الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - باب الضيافَةِ
(باب الضيافة)
مِنَ الصِّحَاحِ:
3265 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ فلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَنْ كَانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جارَهُ، ومَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلْيَقُلْ خَيْرًا أو ليَصْمُتْ".
وفي روايةٍ: بدلَ الجارِ: "مَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلْيَصِلْ رَحِمَه".
"من الصحاح":
" عن أبي هريرةَ - رضي الله تعالى عنه - قال قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مَن كان يؤمِنُ بالله واليومِ الآخِر فليُكْرِمْ ضيفَه"، قيل: إكرامُه بشاشةُ الوجْه له، وتعجيل قِرَاهُ وقيامه في خدمته بنفسه، ذهب الفقهاء إلى أن الأمر فيه للندب.
"ومن كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فلا يؤذِ جارَه، ومَن كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليقُلْ خيرًا"؛ أي: قولاً يثابُ عليه.
"أو ليصمِتْ"؛ أي: ليسكُتْ.
"وفي رواية: بدل الجار: من كان يؤمِنُ بالله واليوم الآخر فليصِلْ رحمه": وفيه إشارة إلى أن القاطعَ عنها كأنه لم يؤمنْ بالله واليومِ الآخرِ؛ لعدمِ خوفهِ من شدةِ العقوبةِ المترتِّبةِ على القَطِيعة.
3266 -
عن أبي شُرَيْحٍ الكَعْبيِّ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كانَ يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فليُكْرِمْ ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يومٌ وليلة، والضيافَة ثلاثةُ؛ أيَّامٍ، فما بعدَ ذلكَ فهو صَدَقةٌ، ولا يَحِلُّ لهُ أنْ يَثْوِيَ عندَهُ حتَّى يُحْرِجَه".
"وعن أبي شُرَيح الكعبي - رضي الله تعالى عنه -: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: مَن يؤمنُ بالله واليوم الآخرِ فليُكْرِمْ ضيفَه جائزتُه يومٌ وليلة"؛ أي: إكرامُه بتقديم طعامٍ حَسَنِ إليه سُنَّة مؤكدة في اليوم الأول وليلته، وفي اليوم الثاني والثالث يقدَّمُ إليه ما كان حاضرًا عنده بلا زيادة على عادته.
"والضيافة ثلاثةُ أيام، فما بعد ذلك فهو صدقة" ومعروف، إن شاء فعل وإلا فلا.
"ولا يَحِلُّ له"؛ أي: للضيف.
"أن يَثْوِيَ عندَه"؛ أي: يُقيمَ عند مضيفه بعد الثلاث بلا استدعائه.
"حتى يُحْرِجَه"؛ أي: يضيق صدرَه فتكون الصدقة على وجه المَنِّ والأذى، فإن حبَسَه عذرٌ من مرض ونحوهِ أنفقَ من مال نفسه.
3267 -
وقال: "إنْ نزَلْتُمْ بقَوْمٍ فأَمَرُوا لكمْ بما يَنبغي للضَّيْفِ فاقْبَلُوا، فإنْ لمْ يفعلُوا فخُذُوا منهمْ حقَّ الضَّيْفِ الذي يَنْبغي له".
"وعن عقبةَ بن عامرٍ - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إذا نزلتُم بقومٍ فأَمَرُوا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلُوا، فإن لم يَفْعَلُوا فُخُذوا منهم حقَّ الضيفِ الذي يَنبغي له"، يحتمل أن يكونَ الخِطابُ للمسلمين الذين يمرُّون على أهل الذِّمَّة، وقد شرطَ الإمامُ عليهم ضيافةَ مَن يمرُّ بهم من المسلمين، أو يكونُ المرادُ بهم المضطرين في المَخْمَصَة، وإلا فلا يحِلُّ أخذُ مالٍ الغير بدون
رضاه، وعند هذا أوجبَ قومٌ ضمانَ القِيمة، وهو قياسُ مذهبِ الشافعي.
وقال جمعٌ من أهل الحديث: لا ضمانَ فيه، وهو الظاهر.
3268 -
عن أبي مسعودٍ الأنصاريُّ رضي الله عنه قال: كانَ رجلٌ مِنَ الأنصارِ يُكنَّى: أبا شُعَيْبٍ، وكانَ لهُ غُلامٌ لحَّامٌ، فقال: اصنع طعامًا يَكفي خَمسةً لَعلِّي أدعُو النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خامِسَ خمسةٍ، فصنعَ طُعَيمًا ثمَّ أتاهُ فدعاهُ فتبعَهُمْ رجلٌ، فقال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"يا أبا شُعيبٍ إنَّ رجُلًا تَبعَنا فإنْ شِئْتَ أذِنتَ لهُ وإنْ شِئْتَ تركتَهُ". قال: لا بلْ أذِنتُ لهُ.
"عن أبي مسعودٍ الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رجلٌ من الأنصار يُكْنَى أبا شُعيب، وكان له غلامٌ لحامٌ"؛ أي: بائع اللحم.
"فقال: اصنع طعامًا يَكْفِي خمسةً لعلِّي أَدْعُو النبيَّ صلى الله عليه وسلم خامَس خَمْسة"، حال من النبي صلى الله عليه وسلم أي: أحد الخمسة.
"فصنَع طُعَيمًا ثم أتاه فدعاه، فتبعهم رجلٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا شُعيب! إن رجلًا تَبعَنا فإن شئتَ أذنتَ له وإن شئتَ تركتَه، قال: لا بل أذنتُ له"، فيه بيانُ أنه لا يجوز لأحدٍ أن يدخلَ في ضيافة قومٍ بغير دعوةِ صاحبها، ولا للضيف أن يتبعَ غيرَه بغيرِ إذن المضيف.
3269 -
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ أو ليلةٍ، فإذا هو بأبي بكرٍ وعُمرَ، فقال:"ما أخْرجَكُما مِنْ بُيُوتكُما هذ السَّاعَةَ؟ " قالا: الجُوعُ. قال: "أنا والذي نفسي بِيدِهِ لأخرَجَني الذي أخرجَكُما، قُومُوا".
فقامُوا معَهُ، فأتَى رجُلًا مِنَ الأنصارِ، فإذا هو ليسَ في بيتِهِ فلمَّا رأتْهُ المرأَةُ قالتْ: مَرْحبًا وأهلًا، فقالَ لها رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"أينَ فُلانٌ؟ " قالت: ذهبَ يَسْتَعذِبُ لنا مِنَ الماءِ، إذْ جاءَ الأنصارِيُّ فنظرَ إلى رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وصاحِبَيْهِ، ثمَّ قال:"الحمدُ لله، ما أَحَدٌ اليومَ أكرمَ أَضْيافًا مِنِّي". قال: فانطلقَ فجاءَهُمْ بعِذْقٍ فيهِ بُسْرٌ وتَمرٌ ورُطَبٌ، فقال: كُلوا مِنْ هذهِ. وأخذَ المُدْيَةَ، فقالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"إيَّاكَ والحَلُوبَ". فذبحَ لهمْ، فأكَلُوا مِنَ الشَّاةِ ومِنْ ذلكَ العِذْقِ وشَرِبُوا، فلمَّا أَنْ شَبعُوا ورَوُوا قالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لأبي بَكْرٍ وعُمرَ:"والذي نفسي بيدِه لتُسْأَلُنَّ عنْ هذا النَّعيمِ يومَ القيامَةِ، أخرجَكُمْ مِنْ بُيُوتكُمْ الجُوعُ ثمَّ لمْ تَرجِعُوا حتَّى أصابَكُمْ هذا النَّعيمُ".
"عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذاتُ يومٍ أو ليلةٍ، فإذا هو بأبي بكرٍ وعمَر"؛ أي: اتفقَ خروجُهم من بيوتهم قاصِدين ضيافةً.
"فقال: ما أخرجَكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا: الجوع، قال: أنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجَكما"، فيه جوازُ ذِكْر الإنسان ما ينالُه من ألمٍ ونحوهِ لا على التشكِّي وعدم الرضا، بل للتسلية والتَّصْبيرِ؛ لفعله صلى الله عليه وسلم هنا فهذا ليس بمذموم.
"قومُوا، فقامُوا معه، فأتى رجلًا من الأنصار، يقال له أبو الهيثم بن تيهان الأنصاري الخزرجي.
"فإذا هو ليس في بيته فلمَّا رأته المرأة قالت: مرحبًا وأهلًا، فقال لها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: ذهبَ يستعذِبُ لنا من الماء"؛ أي: يطلب لنا الماء العذب، وذلك لأن أكثرَ مياه المدينة كانت مالحة.
"إذ جاء الأنصاريُّ فنظرَ إلى رسولِ الله صلى الله تعالى عليه وسلم
وصاحِبَيه، ثم قال: الحمدُ لله، ما أحدٌ اليومَ أكرمُ أضيافًا مني، قال"؛ أي: الراوي:
"فانطلقَ"؛ أي: خرج الأنصاري من بيته.
"فجاءَهم بعِذْقٍ"، وهو - بكسر العين المهملة وسكون الذال المعجمة -: العُرْجُون بما فيه من الشَّمارِيخ.
"فيه بُسْرٌ وتمر ورُطَب، فقال: كلُوا من هذه، وأخذَ المُدْية"؛ أي: السِّكِّين ليذبحَ لهم ذبيحة.
"فقال له رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إياك والحَلُوبَ"؛ أي: لا تذبح الشاةَ الحَلُوب.
"فذبحَ لهم شاةً فأكلُوا من الشاة ومن ذلك العِذْق وشربُوا" من الماء.
"فلما أن شبعوا": أن هذه زائدة.
"ورَوَوا، قال رسولُ الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأبي بكر وعمر: والذي نفسي بيده لتُسْأَلُنَّ عن هذا النعيم يوم القيامة"، قيل: المراد به السؤال عن القيام بحقِّ الشكر والتقريع، وقيل: سؤالُ تعداد النِّعمَ والامتنان لا سؤالُ تقريع.
"أخرَجكم الجوعُ من بيوتكم، ثم لم ترجِعُوا حتى أصابكم هذا النعيم".
مِنَ الحِسَان: * * *
3270 -
عن المِقْدام بن مَعْدِ يَكرِبَ رضي الله عنه: أنه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "أيُّما مُسلمٍ ضافَ قومًا فأصبحَ الضَّيفُ مَحرومًا كانَ حقًّا على كُلِّ مُسلمٍ نصَرُهُ حتَّى يأْخُذَ لهُ بقِراهُ مِنْ مالِهِ وزَرْعِهِ".
وفي روايةٍ: "أيُّما رجُلٍ أضافَ قومًا فلمْ يَقْرُوهُ كانَ لهُ أنْ يُعقِبَهُمْ بمثلِ قِراهُ".
"من الحسان":
" عن المقدام بن معدي كرب - رضي الله تعالى عنه -: سمعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيُّما مسلمٍ ضافَ قومًا"؛ أي: نزلَ عندَهم ضيفًا.
"فأصبَح الضيفُ مَحْرومًا كان حقًا على كل مسلمٍ نصرُه حتى يأخَذ له بقِرَاه"؛ أي: بضيافته؛ يعني بقَدْر شِبَعِه.
"من مالهِ وَزْرعِه"، فالمضطرُّ النازلُ بأحدٍ يجبُ عليه ضيافتُه بما يحفَظُ عليه رمقَه، ويجوزُ له أَخْذُ ذلك منه سرًا وعلانية.
"وفي رواية: أيُّما رجلٍ ضافَ قومًا فلم يُقْرُوه كان له أن يُعْقِبَهم"؛ أي: يَجْزِيَهم.
"بمثلِ قِراه"، بأن يأخذَ من مالهم عَقِيبَ صنيعهِم قَدْرَ قِراه عادةً.
* * *
3271 -
عن أبي الأحُوَصِ الجُشَميِّ، عن أبيه قال: قلتُ يا رسُولَ الله! أرأيتَ إنْ مررتُ برجلٍ فلمْ يَقْرِني ولمْ يُضفْني؟ ثمّ مرَّ بي بعدَ ذلكَ أَقْرِيه أمْ أجْزِيه؟ قال: "بلِ اقْره".
"عن أبي الأحوص الجُشَمي عن أبيه - رضي الله تعالى عنهم - قال: قلتُ: يا رسولَ الله أرأيتَ"؛ أي: أخبرْني "إن مررتُ برجلٍ فلم يُقرِني ولم يُضفْني، ثم مرَّ"؛ أي: ذلك الرجل "بي بعدَ ذلك أقريه"؛ أي: أُضيفه "أم أَجْزِيه؟ "؛ أي: أكافِئُه بمنع الطعام كما فعل بي.
"قال: بل اقْرِه".
* * *
3272 -
عن أنسٍ رضي الله عنه، أو غيرِه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استأْذَنَ على سعدِ بن عُبادَةَ فقال: "السَّلامُ عليكُمْ ورحمةُ الله وبركاتُهُ"، فقال سَعدٌ: وعليكُمُ السَّلامُ ورحمةُ الله وبركاتُهُ، ولم يُسمعِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، حتَّى سلَّمَ ثلاثًا وردَّ عليهِ سَعدٌ ثلاثًا ولمْ يُسمِعْهُ، فرجَعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، فاتَّبَعَهُ سَعدٌ فقال: يا رسُولَ الله! بأبي أنتَ وأُمِّي ما سلَّمْتَ تسليمَةً إلاّ هيَ بأُذُني، ولقدْ ردَدْتُ عليكَ ولمْ أُسْمِعْكَ، أحببتُ أنْ أَستَكثِرَ منْ سلامِكَ ومنَ البَرَكَةِ. ثمَّ دخلُوا البيتَ فقرَّبَ لهُ زَبيبًا، فأكلَ منهُ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا فَرَغَ قال:"أكلَ طعامَكُمُ الأبرارُ وصلَّتْ عليكُمُ المَلائِكةُ، وأفطَرَ عِندَكُمُ الصائِمُون".
"عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أو غيره: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استأذنَ على سعدِ بن عُبَادة"؛ أي: طلبَ الإذنَ أن يدخُلَ.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم: السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه، فقال سعدٌ: وعليكم السلام ورحمةُ الله، فلم يُسمِع النبيَّ صلى الله عليه وسلم "، من الإسماع.
"حتى سلَّم ثلاثًا، وردَّ عليه سعدٌ ثلاثًا فلم يُسْمِعْه، فرجعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فاتَّبَعه سعدٌ فقال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي"؛ أي: فديت بهما.
"ما سلَّمْتَ تسليمةً إلا هي بأُذُني، ولقد رددْتُ عليكَ ولم أُسْمِعْك، أَحببْتُ أن أستكِثَر من سَلَامِك ومنَ البَرَكة"، وهذا يدلُّ على أنه صلى الله عليه وسلم كان يُسَلِّمُ إلى:(وبركاته).
"ثم دخلُوا البيتَ، فقرَّبَ إليه زَبيبًا فأكلَ نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا فرغَ قال: أكلَ طعامَكم الأبرارُ، وصلَّت عليكم الملائكةُ، وأفطرَ عندكم الصائمون"، وهذا يجوزُ أن يكونَ دعاءً منه صلى الله عليه وسلم للمُضيف وأهلِ بيتهِ، وأن يكونَ إخبارًا منه صلى الله عليه وسلم بذلك.
* * *
3273 -
وعن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مثلُ المؤمِنِ ومثلُ الإِيمانِ كمثلِ الفَرَسِ فِي آخِيَّتِهِ يجُولُ ثمَّ يرجِعُ إلى آخِيَّتِهِ، فإنَّ المؤمِنَ يَسْهُو ثمَّ يرجعُ إلى الإيمانِ، فأطعِمُوا طعامَكُم الأتقياءَ وأَوْلُوا مَعروفَكُم المؤمنِينَ".
"عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ المؤمنِ ومَثَلُ الإيمانِ كمَثَلِ الفَرَسِ في آخِيَّتهِ". بفتح الهمزة الممدودة وكسر الخاء وفتح الياء المشددة: عروةُ حبلٍ في وَتِدٍ، وعُوَيْدٌ يدُفَن طرفاه في حائط أو أرض، فيصيرُ وسطُه كالعُرْوة ويُشَدُّ فيها الدابة في المَعْلَف.
"يجولُ، ثم يرجِعُ إلى آخِيَّتهِ"، والمعنى: أن المؤمنَ يبعدُ عن ربه بالذُّنوب، وأصلُ إيمانه ثابتٌ، ثم يعودُ ويقرب بالآخرة إليه بالندم والتوبة، ويتلَافى ما فَرَّطَ فيه وهو المراد بقوله:"وإنَّ المؤمن يسهو، ثم يرجِعُ إلى الإيمان"، أو المرادُ بالإيمان شُعَبُه كالصلاة والزكاة وغيرهما، فكما أن الفرسَ يَبعُدُ عن آخِيَّتهِ ثم يعودُ إليها، فكذا المؤمن قد يتركُ بعضَ شُعَب الإيمان، ثم يتدارك ما فاته ويندَمُ على ما فعلَ من التقصير.
"فأطعِمُوا طعامَكم الأتقياءَ وأَولُوا معروفَكم"؛ أي: أعطُوا إحسانكَم وعطيَّتَكم "المؤمنين".
* * *
3274 -
عن عبدِ الله بن بُسْرٍ قال: كانَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قَصْعة يحمِلُها أربعةُ رجالٍ، يقال لها الغَرَّاءُ، فلمَّا أضْحَوْا وسجَدُوا الضُّحَى أُتيَ بتلكَ القَصْعَةِ - يعني وقد ثُرِدَ فيها - فالتفُّوا عليها، فلمَّا كَثُروا جثَا رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال أعرابيٌّ: ما هذه الجِلْسَةُ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله جَعَلَني عبدًا كريمًا، ولم يجعَلْني جبَّارًا
عنيدًا"، ثمَّ قال: "كُلُوا مِنْ جوانِبها ودَعُوا ذِرْوَتها يُبارَكْ لكُمْ فيها".
"عن عبد الله بن بُسْر - رضي الله تعالى عنه -: كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قصعةٌ يحمِلُها أربعةُ رجالٍ يقال لها: الغَرَّاءُ": تأنيث الأغرِّ، كأنه فيه غُرَّة.
"فلما أَضْحَوا"؛ أي: دخلُوا في الضحى.
"وسجدُوا الضُّحَى"؛ أي: صلَّوا صلاةَ الضُّحَى.
"أتي بتلك القَصْعةِ؛ يعني: وقد ثُرِدَ فيها، فالتُّفوا عليها"؛ أي: اجتمعُوا حولهَا.
"فلما كثُروا جثا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "؛ أي: جلسَ على ركبتيه مِن ضيقِ المكان.
"فقال أعرابيٌّ: ما هذه الجِلْسة" - بكسر الجيم - يا رسول الله؟.
"فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد جعلني عبدًا كريمًا"؛ أي: متواضعًا فهذه الجلسة أقرب إلى التواضع وأنا عبد، والتواضع أليق بالعبد.
"ولم يجعلْني جَبَّارًا عنيدًا"؛ أي: مائلًا عن الحق.
"ثم قال: كُلُوا من جوانبها ودَعُوا ذِروَتَها"؛ أي: اتركوا أعلاها؛ يعني: وسطَها.
"يبارَكْ لكم فيها".
* * *
3275 -
وعن وَحْشِيِّ بن حَرْبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه: أنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسولَ الله! إنَّا نأكلُ ولا نَشبعُ، قال:"فلعلَّكُمْ تَفْترِقُون؟ " قالوا: نعم، قال:"فاجتمِعُوا عَلَى طعامِكُمْ، واذكُرُوا اسمَ الله يُبارَكْ لكُمْ فيهِ".
"عن وحشيِّ بن حَرْب، عن أبيه، عن جده: أن أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسولَ الله! إنا نأكلُ ولا نشبَعُ، قال: فلَّعلكم تَفْترقون؟ قالوا: نعم، قال: