنْ يرسَلَ إلينا قطعةُ لحم، فحينئذ نوقِد نارًا، والتصغير للإشعار بأنَّ ما يؤتَى به إلى أمهات المؤمنين لم يكن كَثيرًا، أو للمحبة والاشتهاء؛ لكونه سيدَ الإِدَام، أو تصغيرُ تَعظيم.
3222 -
وقالت: ما شَبعَ آلُ محمَّدٍ يَومَيْنِ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ إلا وأحدُهُما تَمرٌ.
"وقالت: ما شبعَ آلُ محمدٍ يومين من خبزِ بُرٍّ إلا وأحدُهما"؛ أي: أحدُ اليومين.
"تمرٌ"؛ أي: كنَّا نأكلُ يومًا خبزًا ويومًا تمرًا، ولا نأكلُ يومين متتابعَين خبزًا.
3223 -
وقالت: ما شَبعَ آلُ محمِّدٍ مِنْ خُبزِ الشَّعير يَومينِ مُتَتابعينِ حتَّى قُبضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
"وقالت: ما شبعَ آلُ محمد من خبزِ الشعير يومين متتابعين، حتى قُبضَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، وتجويعُهم هذا كان عن اختيار؛ لأنهم تركُوا الدنيا ولذتها، وقنِعُوا بأدنى قُوتٍ ولباس مختصر من غاية التنزُّه عنها،
وكانوا يُطْعِمُون الطعامَ على حُبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا.
3224 -
وقالت: تُوفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وما شَبعْنا مِنَ الأَسْوَدَيْنِ.
"وقالت: توفِّي رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم وما شَبعْنا من الأَسْوَدين" التمرِ والماءِ، وإنما السَّوادُ التمر دون الماء، فُنعتا بنعتٍ واحد؛ لأن العربَ يسميانهما باسم الأشهرِ منهما.
3225 -
وقالَ أبو هريرةَ رضي الله عنه: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنيا ولم يَشْبَعْ من خُبْزِ الشَّعيرِ.
"وقال أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه -: خرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبَعْ من خبزِ الشعير".
3226 -
وقال النُّعمانُ بن بشيرٍ: ألَسْتُمْ في طعامٍ وشرابٍ ما شِئتم؟ لقد رأيتُ نبيَّكُمْ رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يَجدُ مِنَ الدَّقَلِ ما يملأَ بطنَهُ.
"وقال النعمان بن بَشِير رضي الله عنه: ألسْتُم في طعامٍ وشرابٍ ما شئتم؟ "؛ أي: ألستم متنعِّمين مقدارَ ما شئتُم في الوُسْعةِ؟ (ما) موصولةٌ، ويجوز أن تكون مصدريَّة، وفيه توبيخ.
"لقد رأيتُ نبيَّكم وما يجدُ من الدَّقَل"، بفتح الدال: رديء التمر ويابسُه، (ما) هذه نافية.
"ما يملأ بطنَه"، والجملةُ المنفيةُ تكون حالاً إن كان (رأيت) بمعنى النظر،
وإن كان بمعنى العلم يكون مفعولاً ثانيًا.
3227 -
عن أبي أيوبَ رضي الله عنه قال: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أُتيَ بطعامٍ أكلَ منهُ وبعثَ بفضلِهِ إليَّ، وإنَّهُ بعثَ إليَّ يومًا بشيءٍ لمْ يأْكُلْ منهُ لأنَّ فيهِ ثُومًا، فسألتُهُ أحرامٌ هو؟ قال:"لا، ولكنِّي أكرهُ ريحهُ". قال: قلتُ: فإنِّي أكرهُ ما كَرِهْتَ.
"عن أبي أيوبَ - رضي الله تعالى عنه - قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ بطعامٍ أكلَ منه وبعثَ بفضْلهِ إليَّ، وإنه بعثَ إليَّ يومًا بشيءٍ لم يأكُلْ منه؛ لأن فيه ثومًا، فسألتهُ أحرامٌ هو؟ قال: لا، ولكنِّي أكرَهُ ريحَه، قلت: فإني أكرَه ما كرهتَ".
3228 -
وعن جابرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أكلَ ثُومًا أو بَصَلًا فلْيَعْتزِلْنا" - أو قال: "فلْيعتزِلْ مسجدَنا"، أوَ "ليقعُدْ في بيتِه: - وأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتيَ بقِدْرٍ فيها خَضراتٌ منْ بُقولٍ، فوجدَ لها ريحًا فقال: قرِّبوها - إلى بعضِ أصحابه، قال:"كُلْ فإنِّي أُناجِي مَنْ لا تُناجي".
"وعن جابرٍ - رضي الله تعالى عنه -: أن النبيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال: مَن أكلَ ثومًا أَو بصلًا فليعتزلْنا"؛ أي: ليبعُدْ منا.
"أو قال: فليعتزْل مسجدَنا، أو ليقعُدْ في بيتهِ".
"وأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتي بقِدْرٍ"، رواه البخاري بالقاف في كتابه، وقيل: الصواب: (ببدر) بالباء الموحدة مكان القاف، وهو طبقٌ يُتَّخذُ من الخُوص، سُمِّيَ بذلك؛ لاستدارتهِ استدارةَ البَدْر.
"فيه خَضرَاتٌ" بفتح الخاء وكسر الضاد المعجمتين: جمع خضر، ويروى: بضم الخاء وفتح الضاد واحدها خضرات.
"مِن بُقُولٍ، فوجدَ لها ريحًا، فقال: قَرِّبوها، إلى بعض أصحابه، وقال: كلْ فإني أناجِي مَن لا تُنَاجي"، أراد به جبريل عليه السلام؛ يعني: فإني أُكلِّمَ جبريلَ عليه السلام وأنتَ لا تكلِّمُه.
3229 -
عن المِقدامِ بن مَعْد يَكرِبَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"كِيلُوا طَعامَكم يُبارَكْ لكُمْ فيهِ".
"عن المقدام بن معدي كرب - رضي الله تعالى عنه -، عن النبيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم قال: كِيلُوا طعامَكم يبارَكْ لكم فيه"، والغرض من كيل الطعام معرفةُ ما يصرِفُ إلى العِيال حتى لا يكونَ تَقْتِيرًا ولا إسرافًا، ومعرفةُ المستقرض والمَبيع والمشتري، ففي ذلك أغراضٌ صحيحة.
3230 -
عن أبي أُمامة رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ إذا رَفَع مائِدَتَه قال: "الحمدُ لله كثيرًا طَيبًا مُباركًا فيه، غيرَ مَكْفيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنىً عنهُ ربنا".
"عن أبي أُمامةَ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رفعَ مائدتَه قال: الحمدُ لله حمدًا كثيرًا"، صفة حمدًا، وكذا "طَيبًا مباركًا فيه"، متعلق بـ (مباركًا).
"غيرَ مَكْفِيٍّ"، مفعول من الكفاية؛ أي: غيرَ مَكْفِيِّ الزيادةِ عليه، فإنَّ كلَّ حَمْدٍ يَحْمَدك به الحامدون فإنهم يقصِّرون في ذلك.
"ولا مودَّع" بفتح الدال المشددة؛ أي: غير متروكِ الطلَّبِ إليه والرغبةِ فيما عندَه.
"ولا مستغنًى عنه، ربنا": بالرفع؛ معناه: غير متروك فلا يُدْعى ولا يُطلَب، فإنَّ كلَّ مَن استغنى عن الشيء تركَه.
قيل: (ربنا) مبتدأ، و (غيرُ مَكْفِيٍّ) خبر مقدم، وكذا ما عُطِفَ عليه، فالكلام راجعٌ إلى الله تعالى، ويُروَى: بنصب (غير) على الصفة بعد الصفة، وكذا (ربنا) نصب على حذف حرف النداء، فيكون معنى (غير مكفي): غير كاف؛ أي: نحمَدُك حمدًا لا نكتفي به، بلَ نعود فيه كَرَّةً بعد أخرى، ولا نستغني عنه، فالكلام على هذا راجعٌ إلى الحمد.
3231 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لَيَرْضَى عن العبدِ أنْ يأْكُلَ الأكْلةَ فيحمدَهُ علَيها، أو يشربَ الشَّرْبَةَ فيحمدَهُ عليها".
"وعن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن الله ليَرْضَى عن العبدِ أن يأكلَ الأَكْلَةَ" بفتح الهمزة: المَرَّةُ من الأكل حتى يَشْبَع وبالضم: اللُّقْمة.
"فيحمَدُه عليها، أو يشرَبُ الشَّرْبَة فيحمَدُه عليها"، ثم من السنة ألَّا يرفَعَ صوتَه بالحمد عند الفراغ من الأكل إذا لم يفرغ جلساؤه كي لا يكونَ منعًا لهم.
مِنَ الحِسَان:
3232 -
عن أبي أيُّوبَ رضي الله عنه قال: كُنَّا عندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقُرِّبَ طعامٌ، فلمْ أَرَ طعامًا كانَ أعظمَ بركةً منهُ أوَّلَ ما أَكَلْنا، ولا أقلَّ بركةً في آخِرِه، قلنا: يا رسولَ الله! كيفَ هذا؟ قال: "إنَّا ذَكَرْنا اسمَ الله حِينَ أَكَلْنَا، ثمَّ قعدَ منْ أكَلَ ولمْ يُسمِّ الله فأكَلَ معهُ الشَّيطانُ".
"من الحسان":
" عن أبي أيوبَ - رضي الله تعالى عنه - قال: كنا عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فُقرِّبَ طعامٌ، فلم أرَ طعامًا كان أعظمَ بركةً منه أولَ ما أكَلْنا، ولا أقلَّ بركةً في آخره، قلنا: يا رسولَ الله كيف هذا؟ قال: إنَّا ذكَرْنا اسمَ الله تعالى حين أكَلْنا، ثم قعدَ مَن أكلَ ولم يُسَمِّ الله، فأكلَ معه الشيطان"، هذا محمولٌ على حقيقته، أو على ذهابِ البركةِ كما مرَّ، فكأنه أكلَ معه.
3233 -
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكلَ أحدُكُم فنَسيَ أنْ يذكرَ اسمَ الله عَلَى طعامِهِ فليَقُلْ: بسم الله أوّلَهُ وآخرَهم".
"عن عائشةَ - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا أكلَ أحدُكم فنَسِيَ أن يذكرَ الله على طعامهِ فليقُلْ: بسم الله أولَه وآخرَه"، منصوبان على الظرفية، فإذا قال ذلك فقد تداركَ ما فاته من التقصير بترك اسم الله تعالى.
3234 -
عن أُميةَ بن مَخْشِيٍّ قال: كانَ رجلٌ يأكلُ فلم يُسمِّ حتَّى لمْ يبقَ منْ طعامِهِ إلا لُقمَةٌ، فلمَّا رفَعها إلى فيهِ قال: بسم الله أوَّلَهُ وآخرَهُ، فضَحِكَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ثمّ قال:"ما زالَ الشَّيطانُ يأكُلُ معهُ، فلمَّا ذكرَ اسمَ الله اسْتَقَاءَ ما في بطنِهِ".
"عن أمية بن مَخْشِيٍّ"، بفتح الميم وكسر الشين المعجمة وتشديد الياء.
"قال: كان رجلٌ يأكُلُ، فلم يسمِّ الله حتى لم يبقَ من طعامِه إلا لقمةٌ، فلمَّا رفعَها إلى فيه قال: بسم الله أولَه وآخرَه، فضحكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال:
ما زالَ الشيطانُ يأكُلُ معه فلمَّا ذكرَ اسمَ الله تعالى استقاءَ ما في بطنه"؛ أي: استفرغَ، استفعال مِن القيء، وهو محمولٌ على الحقيقة، أو المراد رَدُّ البركةِ الذاهبةِ بتركِ التسميةِ، كأنها كانت في جوف الشيطان، فلمَّا سَمَّى رَجَعت إلى الطعام؛ أي: صارَ ما كان حظًا له من الطعام قبلَ التسميةِ مستردًّا.
3235 -
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه أنَّه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا فَرَغَ مِنْ طعامِهِ قال: "الحمدُ لله الذي أطعَمَنا وسقانا وجعلَنا مُسلمين".
"عن أبي سعيد الخُدْري - رضي الله تعالى عنه - قال: كانَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا فرغَ مِن طعامه قال: الحمدُ لله الذي أطعمَنا وسقانا وجعلَنا مسلِمين".
3236 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ كالصَّائِم الصَّابرِ".
"عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: الطاعِمُ"؛ أي: الآكلُ.
"الشاكِرُ"، قيل: شُكْرُه أن يسمّيَ إذا أكلَ، ويحمَدَ إذا فَرَغَ.
"كالصائم الصابر"؛ أي: في الثواب.
3237 -
عن أبي أيُّوبَ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أكلَ وشربَ قال: "الحمدُ لله الذي أطعمَ وسقَى وسوَّغَهُ وجعلَ لهُ مَخْرجًا".
"عن أبي أيوبَ - رضي الله تعالى عنه - قال: كانَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أكلَ أو شَرِبَ قال: الحمدُ لله الذي أطعمَ وسقى وسَوَّغه"؛ أي: سهَّل دخولَ الطعام والشرابِ في الحَلْق.
"وجعلَ له مَخْرَجًا"؛ أي: السَّوْأَتين؛ ليُخرِجَ منهما الفَضْلَة، فإنه تعالى جعل للطعام مقامًا في المعدة زمانًا كي تنقسمَ مضارُّه ومنافعُه، ليبقى ما يتعلَّقُ بالقوة واللَّحْم والدم والشَّحْم، وتندفع الفَضْلَة، وذلك من عجائب فضلِ الله تعالى ولطفهِ بمخلوقاته، فتبارك الله أحسنُ الخالِقين.
3238 -
عن سلمانَ قال: قرأتُ في التَّوراةِ أنَّ بَركةَ الطعامِ الوُضوءُ بعدَهُ، فذكرتُ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"بَركةُ الطَّعامِ الوُضوءُ قبلَهُ والوُضوءُ بعدَهُ".
"عن سلمان - رضي الله تعالى عنه - قال: قرأتُ في التوراة: أنَّ بركةَ الطعامِ الوضوءُ بعدَه"، المراد من الوضوء هنا: غسلُ اليدين والفمِ من الزُّهومة إطلاقًا للكل على الجزء.
"فذكرتُ للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: بركةُ الطعامِ الوضوءُ قبلَه والوضوءُ بعدَه"، أمَّا الوضوءُ قبلَه؛ فلأنه تعظيمٌ لنعمة الله تعالى، فيبارَكُ له فيه، أو لأن الأكلَ مع غَسْلِ اليدين أهنَأُ وأمرَأُ، وأما بعدَه فلأنه لو لم يغسِل يديه لا يأمَن المَسَّ.
3239 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ مِنَ الخَلاءَ فقُدِّمَ إليهِ طعامٌ فقالوا: ألا نأتِيكَ بوَضُوءٍ؟ قال: "إنَّما أُمِرْتُ بالوُضوءَ إذا قُمتُ إلى الصَّلاةِ".
"عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرجَ من الخَلَاء فقُدِّم إليه طعامٌ، فقالوا: ألا نأتيك بوَضوء؟ " بفتح الواو.
"قال: إنما أُمرت بالوضوء إذا قمتُ إلى الصلاة"، وهذا بناء على الأعمِّ الأغَلبِ، وإلا فيجبُ الوضوءُ عند السجدة ومَسِّ المصحف.
3240 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّه أُتيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثريدٍ فقال: "كُلوا من جَوانِبها، ولا تأْكُلوا مِنْ وسطِها، فإن البَركةَ تنزِلُ في وسَطِها".
وفي روايةٍ: "إذا أكلَ أحدُكُمْ طعامًا فلا يأْكُلْ منْ أعلَى، ولكنْ يأكُلُ مِنْ أسفَلِها، فإنَّ البَركةَ تنزِلُ مِنْ أعلاها".
"عن ابن عباسٍ - رضي الله تعالى عنهما -: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بقَصْعَةٍ من ثَرِيد فقال: كلُوا من جَوانبها ولا تأكلُوا من وَسَطِها فإنَّ البركةَ تنزِلُ في وسطها"، والوسَطُ أَعْدَلُ المواضع، وكان أحقَّ بنزول البركةِ فيه.
"صحيح".
"وفي رواية: إذا أكَل أحدُكم طعامًا فلا يأكلْ مِن أعلَى الصَّحْفَة"؛ أي: من وسط القَصْعَة.
"ولكنْ يأكلُ مِن أسفلِها"؛ أي: من جانبها الذي يليه.
"فإنَّ البركةَ تَنزِلُ من أعلاها".
3241 -
عن عبدِ الله بن عمرٍو رضي الله عنهما: أنَّه قال: ما رُئي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكلُ
متَّكِئًا قطُّ، ولا يطأُ عَقِبَهُ رجُلان.
"عن عبدِ الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنه - قال: ما رُؤِيَ رسولُ الله تعالى عليه وسلم يأكلُ مُتَّكِئًا قط، ولا يَطَأُ عَقِبَه"؛ أي: لا يمشي خلفه.
"رجلان"؛ يعني كان يمشي منفردًا أو معه رجلٌ واحدٌ دون جمع؛ لأنه فعل المتكبرِّين، وقيل: أي: ما كان يمشي قُدَّام الجَمْع، بل في وسطهم أو آخرِهم تواضعًا.
3242 -
عن عبدِ الله بن الحارثِ بن جَزْءٍ رضي الله عنه: أنَّه قال: أُتيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بخُبْزٍ ولَحْمٍ وهو في المسجدِ، فأكلَ وأكلنا مَعَهَ، ثمّ قام فصلَّى وصلَّيْنا معهُ، ولم نَزِدْ على أنْ مَسَحْنا أيْدِيَنا بالحَصْباءَ.
"عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء"، بفتح الجيم وسكون الزاي المعجمة.
"قال: أُتِيَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم بخبز ولحمٍ وهو في المسجد فأكلَ وأكَلْنا معه"، من الأدب: أنَّ مَن أُهْدِيَ إليه طعام وهو في جمعٍ شارَكُوه.
"ثم قام فصَلَّى وصلَّينا معه ولم نَزِدْ على أن مَسَحْنا أيدينا بالحَصْبَاء"، وهي الحجارةُ الصغيرةُ؛ يعني لم نَغْسِل أيدينا.
3243 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: أُتِيَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بلَحْمٍ فرُفِعَ إليهِ الذِّراعُ، وكانتْ تُعجبُهُ فنَهَسَ منها.
"عن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه - قال: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بلحمٍ، فرُفع
إليه الذِّراعُ"؛ أي: دُفِعَ إليه ليأكلَ منها.
"وكانَتْ"؛ أي: الذراع "تُعْجِبُه"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم، يريد: أنه صلى الله عليه وسلم كان يحبُّها من الشاة المشوية.
"فنهسَ منها"، بالسين المهملة؛ أي: أخذَ من الذراع ما عليها من اللَّحْم بأطراف مُقَدَّم الأسنان، وبالمعجمة: أَخْذُه بالأضراس، واستحبَّ النِّهْسَ للتواضعِ وتَرْكِ التكبر.
3244 -
ورُوِيَ عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بالسِّكّينِ فإنَّهُ منْ صُنْعِ الأعاجِمِ، وانهَشُوهُ فإنَّهُ أهنأُ وأمرأُ"، غريب.
"وروي عن عائشةَ - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تقطَعُوا اللَّحْمَ بالسِّكِّين، فإنه مِن صَنِيع الأعاجم"؛ أي: المتكبرين الذين لا يتلَقُّون نعمةَ الله بالتعظيم.
"وانهسُوه"؛ أي: كُلُوه بالأسنان.
"فإنه أَهْنَأُ وأَمْرَأُ"، وهما أَفْعَلا تفضيل مِن: هَنأَ الطعام وَمَرأ إذا كان سائغًا بلا تَنغِيص، وقيل: الهنيء ما يَلَذُّه الآكِلُ، والمَرِيء: ما يَحَمدُ عاقبتَه، وقيل: ما ينساغُ في مَجْرَاه.
"غريب".
3245 -
عن أمِّ المُنْذِرِ قالت: دخلَ على رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومعهُ عليٌّ ولنا
دوالٍ مُعلَّقةٌ، فجعلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكُلُ وعليٌّ معهُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ:"مَهْ يا عليُّ! فإنَّكَ ناقِهٌ". قالت: فجعلتُ لهمْ سِلْقًا وشَعيرًا، فقالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"يا عليُّ منْ هذا فأصِبْ فإنَّهُ أَوْفَقُ لكَ".
"عن أم المنذر رضي الله عنها قالت: دخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومعه عليٌّ، ولنا دوالٍ معلَّقة"، جمع دالية وهي عنقودُ الُبْسر المحمرَّة، كانوا يعلِّقونها في البيوت، فيأكلون إذا أَرْطَب.
"فجعل": شرع "رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكلُ وعليٌّ معه، فقال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم لَعِليٍّ: مَهْ"، اسم فعل بمعنى: اكفف في "يا عليُّ"، أي: عن الأكل.
"فإنك ناقِهٌ" بكسر القاف، هو الذي قامَ مِن الضعف، من: نقِهَ من المرض - بالفتح والكسر - إذا بَرِئَ منه وفاقَ، وكان قريبَ العهد بالمرض، ولم تكمل صحتُه وقوتُه؛ يعني: يضرُّك أَكْلُ البُسْر والتَّمْر.
"قالت: فجعلتُ لهم سِلْقًا وشعيرًا، فقال صلى الله عليه وسلم: يا عليُّ، مِن هذا فأصِبْ"؛ أي: تناولْ من السِّلْق والشعير، والفاء زائدة، أو معطوف على مقدر.
"فإنه أَوْفَقُ" وأنفع.
3246 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعجبُهُ الثُّفْلُ.
"عن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبُه الثُّفْل"، بضم الثاء، وهو أفصحُ من الكسر، وهو ما رُسِبَ من الطعام في أسفل القَصْعَة، وقيل: ما بقيَ في أسفلِ القِدْر والتصقَ فيها، وقيل: هو الثَّرِيد، وقيل: هو الدقيق والسَّوِيق ونحوهما.
3247 -
عن نبُيْشَةَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ أكلَ في قَصْعَةٍ فلَحَسَها استغفرَتْ لهُ القَصْعَةُ"، غريب.
"عن نُبيشة" بضم النون وفتح الباء الموحدة: اسم رجلٍ من هُذَيل.
"عن رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: مَن أكلَ في قَصْعةٍ فلَحِسَها"؛ أي: لَعقَ ما فيها من الطعام.
"استغفرتْ له القَصْعَة"، استغفارُ القصعة عبارةٌ عن براءةِ صاحبها من التكبُّر موصوفًا بالتواضُع، وهما سببُ المغفِرَة بواسطةِ القَصْعَة.
"غريب".
3248 -
عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ باتَ وفي يدِهِ غَمَرٌ لمْ يَغْسِلْهُ فأصابَهُ شيءٌ فلا يَلُومَنَّ إلَّا نفسَه".
"عن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن باتَ وفي يده غَمَرٌ" بفتح الغين المعجمة والميم: دَسَمُ اللَّحْم وزهُومَته.
"لم يغسِلْه، فأصابه شيء"؛ أي: من إيذاء الهَوامِّ؛ لأنه ربما يقصِدُه نائمًا لرائحة الطعام في يده فيؤذيه، وقيل: من البَرَص ونحوِه؛ لأن اليدَ حينئدٍ إذا وصلتْ إلى شيء من بدنه بعد عرقه فربما أورث ذلك.
"فلا يلومَنَّ إلا نفسَه".
3249 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه قال: كانَ أحبَّ الطَّعامِ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم -
الثَّريدُ مِنَ الخُبزِ، والثَّريدُ مِنَ الحَيْسِ.
"عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان أحبَّ الطعام إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الثَّرِيدُ من الخبز، والثَّرِيدُ من الحيس"، وهو تمرٌ يُخلَطُ بسمن وأَقِط، وأصل الحَيْس: الخَلْطُ.
3250 -
عن أبي أَسِيدٍ الأنصارِيِّ: أنَّه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُوا الزَّيْتَ وادَّهِنُوا بهِ فإنَّهُ مِنْ شَجرةٍ مُباركةٍ".
"عن أبي أُسيَد الأنصاري قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: كلُوا الزيتَ وادَّهِنُوا به، فإنه من شجرةٍ مباركة".
3251 -
عن أُمِّ هانئٍ قالت: دخلَ عليَّ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "أعِندَكِ شيءٌ؟ " قلتُ: لا، إلا خُبْزٌ يابسٌ وخَلٌّ، فقال:"هاتي، ما أفْقَرَ بيتٌ مِنْ أُدُمٍ فيهِ خَلٌّ"، غريب.
"عن أم هانئٍ - رضي الله تعالى عنها - قالت: دخلَ عليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: أعندَكِ شيء؟ قلت: لا، إلا خبز يابس وخَلٌّ، فقال: هاتي، ما أَفْقَرَ بيتٌ"؛ أي: ما خَلِيَ "من أُدُمٍ فيه خَلٌّ"، وهذا يدلُّ على أن الخَلَّ إدامٌ.
"غريب".
3252 -
عن يُوسُفَ بن عبدِ الله بن سَلامٍ قال: رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذَ كِسْرةً مِنْ خُبْزِ الشَّعيرِ فوضعَ عليها تَمْرةً، فقال: هذهِ إدامُ هذِه، وأكَلَ".
"عن يوسفَ بن عبد الله بن سُلَام - رضي الله تعالى عنهم - قال: رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذَ كِسْرةً من خبزِ الشعير، فوضعَ عليها تمرةً، فقال: هذه إدامُ هذه وأكل"، وفيه دليلٌ على أن التمر إدام.
3253 -
عن سعدٍ قال: مرضْتُ مَرَضًا فأتاني النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يعُودُني، فوضعَ يدَهُ بينَ ثَدْيَيَّ حتَّى وجَدْتُ بردَها على فُؤادي، وقال:"إنَّكَ رجل مَفْؤودٌ، وائتِ الحارثَ بن كَلَدَةَ أخا ثَقِيفٍ فإنَّهُ رجلٌ يتطبَّبُ فلْيَأْخُذْ سبعَ تَمَراتٍ مِنْ عَجْوةِ المدينةِ فلْيَجَأهُنَّ بنواهُنَّ ثمَّ ليَلُدَّكَ بهِنَّ".
"عن سعدٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: مرضتُ مرضًا، فأتاني النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعودُني، فوضعَ يدَه بين ثدييَّ حتى وجدتُ بَرْدَها على فؤادي"؛ أي: في قلبي.
"فقال: إنك رجلٌ مفؤودٌ"، وهو الذي أصابهَ داءٌ في فؤاده.
"وائتِ الحارثَ بن كَلَدَةَ"، بفتح الكاف واللام.
"أخا ثقيفٍ، فإنه رجلٌ يتطبَّبُ"، وفيه إشارةٌ إلى استصغار طِبه، وأنَّ الطبيبَ هو الله.
"فليأخُذْ"؛ أي: المتطبب المذكور.
"سبعَ تمرات من عَجْوةِ المدينة"، تخصيصُها بالذكر للبركة المجعولة فيها بدعائه صلى الله عليه وسلم، أو لأنها أوفقُ لمزاجِ سَعْدٍ لتعوُّذهِ بها في المدينة.
"فَلَيَجْأهُنَّ"؛ أي: فليَدُقَّهُنَّ.
"بنواهنَّ ثم ليُلدَّكَ": أي: ليَسْقِك "بهن"، واللُّدود - بفتح -: هو من الأدوية ما يُسقَى المريض في أحد شِقَّي الفم، فإنه صلى الله عليه وسلم رأى أن تناولَ هذا النوع أيسرُ وأنفعُ وأليقُ بمرضه، وإنما وصفَ العلاجَ بعد حوالَيه على المتطبب إعلامًا
بأن رأيهَ صلى الله عليه وسلم يوافِقُ رأيَه، فأحبَّ صلى الله عليه وسلم أن يصدق المتطبب، ويشهدَ له صلى الله عليه وسلم بالإصابة، أو ليطمئنَّ قلب المريض، أو لأجل حِذاقَتهِ في اتخاذ الدواء، وكيفيةِ استعمالهِ، والحارث بن كَلَدَة الثقفي مات في أول الإسلام، ولم يصحَّ له إسلام، ويُستدُّل بهذا على جواز مشاوَرةِ الطبيبِ الكافر.
3254 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كانَ يأكُلُ البطيخَ بالرُّطَبِ، ويقولُ:"يُكسرُ حَرُّ هذا ببردِ هذا، وبردُ هذا بحرِّ هذا"، غريب.
"عن عائشةَ - رضي الله تعالى عنها -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطبيخ": وهو مقلوب البطِّيخ، وهو لغة فيه عند أهل الحجاز، وهو الهنديُّ؛ يعني: يأكل البطِّيخ.
"بالرُّطَب، ويقول: يُكْسَرُ حَرُّ هذا ببْردِ هذا، وبردُ هذا بَحرِّ هذا"، لعله أراد صلى الله عليه وسلم بالبطّيخ هنا قبلَ أن ينضجَ ويصيرَ حُلْوًا باردًا، وأما بعدَ نُضْجهِ فهو حارٌّ.
"غريب".
3255 -
عن أنسٍ رضي الله عنه قال: أُتيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بتمرٍ عتِيقٍ فجعلَ يُفتِّشُهُ ويُخرِجُ السُّوسَ منهُ.
"عن أنسٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بتمر عَتِيقٍ"؛ أي: قديمٍ وقعَ فيه السُّوسُ من غاية قِدَمهِ.
"فجعل" صلى الله عليه وسلم "يفتِّشُه ويُخرِج السُّوسَ منه"، ويطرحُه ويأكلُ التمرَ، والسُّوسُ: دودٌ يقعُ في الصوفِ والطعام، وفيه دليلٌ بأن الطعام لا ينجُسُ بوقوع
السُّوسِ فيه ولا يَحْرُم.
3256 -
عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: أُتيَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بجُبنةٍ في تَبُوكَ فدعا بالسِّكِّين فسمَّى وقطَعَ.
"عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: أُتيَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بجُبنةٍ" - بضمتين وتشديد النون -: الجبن الذي يؤكَل، يقالُ. جُبن وجُبنة والجُبنة أخص منها.
"في تبوك فدعا بالسِّكِين، فسمَّى الله وقطعَ" الجبنة، وهذا يدلُّ على طهارة الأُنْفحة.
3257 -
وعن سلمانَ قال: سُئِلَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عن السَّمْنِ والجُبن والفِراءِ؟ قال: "الحَلالُ ما أحلَّ الله في كتابهِ، والحَرامُ ما حرَّمَ الله في كتابهِ" وما سكتَ عنهُ فهوَ ممَّا عفا عنهُ"، غريب وموقوفٌ على الأصَحِّ.
"عن سلمانَ - رضي الله تعالى عنه - قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السَّمْن والجبن والفِرَاء" بكسر الفاء ممدودًا، قيل: جمع الفَرَءَ بفتح الفاء والهمزة والقصر، وهو الحمارُ الوحشي، وقيل: إنه جمع الفَرْو الذي يُلْبَس، وإنما سألُوا عنها حَذَرًا من صُنع أهلِ الكفر في اتخاذهم الفِراءَ من جلود الميتة من غير دباغ.
"فقال: الحلالُ ما أحلَّ الله"؛ أي: ما بيَّنَ تحليلَه "في كتابه، والحرام ما حَرَّم الله"؛ أي: بيَّنَ تحريمَه "في كتابه، وما سكتَ عنه"؛ أي: الكتاب عن بيانه.
"فهو مما عُفي عنه"؛ أي: أبيحَ وهذا يدلُّ على أن الأصلَ في الأشياء الإباحةُ.
"غريب وموقوف على الأصح".
3258 -
ورُوِيَ عن ابن عمرَ رضي الله عنهما أنَّه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَدِدتُ أنَّ عِندي خُبْزةً بيضاءَ مِنْ بُرَّةٍ سَمْراءَ مُلَبَّقَةً بِسمنٍ ولَبن". فقامَ رجلٌ مِنَ القومِ فاتَّخذَهُ فجاءَ بهِ، فقال:"في أيِّ شيءٍ كانَ هذا؟ " قال: في عُكَّةِ ضَبٍّ قال: "اِرفَعْهُ".
"عن ابن عمَر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: وَدِدْتُ"؛ أي: تمنيتُ "أن عندي خبزةً بيضاءَ من بُرَّةٍ سمراءَ"، نوع من الحنطة فيها سوادٌ خَفِيٌّ، وهو أحمر الأنواع عندهم.
"ملبَّقة": وبتشديد الباء؛ أي: مخلوطة.
"بسمنٍ ولبن": خلطًا شديدًا.
"فقام رجلٌ من القوم فاتخذَه، فجاءَ به": رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
فقال صلى الله عليه وسلم "في أي شيء"؛ أي: في أي ظرف.
"كان هذا السمن؟ قال: في عُكَّة": وهو - بضم العين وتشديد الكاف - آنيةُ السمن، وقيل: هي وعاءٌ من جلود مستديرة مختص بالسمن والعسل وبالسمن أخصُّ؛ أي: في وعاءٍ من جِلْدِ "ضَبِّ، قال: ارفعه"، وإنما أمرَ صلى الله عليه وسلم برْفعهِ؛ لأنه يَعَافُ الضَّبَّ؛ لأنه لم يكن بأرض قومهِ، لا لنجاسَةِ جِلْده.
3259 -
رُوِيَ عن عليٍّ قال: نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ أكلِ الثّومِ إلَّا مَطْبوخًا.
"وروي عن عليِّ - رضي الله تعالى عنه - قال: نهى رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن أَكْلِ الثوم إلا مطبوخًا"، وهذا مع الحديثِ الثاني يدلَّان على أن المراد بالنهي ما لم يكن مطبوخًا.
3260 -
ورُوِيَ عن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّها سُئِلتْ عَنِ البَصَلِ فقالت: إنَّ آخِرَ طَعامٍ أكلَهُ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم طَعامٌ فيهِ بَصَلٌ.
"وروي عن عائشةَ - رضي الله تعالى عنها - أنها سُئلت عن البصل، فقالت: إنَّ آخرَ طعامٍ أكلَه رسولُ الله طعامٌ فيه بَصَلٌ"، قيل: إنما أكلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك في آخر عمره؛ ليعلمَ أن النهيَ للتنزيه لا للتحريم.
3261 -
عن ابني بُسْرٍ السُّلَمِيَّين قالا: دخلَ عَلَيْنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقَدَّمْنا زُبْدًا وتَمرًا، وكانَ يُحِبُّ الزُّبدَ والتَّمرَ.
"عن ابني بُسْرٍ": بضم الباء ثم السكون.
"السُّلَمِيَّين"، بضم السين وفتح اللام المخففة وكسر الميم وفتح الياء الأولى المشددة وسكون الثاني، هما عبد الله وعطية.
"قالا: دخلَ علينا رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقدَّمْنا زُبدًا وتَمرًا، وكان يحبُّ الزُّبْد والتَّمْر".
3262 -
عن عِكْراشِ بن ذُؤَيْبٍ أنَّه قال: أُتِينا بجَفْنَةٍ كثيرةِ الثَّريدِ والوَذْرِ، فَخَبطْتُ بيدِي في نَواحِيها، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "كُلْ مِنْ مَوْضعٍ واحِدٍ، فإنَّهُ طعامٌ
واحِدٌ"، ثُمَّ أُتِينا بطَبَقٍ فيهِ ألوانُ التمرِ، فجعلتُ آكُلُ منْ بينِ يدَيَّ، وجالَتْ يدُ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم في الطَّبَقِ، فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "يا عِكْراشُ كُلْ مِنْ حيثُ شِئْتَ فإنه غيرُ لَونٍ"، غريب.
"عن عِكْراش" بكسر العين ثم السكون.
"ابن ذُؤَيب" بضم الذال المعجمة وفتح الواو ثم السكون.
"قال: أُتِينا بجَفْنَة كثيرةٍ الثَّرِيد والوَذْر" بفتح الواو وسكون الذال المعجمة: جمع وَذْرَة، وهي القطعة من اللحم الذي لا عظم فيه.
"فخبطتُ بيدي"؛ أي: أَدَرْتُها، "في نواحيها"، مِن: خبطَ البعيرُ بيده إذا ضربَ بها.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم كلْ مِن موضعٍ واحدٌ؛ فإنه طعامٌ واحدِ، ثم أُتِينا بطبقٍ فيه ألوانُ التمر"؛ أي: أنواعه.
"فجعلتُ آكْلُ مِن بينِ يديَّ، وجالتْ يدُ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، أي: دارَتْ "في الطبق، فقالَ يا عِكْرَاش: كلْ من حيثُ شئتَ فإنه غيرُ لَوْنٍ"، وفيه تنبيهٌ على أن الفاكهةَ إذا كانت لونًا واحدًا لا يجوزُ أن يَخْبطَ بيده كالطعام، وعلى أن الطعامَ إذا كان ذا ألوان يجوزُ أن يخبطَ ويأكلَ في أي نوع يريد.
3263 -
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذَ أهلَهُ الوَعَكُ أمرَ بالحِساءَ فصُنِعَ، ثُمَّ أَمَرهُمْ فحَسَوْا منهُ، وكانَ يقولُ:"إنَّه لَيَرْتُو فُؤادَ الحزينِ وَيَسْرُو عنْ فُؤادِ السَّقيمِ كما تَسْرُو إحْداكُنَّ الوَسَخَ بالماء عنْ وجهِها"، صحيح.
"عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا أخذَ أهلَه الوَعكُ"؛ أي: الحُمَّى.
"أمر بالحِسَاء" بالفتح والمد: طعامٌ معروفٌ، وهو الحَريرَة.
"فصنعَ، ثم أمرَهم فحَسَوا منه، وكان يقول: إنه لَيَرْتُو"؛ أيَ: يقوِّي.
"فؤادَ الحزَين ويَسْرُو عن فؤاد السقيم"؛ أي: يكشِفُ عن فؤاده الضيْقَ والتعبَ والسَّقَم.
"كما تَسْرُو إحداكنَّ الوسخَ بالماء عن وجهِها".
"صحيح".
3264 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "العَجْوَةُ مِنَ الجَنَّةِ فيها شِفاءٌ مِنَ السَّمِّ، والكَمْأَةُ مِنَ المَنِّ وماؤُها شِفاءٌ للعينِ".
"عن أبي هريرةَ - رضيَ الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: العَجْوة مِن الجَنة"؛ أي: من جِنْسِ نَخْلِ الجنة.
"وفيها شفاءٌ من السمِّ"، أو لأنها لغزارةِ نفعِها ولطافته لمَا فيها من اللذة والشفاء من السم والسحر، كأنها من ثمار الجنة؛ لأن ثمارَها تُزِيلُ الأذى والتعب.
"والكَمْأَة من المَنِّ، وماؤُها شفاءٌ للعين"، تقدَّمَ بيانُه في "صحاح" هذا الباب.