الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"فلطمت"؛ أي: ضربت بباطن الراحة "وجهها وعلي رقبة"؛ أي: إعتاق رقبة عن كفارة "أفأعتقها"؛ أي: هل يجوز لي أن أعتقها عن تلك الكفارة؟ "فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء" مراده عليه السلام من سؤاله إياها: ليعلم أنها موحِّدة أم متخذة الأصنام آلهة، فلما أشارت إلى السماء عَلِمَ أنها موحِّدة، فقَنِع منها بأن علمت أن لها ربًا يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، وليس المراد إثبات السماء مكانًا له تعالى عنه علوًا كبيرًا، بل معناه أن أمره ونهيه ووحيه ورحمته وكُتبه جاءت من قبل السماء، أو هو كقوله تعالى:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} [تبارك: 16]، والمراد: نفسه تعالى بالمعنى المذكور.
"قال" عليه الصلاة والسلام: "من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة".
* * *
13 - باب اللِّعَانِ
مِنَ الصِّحَاحِ:
2464 -
عن سهلِ بن سَعْدٍ السَّاعديِّ قال: إنَّ عُوَيْمرًا العَجْلانيَّ قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ رجلًا وَجَدَ معَ امرأتِه رجلًا أَيقتُلُه فتقتلُونَه، أَمْ كيفَ يفعلُ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قد أُنزِلَ فيكَ وفي صاحبتِكَ فاذَهبْ فأتِ بها"، قال سهلٌ: فَتلاعَنَا في المسجدِ وأنا مَعَ الناسِ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلما فَرَغا قال عُوَيمرٌ: كذبتُ عليها يا رسولَ الله إنْ أَمسكتُها، فطلَّقَها ثلاثًا، ثم قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"انظُرُوا! فإنْ جاءَتْ بهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ العَيْنينِ، عظيمَ الأَليتينِ، خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ، فلا أحسِبُ عُوَيمِرًا إلا قد صَدَقَ عليها، وإنْ جاءَتْ بهِ أُحَيمِرَ كأنه وَحَرَةٌ، فلا أَحسِب عُوَيمرًا إلا قد كذبَ عليها"، فجاءَت بهِ على النَّعتِ الذي نعتَ
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِن تصديقِ عُوَيمرٍ، فكانَ بعدُ يُنسَبُ إلى أمِّه.
(باب اللعان)
"من الصحاح":
" عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: أن عويمر العجلاني" بنو عجلان بفتح العين وسكون الجيم: بطن من العرب "قال: يا رسول الله! أرأيت رجلًا"، أي أخبرني عن رجل "وجد مع امرأته رجلًا أيقتله فتقتلونه؟! "؛ أي: أولياء المقتول ذلك الرجل القاتل.
"أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل فيك"؛ أي: قد أنزل الله فيك "وفي صاحبتك": {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] الآية.
"فاذهب فأت بها، قال سهل: فتلاعنا في المسجد وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم " وهذا يدل على جواز اللعان في المسجد، بل هو مستحب تغليظًا مكانيًا، وعلى أنه ينبغي أن يكون بمحضر جماعة من المؤمنين كإقامة الحدود بمحضرهم ليكون أبلغ زجرًا، وصفةُ اللعان معروفة.
والحديث يدل على أن آية اللعان نزلت في عويمر العجلاني، وأنه أول لعان كان في الإسلام، قال بعض العلماء: إنها نزلت بسبب هلال بن أمية، وكان أول رجل لاعن في الإسلام، فقالوا: معنى قوله عليه الصلاة والسلام لعويمر: (نزلت فيك)؛ أي: في شأنك؛ لأن في ذلك حكم شامل لجميع الناس، وقيل: يحتمل أنها نزلت فيهما جميعًا، فلعلهما سألا في وقتين متقاربين فنزلت فيهما، وسبق هلال باللعان.
"فلما فرغا قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها"؛ يعني: إن أمسكتها في نكاحي ولم أطلقها فقد كذبت فيما قلت في قذفها، "فطلَّقَها ثلاثًا".
وهذا يدل على أن الفرقة لا تقع بمجرد اللعان ما لم يفرِّقِ الحاكمُ، وبه قال أبو حنيفة، حتى لو طلقها قبل قضاء القاضي وقع، وعند الشافعي: يقع بمجرد اللعان.
والفرقة في الحكم: التطليقة الثانية عند أبي حنيفة لا يتأبد حكمها، فإذا أكذب الرجلُ نفسَه بعد ذلك فحُدَّ جاز أن يتزوجها، وعند الشافعي: فرقة بغير طلاق يتأبد حكمها ليس لهما أن يجتمعا بعد ذلك بوجه.
"ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: انظروا، فإن جاءت به"؛ أي: بما حملت "أسحم" وهو شديد السواد "أدعج"؛ أي: أسود "العينين" مع سعتهما، وقيل: هو شديد سواد العين في بياضها، "عظيم الأَلْيتين خدلج" بتشديد اللام؛ أي: عظيم "الساقين"، وكان الرجل الذي نُسب إليه الزنا بهذه الصفة؛ يعني: لو كان الولد بهذه الصفات "فلا أحسب"؛ أي: فلا أظن "عويمرًا إلا قد صدق عليها"، وهذا يدل على جواز الاستدلال بالشبه.
"وإن جاءت به أحيمر" تصغير أحمر نصب حالًا "كأنه وحرة" بفتح الواو والحاء المهملة: دويبة حمراء تلتزق بالأرض، وقيل: شبه الوزغة، وكان عويمر أحمر، فلو كان الولد بهذه الصفة "فلا أحسب عويمرًا إلا قد كذب عليها، فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله من تصديق عويمر، فكان بعد ينسب إلى أمه"، وإنما كشف عليه الصلاة والسلام بذلك مع أن الستر أفضل لفائدة إعلام النبوة، وللتنبيه على أن لا تأثير لوضوح الأمر بعد وقوع الفرقة بين المتلاعنين.
* * *
2465 -
وعن ابن عمرَ رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لاعَنَ بينَ رَجُلٍ وامرأتِهِ، فانتفَى من ولدِها، ففرَّقَ بينَهما، وأَلحَقَ الولدَ بالمرأةِ، وفي حديثِه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم -
وَعَظَهُ، وذكَّرَهُ، وأَخبرَهُ أن عذابَ الدُّنيا أَهوَنُ مِن عذابِ الآخرةِ، ثم دَعاها فوَعَظَها، وذكَّرَها، وأخبرَها أن عذابَ الدنيا أَهْوَنُ مِن عذابِ الآخرةِ.
"وعن ابن عمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام لاعن بين رجل وامرأته فانتفى من ولدها ففرق بينهما وألحق الولد بأمه، وفي حديثه: أن رسول الله قال الله عيه وسلم وعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون"؛ أي: أسهل "من عذاب الآخرة" لأن عذاب الدنيا فانية وعذاب الآخرة باقية.
"ثم دعاها فوعظها، وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة"، والحديث يدل على أن للإمام أن يذكِّر المتلاعنين ويُعظم الأمر عليهما، ويقول لهما: عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة.
* * *
2466 -
وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال للمُتلاعِنَيْنِ: "حِسابُكما على الله، أحدُكما كاذِبٌ لا سبيلَ لكَ عليها"، قال: يا رسولَ الله! مالي؟ قال: "لا مالَ لَكَ، إنْ كنتَ صدَقتَ عليها فهو لها بما استحْلَلتَ مِن فرجِها، وإنْ كنتَ كذبتَ عليها فذاكَ أبعدُ وأبعدُ لكَ منها".
"وعن ابن عمر: أن النبي عيه الصلاة والسلام قال للمتلاعنين: حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها"؛ يعني: لا يجوز لك أن تكون معها، بل حَرُمت عليك أبدًا، يدل على وقوع الفرقة باللعان كما قال الشافعي.
"قال"؛ أي: الرجل بعد الفرقة: "يا رسول الله! مالي"؛ أي: أين يذهب مالي الذي أعطيتها من المهر؟ "قال: لا مال لك إن كنت صدقت عليها، فهو بما استحللت من فرجها"؛ أي: فمالك يكون في مقابلة وطئك إياها، وهذا يدل
على أن الملاعن لا يرجع بالمهر عليها إذا دخل بها، وعليه اتفاق العلماء، وأما إذا لم يدخل بها: قال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لها نصف المهر، وقال بعض: لها الصداق كاملًا، وقال الزهري: لا صداق لها.
"وإن كنت كذبت عليها" في أنها زنت، "فذاك أبعد"؛ أي: عود المهر إليك أبعد؛ لأنه إذا لم يعد إليك حالةَ الصدق فلأَنْ لا يعود إليك حالة الكذب أولى "وأبعد لك منها".
* * *
2467 -
وعن ابن عبَّاسٍ: أن هِلالَ بن أُميَّةَ قذفَ امرأتَه عندَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بشَريكِ بن سَحْماءَ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"البَينَةُ أو حدٍّ في ظهرِكَ"، فقال هلالٌ: والذي بعثَكَ بالحقِّ إني لَصادِقٌ، فليُنزِلَنَّ الله ما يُبرِّئ ظهري من الحدِّ، فنزلَ جبريلُ عليه السلام، وأنزلَ عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} - فقرأ حتى بلغَ: - {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ، فجاءَ هلالٌ فشَهِدَ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقولُ:"إنَّ الله يعلمُ أن أحدَكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ " ثم قامَتْ فشهِدَتْ، فلما كانَت عندَ الخامسةِ وَقَفوها وقالوا: إنَّها مُوجِبة! قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَتَلَكَّأَت ونكصَتْ حتى ظَنَنَّا أنها تَرجِعُ، ثم قالت: لا أَفْضَحُ قَومي سائرَ اليومِ، فمَضَتْ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَبْصِرُوها! فإنْ جاءَت به أَكحَلَ العينينِ، سابغَ الأَليتينِ، خَدَلَّجَ السَّاقينِ فهو لشريكِ بن سَحْماءَ"، فجاءَت به كذلكَ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لولا ما مَضَى مِن كتابِ الله لكانَ لي ولها شأنٌ".
"وعن ابن عباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته" اسمها خولة "عند النبي عليه الصلاة والسلام بشريك بن سحماء، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: البينة"؛ أي: أقم البينة بأربعة شهود أنها زنت "أو حدًا" نصب على المصدر؛
أي: تحد حدًا "في ظهرك"، وهذا يدل على وجوب الحد بقذف الزوجة، "فقال هلال: والذي بعثك بالحق، إني لصادق، فلينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبرائيل فأنزل عليه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} ؛ أي: يقذفون {أَزْوَاجَهُمْ} فقرأ - حتى بلغ - {إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} ، فجاء هلال فشهد"؛ أي: فلاعن.
"والنبي يقول: إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب"، والأظهر: أنه عليه السلام قال بعد فراغهما من اللعان، والمراد: أنه يلزم الكاذب التوبة، وقيل: قاله قبل اللعان تحذيرًا لهما منه.
"ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة"؛ أي: الشهادة الخامسة "وقفوها"؛ أي: حبسوها ومنعوها عن المضي في الشهادة الخامسة، وقيل: أقاموها في الخامسة بعد كونها قاعدة، وهذا يدل على أن حكم لعان الزوج مقدم على لعانها لأنه مثبت.
"وقالوا إنها"؛ أي: الشهادة الخامسة "موجبة" للتفريق بينكما.
"قال ابن عباس: فتلكأت"؛ أي: تبطأت له وتوقفت أن تقولها "ونكصت"؛ أي: انقلبت ورجعت على عقبيها "حتى ظننا أنها ترجع" عن ذلك، وتندم على اللعان، "ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم"؛ أي: في جميعه، واللام للجنس؛ أي: سائر الأيام، والمعنى: لا أفضح قومي في جميع الدهر بأن أرجع عن اللعان وأثبت على نفسي الزنا.
"فمضت"؛ أي: أتمت اللعان في الخامسة، "وقال النبي عليه الصلاة والسلام: أبصروها" بفتح الهمزة، "فإن جاءت به أكحل العينين" الكحل: سواد العينين من أصل الخلقة، "سابغ الأليتين"؛ أي: عظيم الأليتين "خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لولا ما مضى من كتاب الله"؛ أي: لولا أن القرآن حكم بعدم الحد
على المتلاعنين وعدم التعزير "لكان لي ولها شأن"؛ أي: لفعلت بها ما يكون عبرة للناظرين وتذكرة للسامعين لهتكها الحرمة بينها وبين ربها تارة بالزنا، وأخرى بالأيمان الكاذبة، وفي تنكير لفظ الشأن تهويل لِمَا كان يريد أن يفعل بها، وفيه دليل على أن القاضي يجب عليه أن يحكم بالظاهر، وإن كان ثمة ما يدل على خلافه من الشبه، ولا منافاة بين حديث الملاعنة وبين قوله عليه الصلاة والسلام:"الولد للفراش وللعاهر الحجر"؛ لأن حديث اللعان فيمن ينفي الولد مع وجود الفراش، والحديث الآخر فيمن يدَّعي الولد من غير فراش.
* * *
2468 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال سعدُ بن عُبادةَ: لو وَجدتُ معَ أهلي رَجُلًا لَمْ أَمَسَّهُ حتى آتيَ بأربعةِ شهداءَ!؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "نعم"، قال: كلا والذي بعثَكَ بالحقِّ، وإنْ كنتُ لأُعاجِلُه بالسَّيفِ قبلَ ذلكَ، قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"اسمَعُوا إلى ما يقولُ سَيدُكم، إنه لَغَيُورٌ وأنا أَغْيَرُ مِنه، والله أَغْيَرُ منِّي".
"عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة: لو وجدت مع أهلي رجلًا لم أمسه"؛ أي: لم أضربه ولم أقتله حرف الاستفهام مقدرة هنا؛ أي: لم أتعرض له بالأذى والقتل؟
"حتى آتي" بالمد "بأربعة شهداء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، قال"؛ أي: سعد بن عبادة: "كلا والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك"، (إن) هذه مخففة من المثقلة، واسمها مضمر، واللام في (لأعاجله) فارقة بينها وبين الشرطية والنافية، قيل: مراجعة سعد للنبي عليه السلام طمعًا في الرخصة لا ردًا لقوله، ولم يرد بقوله:(كلا) إنكار حُكْمه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كفرٌ، وإنما بدت هذه الكلمة منه من فَرط الغيرة.
"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسمعوا إلى ما يقول سيدكم، إنه لغيور" فعول من
الغيرة وهي الحميَّة والغضب على مَنْ فعل بأهله فاحشة.
"وأنا أغير منه، والله أغير مني" أفعل تفضيل من الغيرة، وهي من الله الزجر عن المعاصي، والحديث يدل على أن مَنْ قتل رجلًا ثم ادعى أنه وجده على امرأته لا يسقط عنه القصاص به حتى يقيم البينة على زناه.
* * *
2469 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحدَ أَغْيَرُ مِن الله، فلذلكَ حرَّمَ الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بَطَنَ، ولا أحدَ أحبُّ إليه المِدْحَةُ مِن الله، فلذلكَ مَدَحَ نفسَه".
وفي روايةٍ: "ولا أحدَ أحبُّ إليهِ المِدْحَةُ مِن الله عز وجل، ومِن أجلِ ذلكَ وعدَ الله الجَنَّةَ، ولا أحدَ أحبُّ إليه العُذرُ مِن الله تعالى، من أجلِ ذلكَ بعثَ المُنذِرينَ والمُبَشِّرين".
"وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: لا أحد أغير من الله"؛ أي: أزجر من المعاصي منه، "فلذلك حرم الفواحش" جمع فاحشة وهي: ما تجاوز عن حد الشرع.
"ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدحة" بكسر الميم بمعنى المدح من الله، "فلذلك مدح نفسه، وفي رواية: ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة" لمن مدحه وأطاعه.
"ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين"؛ يعني: النبيين ليخوفوا العاصين ليعتذروا ويتوبوا عن معاصيهم ليقبل عذرهم وتوبتهم وبشروا المطيعين.
* * *
2470 -
وقال: "إنَّ الله تعالى يَغارُ، وإنَّ المُؤمِنَ يَغارُ، وغَيْرَةُ الله: أنْ يأتيَ المؤمنُ ما حرَّمَ الله".
"وعن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يغار"؛ أي: يغضب على مَنْ فعل فاحشة، "وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن لا يأتي المؤمن ما حرم الله".
* * *
2471 -
وقال: "يا أُمَّةَ مُحمَّدٍ! والله ما مِن أَحدٍ أَغْيَرُ مِن الله أنْ يزنيَ عبدُه أو تزنيَ أَمَتُه".
"وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني"؛ أي: على أن يزني "عبده أو تزني أمته".
* * *
2472 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أن أعرابيًّا أَتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ امرأَتي ولدَتْ غلامًا أسودَ، وإني أَنكَرْتُه؟ فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هل لكَ مِن إبلٍ؟ " قال: نعم، قال:"فما أَلوانهُا؟ " قال: حُمْرٌ، قال:"هل فيها مِن أَوْرَقَ؟ " قال: إنَّ فيها لَوُرْقًا، قال:"فأَنَّى تَرَى ذلكَ جاءَها؟ " قال: عِرْقٌ نزعَها، قال:"ولعلَّ هذا عِرْقٌ نَزَعَه"، ولم يُرَخِّصْ له في الانتفاءِ منه".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أعرابيًا أتى رسول الله فقال: إن امرأتي ولدت غلامًا أسود وإني أنكرته، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها؟ قال: حمر، قال: هل فيها من أورق؟ "؟ أي: أسمر، والورقة: السُّمرة، وفي "صحاح الجوهري": الأورق من الإبل: الذي
في لونها بياض إلى سواد، وهو أطيب الإبل لحمًا، وليس بمحمود عندهم في سيره وعمله.
"قال: إن فيها لورقًا" بضم الواو، جمع الأورق، "قال: فأنى ترى"؛ أي كيف ترى أنت "ذلك" الورق "جاءها"؛ يعني: من أين حصل لها وأبوها ليس كذلك؟!
"قال"؛ أي: الأعرابي: "عرق"؛ أي: هو عرق "نزعها"؛ أي: أخرجها وقطعها من ألوان فحلها ولقاحها وجدتها إلى الورقة، وفي المثل: العِرْق نزَّاع.
"قال"؛ أي: النبي عليه السلام: "فلعل هذا"؛ أي: المولود "عرق نزعه ولم يرخص له في الانتفاء منه"، وهذا يدل على إثبات قياس اختلاف لون الوالد والمولود لنزع عرق على اختلاف الإبل مع اتحاد الفحل واللقاح.
* * *
2473 -
وعن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت: كانَ عُتبةُ بن أبي وَقَّاصٍ عَهِدَ إلى أخيهِ سعدِ بن أبي وَقَّاصٍ: أن ابن وَلِيدةِ زَمْعةَ مِنِّي فاقبضْهُ إليكَ، فلمَّا كانَ عامُ الفتحِ أَخَذَه سعدٌ فقال: إنه ابن أخي، وقالَ عبدُ بن زَمْعَةَ: أخي، فتساوَقا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال سعدٌ: يا رسولَ الله! إنَّ أخي كانَ عَهِدَ إليَّ فيه، وقال عبدُ بن زَمْعَةَ: أخي، وابن وَلِيدةِ أبي، وُلِدَ على فراشِهِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"هُوَ لكَ يا عبدَ بن زَمْعَةَ، الولدُ للفِراشِ وللعاهِرِ الحَجَرُ"، ثم قالَ لِسَودةَ بنتِ زَمْعة: احتجِبي منه، لِما رَأَى مِن شَبَهِهِ بعُتبةَ، فما رآها حتى لَقيَ الله. ويُرَوى:"هو أخوكَ يا عبدُ".
"عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان عتبة بن أبي وقاص" وهو الذي كسر رباعية النبي عليه الصلاة والسلام يومَ أحد فمات كافرًا "عهد إلى أخيه
سعد بن أبي وقاص: أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه إليك" أراد بالوليدة الأمة، وزمعة هذا أبو سودة زوجة النبي عليه الصلاة والسلام، وكان عادة أهل الجاهلية أن أحدهم إذا وطئ أمة غيره وحبلت بعده زعم أن الحمل منه، فإذا وضعته ادعاه فألحق به، وكان عتبة قد فعل هذا الفعل وأوصى أخاه سعد بن أبي وقاص حين مات بمكة أن يضم إليه ابن وليدة زمعة على أنه ابنه.
"فلما كان عام الفتح"؛ أي: فتح مكة "أخذه سعد فقال: إنه ابن أخي، وقال عبد بن زمعة: إنه أخي" كان أبي يطؤها بملك اليمين، وقد ولدت على فراشه، "فتساوقا"؛ أي: ذهبا "إلى رسول الله كأن كلًا منهما يسوق صاحبه إليه عليه الصلاة والسلام، فقال سعد: يا رسول الله! إن أخي كان عهد إلي فيه، وقال عبد بن زمعة: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراشه، فقال رسول الله عليه السلام: هو لك يا عبد بن زمعة" حكم عليه الصلاة والسلام بالولد لزمعة لإقراره بوطئها وتصييرها فراشًا له به، وأبطل ما كان عليه أهل الجاهلية من الانتساب إلى الزاني بقوله:"الولد للفراش"؛ أي: لصاحب الفراش، "وللعاهر الحجر"، قيل: معناه: وللزاني الرجم، لكن هذا إنما يستقيم إذا كان محصَنًا، ويجوز أن يكون معناه: وللزاني الخيبة فيما ادعاه من النسب، يقال: لفلان حجر أو تراب: إذا خاب.
"ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسودة بنت زمعة: احتجبي منه" أمرها بالاحتجاب من ذلك الابن بطريق الورع والاحتياط "لما رأى من شبهه بعتبة، فما رآها"؛ أي: ذلك الابن سودة "حتى لقي الله"؛ أي: مات، "وروي: هو أخوك يا عبد".
* * *
2474 -
وقالت عائِشَةُ رضي الله عنها: دخلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ وهو مسرورٌ فقالَ: "أَيْ عائشةُ! ألم تَرَيْ أن مُجزِّرًا المُدْلِجيَّ دخلَ، فرأى أسامةَ
وزيدًا وعليهما قَطيفةٌ، قد غَطَّيا رُؤوسَهما وبدَتْ أقدامُهما، فقال: إنِّ هذه الأقدامَ بعضُها مِن بعضٍ؟ ".
"وقالت عائشة: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم"؛ أي: يومًا "وهو مسرور"؛ أي: فرح، "فقال: أي عائشة! ألم تري أن مجززًا المدلجي" بضم الميم وكسر اللام المخففة "دخل"؛ أي: في المسجد "فرأى أسامة وزيدًا"؛ يعني: أسامة وأبيه زيدًا "وعليهما قطيفة" كساء غليظ "قد غطَّيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض" وكان زيد أبيض وأسامة أسود لأن أمه بركة كانت جارية حبشية الأصل ورِثها النبيُّ عليه الصلاة والسلام من أبيه عبد الله فأعتقها وزوَّجها زيدَ بن حارثة، فكان المنافقون يتكلمون فيهما بما يسوء النبي عليه الصلاة والسلام سماعه بسبب سواده، فلما سمع قول المدلجي وهو كان قائفًا من بني مدلج؛ أي: عالمًا نسب غيره، سُرِّي عنه؛ لما فيه من إشارة الحق وغيظ أهل النفاق، وفيه دليل على ثبوت أمر القافة، وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لا يُظْهِر السرور إلا بما هو حق عنده، وهو قول الشافعي وأحمد ومالك، وعندنا: لا يجوز الحكم بقول القافة.
* * *
2475 -
وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "من ادَّعى إلى غيرِ أبيهِ وهو يعلمُ فالجنةُ عليهِ حرامٌ".
"وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ادعى إلى غير أبيه" عدَّى الادعاء بـ (إلى) لتضمنه معنى الانتساب "وهو يعلم" أنه غير أبيه، الواو فيه للحال، وقد كانوا يفعلونه في الجاهلية "فالجنة عليه حرام".
قيل: هذا محمول على المستحِل، وقيل: معناه: لا يكون من الفائزين
الداخلين أولًا، عبر عنه بهذه العبارة تشديدًا في الزجر عنه لأنه مؤدٍ إلى الفساد الكثير.
* * *
2476 -
وقال: "لا تَرْغبُوا عن آبائِكم فمن رَغِبَ عن أبيهِ فقد كفَرَ".
"وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ترغبوا"؛ أي: لا تعرضوا "عن آبائكم" بالانتساب إلى غير آبائكم، "فمن رغب"؛ أي: أعرض "عن أبيه" وهو عالم أنه أبوه، "فقد كفر" إن اعتقد إباحته لمخالفته الإجماع، وإن لم يعتقد يكون معناه: فقد كفر حقَّ نعمته.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2477 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ لما نزلَت آيةُ المُلاعَنَةِ: "أيُّما امرأةٍ أَدخَلَتْ على قومٍ مَن ليسَ منهم فليسَتْ مِن الله في شيءٍ، ولن يُدخِلَها الله جنَّتَهُ، وأيُّما رَجُلٍ جَحَدَ ولدَهُ وهو ينظرُ إليه احتجبَ الله منه وفضحَه على رؤوسِ الخلائقِ في الأوَّلينَ والآخِرينَ". ويُروى "وفَضَحَهُ على رؤوسِ الأَشهادِ".
"من الحسان":
" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول لما نزلت آية الملاعنة: أيما امرأة أدخلَتْ على قوم من ليس منهم" بانتساب ولدها المولود من الزنا إلى زوجها "فليست من الله في شيء"؛ أي: في رحمته وغفرانه؛ يعني: لا تجد العفو، "ولن يدخلها الله جنته"؛ أي: مع المحسنين، بل يؤخرها
ويعذبها ما شاء إلا أن تكون كافرة فتخلد في النار.
"وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه"؛ أي: يعلم أنه ولده وينكر مع العلم، ذِكْر النظر تخفيف لسوء صنيعه وعظم جنايته، "احتجب الله منه"؛ يعني: يحتجب الله منه كما احتجب هو منه في الدنيا، "وفضحه على رؤوس الخلائق في الأولين والآخرين"؛ أي: يكشف سوءه قدامهم وعند مشاهدتهم.
"ويروى: وفضحه على رؤوس الأشهاد" جمع شاهد، وهو الحاضر، والمراد: أهل القيامة.
* * *
2478 -
ويُروَى عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنه أنه قال: جاءَ رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ لي امرأةً لا تَردُّ يَدَ لامِسٍ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"طلِّقْها"، فقال: إني أُحِبُّها، قال:"فأمْسِكْها إذًا".
"وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: جاء رجل إلى النبي عليه السلام فقال: إن لي امرأة لا ترد يد لامس"؛ أي لا تمنع نفسها من يقصدها بفاحشة، "فقال النبي عليه الصلاة والسلام: طلقها، قال: إني أحبها، قال: فأمسكها إذًا"؛ أي: احفظها ولازمها كيلا تفعل فاحشة، وهذا يدل على أن تطليق مثل هذه المرأة أولى لأنه قدم الطلاق على الإمساك، وقيل: معناه: لا تحفظ ما في البيت ولا ترد يدَ مَنْ أراد أن يأخذ منه شيئًا، فمعنى قوله: "فأمسكها"؛ أي: احفظها عما ذكرت من التبذير.
* * *
2479 -
عن عمرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى: "أن كلَّ مستَلْحَقٍ استُلحِقَ بعدَ أبيهِ الذي يُدْعَى له ادَّعاهُ ورثَتُه"، فقَضَى:
"أنَّ مَن كانَ مِن أَمَةٍ يملِكُها يومَ أصابَها فقد لحِقَ بمن استلحَقَهُ، وليسَ له مما قُسِمَ قبلَه مِن الميراثِ شيءٌ، وما أدركَ من ميراثٍ لم يُقْسَمْ فلهُ نصيبُه، ولا يُلحَقُ إذا كانَ أبوهُ الذي يُدعى لهُ أنكرَهُ، فإن كانَ مِن أَمَةٍ لم يملِكْها، أو مِن حُرَّةٍ عاهَرَ بها فإنه لا يَلحقُ ولا يرثُ، وإن كانَ الذي يُدعى له هو ادَّعاهُ فهو ولدُ زَنْيَةٍ، مِن حُرَّةٍ كانَ أو أَمَةٍ".
"عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى أن كل مستلحق" بفتح الحاء: الولد الذي طلب الورثة أن يلحقوا بهم "استلحق بعد أبيه"؛ أي: بعد موت أبيه "الذي يدعى له"؛ أي: ينسبه إليه الناس بعد موت سيد تلك الأمة، ولم ينكر أبوه حتى يموت.
"ادعاه ورثته" صفة لـ (مستلحق) أيضًا، "فقضى" تفسير للقضاء الأول:"أن من كان من أمة يملكها يوم أصابها"؛ يعني: جامعها "فقد لحق"؛ أي: الولد "بمن استلحقه، وليس له مما قسم قبله"؛ أي: قبل الاستلحاق "من الميراث شيء، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه" على حسب ذكورته وأنوثته، "ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره"؛ لأن الولد انتفى عنه بإنكاره، وهذا إنما يكون إذا ادعى الاستبراء بأن يقول: مضى عليها حيض بعدما وطئها وما وطئتها بعد مضي الحيض حتى ولدت وحلف على الاستبراء، فحينئذ ينفى عنه الولد.
"فإن كان من أمة لم يملكها، أو من حرة عاهر بها"؛ أي: زنى بها، "فإنه لا يلحق ولا يرث"؛ لأن الزنا لا يثبت النسب، "وإن كان الذي يدعى له هو ادعاه" هذا تأكيد لقوله: فإنه لا يلحق ولا يرث، "فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة".
* * *
2480 -
عن جابرِ بن عَتيكٍ رضي الله عنه: أن النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مِن الغَيْرَةِ ما يُحِبُّ الله، ومنها ما يُبغِضُ الله، فأمَّا التي يُحبُّها الله: فالغَيْرةُ في الرِّيبةِ، وأمَّا التي يُبغِضُها الله: فالغَيْرةُ في غيرِ رِيبةٍ، وإنَّ مِن الخُيَلاءِ ما يُبغِضُ الله، ومنها ما يحبُّ الله، فأَمَّا الخُيَلاءُ التي يحبُّ الله: فاختيالُ الرجلِ عندَ القِتالِ واختيالُه عندَ الصَّدقةِ، وأمَّا التي يُبغِضُ الله تعالى: فاختيالُهُ في الفخرِ". ويُروى: "في البَغْيِ".
"عن جابر بن عتيك: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة": وهي التهمة والشك، وهنا الاختلاط مع الأجانب؛ يعني: إذا علم أن بين زوجته أو أمته وبين الأجنبي ملاقاة وانبساطًا ومراحًا ينبغي للرجال أن لا ترضى بهذا.
"وأما التي يبغضها الله: فالغيرة في غير الريبة"؛ بأن يقع في خاطره ظن سوء من غير أمارة.
"وإن من الخيلاء"؛ أي: الكبر "ما يبغض الله، ومنها ما يحب الله، فأما الخيلاء التي يحب الله: فاختيال الرجل عند القتال"، وهو التبختر عند المعركة والاستهانة بالعدو، وإظهار الشجاعة حتى يتمكن الروع واسعة في قلبه.
"واختياله عند الصدقة" وهو بأن تهزه الأريحية للسخاء، فيعطيها طيبة بها نفسه فلا يستكثر الكثير، بل لا يعطي منها إلا وهو يعده قليلًا.
"وأما الذي يبغض الله: فاختياله في الفخر" بأن يقول: أنا أشرف نسبًا وكرمًا من فلان، "ويروى: في البغي" وهو الظلم.
* * *