الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِح
18 -
كِتَابُ الصَّيْدِ والذَّبَائِح
(باب الصيد والذبائح)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3103 -
عن عَدِيِّ بن حاتِم رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أَرسلْتَ كلبَكَ المعلَّمَ فاذكرِ اسمَ الله تعالى، فإنْ أَمْسكَ عليكَ فأدْركْتَهُ حيًّا فاذبَحْهُ، وإنْ أدْركْتَهُ قد قتلَه ولم يأكلْ منهُ فكُلْهُ، وإنْ كان أكلَ فلا تأكلْ فإنَّما أَمْسكَ على نفسِه، وإنْ وَجَدْتَ مع كَلْبكَ كلبًا غيرَهُ وقد قَتلَ فلا تأكلْ فإنَّكَ لا تدري أَيُهُما قتلَهُ، وإذا رمَيْتَ بسهمِكَ فاذْكر اسمَ الله، فإنْ غابَ عنك يومًا فلمْ تَجدْ فيه إلّا أثرَ سهمِكَ فكُلْ إنْ شئتَ، وإنْ وجدْتَهُ غريقًا في الماءِ فلا تأكُل".
"من الصحاح":
" عن عدي بن حاتم قال: قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إذا أرسلت كلبك المعلَّم، فاذكر اسم الله"؛ أي: قل: (بسم الله) عند إرسالك الكلب إلى الصيد.
"فإن أمسك عليك"؛ أي: الكلبُ الصيدَ لك.
"فأدركته حيًا فاذبحه"، فإن لم تذبحه حتى مات حرم.
"وإن أدركته"؛ أي: الصيد.
"وقد قتل"؛ أي: قتله الكلب.
"ولم يأكل منه فكله، وإن أكل"؛ أي: الكلب من الصيد.
"فلا تأكله": وعليه الأكثر، وبه قال ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وأصح قولي الشافعي.
"فإنما أمسك على نفسه"؛ أي: أمسك الكلب الصيد لنفسه لا لك.
"وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره"؛ أي: إذا وجدت صيدًا صاده كلبك وكلب غيرك لم يرسله أحد، بل صاد لنفسه، أو أرسله من لم تحل ذبيحته.
"وقد قتل": ذلك الصيد.
"فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما"؛ أي: أي الكلبين "قتله"، وهذا يدل على أن الكلب إذا خرج بنفسه من غير إرسال صاحبه لا يحل صيده، وأنه لو اشترك مسلم ومجوسي، أو مرتد في الذبح، أو إرسال كلب، أو سهم على صيد فقتله = حرم.
"وإذا رميت بسهمك، فاذكر اسم الله عليه، فإن غاب عنك يومًا": بعد أن علمت يقينًا أن سهمك أصابه.
"فلم تجد فيه إلا أثر سهمك"؛ يعني: لم يكن غريقًا، ولا ساقطًا من علو، ولا أثرَ عليه من حجر، أو سهم آخر، "فكل إن شئت، وإن وجدته غريقًا في الماء فلا تأكل".
* * *
3103/ -م - ورُوِيَ عن عَدِيٍّ قال: قلتُ: يا رسولَ الله! إنَّا نُرْسلُ الكِلابَ المُعَلَّمةَ، قال:"كُلْ ما أَمْسكْنَ عليكَ"، قلتُ: وانْ قتلْن؟ قال: "وإن قتلْنَ"، قلتُ: إنا نَرْمي بالمِعْراضِ، قال: "كُلْ ما خَزَقَ، وما أصابَ بِعَرْضهِ
فقتلَ فإنَّه وَقيذٌ فلا تأْكُلْ".
"وروي عن عدي قال: قلت: يا رسول الله! إنا نرسل الكلاب المعلمة قال: كل ما أمسكنَ عليك، قلت: وإن قتلن؟ قال: وإن قتلن، قلت: إنا نرمي بالمِعْرَاض" بكسر الميم: هو السهم الذي لا ريشَ له ولا نصلَ.
"قال: كُلْ ما خزق": بالخاء والزاي المعجمتين المفتوحتين؛ أي: طعن.
"وما أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ": بالقاف والذال المعجمة؛ أي: موقوذ، يقال: وقذه: إذا أثخنه ضربًا بعصًا أو حجر حتى يموت.
"فلا تأكل".
* * *
3104 -
عن أبي ثَعْلَبةَ الخُشَنيِّ: أنَّه قال: قلتُ: يا نبيَّ الله! إنَّا بأرضِ قَوْمٍ منْ أهلِ الكتابِ أفنأكلُ في آنِيتَهم؟ وبأرضِ صيدٍ أَصيدُ بقَوْسي وبكلبي الذي ليسَ بِمُعلَّم، وبكلبي المُعلَّم، فما يَصْلحُ لي؟ قال:"أمَّا ما ذكَرْتَ منْ آنية أهلِ الكتابِ، فإنْ وَجَدْتُم غيرَها فلا تأكُلُوا فيها، فإنْ لم تَجدوا فاغسِلُوها وكُلُوا فيها، وما صِدْتَ بقَوْسِكَ فذَكرْتَ اسمَ الله فكُلْ، وما صِدْتَ بكلْبكَ المُعَلَّم فذكرتَ اسمَ الله فكُلْ، وما صِدْتَ بكلبكَ غيرَ مُعَلَّمٍ فأَدْركتَ ذَكاتَه فَكُلْ".
"عن أبي ثعلبة الخشني": بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين.
"قال: قلت: يا نبي الله! إنا بأرض قومٍ أهلِ الكتاب": بدل من (قوم).
"أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيدٍ، أصيد بقوسي، وبكلبي الذي ليس بمعلَّم، وبكلبي المعلَّم، فما يصلح لي؟ قال: فأما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب؛ فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها، وكلوا فيها": أمره صلى الله عليه وسلم بغسل إناء الكفار فيما إذا تيقن نجاسته، وما لا فكراهته كراهة تنزيه.
"وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكُلْ، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكُلْ، وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركتَ زكاتَهُ"؛ أي: أدركت حيًا وذبحته، "فكُلْ".
* * *
3105 -
وقال: "إذا رَمَيْتَ بسَهْمِكَ فغابَ عنكَ فأدْركْتَهُ فكُلْ ما لم يُنْتِنْ".
"وإذا رميت بسهمك، وغاب عنك، فأدركته، فكُلْ ما لم يُنتنْ": يقال: نتن الشيء وأنتن؛ أي: صار ذا نتن.
وهذا على طريق الاستحباب، وإلا فالنتن لا أثرَ له في الحرمة، وقد روي: أنه صلى الله عليه وسلم أكل وَدكًا متغير الريح.
* * *
3106 -
عن أبي ثَعْلَبةَ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الذي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بعدَ ثلاثٍ:"فكُلْهُ ما لم يُنْتِنْ".
"وعن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في الذي يدرك صيدَهُ بعد ثلاث: فكله ما لم ينتن".
* * *
3107 -
عن عائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قالوا: يا رسولَ الله! إنَّ ها هنا أقوامًا حَديث عهدُهم بشِرْكٍ، يأتُوننا بلُحْمانٍ لا ندري يذكرونَ اسمَ الله عليها أَمْ لا؟ قال:"اذْكُروا أنتُم اسمَ الله وكُلُوا".
"عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قالوا"؛ أي: الأصحاب.
"يا رسول الله! إن هاهنا أقوامًا حديثٌ عهدهم بشرك"؛ أي: أسلموا عن قريب.
"يأتوننا بلُحْمان" بالضم: جمع لحم.
"لا ندري يذكرون اسم الله عليه أم لا، قال: اذكروا أنتم اسم الله، وكلوا": أمرهم بذكر اسم الله على وجه الاستحباب؛ لأنه لو لم يذكروه، ثم ذكروه، يحل بهذا الذكر.
* * *
3108 -
وسُئِلَ عليٌّ صلى الله عليه وسلم: أَخَصَّكُم رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ؟ فقال: ما خصَّنا بشيءٍ لم يَعُمَّ بهِ الناسَ إلَّا ما في قِرابِ سيَفْي هذا، فأخرجَ صحيفةً فيها: لعنَ الله مَنْ ذَبَحَ لغيرِ الله، ولعنَ الله مَنْ سَرَقَ مَنارَ الأرضِ - ويُرْوى: مَنْ غَيَّرَ مَنارَ الأرضِ - ولعنَ الله مَنْ لعنَ والدَيْهِ، ولعنَ الله مَنْ آوَى مُحْدِثًا.
"وسُئِل علي رضي الله تعالى عنه: أخصكم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بشيء؟ ": الهمزة للاستفهام.
"فقال: ما خصنا بشيء لم يعمَّ به الناسَ إلا ما في قِرابِ سيفي هذا": قراب السيف: وعاء يكون فيه السيف بغمده وعِلاقته.
"فأخرج صحيفة فيها: لعن الله من ذبح لغير الله"؛ أي: ذبح باسم غير الله، كقول الكفار عند الذبح: باسم الصنم.
"ولعن الله من سرق منار الأرض": جمع منارة، وهي: العلامة التي تكون بين الحدين؛ يعني سرقته ذلك: أن يطمس تلك العلامة؛ ليستبيحَ به ملك غيره.
"ويروى: من غيَّر منار الأرض"؛ أي: رفعها وجعلها في أرضه، أو رفعها
لقطع شيء من أرض الجار إلى أرضه.
"ولعن الله من لعن والده، ولعن الله من آوى مُحدِثًا" بكسر الدال: وهو الذي جنى على غيره جناية، وإيواؤه: إجارتُهُ من خصمه، وحماه عن التعرض له، والحيلولةُ بينه وبين أن يقتصَّ، قيل: يدخل في ذلك الجاني على الإسلام بإحداث بدعة.
* * *
3109 -
عن رافعِ بن خَدِيج رضي الله عنه أنَّه قال: قلتُ: يا رسُولَ الله! إنَّا لاقُو العَدُوِّ غدًا وليْسَتْ معَنا مُدى، أفنذبحُ بالقَصَبِ؟ قال:"ما أَنهَرَ الدمَ وذُكِرَ اسمُ الله عليه فكُلْ، ليسَ السّنَّ والظُّفُرَ، وسأُحَدِّثُكُ عنه: أمَّا السِّنُّ فعَظْمٌ، وأمَّا الظُّفُرُ فمُدَى الحُبْشِ". وأصَبنا نَهْبَ إبلٍ وغنَمٍ فندَّ منها بعيرٌ فرماهُ رجلٌ بسَهْمٍ فحبَسَهُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إنَّ لهذهِ الإِبلِ أوابدَ كأوابدِ الوَحْشِ، فإذا غَلَبَكُمْ منها شيءٌ فافعلُوا بهِ هكذا".
"عن رافع بن خديج قال: قلت: يا رسول الله! إنا لاقو العدو": جمع لاقٍ، حذفت النون للإضافة.
"غدًا، وليست معنا مُدًى" بضم الميم: جمع مدية، وهي السكين والشفرة.
"أفنذبح بالقصب؟ قال: ما أنهرَ"؛ أي: أسأل.
"الدمَ وذكر اسم الله"؛ أي: معه، ويجوز أن تكون هذه الجملة حالًا.
"فكل، ليس السنَّ": استثنى أن يكون المنهر السن، "والظفر"؛ لأن من تعرض للذبح بهما خنق المذبوح، ولم يقطع حلقه، والحديث يدل على أن كل محدد مخرج يحصل به الذبح؛ حديدًا كان، أو خشبًا، أو قصبًا، أو زجاجًا، أو حجرًا، إلا السن والظفر.
"وسأحدثك عنهما؛ أما السن فعظم": وهذا يدل على أن الذبح لا يحصل بشيء من العظام، وعليه الأكثر والشافعي، وقال بعض أصحابه: يحصل الذبح بعظم مأكول اللحم، وعامة أصحابه على خلافه.
"وأما الظفر فمُدَى الحُبُش" بضم الحاء: جمع الحبش؛ يعني: أنهم يحلون أظفارهم محل المدى.
"وأصبنا نهب إبل وغنم"؛ يعني: أغرنا على قوم من الكفار، فوجدنا إبلًا وغنمًا.
"فندَّ منها بعير"؛ أي: نفر وتوحش.
"فرماه رجل بسهم، فحبسه"؛ أي: منعه من التوحش والنفار.
"فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن لهذه الإبل": اللام في (لهذه) بمعنى: من، والإشارة إلى جنس الإبل.
"أوابد": جمع آبدة، وهي التي توحشَّت ونفرت.
"كأوابد الوحش"، وفي"الصحاح": يقال: مكان وَحْش - بالتسكين -: إذا خلا عن الناس؛ يعني: ما نفرت من الحيوانات الأهلية يصير كالصيد الوحشي في حكم الذبح.
"فإذا غلبكم منها شيء، فافعلوا به هكذا"؛ يعني: فارموه بسهم؛ لأن ذكاته اضطرارية، فجميع أجزائه مذبح، وكذا لو وقع بعير في البئر منكوسًا.
وقال مالك: الآبدة ليست كالوحشية في حكم الذبح، وفي الحديث حجةٌ عليه.
* * *
3110 -
عن كعبِ بن مالك رضي الله عنه: أنَّه كانتْ لهُ غنمٌ ترعَى بسَلْع فأبصرَتْ
جاريةٌ لنا بشاةٍ مِن غَنمِنا مَوْتًا، فكسَرت حَجَرًا فَذَبَحتْها بهِ، فسألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأمرَهُ بأكْلِها.
"عن كعب بن مالك: أنه كانت له غنمٌ ترعى بسَلْع" بفتح السين وسكون اللام والعين المهملة: جبل بالمدينة، وقيل: هو الشعب، وقيل: ربوة من الجبل.
"فأبصرت جاريةٌ لنا بشاة من غنمنا موتًا"؛ أي: أثر الموت.
"فكسرت حجرًا": محددًا كالسكين.
"فذبحتها به، فسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأمره بأكلها".
* * *
3111 -
عن شدَّادِ بن أوْسٍ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله كتَبَ الإحْسَانَ على كلِّ شيءٍ، فإذا قتلتُمْ فأحسِنوا القِتلَةَ، وإذا ذَبَحْتُمْ فأحسِنوا الذَّبْحَ، ولْيُحِدَّ أحدُكُمْ شفرتَهُ ولْيُرِحْ ذبيحَتَه".
"عن شدَّاد بن أوس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء": (على) بمعنى: في؛ أي: أمركم بالإحسان في كل شيء.
"فإذا قتلتم، فأحسنوا القِتلة" بكسر القاف: الهيئة التي عليها القاتل في قتله، والمراد بها: المستحقة قصاصًا، والإحسانُ فيها اختيارُ أسهل الطريق وأقلها إيلامًا.
"وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدَّ أحدُكم شفرته": وهي السكين العظيم؛ أي: ليجعلها حادة، وليعجل في إمراوها.
"وليرح ذبيحته" أي: ليتركها حتى يستريح ويبرد، وهذان الفعلان كالبيان للإحسان في الذبح.
3112 -
عن ابن عمرَ أنَّه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ينهَى أنْ تُصْبَرَ بَهيمةٌ أو غيرُها للقتلِ.
"عن ابن عمر قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن تُصبَرَ بهيمة، أو غيرها"؛ أي: تحبس "للقتل": بلا أكل وشرب، أو معناه: نهى عن أن يُمسَك ذو روح حيًا، ويجعل هدفًا، ثم يرمى إليه حتى يموت، وأصل الصبر: الحبس.
* * *
3113 -
وعنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لعنَ مَن اتَّخذَ شيئًا فيهِ الرُّوحُ غَرَضًا.
"وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئًا فيه الروحُ غرضًا"؛ أي: هدفًا ترمى إليه السهام؛ لأنه تعذيب للحيوان.
* * *
3114 -
عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تتَّخِذُوا شيئًا فيهِ الرُّوح غرَضًا".
"وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تتخذوا شيئًا فيه الروحُ غرضًا".
* * *
3115 -
عن جابرٍ رضي الله عنه أنَّه قال: نهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الضَّرْبِ في الوَجهِ، وعن الوَسْم في الوجْهِ.
"عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن الضربِ في الوجه، وعن الوسم في الوجهِ "؛ أي: الكي فيه بالميسم، وهو: آلة من حديد يُكَوى بها.
* * *
3116 -
وعنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ عليه حِمارٌ قد وُسِمَ في وجهِهِ فقال: "لعنَ الله الذي وَسَمَهُ".
"وعنه: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مرَّ عليه حمارٌ قد وُسِمَ في وجهِهِ، [فـ]ـقال: لعن الله الذي وسمه".
* * *
3117 -
وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: غدَوْتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبدِ الله بن أبي طلحةَ رضي الله عنه لِيُحَنِّكهُ، فوافَيْتُه في يدِه المِيسَمُ يَسِمُ إبلَ الصَّدقَةِ.
"عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم "؛ أي: ذهبت إليه غُدوة.
"بعبد الله بن أبي طلحة؛ ليحنّكه": والتحنيك: أن يمضغ تمرًا أو غيره من الحلو، ويدلكه داخل حنكه، وهو: أقصى فمه، وهذا سنة في الصبيان؛ لتصل إليه بركته صلى الله عليه وسلم.
"فوافيته"؛ أي: وجدته.
"في يده الميسمُ يَسِمُ إبلَ الصدقة": وهذا يدل على جواز وسم الدواب، وهو مسنون في نعم الصدقة والجزية؛ ليمتاز كلٌّ منهما عن الآخر؛ لأن مستحقَّ كلِّ منهما مختلف.
* * *
3118 -
ويُروَى عن أنسٍ رضي الله عنه: قال: دخلتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو في مِربَدٍ، فرأيتُه يَسِمُ شاةً. حسِبْتُهُ قال: في آذانِها.
"ويروى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: دخلت على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو في مِربَدٍ" بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء: موضع
يحبس فيه الإبل والبقر والغنم، والربد: الحبس.
"فرأيته يسم شيئًا حسبته"؛ أي: يقول الراوي: ظننت إنسًا (1)"قال: في آذانها"؛ أي: يسم فيها؛ أي: قال صلى الله عليه وسلم سموها في آذانها، وهذا يدل على أن الآذان ليست من الوجه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن وسم الوجه، وإنكاره على ما رأى من وسم وجه الحمار.
* * *
مِنَ الحِسَان:
3119 -
عن عَديِّ بن حاتِم رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسُولَ الله! أرأيْتَ أحدُنا أصابَ صَيْدًا وليس معهُ سِكِّينٌ، أيذبحُ بالمَرْوَةِ وشِقَّةِ العَصا؟ فقال:"أَمْرِر الدَّمَ بما شِئْتَ واذْكُرِ اسْمَ الله".
"من الحسان":
" عن عدي بن حاتم - رضي الله تعالى عنه - قال: قلت: يا رسول الله! أرأيت أحدنا أصاب صيدًا، وليس معه سكين، أيذبح بالمروة؟ ": وهي حجارة بيض براقة.
"وشقَّةِ العصا، فقال: أمرر الدم": من الإمرار؛ أي: أسلِ الدم "بما شئتَ واذكر اسم الله" عليه.
* * *
3120 -
عن أبي العُشَراءِ عن أبيه: أنَّه قال: يا رسولَ الله! أما تكُونُ الذَّكاةُ إلَّا في الحَلْقِ واللَّبّةِ؟ فقال: "لو طَعَنْتَ في فَخِذِها لأجْزأَ عنكَ".
(1) في "غ " و"ت": "شيئًا"، والتصويب من "صحيح البخاري"(5222).
"عن أبي العشراء": كنية أسامة على الأصح.
"عن أبيه أنه قال: يا رسول الله! أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللَّبة" بفتح اللام: آخر الحلق، قريب من الصدر.
"فقال: لو طعنت في فخذها، لأجزأ عنك": وهذا في غير المقدور عليه؛ لأنه صار جميع بدنه مذبحًا.
* * *
3121 -
عن عَديِّ بن حاتِم: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أو بازٍ ثمَّ أرسلتَهُ وذكرتَ اسمَ الله فكُلْ مِمَّا أمسَكَ عليكَ". قلت: وإنْ قتلَ؟ قال: "إذا قتَلَهُ ولمْ يأكلْ منهُ شيئًا فإنَّما أمسكَهُ عليكَ".
"عن عدي بن حاتم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما علَّمت من كلب أو باز، ثم أرسلته وذكرت اسم الله تعالى، فكل مما أمسك عليك، قلت: وإن قتل؟ قال: إذا قتله ولم يأكل منه شيئًا، فإنما أمسكه عليك".
* * *
3122 -
عن عَديِّ بن حاتِمٍ قال: قلتُ: يا رسُولَ الله! أرْمي الصَّيْدَ فأجِدُ فيهِ مِنَ الغَدِ سَهْمي؟ قال: "إذا عَلِمْتَ أن سَهْمَكَ قتلَهُ ولمْ تَرَ فيهِ أثَرَ سَبُعٍ فكُلْ".
"وعنه قال: قلت: يا رسول الله! أرمي الصيد، فأجد فيه من الغد سهمي؟ قال: إذا علمت أن سهمك قتله، ولم ترَ فيه أثرَ سبع، فكل": وإن رأيت فيه أثر سبع، فلا تأكل؛ لأنه لا يُعلَم سببُ قتله يقينًا.
* * *
3123 -
وعن جابرٍ رضي الله عنه: أنَّه قال: نُهينا عنْ صيْدِ كلبِ المَجُوسِ.
"وعن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: نُهينا عن صيد كلب المجوس": وهذا يدل على أن من لا تحل ذبيحتُهُ لا يحلُّ صيدُ جارحةِ أرسلها.
* * *
3124 -
عن أبي ثَعْلبةَ الخُشَنيِّ قال: قلتُ: يا رسول الله! إنَّا أهْلُ سَفرٍ نَمُرُّ باليهُودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ فلا نَجدُ غيرَ آنِيتهِمْ، قال:"فإنْ لمْ تَجدُوا غَيْرَها فاغسِلُوها بالماءَ ثمَّ كلُوا فيها واشْرَبُوا".
"عن أبي ثعلبة الخُشني قال: قلت: يا رسول الله! إنا أهل سفر نمرُّ باليهود والنصارى والمجوس، فلا نجد غيرَ آنيتهم، قال: فإن لم تجدوا غيرها، فاغسلوها بالماء، ثم كلوا فيها، واشربوا".
* * *
3125 -
وعن قَبيصةَ بن هُلْب، عن أبيه قال: سَأَلتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عنْ طعامِ النَّصارَى - وفي روايةٍ: سألَهُ رجل فقال - إنَّ مِنَ الطعامِ طعامًا أتَحَرَّجُ منه، فقال:"لا يتخَلَّجَنَّ في صدركَ شيءٌ ضارَعْتَ فيهِ النَّصْرانِيّةَ".
"عن قَبيصَة بن هُلْبٍ، عن أببه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن طعام النصارى، وفي رواية سأله رجل فقال: إن من الطعام"؛ أي: طعام اليهود والنصارى.
"طعامًا أتحرَّجُ"؛ أي: أجتنب (1) وأمتنع.
"منه": من الحرج: الضيق في الأصل، ويقع على الإثم والحرام.
(1) في "غ": "أتجنب".
"فقال: لا يتخلجَنَّ في صدرك شيء"؛ أي: لا يتحركن في قلبك شكٌّ وريبة.
"ضارعتَ"؛ أي: شابهت.
"فيه النصرانية"؛ أي: الملة النصرانية من حيث إن ما وقع في قلب أحدهم أنه حرام أو مكروه، فهو كذلك، وهذا في المعنى تعليل للنهي، وخصَّ النصرانية بالذكر؛ لأن السائل - وهو عدي بن حاتم الطائي - كان قبل الإسلام نصرانيا.
* * *
3126 -
عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: نهَى رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ أكْلِ المُجَثَّمَةِ، وهيَ التي تُصْبَرُ بالنَّبْل.
"عن أبي الدرداء قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن أكل المجثَّمَةِ": يقال: جثم الطائر بالأرض يجثم جثومًا: إذا لزمها والتصق بها.
"وهي التي تُصبَرُ"؛ أي: تحبس، وتجعل هدفًا، ويُرمى إليها "بالنبل" ونحوه؛ لأن هذا القتل ليس بذبح.
* * *
3127 -
عن العِرباضِ بن سارِية: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نهَى يومَ خَيْبَرَ عنْ كُلِّ ذِي نابٍ مِنَ السِّباعِ، وعنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ، وعنْ لحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، وعنْ المُجَثَّمَةِ، وعنِ الخَلِيسةِ، وأنْ تُوطأ الحَبالَى حتَّى يضَعْنَ ما في بُطُونهنَّ. قيل: الخَلِيسة ما يُؤخَذُ مِنَ السَّبُعِ فيموتُ قبلَ أنْ يُذَكَّى.
"عن العِرْباضِ بن سارية: أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهى يوم خيبر عن كلِّ ذي ناب"؛ أي: عن أكل كل ذي ناب.
"من السباع": أراد به، ما يعدو ويحمل بنابه، كالأسد والذئب والنمر والفهد والدب والقرد ونحوها.
"وعن كلِّ ذي مخلب من الطير"؛ أي: نهى عن أكله، أراد به: كل طير يصطاد بمخلبه، كالنسر والصقر والبازي ونحوها.
"وعن لحوم الحمر الأهلية، وعن المجثَّمة، وعن الخَلِيسَةِ"؛ أي: المخلوسة، من خلست الشيء أخلسه خلسًا: سلبته.
"وأن توطأَ الحَبَالى": جمع الحُبْلى، وهي الحامل.
"حتى يضعْنَ ما في بطونهن"؛ يعني: إذا حصلت لشخص جارية حُبلى لا يجوز له وطؤها حتى تضعَ حملها.
"قيل: الخليسة: ما يؤخذ من السبع، فيموتُ قبل أن يذكَّى": سميت بذلك لاختلاس السبع إياها.
* * *
3128 -
عن ابن عبَّاسٍ: أنَّه قال: نهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شَرِيطةِ الشَّيطانِ، وهيَ التي تُذْبَحُ فيُقْطَعُ الجلدُ، ولا تفْرَى الأَوداجُ، ثمَّ تتركُ حتَّى تموتَ.
"عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال: نهى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن شريطةِ الشيطان": من شرطة الحجام؛ أي: شق جلده.
"وهي التي تُذبَح، فيُقطَع الجلدُ، ولا تُفرَى"؛ أي: لا يشق، ولا يقطع فيها.
"الأوداج": وهي العروق المحيطة بالعنق التي تُقطَع بالذبح، واحدها:(وَدَج) بالتحريك.
"ثم تترك حتى تموت": وكان أهل الجاهلية يقطعون شيئًا يسيرًا من حلق البهيمة، ثم يتركونها حتى تموت، ويرون ذلك ذكاتها، وأضافها إلى الشيطان؛ لأنه الحاملُ لهم عليه، والمحسِّنُ لهذا الفعل لهم.
* * *
3129 -
عن جابرٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ذَكاةُ الجَنينِ ذَكاةُ أمِّهِ".
"عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ذكاةُ الجنين"؛ أي: تزكيته.
"ذكاةُ أمه"؛ يعني: ذكاة الأم كافية في حِلِّ الجنين"؛ لأنه كالعضو المتصل بها، فلو ذبحت شاة ونحوها - وفي بطنها جنين ميت - حل أكله، وبه قال الشافعي، وعند أبي حنيفة: لا يحل أكله، إلا أن يخرج حيًا ويذبح.
* * *
3130 -
عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه أنَّه قال: قُلنا: يا رسولَ الله! ننحَرُ النَّاقةَ ونذبحُ البقرةَ والشَّاةَ فنجدُ في بطنِها الجَنينَ، أنلُقِيه أمْ نأكلُهُ؟ قال:"كلُوهُ إنْ شِئتمْ، فإنَّ ذكاتَهُ ذكاة أُمِّه".
"عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قلنا: يا رسول الله! ننحر الناقة، ونذبح البقرة والشاة، فنجد في بطنها الجنين، أنلقيه أم نأكله؟ قال: كلوه إن شئتم؛ فإن ذكاته ذكاة أمه": والحديث يدل على أن السنة في الإبل النحر، وهو: قطع موضع القلادة من الصدر، وفي البقر والشاة الذبح، وهو: في الحلق، وعلى أن الجنين يحل بذكاة أمه.
* * *
3131 -
عن عبدِ الله بن عَمْرِو بن العاصِ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قتلَ عُصفورًا فما فَوْقَها بغيرِ حَقِّها سألَهُ الله عز وجل عَنْ قَتْلِهِ"، قِيلَ: يا رسُولَ الله! وما حقُّها؟ قال: "أنْ يَذْبَحها فيأكُلَها ولا يَقْطَع رأسَها فيَرْمي بها".
"عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قتل عصفورًا فما فوقها"؛ أي: فما دونها، وقيل: أي: أعظم منها.
"بغير حقِّها، سأله الله عز وجل عن قتله، قيل: يا رسول الله! وما حقها؟ قال: أن يذبحها فتأكلها، ولا يقطع رأسها، فيرمي بها": وفيه دليل على كراهة ذبح الحيوان لغير الأكل.
* * *
3132 -
وعن أبي واقِدٍ اللَّيثيِّ قال: قَدِمَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ وهُمْ يَجُبُّونَ أسْنِمَةَ الإبلِ ويَقْطعُونَ ألْياتِ الغَنَمِ، قال:"ما يُقْطعُ مِنَ البهيمةِ وهيَ حيَّةٌ فهو مَيْتَة".
"عن أبي واقد الليثي قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يجبُّون"؛ أي: يقطعون.
"أسنمةَ الإبل": جمع السنام.
"ويقطعون أليات الغنم": جمع أَلْية.
"فقال: ما يُقطَعُ من البهيمةِ وهي حيةٌ فهو ميتةٌ"؛ يعني: كل عضو قُطِع من حي، فذلك العضو حرام؛ لأنه ميت بزوال الحياة عنه، وكانوا يفعلون ذلك في حال الحياة، فنهوا عنه.
* * *