الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولرسوله، فقال: نعما"، (ما) بمعنى شيئًا، والباء في "بالمال" زائدة؛ أي: نعم الشيء المال "الصالح للرجل الصالح"؛ أي: لا بأس بجمع المال الحلال، وفي وصف المال بالصالح إيماءٌ إلى أنه إذا كان يؤدَّى منه حقوق الله تعالى.
* * *
5 - باب الأقضيةِ والشَّهاداتِ
(باب الأقضية والشهادات)
مِنَ الصِّحَاحِ:
2827 -
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ - صلي الله عليه وسلم - قال:"لو يُعْطَى النَّاسُ بدعْواهُم لادَّعى ناسٌ دِماءَ رِجالٍ وأموالَهم، ولكنَّ البينةَ على المُدَّعي، واليمينَ على المُدَّعَى عليهِ".
"من الصحاح":
" عن ابن عباس عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادَّعى ناسٌ دماء رجال وأموالهم"؛ يعني: لا يُدفع إلى المدَّعي ما ادعاه بمجرد دعواه.
"ولكن البينة على المدير واليمين على المدَّعى عليه" والحديث بعمومه حجة على مالك في أن اليمين إنما يتوجه على المدعى عليه المنكِر بشرطِ أن يكون بينه وبين المدعي مخالطةٌ أو مداينةٌ بشهادة شاهدين أو شاهد.
* * *
2828 -
وقال: "مَن حَلَفَ على يمينِ صَبْرٍ، وهو فيها فاجِرٌ، يَقتَطِعُ بها
مالَ امرئٍ مسلم، لقيَ الله يومَ القيامةِ وهو عليهِ غضبانُ".
"عن الأشعث بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من حلف على يمينِ صبرٍ" بالإضافة، وأصل الصبر: الحبس.
والمراد بيمين الصبر: أن يَحبس السلطان الرجل حتى يحلف بها، وهي لازمة لصاحبها من جهة الحكم، و (على) بمعنى الباء، أو المراد المحلوف عليه، فعلى هذا قيل لها: مصبورة مجازًا، وإن كان المصبور حقيقةً صاحبُها؛ لأنه إنما صُبر - أي: حُبس - لأجلها.
وقيل: يمين الصبر هي التي يكون الرجل فيها متعمدًا الكذب قاصدًا لإذهاب مال مسلم، وهو المراد هنا ظاهرًا لقوله صلى الله عليه وسلم:"وهو فيها فاجر"؛ أي: كاذب؛ أي: يَفْجُر بالكذب، فأقامه مقام الكذب ليدل على أنه من أنواعه.
"يقتطع بها مال امرئ مسلم"؛ أي: يذهب بتلك اليمين بطائفة من ماله.
"لقي الله يوم القيامة وهو عليه غضبان"؛ أي: مُعْرِضٌ عنه ومعذِّبه.
* * *
2829 -
وقال: "مَن اقتَطَعَ حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيَمينِه فقد أَوْجَبَ الله لهُ النَّارَ وحرَّم عليهِ الجنَّةَ"، فقالَ لهُ رَجُلٌ: وإنْ كانَ شَيْئًا يَسيْرًا يا رسولَ الله؟ قال: "وإن كانَ قَضيبًا مِن أراكٍ".
"عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من اقتطع حقَّ امرئ" وهذا بعمومه متناولٌ لما ليس بمال كحد القذف ونصيب الزوجة وغيرهما.
"مسلم" تقييده به؛ لأن المخاطبين بالشريعة هم المسلمون، لا للاحتراز عن الكافر، إذ الحكم فيه كما في المسلم.
"بيمينه"؛ أي: بحلف الكاذب.
"فقد أوجب الله له النار وحرَّم عليه الجنة" شدد بإيجاب النار وتحريم الجنة تعظيمًا للأمر، ومبالغة في الزجر والتحذير، أو يُحمل على الحقيقة بتقدير الاستحلال لذلك.
"فقال له رجل: وإن كان"؛ أي: حلفه "شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبًا"، وهو قطعة غصن "من أراك" وهي شجرة السواك (1).
* * *
2830 -
وقال: "إنَّما أنا بَشَرٌ، وإنَّكم تَخْتصِمونَ إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أنْ يكونَ أَلحنَ بحُجَّتِه مِن بعضٍ، فأقضيَ لهُ على نحوِ ما أسمَعُ منهُ، فمَن قضيتُ لهُ بشيءٍ مِن حقِّ أخيهِ فلا يأخُذنَّهُ، فإنَّما أَقطعُ لهُ قِطعةً مِن النَّارِ".
"وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إنما أنا بشرٌ، وهذا تمهيدٌ لعذره صلى الله عليه وسلم فيما عسى يصدر عنه من سهو ونسيان؛ لأن ذلك غير مستبعد من الإنسان، ابتداءً بـ (إنما) تنبيهًا على أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلا ظواهرها، فمن الجائز أن يسمع الشيء فيسبق إلى وهمه أنه صدق ويكون الأمر بخلاف ذلك.
"وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن"؛ أي: أفصحَ وأفطن.
"بحجتهِ من بعض" فيزين كلامَه بحيث أظنه صادقًا في دعواه.
"فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه
(1) في "غ": "المسواك".
فلا يأخذنه، فإنما أقطع له قطعة من النار" والحديث يدل على وجوب الحكم بالظاهر.
* * *
2831 -
وقال: "إنَّ أبغضَ الرِّجالِ إلى الله الأَلدُّ الخَصِمُ".
"وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ" بتشديد الدال: صفة من اللَّدَد، وهو الخصومة الشديدة.
"الخصِم": بكسر الصاد: شديد الخصومة، تأكيد للألدّ، واللام فيه للعهد؛ أي: الخَصِم مع الله، وهو الكافر، خصومتُه إنكارُه إنشاء الأموات، كما قال الله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)} [يس: 77]، وإن حصل للجنس فالحديث محمول على الزجر.
* * *
2832 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بيَمينٍ وشاهدٍ.
"وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد"؛ يعني: كان للمدَّعي شاهدٌ واحدٌ، فأمره صلى الله عليه وسلم أن يحلف على ما يدعيه بدلًا عن الشاهد الآخر، وهو مذهب الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله.
ووجهُ الحديث عند مَن لا يرى القضاء باليمين والشاهد الواحد أنه قضى بيمين المدَّعَى عليه بعد أن أقام المدَّعي شاهدًا واحدًا وعجز عن إتمام البينة.
* * *
2833 -
وعن عَلْقَمَةَ بن وائِلٍ، عن أبيهِ، قال: جاءَ رجلٌ مِن حَضْرمَوْتَ
ورَجُلٌ مِن كِنْدَةَ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقالَ الحَضرَمِيُّ: يا رسولَ الله! إنَّ هذا غَلبني على أرضٍ لي، فقالَ الكِنْدِيُّ: هي أرضي وفي يَدِي ليسَ له فيها حَقٌّ، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم للحضْرَمِيِّ:"أَلَكَ بَينةٌ؟ "، قال: لا، قال:"فَلَكَ يمينُهُ"، قال: يا رسولَ الله! إن الرَّجُلَ فاجِرٌ لا يُبالِي على ما حَلفَ عليه، وليسَ يَتَوَرَّعُ مِن شيء، قال:"ليسَ لك مِنهُ إلَّا ذلك"، فانْطَلَقَ ليَحلِفَ، فقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أَدْبَرَ:"لَئِنْ حَلَفَ على مالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلمًا لَيَلْقَينَّ الله وهوَ عنهُ مُعرِضٌ".
"عن علقمة بن وائل عن أبيه أنه قال: جاء رجل من حضرموت": اسم بلدة وقبيلة أيضًا، وهما اسمان جعلا اسمًا واحدًا.
"ورجل من كِندة" بكسر الكاف: أبو حيٍّ من اليمن، وهو كندة بن ثور.
"إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال الحضرمي: يا رسول الله! إن هذا غلبني على أرض لي، فقال الكندي: هي أرضي وفي يدي ليس له فيها حق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي: ألك بينة؟ قال لا، قال: فلك يمينه، قال: يا رسول الله! إن الرجل فاجرٌ لا يبالي على ما حلف عليه"؛ أي: لا يلتفت إلى شيء حلال أو حرام، أو خير أو شر، أو نفع أو ضر.
"وليس يتورع"؛ أي: يتنزه "من شيء، قال: ليس لك منه إلا ذلك"؛ أي: اليمين.
"فانطلق"؛ أي: ذهب "ليحلف، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لمَّا أدبر"؛ أي: رجع ذلك الرجل للوضوء: "لئن حلف على ماله ليأكله ظلمًا ليَلْقَينَّ الله وهو عنه مُعْرِضٌ"؛ أي: لا ينظر بنظر الرحمة.
* * *
2834 -
وقال: "مَن ادَّعى ما ليسَ لهُ فليسَ منَّا، وليَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِن النَّارِ".
"وقال: من ادعى ما ليس له"؛ يعني: مَن ادَّعى دعوى كاذبةً ليأخذ مال أحدٍ بالباطل "فليس منا" في هذا الفعل، "وليتبوأ مقعده من النار".
* * *
2835 -
وقال: "أَلَا أُخْبرُكم بخيرِ الشُّهداءَ؟ الذي يأتِي بشهادَتِهِ قبلَ أن يُسْأَلَها".
"وعن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير الشهداء: الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" قيل: هذا مخصوص بشهادة الحسبة من حقه تعالى كالزكاة والكفارات ورؤية هلال رمضان، أو بما له فيه حق مؤكَّد كالطلاق والعتاق والخلع والعفو عن القصاص، وتحريم الرضاع، وكذلك في حق الآدمي إذا لم يعلم صاحبُ الحق بشهادته، فيشهد بذلك ولا يكتمها كيلا يضيع حقه.
* * *
2836 -
وقال: "خيرُ النَّاسِ قَرْني، ثُمَّ الذينَ يَلُونهَم، ثُمَّ الذين يَلُونهَم، ثُمَّ يَجيءُ قومٌ تَسْبقُ شهادةُ أحدِهم يمينَه، ويمينُهُ شهادَتَه".
"عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: خير الناس قرني"؛ أي: أصحابي، وقيل: مَن رآه، وقيل: بل كلُّ من كان حيًا في عهده صلى الله عليه وسلم، وقيل: القرن: أهل كل زمان اقترن أهلُه فيه بعضُهم ببعض في أعمارهم وأحوالهم، وقيل: ثلاثون سنة، وقيل: أربعون، وقيل: ستون، وقيل: ثمانون، وقيل: مئة، روي أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأس غلام وقال:"عش قرنًا" فعاش مئة سنة.
"ثم الذين يلونهم" وهم الصحابة.
"ثم الذين يلونهم" وهم التابعون.
"ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينَه، ويمينُه شهادته" وذلك عبارة عن تكثير شهادة الزور واليمين الفاجرة.
وقيل: أن يكون متَّهمًا في شهادته لاشتهاره بالزور، فيروِّج شهادتَه تارةَ باليمين قبلها بأن يقول: والله إني لصادق، ثم يشهد، أو بالعكس، وهذا مثلٌ في سرعة الشهادة واليمين والحرص عليهما حتى لا يدري بأيهما يبتدئ من قلة مبالاته بالدين.
* * *
2837 -
وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم عرضَ على قومٍ اليمينَ فأسرَعوا، فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بينَهم في اليمينِ أَيُّهم يَحلِفُ.
"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا"؛ أي: في اليمين.
"فأمر أن يسهم"؛ أي: يقرع.
"بينهم في اليمين أيهم يحلف" صورته: رجلان تداعيا شيئًا في يد ثالث ولا بينة لأحدهما، أو لكلٍّ منهما بينة، وقال الثالث: لا أعلم أنه لكما أو لغيركما، فيقرع بين المتداعيين فأيهما خرجت له القرعة حلف وقُضي له به، وبه قال أحمد والشافعي في أحد أقواله.
وفي قوله الآخر، وبه قال أبو حنيفة أيضًا: أنه يجعل بين المتداعيين نصفين مع يمين كل منهما، وفي قول آخر له: يترك في يد الثالث.
* * *
مِنَ الحِسَان:
2838 -
عن عمرِو بن شُعيْبٍ، عن أبيهِ عن جده: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "البينَةُ على المُدَّعِي، واليمينُ على المُدَّعَى عليه".
"من الحسان":
" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنهم -: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: البينة على المدعي واليمين على المدعَى عليه بينهما والقسمة تقطع الشركة"(1).
* * *
2839 -
عن أُمِّ سَلمةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: في رَجُلَيْنِ اختصَما إليهِ في مَوَاريثَ لم يكنْ لهما بينَةٌ إلا دَعْوَاهُمَا فقال: "مَنْ قضَيتُ لهُ بشيءٍ مِن حقِّ أخيهِ فإنَّما أَقطعُ لهُ قِطعةً مِن النّارِ"، فقال الرَّجُلانِ كلُّ واحدٍ منهما: يا رسولَ الله! حقِّي هذا لِصَاحِبي، فقالَ:"لا ولكنْ اذهبَا فاقتسِما وتَوَخَّيا الحقَّ، ثم استَهِما ثم لْيُحَلِّلْ كلُّ واحدٍ منكما صاحِبَهُ". ويُروى أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ في هذا الحديث: "إنما أَقضي بينَكم برأيي فيما لم يُنْزَلْ عليَّ فيهِ".
"عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجلين اختصما إليه في مواريث": جمع موروث؛ يعني: تداعَيا في أمتعة، فقال أحدهما: هذه لي ورثتها من مُوَرِّثي، وقال الآخر كذلك.
"لم يكن لهما بينة إلا دعواهما"، (إلا) هذه بمعنى غير، ويجوز أن يجعل استثناءً منقطعًا.
"فقال: من قضيتُ له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار"
(1) وقع بعدها في "ت" قوله: "قسم صلى الله عليه وسلم بينهما والقسمة تقطع الشركة".
خوَّفهما النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
"فقال الرجلان كلُّ واحد منهما: يا رسول الله! حقي هذا لصاحبي، فقال: لا، ولكن اذهبا فاقتسما وتوخَّيا الحق"؛ أي: اطلبا العدل في قَسْمِه واجعلاها نصفين.
"ثم اسْتَهِما"؛ أي: اقترعا ليَظهر أيُّ القسمين وقع في نصيب كلٍّ منكما.
وقيل: توخَّيا في معرفة مقدار الحق، وذلك يدل على أن الصلح لا يصح إلا في شيء معلوم، والتوخِّي إنما يفيد ظنًّا فضم إليه القرعة؛ لتكون أقوى.
"ثم ليُحْلِلْ كلُّ واحد منكما صاحبه": أمر بالتحليل (1) ليكون افتراقهما عن تعيُّنِ براءةٍ وطيبة نفس.
"وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذا الحديث: إنما أقضي بينكم برأي فيما لم ينزل علي فيه" وهذا يدل على جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم.
* * *
2840 -
عن جابرِ بن عبدِ الله رضي الله عنه: أنَّ رَجُلينِ تَدَاعَيَا دابةً فأقامَ كلُّ واحدٍ منهما البينةَ، أنَّها دابَّتَهُ نتَجَها، فقضَى بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِلَّذي في يَدَيْهِ.
"عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلين تداعيا دابةً، فأقام كل واحد منهما بينةً أنها دابته نتجها"؛ أي: ولدها.
"فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للَّذي في يده" وهذا يدل على تقديم بينة صاحب اليد على بينة غيره.
* * *
(1) في "غ": "بالتحلل".
2841 -
عن أبي موسى الأشعريِّ: أن رَجُلَيْنِ تَدَاعَيا بعيرًا على عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فبعثَ كلُّ واحدٍ منهما شاهدَيْنِ فَقَسَمَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَهما نِصفينِ.
وبإسناده: أَنَّ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا بعيرًا ليستْ لواحدٍ منهما بينَةٌ فجَعَلَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَهما.
"عن أبي موسى الأشعري: أن رجلين ادعيا بعيرًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث كلُّ واحد منهما شاهدين فقسمه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين".
"وبإسناده: أن رجلين ادعيا بعيرًا ليست لواحد منهما بينةٌ، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما" وهذا يدل على أنه لو تداعيا اثنان (1) شيئًا ولا بينة لواحد منهما، أو لكلٍّ منهما بينة، وكان المدَّعَى به في أيديهما، أو لم يكن في يد واحد منهما، ينصَّف المدَّعَى به بينهما.
* * *
2842 -
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه: أنَّ رَجُلينِ اختصَمَا في دابَّةٍ وَلَيْسَ لهما بينَةٌ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"استهِمَا على اليَمينِ".
"وعن أبي هريرة: أن رجلين اختصما في دابة وليس لهما بينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم اسْتَهِمَا"؛ أي: أقرعا "على اليمين" وهذا مثلُ الحديث الذي قبل الحسان.
* * *
2843 -
عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لرجلٍ حلَّفَهُ: "احْلِفْ بالله الذي لا إله إلا هو، ما لَهُ عندَك شيءٌ".
(1)"لو تداعيا اثنان" كذا في "ت" و "غ"، وهي جائزة على لغة "أكلو ني البراغيت".
"عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل حلَّفه"، بتشديد اللام؛ أي: أراد أن يحلِّفه.
"احلف بالله الذي لا إله إلا هو ما له عندك شيء".
* * *
2844 -
عن الأَشْعَثِ قال: كانَ بَيْنِي وبينَ رجُلٍ مِن اليَهودِ أرضٌ فجحدَني، فقدَّمتُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالَ:"ألَكَ بَينَةٌ؟ "، قلتُ: لا، قال لليهوديِّ:"احلِفْ"، قلتُ: يا رسولَ الله، إِذَنْ يَحْلِفَ ويذهبَ بمالي، فأنزلَ الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} ، صحيح.
"عن الأشعث بن قيس أنه قال: كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني"؛ أي: أنكرني.
"فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألك بينة؟ قلت: لا، قال لليهودي: احلف، قلت: يا رسول الله! إذًا يحلف"؛ يعني: لو حلَّفته لا يبالي بحلفه؛ لأنه يهودي لا يخاف الله.
"ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى" تخويفًا لمن يحلف كاذبًا، أو ينقض عهدًا بسبب متاع الدنيا.
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ} ؛ أي: يستبدلون {بِعَهْدِ اللَّهِ} ؛ أي: بما عهد إليهم من أداء الأمانة {وَأَيْمَانِهِمْ} : الكاذبة {ثَمَنًا قَلِيلًا} ؛ أي: شيئا قليلًا من حطام الدنيا {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ} ؛ أي: لا نصيب لهم من الخير {فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} بما يَسرُّهم ويُفْرِحهم. {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} ؛ أي: نظر الرحمة {يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ} ؛ أي: لا يطهِّرهم من الذنوب {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} الآية [آل عمران: 77].
* * *
2845 -
عن الأَشْعَثِ بن قيْسٍ: أنَّ رَجُلًا مِن كِنْدَةَ ورَجُلًا مِن حَضْرَمَوْتَ اختصَمَا في أرضٍ مِن اليمنِ، فقال الحَضْرَمِيُّ: يا رسولَ الله، إنَّ أرضي اغتَصبنيها أبو هذا وهي في يَدِهِ، قال:"هَلْ لَكَ بَينَةٌ؟ "، قال: لا ولكن أُحَلِّفُه: والله ما يَعْلمُ أنَّها أرضي اغتَصَبنيها أبوهُ، فتَهَيَّأَ الكِنْدِيُّ لليمينِ، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لا يَقْتَطِعُ أحدٌ مالًا بيمينٍ إلا لقيَ الله وهو أَجْذَمُ"، فقالَ الكِنْدِيُّ: هي أَرْضُه.
"وعنه: أن رجلًا من كندة ورجلًا من حضرموت اختصما في أرض من اليمن، فقال الحضرمي: يا رسول الله! إن أرضي اغتصبنيها أبو هذا، وهي في يده، قال: هل لك بينة؟ قال: لا ولكن أُحلِّفه والله يعلم أنها أرضي اغتصبنيها أبوه، فتهيأ الكندي لليمين"؛ أي: أراد أن يحلف.
"فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتطع أحد مالًا بيمين إلا لقي الله وهو أجذم"؛ أي: مقطوع اليد، أو المراد: أجذم الحجة لا لسان له يتكلم به، ولا حجة في يده تكون عذرًا له في أخذ مال مسلم ظلمًا وفي حلفه كاذبًا.
"فقال الكندي: هي أرضه".
* * *
2846 -
عن عبد الله بن أُنيسٍ، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِن أكبرِ الكَبائِرِ الشِّركَ بالله وعُقوقَ الوالدَيْنِ، واليمينَ الغَمُوسَ، وما حَلَفَ حَالِفٌ بالله يمينَ صَبْرٍ، فأَدْخَلَ فيهِ مثلَ جَناحِ بعُوضَةٍ إلا جُعِلَتْ نُكْتَةً في قلبهِ إلى يومِ القِيامَةِ"، غريب.
"وعن عبد الله بن أنيس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر الشرك بالله، وعقوقُ الوالدين، واليمين الغموس"؛ أي: الحلف على فعلٍ ماضٍ كاذبًا، سميت غموسًا لأنها تغمسُ صاحبها في الإثم.
"وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها"؛ أي: في تلك اليمين.
"مثل جناح بعوضة" من الكذب والخيانة، وما يخالف ظاهرُه باطنَه؛ لأن اليمين على نية المستحلِف.
"إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة" خصَّ الأخير من هذه الثلاثة بالوعيد لزيادة التحذير؛ لكثرة وقوعها في الناس واحتقارهم لها.
"غريب".
* * *
2847 -
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحْلِفُ أَحَدٌ عندَ مِنبري هذا عَلَى يَمِينٍ آِثمَةٍ - ولو على سِوَاكٍ أخضرَ - إلا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ من النَّارِ، أو وَجَبَتْ لهُ النَّارَ".
"عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمينٍ آثمة"؛ أي: كاذبةٍ، سميت اليمين بها كتسميتها فاجرة اتساعًا، أو وُصفت بصفة صاحبها، أو: ذات إثم.
"ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار، أو وجبت له النار" شكٌّ من الراوي، قيَّد الحلف بكونه عند منبره تغليظًا لشأن اليمين وتعظيمه وشرفه، وإلا فاليمين الآثمةُ موجبةٌ لسخط الله حيثما وقعت، فتكون في الموضع الشريف أكثر إثمًا.
* * *
2848 -
عن خُرَيْم بن فَاتِكٍ قال: صلى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصُّبح فلمَّا انصرفَ قامَ قائِمًا وقالَ: "عُدِلَت شَهادةُ الزورِ بالإشراكِ بالله، ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثم
"عن خريم بن فاتك أنه قال: صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صلاة الصبح، فلما انصرف قام قائمًا فقال: عُدلت شهادةُ الزور بالإشراك بالله"؛ أي: ساوته، قالها "ثلاث مرات، ثم قرأ:{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج:
30 -
] " جعلت الشهادة الكاذبة مماثلة للإشراك بالله في الإثم، لكن الشرك كذب على الله بما لا يجوز، وشهادة الزور كذب على العبيد بما لا يجوز، وكلاهما غير واقعٍ في الواقع.
* * *
2849 -
عن عائشةَ رضي الله عنها تَرْفَعُه قالتْ: لا تَجُوزُ شَهادةُ خائنٍ ولا خائِنَةٍ ولا مَجلُودٍ حدًّا، ولا ذِيْ غِمْرٍ على أخيهِ، ولا ظَنِينٍ في وَلاءٍ، ولا قَرابَةٍ، ولا القانِعِ لِأَهْلِ البيتِ. ضعيف.
"عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - ترفعه: لا تجوز شهادة خائن" أراد به الخائن بأمانات الناس لا الخائن في أحكام الدين، وقيل: أراد به الفاسق، والخيانة من جملة الفسوق، والفاسق: مَن فعل كبيرة، أو أصرَّ على الصغيرة (1).
"ولا خائنةٍ، ولا مجلودٍ حدًا" وهو الذي جُلد في حد القذف على ما ورد به التنزيل، وبه ذهب أبو حنيفة إلى أن المجلود فيه لا تقبل شهادته أبدًا وإن تاب.
"ولا ذي غمر"؛ أي: حقد "على أخيه" وهو أن يكون بينه وبين المشهود
(1) في "غ": "الصغائر".
عليه عداوةٌ ظاهرة، وهذا يدل على أنه لا يقبل شهادة عدو، وبه قال الشافعي.
"ولا ظنينٍ"؛ أي: متهم، فعيل بمعنى مفعول، من الظِّنَّة بمعنى التهمة.
"في ولاء" بأن ينسب إلى غير مواليه.
"ولا قرابة" بأن ينسب إلى غير أبيه.
"ولا القانع مع أهل البيت" المراد به: خادمهم، تردُّ شهادته لهم للتهمة بجلب النفع إلى نفسه. وفي الأصل: هو السائل، من القنوع: الرضا بيسير العطاء.
"ضعيف".
* * *
2850 -
عن عَمرِو بن شُعيْبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجوزُ شهادةُ خائنٍ، ولا خائنةٍ، ولا زانٍ، ولا زانيةٍ، ولا ذِيْ غِمْرٍ على أخيهِ"، ورَدَّ شهادةَ القانِعِ لأهلِ البيتِ.
"وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زانٍ ولا زانية، ولا ذي غمرٍ على أخيه، ورد شهادة القانع لأهل البيت، تقدم بيانه.
* * *
2851 -
وعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تجوزُ شهادةُ بَدَويٍّ على صاحِبِ قَرْيةٍ".
"وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية، لجهالة البدوي أحكامَ الشريعة، وكيفيةَ تحمُّلِ
الشهادة وأدائها (1)، وغلبة النسيان عليهم، فإن عَلِمَ هذه يجوز.
وقيل: لمَا بينهما من العداوة بسبب غبن أهل القرية إياهم.
عَمِل مالك بظاهر الحديث وردَّ شهادته، والأكثر على جواز شهادة البدوي العدل على القروي، وأوَّلوا الحديث بما بينَّا.
* * *
2852 -
عن عَوْفِ بن مالكٍ رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بينَ رَجُلينِ، فقالَ المَقْضىُّ عليهِ لَمَّا أَدبرَ: حَسْبيَ الله ونِعْمَ الوكيلُ، فقالَ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم:"إن الله يَلُومُ على العَجْزِ، ولكنْ عليكَ بالكَيْسِ، فإذا غَلَبَكَ أمرٌ فقلْ: حَسْبيَ الله ونِعْمَ الوكيلُ".
"عن عوف بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضىُّ عليه لما أدبر"؛ أي: رجع.
"حسبي الله ونعم الوكيل": إنما قال المقضيُّ عليه هذا الكلام إشارة إلى أن المدَّعي أخذ المال منه باطلًا.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله يلوم على العجز" وهو القصور عن فعل ما ينبغي، يعني: أنت مقصِّرٌ في الاحتياط ومَلُومٌ من قِبَل الله بترك ما أقام الله لك من الأسباب.
"ولكن عليك بالكيس" وهو التفطُّن والتيقُّظ في الأمور؛ أي: عليك أن تثبت حجتك حتى لاتغلب.
"فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل".
(1) في "غ": "وآدابها".
ولعل المقضيَّ عليه كان عليه دينٌ فأداه بغير بينة، فعابه النبي صلى الله عليه وسلم على التقصير في الإشهاد.
* * *
2853 -
عن بَهْزِ بن حَكِيْمٍ، عن أبيه، عن جده:"أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم حَبَسَ رَجُلًا فَي تُهْمةٍ ثم خلَّى عنه".
"عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس رجلًا في تهمة": بأن ادعى عليه شخص ذنبًا أو دينًا، فحبسه صلى الله عليه وسلم ليعلم صدق الدعوى بالبينة.
"ثم" لما لم يقم بينة.
"خلى عنه" وهذا يدل على أن الحبس من أحكام الشرع.
* * *