الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3032 -
عن عمرو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ في خُطبتِهِ: "أَوْفُوا بحِلْفِ الجاهليةِ فإنه لا يزيدُه - يعني: الإسلامَ - إلا شِدَّة، ولا تُحْدِثُوا حِلْفاً في الإسلامِ".
"عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله تعالى عنهم: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال في خطبته: أوفوا بحلف الجاهلية"؛ يعني: إن كنتم حلفتم في الجاهلية بأن يعين بعضكم بعضاً، فإذا أسلمتم فأوفوا بذلك الحلف.
"فإنه لا يزيده؛ يعني: الإسلام" لا يزيد الحلف "إلا شدة، ولا تُحدِثوا حِلْفاً في الإسلام": مخالفاً لحكم الإسلام بأن يرث بعضكم من بعض، وأن يفتنوا بين القبائل، فإن الإسلام أقوى من الحلف، فمن استمسك بالعاصم القوي استغنى عن العاصم الضعيف.
* * *
8 - باب قِسْمَةِ الغنائمِ والغُلولِ فيها
" باب قسمة الغنائم": جمع الغنيمة، وهي: ما أخذ من الكفار الحربية قهراً.
"والغلول فيها"! أي: الخيانة في الغنيمة.
مِنَ الصِّحَاحِ:
3033 -
عن أبي هريرةَ، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"فلم تَحِلَّ الغنائمُ لأحدٍ من قبلِنا، ذلكَ بأنَّ الله رَأَى ضَعْفَنا وعَجْزَنا فَطَيَّبَها لنا".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لم تحل الغنائم لأحد من قبلنا"، قيل: كانت الأمم الماضية إذا غزوا وغنموا، كانوا يجمعونها، فإن نزلت نارٌ من السماء وأحرقتها، علموا أن غزوتهم مقبولة.
"ذلك": إشارة إلى تحليل الغنائم لنا.
"بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيَّبها"؛ أي: أحلها "لنا".
* * *
3034 -
عن أبي قَتادةَ قال: خَرَجْنا معَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عامَ حُنَيْنٍ، فلمَّا التقيْنا كانَتْ للمُسلمينَ جَوْلَةٌ، فرأيتُ رجلاً مِن المشركينَ قد عَلا رجلاً مِن المسلمينَ، فضربتُ مِن وَرائه على حَبْلِ عاتقِهِ بالسَّيفِ، فقَطَعْتُ الدِّرْعَ، وأقبلَ عليَّ فضَمَّني ضَمَّةً وجدتُ منها ريحَ الموتِ، ثم أَدْركَهُ الموتُ فأَرسلَني، فلَحِقْتُ عمرَ فقلتُ: ما بالُ النَّاسِ؟ قال: أمرُ الله، ثم رجعُوا وجَلَسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقالَ:"مَن قتلَ قتيلاً لهُ عليهِ بَينةٌ فلهُ سَلَبُه"، فقلتُ: مَن يشهدُ لي؟ ثم جلستُ، فقال النبيُّ مثلَه، فقمتُ فقالَ:"ما لَكَ يا أَبا قَتادةَ؟ "، فأَخبرتُهُ، فقالَ رجلٌ: صَدَقَ، وسلَبُهُ عندي فأرْضهِ مِنِّي، فقالَ أبو بكرٍ: لاها الله، إذاً لا يَعمِدُ إلى أَسَدٍ مِن أُسْدِ الله يقاتلُ عن الله ورسولهِ فيُعطيكَ سلَبَه! فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَ فأَعْطِهِ"، فأعطانِيهِ، فابتَعْتُ به مَخْرَفاً في بني سَلَمةَ، فإنه لأَوَّلُ مالٍ تَأَثَّلُتُه في الإِسلامِ.
"عن أبي قتادة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عام حُنين، فلما التقينا"؛ أي: المشركين.
"كانت للمسلمين جَوْلةٌ" - بفتح الجيم وسكون الواو - من الجولان،
يقال: جال في الحرب جولة؛ أي: دار، وقد فُسِّرت في الحديث بالهزيمة، عبر عنها بالجولة؛ لاشتراكهما في الاضطراب وعدم الاستقرار.
"فرأيت رجلاً من المشركين قد علا" أي: غلب.
"رجلاً من المسلمين، فضربت من ورائه على حبل عاتقِهِ": وهو موضع الرداء من العنق، وقيل: ما بين العنق والمنكب، وقيل: عرق أو عصب هناك.
"بالسيف، فقطعت الدرع، فأقبل عليَّ، فضمني"؛ أي: ضغطني وعصرني.
"ضمة وجدْتُ منها ريحَ الموت، ثم أدركه الموتُ، فأرسلني" أي: أطلقني.
"فلحقت عمر، فقال: ما بال الناس"؛ أي: ما حالهم ينهزمون؟
"قال: أمر الله"؛ أي: كائن، أو ما تراه أمر الله.
"ثم رجعوا"؛ أي: المسلمون.
"وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من قتل قتيلاً"، سماه قتيلاً باعتبار ما يؤول إليه.
"له عليه"؛ أي: على قتله "بينةٌ، فله سلبه": وهو ما على القتيل ومعه من ثياب وسلِاح ومركب.
"فقلت: من يشهد لي؟ " بأني قتلت رجلاً من المشركين؛ ليكون سلبه لي.
"ثم جلست، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله"؛ أي: مثل قوله: " من قتل قتيلاً. . . " إلخ.
"فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثله، فقمت، فقال: ما بالك يا أبا قتادة؟ فأخبرته فقال رجلٌ: صادق"؛ أي: أبو قتادة أنه قتل كافراً.
"وسلبُهُ عندي، فأرضهِ"؛ أي: أبا قتادة.
"عنه"؛ أي: عن السلب.
"مني"؛ أي: أعطه قدر ما يرضيه عني، وأسهمني معه، وقيل: معناه أعطه عوضاً عنه؛ ليكون ذلك لي.
"فقال أبو بكر: لاها الله إذاً"، كذا رُوِي، حمله بعض النحاة على الغلط من بعض الرواة، والصواب: لاها الله ذا، فـ (ها) بدلٌ من واو القسم، والجملة مقسم عليها؛ يعني: لا يفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقول، والله.
"لا يعمدُ" تفسير للمقسم عليها؛ أي: لا يقصد النبي صلى الله عليه وسلم.
"إلى أسد من أسد الله، يقاتل عن الله ورسوله، فيعطيك سلبه"؛ يعني: لا يقصد إبطالَ حقه، وإعطاءَ سلبه إياك.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق"؛ أي: أبو بكر فيما قاله.
"فأعطه"، وهذا يدل على جواز إفتاء المفضول بحضرة الفاضل إذا كان بينهما زيادة انبساط.
"فأعطانيه"، فيه دليل على أن كل مسلم قتل مشركاً في القتال استحقَّ سلبه من بين سائر الغانمين، وأنه لا يخمَّسُ، سواء كان القتل مبارزة أو لا.
وشرط الشافعي كون المقتول مقبلاً على القتال، فلو انهزم قبل القتال، أو جرح وعجز عن القتال، لم يستحق سلبه، إلا أن يكون القاتل (1) هزمه أو جرحه بحيث أعجزه.
"فابتعت به"؛ أي: اشتريت بذلك السلب.
"مَخْرَفاً" بفتحتين وسكون الحشو؛ أي: بستاناً، يريد به: حائط نخل
(1) في "ت" و"غ": "القتيل"، ولعل الصواب المثبت.
يُختَرف؛ أي: يجتنى منه الثمر.
"في بني سَلِمة" بكسر اللام؛ أي: في محلتهم.
"فإنه"؛ أي: ذلك المخرف.
"لأول مال تأثَّلته"؛ أي: تملكته، وجمعته، وجعلته أصل مال "في الإسلام".
* * *
3035 -
عن ابن عمرَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَسْهَمَ للرَّجلِ ولفرسِهِ ثلاثةَ أَسْهُم: سهمًا له وسهمَينِ لفرسِهِ.
"عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - أسهم للرجل ولفرسه"؛ أي: أعطى.
"ثلاثة أسهم: سهمًا له"، واللام فيه للتمليك.
"وسهمين لفرسه" وهذه اللام للتسبيب؛ أي: لأجل فرسه لعنائه في الحرب؛ إذ مؤنة فرسه تُضاعَف على مؤنة صاحبه، وهذا قول الأكثر، وقيل: للفارس سهمان، وعليه أبو حنيفة.
* * *
3036 -
عن يزيدَ بن هُرْمزَ قال: كتبَ نَجْدَةُ الحَرُورِيُّ إلى ابن عبَّاسٍ يسألُه عن العبدِ والمرأةِ يحضُرانِ المَغْنَمَ، هل يُقسَمُ لهما؟ فقالَ ليزيدَ: اكتبْ إليهِ أنه ليسَ لهُما سَهْمٌ إلا أنْ يُحْذَيا.
وفي روايةٍ: كتبَ إليه ابن عباسٍ: إِنكَ كتبتَ تَسألُني: هل كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يغزُو بالنِّساءِ، وهل كانَ يَضْرِبُ لهنَّ بسهمٍ؟ قد كانَ يغزُو بهِنَّ يُداوينَ المرضَى،
ويُحْذَيْنَ مِن الغنيمةِ، وأمَّا السَّهمُ فلم يَضْرِبْ لهنَّ بسهمٍ.
"عن يزيد بن هُرْمز قال: كتب نجدةُ الحروري إلى ابن عباس يسأله عن العبد والمرأة يحضران المغنم: هل يُقسَم لهما؛ فقال" أي: ابن عباس "ليزيد: أكتب إليه"؛ أي: إلى نجدة.
"أنه ليس لهما سهم إلا أن يُحذَيا"؛ أي: يُعطيا شيئًا أقل من سهم ذكر حر.
"وفي رواية: كتب إليه ابن عباس: أنك كتبت تسألني: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب"؛ أي: يقسم.
"لهن بسهم؟ قد كان يغزو بهن، يداوين المرضى، ويُحذَين"؛ أي: يعطين شيئًا.
"من الغنيمة، وأما السهمُ فلم يضرب"؛ أي: لم يقسم.
"لهن بسهم" تام.
3037 -
وعن سلمةَ بن الأكْوَعِ قال: بَعَثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بظهرِهِ معَ رباحٍ كلامِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأنا معه، فلمَّا أصبحْنا إذا عبدُ الرَّحمنِ الفَزارِيُّ قد أغارَ على ظهرِ رسولِ الله عز وجل، فقُمْتُ على أكَمَةٍ فاستقبلتُ المدينةَ فناديْتُ ثلاثًا: يا صَباحاهُ، ثم خرجتُ في آثارِ القومِ أَرميهِم بالنبلِ، وأرتجزُ أقولُ:
أنا ابن الأكْوَعِ
…
واليومُ يومُ الرُّضَّعِ
فمازلتُ أَرميهِم وأعقِرُ بهم، حتى ما خلَقَ الله مِن بعير من ظهرِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا خَلَّفتُه وراءَ ظَهْري، ثم اتَّبعْتُهم أَرميهِم، حتى ألقَوا أكثرَ من ثلاثينَ بُردةً وثلاثينَ رُمحًا يَستخِفُونَ، ولا يَطرَحُونَ شيئًا إلَّا جعلتُ عليهِ آرامًا مِن الحجارةِ يعرفُها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابُهُ، حتى رأيتُ فوارِسَ
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولحِقَ أبو قتادةَ فارسُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بعبدِ الرَّحمنِ فقتلَهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"خيرُ فُرْساننا اليومَ أبو قتادةَ، وخيرُ رجَّالتِنا سَلَمةُ"، قال: ثم أَعطاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سهمَينِ، سهمَ الفارسِ وسهمَ الرَّاجِلِ، فجمَعُهما في جميعًا، ثم أَرْدَفَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وراءَهُ على العَضْباء، راجعينَ إلى المدينةِ.
"وعن سلمة بن الأكوع قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره"؛ أي: بدوابه.
"مع رباحٍ" بالفتح "غلامِ رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - "؛ ليرعاها، ويسرحها في الصحراء.
"وأنا معه فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري": بالفاء والزاي المعجمة قبل المهملة، وروي بقاف مضمومة؛ كافرٌ "قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -، فقمت على أَكَمةٍ"؛ أي: على تل.
"فاستقبلت المدينةَ، فناديت ثلاثًا: يا صباحاه" كلمة استغاثة عن الغارة؛ لكثرتها صباحًا.
"ثم خرجت في آثار القوم"؛ أي: الذين أغاروا [على] الدواب.
"أرميهم بالنبل، وأرتجز" أي: أقول الشعر رجزًا.
"وأقول"، وفي بعض:(وأرتجز أقول)؛ أي: أرتجز قائلًا:
"إني أنا ابن الأكوع
…
واليوم يوم الرضع"
جمع الراضع، وهو: اللئيم، يريد به: يوم هلاك اللئام؛ يعني: يوم تهلكون أيها الكفار بأيدينا.
"فما زلت أرميهم، وأعقرهم"؛ أي: قتلت مركوبهم، وأجعلهم راجلًا، عقر الناقة بالسيف: ضرب قوائمها.
"حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -
إلا خلَّفته" أي: تركته "وراء ظهري، ثم اتبعتهم أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بُردةً": وهي شملة مخططة، أو كساء أسود مربع صغير يلبسه الأعراب.
"وثلاثين رمحًا، يستخفُّون"؛ أي: يطلبون التحفة بإلقائها في الفرار.
"ولا يطرحون شيئًا، إلا جعلت عليه آراماً"؛ أي: أعلامًا.
"من الحجارة"؛ يعني: وضعت عليه حجارة؛ ليكون علمًا أن أحدًا أخذه من الكفار.
"يعرفها رسول الله وأصحابه"، وكان من عادة الجاهلية: أنهم إذا وجدوا شيئًا لم يمكنهم استصحابه، تركوا عليه حجارة يعرفونه بها، حتى إذا عادوا أخذوه، أو ليعلم من يأتي أن أحدًا أخذ من الكفار شيئًا، فيلحقه ويعينه.
"حتى رأيت فوارسَ رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -، ولحق أبو قتادة فارسُ رسول الله بعبد الرحمن فقتله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير فرساننا" جمع فارس.
"اليوم أبو قتادة، وخير رَجَّالتنا" بفتح الراء وتشديد الجيم: جمع راجل خلاف الفارس.
"سلمة بن الأكوع، قال"؛ أي: سلمة: "ثم أعطاني رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - سهمين: سهم الفارس، وسهم الراجل"، وإنما أعطاه صلى الله عليه وسلم سهم فارس مع سهم راجل؛ لأن معظم أخذ تلك الغنيمة كان بسبب سلمة، ويجوز للإمام أن يعطي من كثر سعيه في الجهاد شيئًا زائدًا على نصيبه؛ لترغيب الناس، وإنما لم يعطه صلى الله عليه وسلم الجميع؛ لأن من حضر الحربَ قبل انقضائها بنية الحرب، فهو شريكٌ في الغنيمة.
"فجمعهما"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم السهمين "لي جميعًا، ثم أردفني رسول الله وراءه"؛ أي: أركبني خلفه.
"على العضباء": وهي ناقة رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -.
"راجعين إلى المدينة": وتسمى هذه الغزوة غزوة ذي قرد، وكانت في السادسة من الهجرة، وذو قرد: موضع قريب من المدينة.
* * *
3039 -
عن ابن عمرَ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُنفِّلُ بعضَ مَن يبعثُ مِن السَّرايا لأنفسِهم خاصَّةً، سِوَى قِسْمةِ عامَّةِ الجيشِ.
"عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله كان يُنفِّلُ بعضَ من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة"؛ يعني: يعطيهم من الغنيمة زائدًا، ويخصهم بشيء.
"سوى قسمة عامة الجيش".
* * *
3038 -
عن ابن عمرَ قال: نفَّلَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نفلاً سِوى نصيبنا مِن الخُمُسِ فأصابني شارِفٌ، والشارِفُ المُسِنُّ الكبيرُ.
"وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نفَّلنا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - نفَلاً"؛ أي: أعطانا من الغنيمة زائدًا.
"سوى نصيبنا من الخمس"، والنفل بفتحتين: اسم لزيادة يعطيها الإمام بعضَ الجيش على القدر المستحق.
" فأصابني شارف. والشارف: المسن الكبير" من النوق.
* * *
3040 -
وعن ابن عمرَ قال: ذهبتْ فرسٌ لهُ فأخذَها العَدُوُّ، فظهرَ عليهمُ المسلمونَ فرُدَّ عليهِ في زمنِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأَبَقَ عبدٌ لهُ فلَحِقَ بالرُّومِ، فظهرَ عليهمُ المسلمونَ فردَّهُ عليهِ خالدُ بن الوليدِ بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
"وعن ابن عمر قال: ذهبت فرسٌ له"؛ أي: نفرت وذهبت إلى جهة الكفار.
"فأخذها العدو، فظهر" أي: غلب "عليهم المسلمون"، وأغاروا عليهم، وكانت تلك الفرس فيما أغاروا.
"فرُدَّ عليه في زمن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - "، وهذا يدل على أن الكفار إذا استولوا على مال مسلم لا يتملكونه، ويُردُّ على مالكه بعد استنقاذه من أيديهم، سواء كان قبل القسمة أو بعدها، وبه قال الشافعي خلافًا لمن خالف بعد القسمة.
"وأبق عبدٌ له"؛ أي: لابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -.
"فلحق بالروم، فظهر عليهم المسلمون، فرد [هـ] عليه خالدُ بن الوليد بعد النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - "، وهذا يدل على أنهم لا يملكون العبد الآبق، فإذا أخذه المسلمون وجب رده إلى صاحبه قبل القسمة وبعدها، وبه قلنا.
* * *
3041 -
عن جُبَيْرِ بن مُطعِمٍ قال: مشيتُ أنا وعثمانُ بن عفَّانَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقلنا: أعطيتَ بني المطَّلِبِ مِن خُمُسِ خيبرَ وتركتنا، ونحنُ بمنزلةٍ واحدةٍ منكَ، فقال: إنَّما بنو هاشم وبنو المطَّلبِ شيءٌ واحدٌ، قال جُبَيرٌ: ولم يَقْسِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم لِبني عبدِ شمسٍ وبني نوفلٍ شيئًا.
"عن جُبيرِ بن مُطعِم قال: مشيت أنا وعثمان إلى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فقلنا: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن وهم بمنزلة واحدة منك، فقال: إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شيء واحد"؛ أي: كالشيء الواحد، بأن كانوا متوافقين متحابين متعاونين، فلم يكن بينهم
مخالفة في الجاهلية والإسلام.
"قال جبير: ولم يقسم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - لبني عبد الشمس وبني نوفل شيئًا"؛ لأنه لم يكن بينهم وبين أولاد بني هاشم موافقة، بل كانوا متخالفين.
أعلم أن هاشمًا والمطلب ونوفلاً وعبدَ شمس هم أبناء عبد مناف، وعبد مناف، هو الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم، وجبير بن مطعم من بني نوفل، وعثمان بن عفان من بني عبد شمس، والنبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.
* * *
3042 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما قَرْيَةٍ أَتيتُمُوها وأقمتُم فيها فسهمُكم فيها، وأيُّما قَرْيَةٍ عَصَتِ الله ورسولَهُ فإنَّ خُمُسَها للهِ ورسولهِ، ثمَّ هي لكم ".
"وعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -: أيُّما قرية أتيتموها، وأقمتم فيها"؛ يعني: إذا أتيتم قرية من قرى الكفار، وما أوجفتم عليهم بخيل ومحاربة، بل صالحتم أهلها على مال.
"فسهمكم فيها"؛ يعني: ما أخذتم منهم يكون فيئًا مصرفه جميع المسلمين.
"وأيما قرية عصت الله ورسوله"، فأخذتم منهم مالًا بإيجافِ خيل ومحاربة.
"فإن خمسَها لله ولرسوله، ثم هي لكم"؛ يعني: ذلك المال يكون غنيمة، يؤخذ خمسها لله ولرسوله، ويقسم الباقي منها بينكم، والحديث يدل على أن مال الفيء لا يخمَّس، وقال الشافعي: إنه يخمَّس كمال الغنيمة، والحديثُ يكون حجة عليه.
* * *
3043 -
عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أُعطِيكُم ولا أمنعُكم، أنا قاسِمٌ أضعُ حيثُ أُمِرْتُ".
"عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: ما أعطيكم، ولا أمنعكم، أنا قاسمٌ أضعُ حيث أمرتُ" تقدم بيانه في (باب رزق الولاة).
* * *
3044 -
عن خَوْلةَ الأنصاريَّةَ قالت: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ رِجالًا يتخوَّضُون في مالِ الله بغيرِ حقٍّ، فلَهُم النارُ يومَ القيامةِ".
"عن خولة الأنصارية قالت: سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول: إن رجالًا يتخوَّضون في مال الله"؛ أي: يتصرفون في الفيء والغنيمة والزكاة.
"بغير حق"؛ أي: بغير أمر الله ورسوله.
"فلهم النار يوم القيامة".
* * *
3045 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قامَ فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ فذَكرَ الغُلولَ، فعَظَّمَهُ وعظَّمَ أمرَهُ ثم قال: "لا أُلفِيَنَّ أحدكم يَجيءُ يومَ القيامةِ على رقبَتِهِ بعيرٌ لهُ رُغاءٌ، يقولُ: يا رسولَ الله أَغِثْني! فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفِينَّ أحدَكم يَجيءُ يومَ القيامةِ على رقبَتِهِ فرسٌ لهُ حَمْحَمَةٌ فيقولُ: يا رسولَ الله أغِثني! فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفِينَّ أحدكم يجيءُ يومَ القِيامَةِ على رقبَتِهِ شاةٌ لها ثُغاءٌ يقول: يا رسولَ الله أغِثني! فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفِينَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القِيامَةِ على رقبَتِهِ نفسٌ لها صياحٌ فيقول: يا رسولَ الله أغِثني! فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا قد
أبلغتُكَ، لا أُلفِينَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القيامةِ على رقبَتِهِ رِقاعٌ تَخفِقُ فيقول: يا رسولَ الله أغِثني! فأقولُ: لا أملِكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ، لا أُلفينَّ أحدَكم يجيءُ يومَ القيامةِ على رقبتِهِ صامِتٌ فيقولُ: يا رسولَ الله أغثني! فأقولُ: لا أملكُ لكَ شيئًا قد أبلغتُكَ".
"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قام فينا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ذات يوم، فذكر الغُلولَ"؛ أي: الخيانة في الغنيمة.
"فعظَّمه، وعظَّم أمره، ثم قال: لا ألُفين"؛ أي: لا أجدنَّ.
"أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رُغاء": وهو صوت البعير.
"يقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا"؛ أي: لا أقدر أن أدفع عنك من عذاب الله شيئًا؛ لأني لم أشفع إلا لمن أذن الله.
"قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حَمْحَمةٌ" بفتح الحاءين المهملتين وسكون الميم الأولى وفتح الثانية: صوت الفرس دون الصهيل.
"فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثُغاء" بضم الثاء: صوت الشاة.
"يقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفسٌ لها صياحٌ" أراد بالنفس: الرقيق الذي غلَّه من السبي، أو قتل بغير حق.
"فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رِقاعٌ" بكسر الراء: جمع رقعة، وهي قطعة من الثوب أو القرطاس، ويحتمل أن يراد بها: ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع.
"تخفق"؛ أي: تضطرب على رقابهم، وتشبه أن يكون حال الخياطين السرَّاقين كذلك.
"فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك، لا ألفينَّ أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ": وهو الذهب والفضة، خلاف الناطق، وهو الحيوان.
"فيقول: يا رسول الله! أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئًا، قد أبلغتك"، نهى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - نفسه عن إلفاءِ الغلول بمثل المذكورات، والمراد: نهي المخاطبين عن إتيانهم بمثل ذلك الفعل الشنيع الذي عظَّم الله أمره في كتابه بقوله تعالى: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]، وأوعدهم بإفضاحهم على رؤوس الملأ.
* * *
3046 -
عن أبي هريرةَ قال: أهدى رَجُلٌ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم غُلامًا يقالُ له: مِدْعَمٌ، فبينَما مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا سهمٌ عائِرٌ فقتلَهُ، فقالَ النَّاسُ: هنيئًا له الجَّنَةُ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"كلا! والذي نفسي بيدهِ إنَّ الشَّمْلَةَ التي أخذَها يومَ خيبرَ مِن المغانِم لم تُصِبْها المَقاسِمُ لتشْتَعِلُ عليهِ نارًا"، فلمَّا سمعَ ذلكَ الناسُ جاءَ رجلٌ بشِراك أو شِراكَينِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"شِراكٌ مِن نارٍ، أو شِراكانِ مِن نارٍ".
"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: أهدى رجل لرسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - غلامًا يقال له: مِدْعَم": بكسر الميم وسكون الدال وفتح العين المهملتين
"فبينما مِدْعَم يحط رحلاً"؛ أي: ظهر المركوب.
"لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا" أصابه "سهم عائر": وهو السهم الذي لا يُدَرى من أين رمي؟
"فقتله، فقال الناس: هنيئًا له الجنة"؛ لأنه مات في خدمته صلى الله عليه وسلم.
"فقال رسول الله: كلا"؛ أي: ليس الأمرُ كما تظنون.
"والذي نفسي بيده إن الشملة": وهي الكساء المشتمل به الرجل.
"التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم": حال من الضمير المنصوب في (أخذها)؛ أي: غير مقسومة؛ أي: أخذها قبل القسمة، فكان غلولاً؛ لأنها كانت مشتركة بين الغانمين.
"لتشتعل عليه نارًا"؛ أي: تَجعَلُ تلك الشملةُ عليه نارًا لتحرقه.
"فلما سمع ذلك الناس جاء رجل بشِراكٍ": وهو أحد سيور النعل التي على وجهها.
"أو شراكين إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: شراك من نار، أو شراكان من نار"؛ أي: يجعل شراك من المغنم شراكًا من نار على رجله يوم القيامة، وإنما قال في الشراك هذا القول بعد إتيانه به إليه؛ لأنه قد تعذَّرت قسمته بين الغانمين، فلم يُفِدِ الردُّ شيئًا.
* * *
3047 -
عن عبدِ الله بن عَمْرٍو قال: كانَ على ثَقَلِ النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يقالُ لهُ كَرْكَرْةُ، فماتَ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هوَ في النَّارِ"، فذَهبوا ينظرونَ، فوجدُوا عباءَةً قد غلَّها.
"عن عبد الله بن عمرو قال: كان على ثَقَلِ رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بكسر الثاء (1) وفتح القاف: وهو متاع المسافر، وقيل: المتاع
(1) المعروف أنه بفتح الثاء والقاف، وانظر "القاموس المحيط"، و"الصحاح" (مادة: ثقل).
المحمول على الدابة.
"رجل يقال له: كركرة" بكسر الكافين: اسم ذلك الرجل، كان يحفظ أمتعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وينقلها من منزل إلى منزل.
"فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو في النار، فذهبوا" إلى رحل ذلك الرجل "ينظرون، فوجدوا" في رحله "عباءة"، فهو ضرب من الكساء.
"قد غلها".
* * *
3048 -
قال ابن عمرَ: كنَّا نُصيبُ في مَغازينا العَسَلَ والعِنَبَ فنأكلُهُ ولا نرفعُه.
"وقال ابن عمر: كنا نصيبُ في مغازينا": جمع المغزى، وهو مصدر ميمي، أو مكان من (غزا يغزو).
"العسل والعنب، فنأكله، ولا نرفعه"؛ أي: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل القسمة، واتفقوا على جواز أكل الغزاة طعام الغنيمة قبل القسمة على قدر الحاجة ما داموا في دار الحرب، سواء فيه الخبز واللحم وغيرها.
قال الشافعي: إن أكل فوق الحاجة أدَّى ثمنه في المغنم، ورخَّص الأكثر في علف الدواب للحاجة إليه.
* * *
3049 -
عن عبدِ الله بن مُغَفَّلٍ قال: أَصبْتُ جِرابًا من شحمٍ يومَ خيبرَ فالتزمتُهُ فقلتُ: لا أُعطي اليومَ أَحَدًا مِن هذا شيئًا، فالتَفَتُّ فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يبتسِمُ إليَّ.
"عن عبد الله بن مغفل قال: أصبت" أي: لقيت.
"جرابًا من شحم يوم خيبر، فالتزمته"؛ أي: عانقته وضممته إلى نفسي.
"فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا، فالتفتُّ فإذا رسولُ الله يتبسم إلي"، وهذا دليل على جواز أخذ المجاهدين من طعام الغنيمة قدر ما يحتاجون إليه.
* * *
مِنَ الحِسَان:
3050 -
عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله فضَّلَني على الأنبياءِ"، أو قالَ:"فضَّلَ أُمَّتي على الأمم، وأَحَلَّ لنا الغنائمَ".
"من الحسان":
" عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله فضَّلني على الأنبياء، أو قال" شك من الراوي "فضل أمتي على الأمم، وأَحَلَّ لنا الغنائم"، ولم يكن ذلك للأمم الماضية.
* * *
3051 -
عن أنسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، يعني يومَ حُنَينٍ:"مَن قتَلَ كَافِرًا فلهُ سَلَبُه"، فقتلَ أبو طلحةَ يومئذٍ عشرينَ رجلًا وأخذَ أَسْلابَهم.
"عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يومئذ - يعني: يوم حُنين -: من قتل كافرًا، فله سلبه. فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلًا، وأخذ أسلابهم"، وهذا يدل على أن السلب للقاتل يستوي فيه من له سهم من الغنيمة أو لا، وسواء قتله مقبلاً أو مدبرًا، وفي الصف أو خارج الصف.
* * *
3052 -
عن عوفِ بن مالكٍ الأَشْجَعِي وخالدِ بن الوليدِ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى في السَّلَبِ للقاتلِ، ولم يُخَمِّس السَّلَبَ.
"عن عوف بن مالك الأشجعي وخالد بن الوليد: أن رسول الله - صلى الله تعالى - عليه وسلم قضى في السلب للقاتل، ولم يخمِّس السلب".
* * *
3053 -
عن عبدِ الله بن مَسعودٍ قال: نَفَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ بدرٍ سيفَ أبي جهلٍ، وكانَ قَتَلَهُ.
"عن عبد الله بن مسعود قال: نفَّلني رسولُ الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يوم بدر سيفَ أبي جهل"؛ أي: أعطانيه زائدًا من نصيبي من الخمس.
"وكان قتله "؛ أي: ابن مسعود - وقيل: أي: النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل.
* * *
3054 -
عن عُمَيْرٍ مَوْلى آبي اللَّحم قال: شهدتُ خيبرَ مع سادَتي، فكلَّمُوا فِيَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فكلَّمُوه أني مملوكٌ، فأَمَرَني فقُلِّدْتُ سيفًا فإذا أَنا أجرُّه، فأمرَ لي بشيء من خُرْثيِّ المتاعِ، وعرضتُ عليهِ رُقْيَةً كنتُ أرْقي بها المجانينَ، فأمرني بطَرْحِ بعضها وحَبْسِ بعضها.
"عن عمير": بصيغة التصغير.
"مولى أبي اللحم": اسمه الحويرث بن عبد الله وكان لا يأكل اللحمَ.
" قال: شهدت"؛ أي: حضرت.
"خيبر مع ساداتي"؛ أي؛ مع كبار أهلي.
"فكلموا في"؛ أي: في حقي.
"رسولَ الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -" أن يأخذني للغزو.
"وكلَّموه أني مملوك، فأمرني" بأن أحمل السلاح، وأكون مع المجاهدين؛ لأتعلم المحاربة.
"فقُلِّدتُ سيفاً"؛ أي: علق سيفي بمنكبي.
"فإذا أنا أجره"؛ أي: كنت أجرُّ السيف على الأرض لصغري وقصر قامتي.
"فأمر لي بشيء من خُرْثِيِّ المتاع" بضم الخاء المعجمة وسكون الراء المهملة وكسر الثاء المثلثة وتشديد الياء: شيء حقير من متاع البيت، وهو ما يستعمل في البيت كالقدر وغيرها؛ أي: أمر بدفع شيء منها إلي.
"وعرضْتُ عليه رقيةً كنت أرقي بها المجانين، فأمرني بطرح بعضها"؛ أي: بعض الرقية.
"وحبس بعضها"؛ يعني: كان بعضها حسنًا، وبعضها كلمات قبيحة، فأمرني أن أترك قراءة ما هو القبيح منها، وأقرأ ما هو الحسن منها.
* * *
3055 -
عن مُجمِّعِ بن جاريةً قال: قُسِمَتْ خيبر على أهلِ الحُدَيْبيةِ، قسمَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثمانيةَ عَشرَ سهمًا، وكانَ الجيشُ ألفًا وخمسَ مئةٍ، قال الشيخُ رضي الله عنه: فيهم ثلاثُ مئةِ فارس! وهذا وَهْمٌ، إنَّما كانوا مئتي فارس".
"عن مُجمِّع": على صيغة اسم الفاعل.
"ابن جارية": بالجيم والياء حرف العلة.
"قال: قُسِمَتْ خيبر"؛ أي: قسم صلى الله عليه وسلم نصف أراضي خيبر، وجميع منقولات غنائمها.
"على أهل الحديبية"؛ أي: الذي كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية، وحفظ نصف أراضيها لنفسه يهيئ من غلتها أسباب أهله وأضيافه.
"قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سهمًا، وكان الجيش ألفًا وخمس مئة، فيهم ثلاث مئة فارس"، وهذا مستقيم على قول من قال: لكل فارس سهمان؛ لأن الرجالة على هذه الرواية تكون ألفًا ومئتين، ولهم اثني عشر سهمًا، لكل مئة سهم، وللفرسان ستة أسهم، لكل مئة سهمان، فالمجموعُ ثمانية عشر، وأما على قول من قال: للفارس ثلاثة أسهم، فمشكل؛ لأن سهام الفرسان تسعة، وسهام الرجالة اثنا عشر، فالمجموع أحد وعشرون.
"وهذا وهم"؛ أي: خطأ من الراوي من أنه قال: فيهم ثلاث مئة فارس.
"إنما كانوا مئتي فارس"، فعلى هذا كان نصيبهم ستة، ونصيب الرجالة ثلاثة عشر؛ لما ذكر من أن الجيش ألف وخمس مئة، يصير المجموع تسعة عشر، لا ثمانية عشر، فإذن هذه القسمة تحتاج إلى تأويل؛ فقيل: كان فيهم مئة عبد، ولم يقسم لهم سهم؛ إذ لا سهمَ للعبد، بل يُعطى رضخًا.
* * *
3056 -
عن حبيبِ بن مَسْلَمةَ الفِهريِّ قال: شهدتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نفَّلَ الرُّبُعَ في البَدْأَةِ، والثُّلُثَ في الرَّجْعَةِ.
"عن حبيب بن مَسلمة": بفتح الميم واللام.
"الفهري": بكسر الفاء وسكون الهاء.
"قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم نفَّلَ الربعَ في البَدْأة"؛ أي: في ابتداء الغزو؛ يعني: إذا نهضت طائفة من العسكر، فإن وقعت بطائفة من العدو قبل وصول الجيش، كان لهم الربع مما غنموا؛ لنهوضهم من بين سائرهم ويشركهم سائر
العسكر في ثلاثة أرباعه.
"والثلث"؛ أي: نفل الثلث.
"في الرجعة"؛ يعني: إن رجعوا من الغزو، ثم رجع طائفة من العسكر، فوقعوا بالعدو ثانية، كان لهم الثلث مما غنموا؛ لزيادة مشقتهم وخطرهم، وشركهم سائرهم في الثلثين، وذلك لأن وجهة السريةِ والجيشِ في البدأة واحدة، فيصلُ مددهم إلى أهل البدأة من خلفهم، بخلاف الرجعة فإن السرية فيها راجعة إلى دار الحرب، والجيشُ راجعٌ عنها، فلا يكون خلفها من تأمن به، فتكون جراءة الكفار على أهل الرجعة (1) أكثر منها على أهل البدأة.
* * *
3057 -
وعن حبيبِ بن مَسْلَمَة الفِهْريِّ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يُنفِّلُ الرُّبُعَ بعدَ الخُمُسِ، والثُّلُثَ بعدَ الخُمُسِ إذا قَفَلَ.
"وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع بعد الخمس"؛ أي: بعد إخراج الخمس.
"والثلثَ بعد الخمس إذا قفل"؛ أي: رجع من الغزو، وهذا (2) الحديث كالذي قبله غير أنه لم يبين في الذي قبله أنَّ إعطاءه ذلك كان قبل إخراج الخمس أو بعده، وبيَّن هنا أنه كان يخرج أولاً الخمس من المغنم، ويصرفه إلى أهله، ثم بعد ذلك يعطي ربع ما بقي أو ثلثه لأهل البدأة والرجعة.
* * *
(1) من قوله: فإن السرية فيها. . . إلى قوله: أهل الرجعة: ليس في "غ".
(2)
في "غ": "هذا".
3058 -
عن أبي الجُويريةِ الجَرْميِّ قال: أصبتُ بأرضِ الرُّومِ جَرَّةً حمراءَ فيها دنانيرُ في إمْرَةِ مُعاويةَ، وعلينا رجلٌ مِنْ أصحابِ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُقالُ لهُ: مَعْنُ بن يزيدَ، فأتَيْتُه بها فقَسَمها بينَ المُسلمينَ وأعطاني منها مِثلَ ما أعطَى رجُلاً منهم، ثمَّ قال: لولا أنِّي سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا نَفْلَ إلَّا بعدَ الخُمُسِ"، لأَعطَيْتُكَ.
"عن أبي الجويرية": تصغير الجارية.
"الجرمي": بفتح الجيم وسكون الراء.
"قال: أصبت بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية"؛ أي: في زمان إمارته.
"وعلينا"؛ أي: أُمِّر علينا في ذلك الجيش.
"رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له: معن بن يزيد، فأتيته بها، فقسمها بين المسلمين، وأعطاني منها مثل ما أعطى رجلًا منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله يقول: لا نفل إلا بعد الخمس، لأعطيتك"؛ أي: النفل، قيل: يشبه أن يكون هنا سهو من الراوي في الاستثناء، وأن الصواب: لا ينفل بعد الخمس؛ أي: بعد وجوب الخمس في الغنيمة.
* * *
3059 -
عن أبي موسى الأشعريِّ قال: قَدِمْنا فوافَقْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حينَ افتتحَ خَيْبَرَ فأسهمَ لنا - أو قال: فأعطانا منها - وما قسمَ لأحَدٍ غَابَ عنْ فتح خَيْبَرَ منها شيئًا إلاّ لمنْ شَهِدَ معهُ إلَّا أصحابَ سفينَتِنا جَعْفَرًا وأصحابَهُ، أسهمَ لهمْ معهم.
"عن أبي موسى الأشعري قال: قدمنا، فوافقنا رسولَ الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - "؛ أي: صادفنا.
"حين افتتح خيبر، فأسهم لنا، أو قال: فأعطانا منها، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها"؛ أي: ما أعطى له من غنيمة خيبر.
"شيئًا إلا لمن شهد معه"؛ أي: حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم ".
"إلا أصحاب سفينتنا؛ جعفرًا" نصب على أنه عطف بيان من المستثنى.
"وأصحابه، أسهم لهم"؛ أي: النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب سفينتنا الغُيَّبِ عن فتح خيبر.
"معهم"؛ أي: مع الشاهدين لفتحها.
قصة هذا: أن جعفر بن أبي طالب مع جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا من مكة إلى حبشة حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فلما سمعوا بمهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وقوة دينه، هاجروا من حبشة إلى المدينة، وكانوا راكبين في السفينة، فوافق ذلك فتح خيبر، ففرح صلى الله عليه وسلم بقدومهم، وأعطاهم من غنيمة خيبرَ سهامهم.
* * *
3060 -
عن زيدِ بن خالدٍ: أنَّ رجُلًا مِنْ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تُوفِّيَ يومَ خيبرَ فذكرُوا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"صَلُّوا على صاحِبكُمْ". فتغيَّرَتْ وُجوهُ النَّاسِ لذلك، فقال:"إنَّ صاحِبَكُمْ غَلَّ في سبيلِ الله". ففتَّشْنا متاعَهُ فوجَدْنا خَرَزًا مَنْ خَرَزِ اليَهودِ لا يُساوي دِرهَمَيْنِ.
"عن زيد بن خالد - رضي الله تعالى عنه -: أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر، فذُكِرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا على صاحبكم، فتغيَّرت وجوهُ الناس لذلك"؛ أي: لأمره صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه دون مباشرته إياها بنفسه الكريمة.
"فقال: إن صاحبكم غَلَّ"؛ أي: سرق.
"في سبيل الله، ففتشنا متاعه"؛ أي: فطلبنا من بين متاعه.
"فوجدنا خَرَزًا من خرزِ يهود، لا يساوي درهمين".
* * *
3061 -
عن عبدِ الله بن عَمروٍ قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابَ غنيمةً أمرَ بلالاً فنادَى في الناسِ، فيَجيئُون بغنائِمِهِمْ، فيُخمِّسُهُ ويقْسِمُهُ، فجاءَ رجلٌ بعدَ ذلكَ بزِمامٍ مِنْ شَعْرٍ فقال: هذا فيما كُنَّا أصبناهُ مِنَ الغَنيمَةِ، فقال:"أسمِعْتَ بلالاً يُنادِي ثلاثًا؟ " قال: نعم، قال:"فما مَنَعَكَ أنْ تجيءَ بهِ؟ " فاعتذَرَ، قال:"كُنْ أنتَ تجيءُ بهِ يومَ القِيامةِ، فلنْ أقبلَهُ عنك".
"عن عبد الله بن عمرو - رضي الله تعالى عنهما - قال: كان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إذا أصاب غنيمة، أمر بلالًا فنادى في الناس، فيجيؤون بغنائمهم، فيخمسه"؛ أي: يخرج من مال الغنيمة الخمس.
"ويقسمه، فجاء رجل بعد ذلك"؛ أي: بعد التخميس.
"بزمام من شعر، فقال: هذا فيما كنا أصبناه من الغنيمة، قال: أسمعت بلالاً نادى ثلاثًا؟ قال: نعم [قال]: فما منعك أن تجيء به؟ فاعتذر"؛ أي: أظهر عذرًا في التأخير.
"قال: كنْ أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله عنك" وإنما لم يقبله لأنه كان لجميع الغانمين فيه شركةٌ، وقد تفرقوا، ولم يمكن إيصال نصيب كلِّ واحد منهم، فتركه يزيده؛ ليكون إثمه عليه؛ لأنه هو الغاصب.
* * *
3062 -
عن عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمرَ حَرَّقُوا متاعَ الغالِّ وضربُوه.
"عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده - رضي الله تعالى عنهم -: أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - وأبا بكر وعمر حرَّقوا متاعَ الغالِّ، وضربوه "، أما عقوبة المال في نفسه تأديبًا له على سوء صنيعه؛ فلا خلاف فيه، وأما في ماله؛ فقال بعضٌ بظاهر الحديث، وقال أحمد: يحرق ماله غير حيوان ومصحف، ولا يحرق ما غل؛ لأنه حق الغانمين، يرد عليهم، فإن استهلكه غرم قيمته.
وقال الأوزاعي: يحرق متاعه الذي غزا به وسرجه وإيكافه دون دابته ونفقته وسلاحه وثيابه الذي عليه.
وعندنا والشافعي ومالك: لا يحرق شيء من متاعه، بل يعزَّر، وحملوا الحديث على الزجر والوعيد دون الإيجاب.
* * *
3063 -
عن سَمُرةَ بن جُندبٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ يكْتُمْ غالًّا فإنَّهُ مثلُه".
"عن سمرة بن جُندبٍ قال: كان رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول: من يكتم غالاً"؛ أي: يستره، ولا يظهر [هـ] عند الأمير.
"فهو مثله"؛ أي: الكاتم مثل الغالِّ في الإثم.
* * *
3064 -
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: نهى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ شِراءَ المغانِم حتَّى تُقْسَمَ.
"عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله
تعالى عليه وسلم عن شَرْي المغانم حتى تُقسمَ".
* * *
3065 -
عن أبي أُمامةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنّه نهى أنْ تُباعَ السّهامُ حتَّى تُقْسَمَ.
"عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن تباع السهام حتى تُقسمَ"؛ يعني: لو باع أحد نصيبه من الغنيمة قبل القسمة، لم يصحَّ؛ لعدم الملك عند من يوقف الملكَ على القسمة، [و] للجهل بعين المبيع وصفته عند الملك قبل القسمة.
* * *
3066 -
عن خَوْلَة بنتِ قَيْسِ قالت: سمعتُ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ المالَ خَضرَةٌ حُلْوَةٌ، فمنْ أصابَهُ بحقِّهِ بُورِكَ له فيهِ، ورُبَّ مُتخَوِّضٍ فيما شاءتْ بهِ نفسُهُ مِنْ مالِ الله ورسُولهِ ليسَ لهُ يومَ القِيامَةِ إلَّا النَّارُ".
"عن خولة بنت قيس قالت: سمعت رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - يقول: إن المال خضرة"؛ أي: حسنة "حلوة"، إنما وصفه بالخضرة؛ لأن العرب تسمي الشيء الناعم خضرًا، أو لتشبيهه بالخضروات في سرعة زواله.
"فمن أصابه بحقه، بُورِك له فيه، ورُبَّ مُتَخِّوضٍ": وهو المتكلف للخوض، وهو: المشي في الماء وتحريكه، ثم استعمل في التلبيس بالأمر والتصرف؛ أي: رب متصرف.
"فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله" كالزكاة والغنيمة وغير ذلك.
"ليس له يوم القيامة إلا النار".
* * *
3067 -
عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تنفَّلَ سَيْفَهُ ذا الفَقارِ يومَ بَدْرٍ، وهو الذي رأَى فيها الرُّؤْيا يومَ أُحُدٍ.
"عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقارِ"؛ أي: اصطفاه لنفسه "يوم بدر"، وجعله صفيةَ المغنمِ التي لا تحل لأحد دونه صلى الله عليه وسلم، وكان لمنبه ابن الحجاج، قتله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق في السنة الثانية من الهجرة، فتنفله، وكان يشهد به الحروب دون سائر سيوفه.
"وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد"؛ يعني: أنه صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه هز ذا الفقار، فانقطع من وسطه، ثم هزَّ [هـ] هزة أخرى، فعاد أحسن مما كان.
* * *
3068 -
عن رُويفِعِ بن ثابتٍ: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يركبْ دابَّةً منْ فَيْءِ المُسلمينَ حتَّى إذا أعْجَفَها ردَّها فيهِ، ومنْ كانَ يُؤمنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يلبَسْ ثوبًا منْ فَيْءِ المُسلمينَ حتَّى إذا أخْلَقَهُ رَدَّهُ فيهِ".
"عن رُوَيفع بن ثابت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يركب دابة مِنْ فيءِ المسلمين، حتى إذا أعجفها"، من العجف: ضد السمن.
"ردَّها فيه"؛ أي: الدابة في الفيء.
"ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يلبس ثوبًا من فيء المسلمين، حتى إذا أخلقه"؛ أي: أبلاه، "رده فيه".
* * *
3069 -
وعن محمَّدِ بن أبي المُجالدِ، عن عبدِ الله بن أبي أوْفى قال: قلتُ: هلْ كنتمْ تُخَمِّسُونَ الطعامَ في عهدِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أصَبنا طعامًا يومَ خَيْبَرَ، فكانَ الرجُلُ يَجيءُ فيأخُذُ منهُ مِقْدارَ ما يكفيهِ ثمَّ ينصرِفُ.
"عن محمد بن أبي المجالِدِ، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قلت: هل كنتم تخمِّسون الطعام في عهد رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم -؟ قال: أصبنا طعامًا يوم خيبر، فكان الرجل يجيء، فيأخذُ منه مقدارَ ما يكفيه، ثم ينصرف".
* * *
3070 -
عن ابن عمرَ: أنَّ جيشًا غَنِمُوا في زَمانِ رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم طعامًا وعَسَلاً، فلمْ يُؤخَذْ منهمُ الخُمُس".
"عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه -: أن جيشًا غنموا في زمان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم طعامًا وعسلًا، فلم يؤخذ منهم الخمس".
* * *
3071 -
عن القاسم مَوْلى عبدِ الرَّحمنِ عن بعضِ أَصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: كُنَّا نأكُلُ الجَزورَ في الغزْوِ ولا نقسِمُهُ، حتَّى إنْ كنَّا لنرجِعُ إلى رِحالِنا وأخْرِجَتُنا منهُ مَمْلوءٌ.
"عن القاسم مولى عبد الرحمن، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال: نأكل الجزور": جمع جزر.
"في الغزو ولا نقسمه، حتى إن كنا لنرجُع إلى رحالنا، وأخْرِجَتُنا": جمع الخرج.
"منه مملوءة"، وفي بعض:(مملاة) مبالغة في الامتلاء، من ملأت الشيء.
* * *
3072 -
عن عبادةَ بن الصَّامتِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أدُّوا الخِياطَ والمِخْيَطَ، وإيَّاكمْ والغُلُولَ فإنَّهُ عارٌ على أهلِهِ يومَ القِيامَةِ".
"عن عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أدُّوا الخِياط" بكسر الخاء: جمع خيط.
"والمِخْيَط" بكسر الميم وسكون الخاء: هو الإبرة.
"وإياكم والغلول؛ فإنه عارُ على أهله يوم القيامة".
* * *
3073 -
عن عمرِو بن شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه قال: دَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم منْ بعيرٍ فأخذَ وَبَرَةً منْ سَنامِهِ ثمَّ قال: يا أيُّها الناسُ! إنَّهُ ليسَ لي منْ هذا الفَيْءَ شيءٌ ولا هذا - ورفعَ أُصبعَهُ - إلا الخُمُسَ، والخُمُسُ مَردودٌ عليكُمْ، فأَدُّوا الخِياطَ والمِخْيَطَ"، فقامَ رجُلٌ في يدِهِ كُبَّةٌ منْ شَعرٍ فقال: أخذتُ هذهِ لأصلِحَ بها بَزذعَةً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمَّا ما كانَ لي ولبني عبدِ المطَّلِبِ فهوَ لَكَ". فقال: أمَّا إذْ بلَغَتْ ما أَرَى فلا أَرَبَ لي فيها، ونَبَذَها.
"عن عمرو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جده - رضي الله تعالى عنهم - قال: دنا النبي صلى الله عليه وسلم من بعير، فأخذ وَبَرَةً" بفتحات ثلاثة؛ أي: صوفًا.
"من سنامه، ثم قال: يا أيها الناس! إنه ليس في من هذا الفيء شيء، ولا هذا - ورفع أصبعيه - إلا الخمس، والخمس مردود عليكم" أي: مصروف في مصالحكم من السلاح والخيل وغيرهما.
"فأدوا الخياط والمخيط، فقام رجل في يده كبةٌ من شعر"؛ أي: قطعة من غزل شعر.
"فقال: أخذت هذه لأصلح بها برذعة": وهي الحلس الذي يلقى تحت الرجل.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما ما كان لي ولبني المطلب فهو لك"؛ أي: ما كان نصيبي ونصيب بني المطلب أحللناه لك، وأما باقي أنصباء الغانمين؛ فاستحلاله ينبغي أن يكون منهم.
"فقال"؛ أي: الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم:
"أما إذا بلغت" أي: الكبة.
"ما أرى" من التبعة والمضايقة فيها.
"فلا أرب"؛ أي: فلا حاجةَ "لي فيها ونبذها"؛ أي: ألقاها من يده.
* * *
3074 -
عن عمرِو بن عَبَسةَ قال: صلَّى بنا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بَعيرٍ منَ المغنمَ فلمَّا سلَّمَ أَخَذ وَبَرَةً مِنْ جَنْبِ البَعيرِ، ثمَّ قال: ولا يَحِلُّ لي منْ غنائِمِكُمْ مثلُ هذا إلَّا الخُمُس، والخُمُسُ مَردودٌ فيكُمْ".
"عن عمرو بن عَبَسةَ قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - إلى بعير"؛ أي: استقبل في صلاته إلى جهة بعير.
"من المغنم"، وجعله سترة.
"فلما سلَّم أخذ وبرة من جنب البعير، ثم قال: ولا يحلُّ لي من غنائمكم مثلُ هذا إلا الخمس، والخمسُ مردودٌ فيكم ".
* * *
3075 -
عن جُبَيْرِ بن مُطْعِم قال: لمَّا قَسَمَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم سهْمَ ذَوي القُرْبَى بينَ بني هاشِمٍ وبني المُطَّلب أتيتُهُ أنا وعُثمانُ بن عفَّانَ، فقلنا: يا رسُولَ الله! هؤلاِءِ إخواننُا منْ بني هاشِم لا نُنْكِرُ فضلَهُمْ لمكانِكَ الذي وَضَعَكَ الله منهُم، أرأَيْتَ إخواننَا منْ بني المطَّلِبِ أعطيتَهُمْ وترَكْتَنا، وإنَّما قرابَتُنا وقَرابتُهم واحِدَةٌ فقالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: أمَّا بنو هاشِمٍ وبنو المطَّلِبِ فشيءٌ واحدٌ هكذا، وشبَّكَ بين أصابعِهِ".
وفي روايةٍ: "أنا وبنو المطَّلِبِ لا نفتَرِقُ في جاهِليَّةٍ ولا إسلامٍ، وإنَّما نحنُ وهُمْ شيءٌ واحِدٌ، وشبَّكَ بينَ أصابعِهِ".
"عن جُبير بن مُطعِمٍ قال: لما قسم رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - سهمَ ذوي القربى بين بني هاشم وبني المطلب، أتيته أنا وعثمان بن عفان، فقلنا: يا رسول الله! هؤلاء إخواننا من بني هاشم، لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله منهم"؛ أي: بنو هاشم أفضل منا؛ لأنهم أقرب إليك منا؛ لأن جدك وجدهم واحد، وهو هاشم.
"أرأيت إخواننا من بني المطلب، أعطيتهم وتركتنا، وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة"؛ لأن أباهم أخو هاشم وأبانا كذلك أخو هاشم.
"فقال رسول الله: أما بنو هاشم وبنو المطلب فشيء واحد هكذا، وشبَّك بين أصابعه"؛ أي: أدخل أصابع إحدى يديه بين أصابع يده اليسرى؛ يعني: كما أن هذه الأصابع داخلة في بعض، فكذلك بنو هاشم وبنو المطلب كانوا متوافقين مختلطين في الكفر والإسلام، وأما غيرهم من أقاربنا؛ فلم يكن موافقًا لبني هاشم، قيل: أراد به المخالفة التي كانت بين بني هاشم وبني المطلب في الجاهلية، وذلك أن قريشًا وبني كنانة حالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم، حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.