المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي دَبَّرَ الْأَنَامَ - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ١

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌[سَبَبُ وُجُوب الطَّهَارَةُ]

- ‌[أَحْكَام الْوُضُوء]

- ‌[فَرَائِض الْوُضُوء]

- ‌[أَرْكَانُ الطَّهَارَة]

- ‌[سُنَن الْوُضُوءُ]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[أَحْكَام الْغُسْل]

- ‌[فَرَائِض الْغُسْل]

- ‌[سُنَنُ الْغُسْل]

- ‌ آدَابُ الْغُسْلِ

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[الْغُسْل الْمُسِنُّونَ]

- ‌[الْغُسْل الواجب]

- ‌[أَحْكَام الْمِيَاه]

- ‌[الْوُضُوء بِمَاءِ السَّمَاءِ]

- ‌[الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ وَلَوْ خَالَطَهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ]

- ‌[مَوْتُ حَيَوَانٍ لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ]

- ‌ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

- ‌[صِفَةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ]

- ‌[حُكْم الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ]

- ‌[الطَّهَارَة بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ بِالدِّبَاغِ]

- ‌[اسْتِعْمَال جِلْد الْفِيل إذَا دُبِغَ]

- ‌[التَّدَاوِي بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[طَهَارَة سُؤْرُ الْآدَمِيِّ وَالْفَرَسِ وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ]

- ‌[سُؤْرُ الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ]

- ‌ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌[أَرْكَان التَّيَمُّم]

- ‌[شَرَائِط التَّيَمُّم]

- ‌كَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ

- ‌سُنَنُ التَّيَمُّمِ

- ‌[نَوَاقِض التَّيَمُّم]

- ‌ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ عِيدٍ

- ‌ التَّيَمُّمُ لِخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ

- ‌[رَجُلٌ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَمَعَهُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ]

- ‌[الْجَمْعُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ]

- ‌ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ]

- ‌[بَيَان مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مَحَلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[بَيَان مِقْدَارِ آلَةِ الْمَسْحِ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَمْنَع الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَا يَنْقُضُ الْمَسْحَ عَلَيَّ الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجُرْمُوقِ

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَخِرْقَةُ الْقُرْحَةِ]

- ‌[الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعُ وَالْقُفَّازُ]

- ‌[الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَعَ الْغَسْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الْحَيْضِ]

- ‌[مَا يَمْنَعهُ الْحَيْض]

- ‌[أَقَلُّ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْض]

- ‌[الْمُحَيِّرَةِ فِي الْحَيْض]

- ‌[الْحُكْمِ فِيمَا لَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ]

- ‌[حَيْض الْمُبْتَدَأَة وَنِفَاسهَا]

- ‌[أَحْكَام النِّفَاسُ]

- ‌ أَقَلَّ النِّفَاسِ

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌[التَّطْهِيرُ بِالدُّهْنِ]

- ‌جِلْدَةُ آدَمِيٍّ إذَا وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ

- ‌[طَهَارَة دَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ]

- ‌النَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ

- ‌[الِاسْتِنْجَاءُ بِحَجَرٍ مُنْقٍ]

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[آدَاب دُخُولَ الْخَلَاءِ]

- ‌[حُكْمُ الصَّلَاة]

- ‌[أَوْقَات الصَّلَاة]

- ‌[وَقْتُ صَلَاة الْفَجْرِ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعَصْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْمَغْرِبُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الظُّهْرُ]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِشَاءُ]

- ‌[الْأَوْقَات المنهي عَنْ الصَّلَاة فِيهَا]

- ‌[التَّنَفُّلِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ]

- ‌ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ بِعُذْرٍ)

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[التَّنَفُّلِ وَقْتَ الْخُطْبَةِ]

- ‌[اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَة بِالْآذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌إجَابَةَ الْمُؤَذِّنِ

- ‌[جُلُوسُ الْمُؤَذِّنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌ الْأَذَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ

- ‌[أَذَانُ الْجُنُبِ وَإِقَامَتُهُ وَأَذَانُ الْمَرْأَةِ وَالْفَاسِقِ وَالْقَاعِدِ وَالسَّكْرَانِ]

- ‌ أَذَانُ الْعَبْدِ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْأَعْمَى وَالْأَعْرَابِيِّ)

- ‌(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ)

- ‌[تَرْكُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ

- ‌[الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِي الصَّلَاة]

- ‌ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ

- ‌[الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[تَكْبِير الْعِيدَيْنِ]

- ‌[سُنَنُ الصَّلَاة]

- ‌[فَصْلٌ مَا يَفْعَلهُ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌[آدَابُ الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ)

- ‌[شَرَائِطِ صِحَّة الْإِمَامَة]

- ‌[صِفَة الْإِمَامَة فِي الصَّلَاة]

- ‌[الْأَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[إمَامَةُ الْعَبْدِ وَالْأَعْرَابِيِّ وَالْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ وَالْأَعْمَى وَوَلَدِ الزِّنَا]

- ‌[جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاة]

- ‌[وُقُوف الْمَأْمُومِينَ فِي الصَّلَاة خَلْف الْإِمَام]

- ‌[حُضُور النِّسَاء الْجَمَاعَاتِ ومَجَالِسِ الْوَعْظِ]

- ‌[اقْتِدَاءُ رَجُلٍ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي

- ‌ اقْتِدَاءُ مُتَوَضِّئٍ بِمُتَيَمِّمٍ)

- ‌[اقْتِدَاء غَاسِلٍ بِمَاسِحٍ فِي الصَّلَاة]

- ‌[اقْتِدَاءُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضِ فِي الصَّلَاة]

- ‌ اقْتَدَى أُمِّيٌّ وَقَارِئٌ بِأُمِّيٍّ أَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ

- ‌(بَابُ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[سَبَقَهُ حَدَثٌ وَكَانَ إمَامًا فِي الصَّلَاة]

- ‌[رَأَى الْإِمَام المُتَيَمِّمٌ مَاءً]

- ‌[اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ فِي الصَّلَاة]

الفصل: ‌ ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي دَبَّرَ الْأَنَامَ

[مُقَدِّمَة الْكتاب]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي دَبَّرَ الْأَنَامَ بِتَدْبِيرِهِ الْقَوِيِّ، وَقَدَّرَ الْأَحْكَامَ بِتَقْدِيرِهِ الْخَفِيِّ، وَهَدَى عِبَادَهُ إلَى الرَّشَادِ وَأَنْطَقَهُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ وَجَعَلَ مَصَالِحَ مَعَاشِهِمْ بِالْعُقُولِ مَحُوطَةً وَمَنَاجِحَ مَعَادِهِمْ بِالْعِلْمِ مَنُوطَةً فَضَّلَ نَبِيَّهُ بِالْعِلْمِ تَفْضِيلًا وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ - كُنُوزِ الْهُدَى وَعَلَى أَصْحَابِهِ بِدُورِ الدُّجَى (أَمَّا بَعْدُ) ، فَإِنَّ أَشْرَفَ الْعُلُومِ وَأَعْلَاهَا وَأَوْفَقَهَا وَأَوْفَاهَا عِلْمُ الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى وَبِهِ صَلَاحُ الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى فَمَنْ شَمَّرَ لِتَحْصِيلِهِ ذَيْلَهُ وَادَّرَعَ نَهَارَهُ وَلَيْلَهُ فَازَ بِالسَّعَادَةِ الْآجِلَةِ وَالسِّيَادَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْأَحَادِيثُ فِي أَفْضَلِيَّتِهِ عَلَى سَائِرِ الْعُلُومِ كَثِيرَةٌ وَالدَّلَائِلُ عَلَيْهَا شَهِيرَةٌ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحِكْمَةِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى قَوْلِ الْمُحَقِّقِينَ لِلْفُرْقَانِ.

وَقَدْ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ النَّظَرَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا مِنْ غَيْرِ سَمَاعٍ أَفْضَلُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقَالَ إنَّ تَعَلُّمَ الْفِقْهَ أَفْضَلُ مِنْ تَعَلُّمِ بَاقِي الْقُرْآنِ وَجَمِيعُ الْفِقْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ. اهـ.

وَإِنَّ كَنْزَ الدَّقَائِقِ لِلْإِمَامِ حَافِظِ الدِّينِ النَّسَفِيِّ أَحْسَنُ مُخْتَصَرٍ صُنِّفَ فِي فِقْهِ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ وَضَعُوا لَهُ شُرُوحًا وَأَحْسَنُهَا التَّبْيِينُ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ لَكِنَّهُ قَدْ أَطَالَ مِنْ ذِكْرِ الْخِلَافِيَّاتِ وَلَمْ يُفْصِحْ عَنْ مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ وَقَدْ كُنْت مُشْتَغِلًا بِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ حَالِي مُعْتَنِيًا بِمَفْهُومَاتِهِ فَأَحْبَبْت أَنْ أَضَعَ عَلَيْهِ شَرْحًا يُفْصِحُ عَنْ مَنْطُوقِهِ وَمَفْهُومِهِ وَيَرُدُّ فُرُوعَ الْفَتَاوَى وَالشُّرُوحَ إلَيْهَا مَعَ تَفَارِيعَ كَثِيرَةٍ وَتَحْرِيرَاتٍ شَرِيفَةٍ وَهَا أَنَا أُبَيِّنُ لَك الْكُتُبَ الَّتِي أَخَذْت مِنْهَا مِنْ شُرُوحٍ وَفَتَاوَى وَغَيْرِهِمَا فَمِنْ الشُّرُوحِ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ وَشَرْحُهُ لِلْبُرْهَانِيِّ وَالْمَبْسُوطُ وَشَرْحُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَشَرْحُ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ لِلْإِمَامِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَالْهِدَايَةُ وَشُرُوحُهَا مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ وَمِعْرَاجُ الدِّرَايَةِ وَالْخَبَّازِيَّةُ وَفَتْحُ الْقَدِيرِ وَالْكَافِي شَرْحُ الْوَافِي وَالتَّبْيِينُ وَالسِّرَاجُ الْوَهَّاجُ وَالْجَوْهَرَةُ وَالْمُجْتَبَى

ــ

[منحة الخالق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَعَزَّ الْعِلْمَ فِي الْأَعْصَارِ وَأَعْلَى حِزْبَهُ فِي الْأَمْصَارِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ الْمُخْتَصِّ بِهَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَعَلَى آلِهِ الَّذِينَ فَازُوا مِنْهُ بِحَظٍّ جَسِيمٍ قَالَ مَوْلَانَا الْحَبْرُ النِّحْرِيرُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالْبَنَانِ فِي التَّقْرِيرِ وَالتَّحْرِيرِ كَاشِفُ الْمُشْكِلَاتِ وَالْمُعْضِلَاتِ مُبَيِّنُ الْكِنَايَاتِ وَالْإِرْشَادَاتِ مَنْبَعُ الْعُلَى عِلْمُ الْهُدَى أَفْضَلُ الْوَرَى حَافِظُ الْحَقِّ وَالْمِلَّةِ وَالدِّينِ شَمْسُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَارِثٌ لِعُلُومِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَبُو الْبَرَكَاتِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّسَفِيُّ لَمَّا رَأَيْت الْهِمَمَ مَائِلَةً إلَى الْمُخْتَصَرَاتِ وَالطِّبَاعَ رَاغِبَةً عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ أَرَدْت أَنْ أُلَخِّصَ الْوَفِيَّ بِذِكْرِ مَا عَمَّ وُقُوعُهُ وَكَثُرَ وُجُودُهُ لِتَكْثُرَ فَائِدَتُهُ وَتَتَوَفَّرَ عَائِدَتُهُ فَشَرَعْت فِيهِ بَعْدَ الْتِمَاسِ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الْأَفَاضِلِ وَأَفَاضِلِ الْأَعْيَانِ الَّذِينَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْسَانِ لِلْعَيْنِ وَالْعَيْنِ لِلْإِنْسَانِ مَعَ مَا بِي مِنْ الْعَوَائِقِ (وَسَمَّيْته) بِكَنْزِ الدَّقَائِقِ، وَهُوَ، وَإِنْ خَلَا عَنْ الْعَوِيصَاتِ وَالْمُعْضِلَاتِ فَقَدْ تَحَلَّى بِمَسَائِلِ الْفَتَاوَى وَالْوَاقِعَاتِ مُعَلَّمًا بِتِلْكَ الْعَلَامَاتِ وَزِيَادَةِ الطَّاءِ لِلْإِطْلَاقَاتِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلْإِتْمَامِ وَالْمُيَسِّرُ لِلِاخْتِتَامِ

ص: 2

وَالْأَقْطَعُ وَالْيَنَابِيعِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ وَلِابْنِ الْمِلْكِ وَالْعَيْنِيِّ وَشَرْحُ الْوِقَايَةِ وَشَرْحُ النُّقَايَةِ لِلشُّمُنِّيِّ وَالْمُسْتَصْفَى وَالْمُصَفَّى وَشَرْحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ وَمِنْ الْفَتَاوَى الْمُحِيطُ وَالذَّخِيرَةُ وَالْبَدَائِعُ وَالزِّيَادَةُ لِقَاضِي خان وَفَتَاوَاهُ وَالْمَشْهُورَةُ وَالظَّهِيرِيَّةُ والولوالجية وَالْخُلَاصَةُ وَالْبَزَّازِيَّةُ وَالْوَاقِعَاتُ لِلْحِزَامِيِّ وَالْعُمْدَةُ وَالْعُدَّةُ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَمَآلُ الْفَتَاوَى وَمُلْتَقَطُ الْفَتَاوَى وَحِيرَةُ الْفُقَهَاءِ وَالْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَالْقُنْيَةُ وَالسِّرَاجِيَّةُ وَالْقَاسِمِيَّةُ وَالتَّجْنِيسُ وَالْعَلَّامَةُ وَتَصْحِيحُ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مَعَ مُرَاجَعَةِ كُتُبِ الْأُصُولِ وَاللُّغَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَنْ تَرَدَّدَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْته فِي هَذَا الشَّرْحِ فَلْيَرْجِعْ إلَى هَذِهِ الْكُتُبِ (وَسَمَّيْته بِالْبَحْرِ الرَّائِقِ شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ) وَأَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَ بِهِ كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ وَأَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يُثِيبَنَا عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ بِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ تَعْرِيفِهِ لِمَا فِي الْبَدِيعِ لِابْنِ السَّاعَاتِيِّ حَقٌّ عَلَى مَنْ حَاوَلَ عِلْمًا أَنْ يَتَصَوَّرَهُ بِحَدِّهِ أَوْ رَسْمِهِ وَيُعَرِّفَ مَوْضُوعَهُ وَغَايَتَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ قَالُوا لِيَكُونَ الطَّالِبُ لَهُ عَلَى بَصِيرَةٍ.

فَالْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ وَتَقُولُ مِنْهُ فَقِهَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ وَفُلَانٌ لَا يَفْقَهُ وَأَفْقَهْتُك الشَّيْءَ ثُمَّ خُصَّ بِهِ عِلْمُ الشَّرِيعَةِ وَالْعَالِمُ بِهِ فَقِيهٌ وَفَقُهَ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً وَفَقَّهَهُ اللَّهُ وَتَفَقَّهَ إذَا تَعَاطَى ذَلِكَ وَفَاقَهْتُهُ إذَا بَاحَثْته فِي الْعِلْمِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْفِقْهَ اللُّغَوِيَّ مَكْسُورُ الْقَافِ فِي الْمَاضِي وَالِاصْطِلَاحِيَّ مَضْمُومُهُمَا فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ وَفِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ ثُمَّ خُصَّ بِعِلْمِ الشَّرِيعَةِ وَفَقِهَ بِالْكَسْرِ مَعْنَى الشَّيْءِ فِقْهًا وَفَقَهًا وَفِقْهَانًا إذَا عَلِمَهُ وَفَقُهَ بِالضَّمِّ فَقَاهَةً إذَا صَارَ فَقِيهًا اهـ.

وَفِي الْمُغْرِبِ فَقِهَ الْمَعْنَى فَهِمَهُ وَأَفْهَمَهُ غَيْرَهُ اهـ.

وَاصْطِلَاحًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ النَّسَفِيُّ فِي شَرْحِ الْمَنَارِ تَبَعًا لِلْأُصُولِيِّينَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ أَطْلَقُوا الْعِلْمَ عَلَى الْفِقْهِ مَعَ كَوْنِهِ ظَنِّيًّا؛ لِأَنَّ أَدِلَّتَهُ ظَنِّيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ظَنُّ

ــ

[منحة الخالق]

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَيَّنَ نُحُورَ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِعُقُودِ شَرِيعَتِهِ الشَّرِيفَةِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْمَرْضِيَّةِ وَقَيَّضَ لَهَا عِبَادًا غَاصُوا فِي بَحْرِ رَقَائِقِهَا فَاسْتَخْرَجُوا مَكْنُونَ كَنْزِ دَقَائِقِهَا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ هُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي هَذَا الْمَدَدِ وَالْوَسِيلَةُ الْعُظْمَى لِكُلِّ أَحَدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِ وَأَحْزَابِهِ ذَوِي الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ مَنْ رَقَوْا فِي مِعْرَاجِ الدَّارِيَةِ لِإِيضَاحِ طُرُقِ الْهِدَايَةِ إلَى غَايَةِ الْبَيَانِ (وَبَعْدُ) فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ أَمِينٌ الْمُكَنَّى بِابْنِ عَابِدِينَ غَفَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذُنُوبَهُ وَمَلَأَ مِنْ زُلَالِ الْعَفْوِ ذَنُوبَهُ. آمِينَ هَذِهِ حَوَاشٍ جَعَلْتهَا سِلْكًا لِدُرَرِ الْبَحْرِ الرَّائِقِ شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ فَبَدَتْ عُقُودَ الْجِيدِ لِمَنْ هُوَ إلَى جَيِّدِ مَعَانِيهِ مُسَارِعٌ وَمُسَابِقٌ عَلَّقْتهَا أَوَّلًا عَلَى هَامِشِ صَفَحَاتِهِ ثُمَّ جَمَعْتهَا هُنَا لِتَكُونَ تَذْكِرَةً لِلْعَبْدِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَتَحْت بِهَا مُقْفَلَهُ وَحَلَلْت بِهَا مُعْضِلَهُ وَلَسْت أَتَعَرَّضُ فِيهَا غَالِبًا إلَّا لِمَا فِيهِ إيضَاحٌ أَوْ تَقْوِيَةٌ أَوْ لِمَا فِيهِ بَحْثٌ أَوْ إشْكَالٌ بِعِبَارَاتٍ تَفُكُّ الْأَسْرَ وَتُحِلُّ الْعِقَالَ، وَإِذْ هُوَ مَشْحُونٌ بِالْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْأَدِلَّةِ الْأُصُولِيَّةِ فَهُوَ غَنِيٌّ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الزِّيَادَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا فِي ذِكْرِهِ عَظِيمُ إفَادَةٍ ضَامًّا إلَى ذَلِكَ بَعْضَ أَبْحَاثٍ أَوْرَدَهَا فِي النَّهْرِ الْفَائِقِ الْفَاضِلُ الْمُحَقِّقُ الشَّيْخُ عُمَرُ عَلَى أَخِيهِ الشَّيْخِ الْفَقِيهِ النَّبِيهِ الْعَلَّامَةِ زَيْنَ بْنَ نُجَيْمٍ سَدِيدِ الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ وَبَعْضِ مَا كَتَبَهُ عَلَى هَذَا الْكِتَابِ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ الْمُفْتِي الْحَنَفِيُّ تَارِكًا لِمَا وَجْهُهُ عَلَيَّ قَدْ خَفِيَ وَأَرْجُو مِمَّنْ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْعُجَالَةِ أَنْ يَجْعَلَ عَثَرَاتِي مُقَالَةً، فَإِنَّ بِضَاعَتِي قَلِيلَةٌ وَفِكْرَتِي كَلِيلَةٌ وَسَمَّيْت ذَلِكَ بِمِنْحَةِ الْخَالِقِ عَلَى الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَأَسْأَلُهُ سبحانه وتعالى مُتَوَسِّلًا إلَيْهِ بِمَنْ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ تَتَوَالَى أَنْ يُلْهِمَنِي الصَّوَابَ وَأَنْ يَسْلُكَ بِي سَبِيلَ السَّدَادِ وَأَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ مُوجِبًا لِلْفَوْزِ الْعَظِيمِ نَافِعًا بِهِ جُلَّ الْعِبَادِ وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَشْيَاخِي بِالْعَفْوِ التَّامِّ وَكَمَا أَحْسَنَ لِي الْمَبْدَأَ يُحْسِنُ لِي الْخِتَامَ بِحُرْمَةِ نَبِيِّهِ عليه الصلاة والسلام.

(قَوْلُهُ: فَالْفِقْهُ لُغَةً الْفَهْمُ) أَقُولُ: وَفِي تَحْرِيرِ الدَّلَالَاتِ السَّمْعِيَّةِ لِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَسْعُودٍ نَقْلًا عَنْ التَّنْقِيحِ الْفِقْهُ لُغَةً هُوَ الْفَهْمُ وَالْعِلْمُ وَفِي الِاصْطِلَاحِ هُوَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَلِمِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ وَيُقَالُ فَقِهَ بِكَسْرِ الْقَافِ إذَا فَهِمَ وَبِفَتْحِهَا إذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إلَى الْفَهْمِ وَبِضَمِّهَا إذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً. اهـ. رَمْلِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَاصْطِلَاحًا إلَخْ) الِاصْطِلَاحُ لُغَةً الِاتِّفَاقُ وَاصْطِلَاحًا اتِّفَاقُ طَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى إخْرَاجِ الشَّيْءِ عَنْ مَعْنَاهُ إلَى مَعْنًى آخَرَ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ الْعَمَلِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ زِيَادَةِ بَعْضِ الْكَتَبَةِ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي، وَقَوْلُهُ وَمِنْ أَدِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ إلَخْ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ أَدِلَّتَهُ ظَنِّيَّةٌ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ وَمَا ثَبَتَ بِهِ قَطْعِيَّانِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعْبِيرَ فِيهَا بِالظَّنِّ تَغْلِيبٌ أَوْ بِأَنَّ قَطْعِيَّتَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ صَدَرَ عَنْهُ مِنْ الْمُجْمِعِينَ فَهُوَ ظَنِّيٌّ مُسْتَنِدٌ إلَى إمَارَةٍ وَفِي حَوَاشِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيِّ قَالَ السَّيِّدُ بَعْدَ كَلَامٍ أَوْرَدَهُ يَلْزَمُ مِمَّا ذُكِرَ أَنْ تَكُونَ الْأَحْكَامُ الْمَعْلُومَةُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ أَيْ الْقَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَالثُّبُوتِ كَمَا أَفْصَحَ بِهِ بَعْضُهُمْ خَارِجَةً عَنْ الْفِقْهِ فَإَمَّا أَنْ يُخْتَارَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ اللَّفْظِيَّةَ لَا تُفِيدُ إلَّا ظَنًّا كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَكَذَا مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ كُلُّ مَا عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ مِنْ الْأَحْكَامِ فَهُوَ مِمَّا عُلِمَ

ص: 3

الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى مُقَلِّدِيهِ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ كَانَ لِقُوَّتِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ قَرِيبًا مِنْ الْعِلْمِ فَعُبِّرَ بِهِ عَنْهُ تَجَوُّزًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِيهِ ارْتِكَابَ مَجَازٍ دُونَ قَرِينَةٍ فَالْأَوْلَى مَا فِي التَّحْرِيرِ مِنْ ذِكْرِ التَّصْدِيقِ الشَّامِلِ لِلْعِلْمِ وَالظَّنِّ بَدَلَ الْعِلْمِ، وَالْأَحْكَامُ جَمْعٌ مُحَلًّى بِاللَّامِ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ أَوْ عَلَى الْجِنْسِ الْمُتَنَاوِلِ لِلْكُلِّ وَالْبَعْضِ الَّذِي أَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْكَامِ الْمَجْمُوعُ وَمَعْنَى الْعِلْمِ بِهَا التَّهَيُّؤُ لِذَلِكَ وَرَدَّهُ فِي التَّوْضِيحِ بِأَنَّ التَّهَيُّؤَ الْبَعِيدَ حَاصِلٌ لِغَيْرِ الْفِقْهِ وَالْقَرِيبُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ إذْ لَا يُعْرَفُ أَيُّ قَدْرٍ مِنْ الِاسْتِعْدَادِ يُقَالُ لَهُ التَّهَيُّؤُ الْقَرِيبُ.

وَأَجَابَ عَنْهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ مَضْبُوطٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَةٌ يُقْتَدَرُ بِهَا عَلَى إدْرَاكِ جُزْئِيَّاتِ الْأَحْكَامِ وَإِطْلَاقُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا شَائِعٌ وَفِي التَّحْرِيرِ وَالْمُرَادُ بِالْمَلَكَةِ أَدْنَى مَا تَتَحَقَّقُ بِهِ الْأَهْلِيَّةُ، وَهُوَ مَضْبُوطٌ اهـ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ مِنْ الْحُكْمِ هُنَا فَاخْتَارَ السَّيِّدُ فِي حَاشِيَتِهِ أَنَّهُ التَّصْدِيقُ وَرَدَّهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ عِلْمٌ؛ لِأَنَّهُ إدْرَاكُ أَنَّ النِّسْبَةَ وَاقِعَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِوَاقِعَةٍ فَيَقْتَضِي أَنَّ الْفِقْهَ عِلْمٌ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الَّتِي الْعِلْمُ بِهَا تَصْدِيقٌ وَبِغَيْرِهَا تَصَوُّرٌ اهـ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ مِنْ التَّصْدِيقِ الْقَضِيَّةُ صَرَّحَ الْمَوْلَى سَعْدٌ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ بِأَنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْإِدْرَاكِ يُطْلَقُ عَلَى الْقَضِيَّةِ وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالْحُكْمِ هُنَا خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلَّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ اقْتِضَاءً أَوْ تَخْيِيرًا؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ ذِكْرُ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ تَكْرَارًا وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْأَحْكَامِ الْعِلْمُ بِالذَّوَاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَحْكَامُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْعَقْلِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْعَالَمَ حَادِثٌ أَوْ مِنْ الْحِسِّ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ النَّارَ مُحْرِقَةٌ أَوْ مِنْ الْوَضْعِ وَالِاصْطِلَاحِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الْفَاعِلَ مَرْفُوعٌ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي مِثْلِ قَوْلِنَا النَّارُ مُحْرِقَةٌ لَيْسَ عَقْلِيًّا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ الْعَقْلِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي الْحَوَاسِّ إنَّمَا هُوَ لِلْعَقْلِ بِوَاسِطَةِ الْحَوَاسِّ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ كَكَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً وَالْإِيمَانِ وَاجِبًا؛ وَلِذَا لَمْ يَكُنْ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ

ــ

[منحة الخالق]

مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَحْصُولِ بِخُرُوجِ مِثْلِهِ عَنْهُ اهـ.

وَجَزَمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ مَا عُلِمَ مِنْ الْأَحْكَامِ ضَرُورَةً مِنْ الدِّينِ اهـ.

أَيْ خُرُوجُهَا عَنْ الْفِقْهِ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الشَّارِحِ الْآتِي حَيْثُ قَالَ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الشَّرْعِيَّةِ الْأَحْكَامُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الْعَقْلِ إلَخْ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ وَبَحَثَ فِيهِ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً بِمَعْنَى حُصُولِهَا بِلَا دَلِيلٍ، فَإِنَّ الْمُجْتَهِدِينَ قَدْ اسْتَنْبَطُوهَا وَحَصَّلُوهَا فِي أَصْلِهَا عَنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ كَوُجُوبِ الصَّلَاةِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام: 72] بَلْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ ضَرُورِيَّةٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا اُشْتُهِرَتْ حَتَّى عُدَّتْ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ فَلَا يَخْرُجُ مَا عُلِمَ مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِقَوْلِهِ عَنْ أَدِلَّتِهَا. اهـ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا تَتِمَّةٌ فَتَبَصَّرْ.

(قَوْلُهُ: فَالْأُولَى مَا فِي التَّحْرِيرِ مِنْ ذِكْرِ التَّصْدِيقِ الشَّامِلِ لِلْعِلْمِ وَالظَّنِّ) أَيْ بِنَاءً عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَنْطِقِيِّينَ إيَّاهُ مُرَادًا بِهِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُمْ قَسَّمُوا الْعِلْمَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمَّ إلَى التَّصَوُّرِ وَالتَّصْدِيقِ تَقْسِيمًا حَاصِرًا، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مُرَادَ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ بَلْ مُرَادُهُ بِهِ الْإِدْرَاكُ الْقَطْعِيُّ سَوَاءٌ كَانَ ضَرُورِيًّا أَوْ نَظَرِيًّا صَوَابًا أَوْ خَطَأً فَالتَّصْدِيقُ كَمَا قَالَ شَارِحُهُ: ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ جِنْسٌ لِسَائِرِ الْإِدْرَاكَاتِ الْقَطْعِيَّةِ بِنَاءً عَلَى اشْتِهَارِ اخْتِصَاصِ التَّصْدِيقِ بِالْحُكْمِ الْقَطْعِيِّ كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْإِيمَانِ بِالتَّصْدِيقِ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ.

فَهُوَ غَيْرُ مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْمَنَاطِقَةُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ صَرَّحَ بَعْدَهُ بِأَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَظْنُونَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفِقْهِ إلَّا عَلَى الِاصْطِلَاحِ بِأَنَّهُ كُلَّهُ ظَنِّيٌّ أَوْ الِاصْطِلَاحِ بِأَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ وَمِنْهُ مَا هُوَ ظَنِّيٌّ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ هَذَانِ وَمَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ قَالَ شَارِحُهُ بَعْدَ كَلَامٍ بَقِيَ الشَّأْنُ فِي أَيِّ الِاصْطِلَاحَاتِ مِنْ هَذِهِ أَحْسَنُ أَوْ مُتَعَيِّنٌ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مُتَعَيَّنٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَقِيهِ الْمُجْتَهِدُ وَأَنَّ الثَّالِثَ أَحْسَنُ إذَا كَانَ مَوْضُوعًا بِإِزَاءِ الْمُدْرَكِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ وَبِهِ ظَهَرَ مَا فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مِنْ عَزْوِهِ مَا ذُكِرَ لِلتَّحْرِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى نِحْرِيرٍ (قَوْلُهُ: وَأَجَابَ عَنْهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ إلَخْ) أَقُولُ: هُوَ كَذَلِكَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْعَلَّامَةِ جَلَالِ الدِّينِ الْمَحَلِّيِّ وَقَدْ بَسَطَ السُّؤَالَ وَالْجَوَابَ مُحَشِّيهِ الْكَمَالُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ (قَوْلُهُ: وَالْمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُرَادُ بِالْحُكْمِ هُنَا خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: بَلْ الْمُرَادُ النِّسْبَةُ التَّامَّةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الَّتِي الْعِلْمُ بِهَا تَصْدِيقٌ وَبِغَيْرِهَا تَصَوُّرٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذَلِكَ عَلَى هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ: وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ الِاعْتِقَادِيَّةُ إلَخْ) .

اعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْجَلَالَ الْمَحَلِّيَّ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ حَيْثُ قَالَ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْعَمَلِيَّةِ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ أَيْ الِاعْتِقَادِيَّةِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يُرَى فِي الْآخِرَةِ وَزَادَ الشَّارِحُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَلِابْنِ قَاسِمٍ هُنَا كَلَامٌ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ مُلَخَّصًا مَعَ بَعْضِ زِيَادَاتٍ تُشِيرُ إلَى كَلَامِ الشَّارِحِ فَنَقُولُ: اعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِقَادَ إدْرَاكٌ وَالْحَقُّ فِي الْإِدْرَاكِ أَنَّهُ انْفِعَالٌ أَوْ كَيْفٌ لَا فِعْلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِعْلًا فَلَا يَكُونُ عَمَلًا إلَّا عَلَى سَبِيلِ التَّجَوُّزِ أَوْ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ وَيُعَدُّ فِعْلًا عُرْفًا فَيُقَالُ صَدَقَ وَأَدْرَكَ وَعَلِمَ وَنَحْوُ ذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالِاعْتِقَادُ مِثْلُ اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى

ص: 4

وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا اُشْتُهِرَ كَوْنُهُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْعَمَلِ عَمَلُ الْجَوَارِحِ فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ إذْ يَخْرُجُ عَنْهُ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ وَتَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَالْحَسَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَعُمُّ عَمَلَ الْقَلْبِ وَعَمَلَ الْجَوَارِحِ فَالتَّعْرِيفُ غَيْرُ مَانِعٍ إذْ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الِاعْتِقَادِيَّاتِ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الدِّينِ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِاخْتِيَارِ الشِّقِّ الثَّانِي، وَلَا تَدْخُلُ الِاعْتِقَادَاتُ إذْ الْمُرَادُ بِالْعِلْمِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ فَالتَّعَلُّقُ فِي النِّيَّةِ وَنَحْوِهَا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ وَالتَّعَلُّقُ فِي الِاعْتِقَادَاتِ بِحُصُولِ الْعِلْمِ وَتَحْقِيقُ الْفَرْقِ بَيْنَ فِعْلِ الْقَلْبِ كَقَصْدِهِ إلَى الشَّيْءِ أَوْ تَمَنِّيه حُصُولَ الشَّيْءِ وَزَوَالَهُ وَبَيْنَ التَّصْدِيقِ الْقَائِمِ بِالْقَلْبِ الَّذِي هُوَ تَجَلٍّ وَانْكِشَافٌ يَحْصُلُ عَقِبَ قِيَامِ الدَّلِيلِ لَا فِعْلٌ لِلنَّفْسِ هُوَ أَنَّ الْقَصْدَ نَوْعٌ مِنْ الْإِرَادَةِ وَالتَّصْدِيقَ نَوْعٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالْوُجْدَانُ كَافٍ فِي الْفَرْقِ نَعَمْ يُعْتَبَرُ فِي الْإِيمَانِ مَعَ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ التَّجَلِّي وَالِانْكِشَافُ إذْعَانٌ وَاسْتِسْلَامٌ بِالْقَلْبِ لِقَبُولِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَتَسْمِيَةُ التَّصْدِيقِ الَّذِي هُوَ الِاعْتِقَادُ فِعْلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَقَدْ عَدَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ ذِكْرِ الْعَمَلِيَّةِ إلَى الْفَرْعِيَّةِ، فَلَمْ يَتَوَجَّهْ الْإِيرَادُ أَصْلًا، وَقَوْلُهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْعِلْمِ أَيْ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَبِهِ خَرَجَ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْأَحْكَامِ إذْ لَوْ تَعَلَّقَ بِهَا لَمْ يَخْرُجْ عِلْمُ الْمُقَلَّدِ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِالْأَحْكَامِ الْحَاصِلَةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمُ الْمُقَلِّدِ حَاصِلًا عَنْ الْأَدِلَّةِ، وَمَعْنَى حُصُولِ الْعِلْمِ مِنْ الدَّلِيلِ أَنَّهُ يَنْظُرُ فِي الدَّلِيلِ فَيَعْلَمُ مِنْهُ الْحُكْمَ، فَعِلْمُ الْمُقَلِّدِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى قَوْلِ الْمُجْتَهِدِ الْمُسْتَنِدِ إلَى عِلْمِهِ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلِ الْحُكْمِ لَكِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ أَدِلَّتِهَا لِلْبَيَانِ لَا لِلِاحْتِرَازِ إذْ لَا اكْتِسَابَ إلَّا مِنْ دَلِيلٍ اهـ.

وَاخْتُلِفَ فِي قَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ، فَذَكَرَ

ــ

[منحة الخالق]

يُرَى فِي الْآخِرَةِ تَارَةً يُنْظَرُ فِيهِ فِي نَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ خَارِجًا عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ بِقَوْلِهِ: الْعَمَلِيَّةُ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي تَبَعًا لِلْمَحَلِّيِّ؛ لِأَنَّ هَذَا الِاعْتِقَادَ، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ هُوَ ثُبُوتُ الْوُجُودِ لِلْجَنَّةِ لَكِنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُودَ كَيْفِيَّةٌ لِلْجَنَّةِ وَالْجَنَّةُ لَيْسَتْ عَمَلًا وَأَيْضًا الْمُرَادُ بِالْكَيْفِيَّةِ الْوُجُوبُ وَالْحُرْمَةُ وَغَيْرُهُمَا بِخِلَافِ الْوُجُودِ وَنَحْوِهِ وَقِسْ الْبَاقِيَ وَتَسْمِيَةُ هَذَا الْحُكْمِ اعْتِقَادِيًّا كَمَا أَفَادَهُ الشَّارِحُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ النِّسْبَةَ فِي قَوْلِنَا اللَّهُ تَعَالَى يُرَى فِي الْآخِرَةِ لَيْسَ مُتَعَلَّقُهَا اعْتِقَادًا بَلْ مُتَعَلِّقُهَا الرُّؤْيَةُ الَّتِي هِيَ الْمَحْمُولُ، وَلَيْسَتْ اعْتِقَادًا وَكَذَا الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ وَالْإِيمَانُ وَاجِبٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ أَمْرًا الْغَرَضُ اعْتِقَادُهُ فَمَعْنَى كَوْنِهِ اعْتِقَادِيًّا أَنَّهُ أَمْرٌ يُعْتَقَدُ، وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَلَى مَا قَرَّرْنَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي حَدِّ الْفِقْهِ، وَلَا يَكُونُ خَارِجًا بِالِاعْتِقَادِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ وَتَارَةً يُنْظَرُ فِيهِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ الْمُتَعَلِّقِ بِكَيْفِيَّتِهِ، فَإِنَّ اعْتِقَادًا أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ مَثَلًا لَهُ كَيْفِيَّةٌ هِيَ الْوُجُوبُ وَالْحُكْمُ الْمُتَعَلِّقُ بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ هُوَ ثُبُوتُ الْوُجُوبِ لِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ فَالْعِلْمُ بِثُبُوتِ وُجُوبِ اعْتِقَادِ أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ اعْتِقَادِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ اعْتِقَادٍ، فَإِنَّهُ عِلْمٌ بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ لِذَلِكَ الِاعْتِقَادِ، وَذَلِكَ الثُّبُوتُ حُكْمٌ شَرْعِيُّ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْعِ وَذَلِكَ الْوُجُوبُ كَيْفِيَّةٌ لِاعْتِقَادٍ، وَهُوَ اعْتِقَادُ أَنَّ الْجَنَّةَ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ، فَإِنْ أُرِيدَ بِالْعَمَلِ فِي قَوْلِهِمْ الْعَمَلِيَّةُ مَا يَشْمَلُ الِاعْتِقَادَ وَلَوْ بِمُسَامَحَةٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَيْ كَلَامِ الشَّارِحِ الْآتِي دَخَلَ فِي الْفِقْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ مِثْلِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَخَرَجَ عَنْهُ نَفْسُ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ إذْ لَيْسَتْ عِلْمًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ عَمَلِيٍّ أَيْ مُتَعَلِّقٍ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ إذْ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ الَّتِي هِيَ مُتَعَلَّقُ تِلْكَ الِاعْتِقَادَاتِ مُتَعَلِّقَةً بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَمَّا الْعِلْمُ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَعَلَى كُلٍّ يَكُونُ دَاخِلًا غَيْرَ خَارِجٍ كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَا يَكُونُ عَمَلًا وَفِعْلًا حَقِيقَةً خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ الْعِلْمُ بِوُجُوبِ مِثْلِ هَذِهِ الِاعْتِقَادَاتِ أَيْضًا إذْ لَيْسَ الْحُكْمُ فِيهَا حِينَئِذٍ عَمَلِيًّا أَيْ مُتَعَلِّقًا بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ إذْ صَاحِبُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ، وَهُوَ الِاعْتِقَادُ لَيْسَ عَمَلًا وَلَا يَخْرُجُ نَحْوُ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ لِظُهُورِ أَنَّ صَاحِبَ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْوُجُوبُ، وَهُوَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ فِعْلٌ وَعَمَلٌ لَكِنْ يُنَافِي هَذَا الْوَجْهَ مَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ نَحْوُ تَحْرِيمِ ظَنِّ السُّوءِ بِالْغَيْرِ بِلَا مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِهِ مِنْ الْفِقْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَعَ أَنَّ الظَّنَّ لَيْسَ مِنْ الْعَمَلِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ اهـ مُلَخَّصًا مَعَ بَعْضِ زِيَادَاتٍ مُنَاسِبَةٍ لِلْمَقَامِ فَلْيُمْعِنْ النَّظَرَ ذَوُو الْأَفْهَامِ.

وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ مِنْ هَذَا عَدَمُ خُرُوجِ الْعِلْمِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ بِمَا ذَكَرَهُ عَلَى الِاحْتِمَالَاتِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ بَقِيَّةِ الضَّرُورِيَّاتِ فَيَحْتَاجُ إلَى الْعِنَايَةِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ إخْرَاجُ أَكْثَرِ عِلْمِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْأَعْمَالِ عَنْ حَدِّ الْفِقْهِ، فَإِنَّهُ ضَرُورِيٌّ لَهُمْ لِتَلَقِّيهِمْ إيَّاهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِسًّا وَمِنْ الْمَعْلُومِ بَعْدَ هَذَا فَكَذَا مَا يُفْضِي إلَيْهِ، وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْعَلَّامَةُ النِّحْرِيرُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ سَابِقًا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ

ص: 5

جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُحَقِّقُ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِوُجُوبِ الشَّيْءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ وَغَلَّطَهُمْ الْمُحَقِّقُ فِي التَّحْرِيرِ بِقَوْلِهِ وَقَوْلُهُمْ التَّفْصِيلِيَّةُ تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ وَإِخْرَاجُ الْخِلَافِيِّ بِهِ غَلَطٌ وَوَضَّحَهُ الْكَمَالُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا قُلْنَا إنَّ الْخِلَافِيَّ يَسْتَفِيدُ عِلْمًا بِثُبُوتِ الْوُجُوبِ أَوْ انْتِفَائِهِ مِنْ مُجَرَّدِ تَسْلِيمِهِ مِنْ الْفِقْهِ وُجُودَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي إجْمَالًا وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ حِفْظُهُ عَنْ إبْطَالِ الْخَصْمِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ عِلْمًا وَلَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ الْمَذْكُورُ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الْمُقْتَضِي أَوْ النَّافِي فَيَكُونُ هُوَ الدَّلِيلَ الْمُسْتَفَادَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ كَانَ فَقِيهًا فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ إخْرَاجًا لِعِلْمِ الْخِلَافِيِّ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِلَازِمٍ اهـ.

وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَيْدِ الِاسْتِدْلَالِ فَذَهَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ إلَى أَنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِلْمِ الْحَاصِلِ بِالضَّرُورَةِ كَعِلْمِ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَحَقَّقَ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْعِلْمِ عَنْ الدَّلِيلِ مُشْعِرٌ بِالِاسْتِدْلَالِ إذْ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ مَأْخُوذًا مِنْ الدَّلِيلِ فَخَرَجَ مَا كَانَ بِالضَّرُورَةِ بِقَوْلِهِ مِنْ أَدِلَّتِهَا فَهُوَ لِلتَّصْرِيحِ بِمَا عُلِمَ الْتِزَامًا أَوْ لِدَفْعِ الْوَهْمِ أَوْ لِلْبَيَانِ دُونَ الِاحْتِرَازِ وَمِثْلُهُ شَائِعٌ فِي التَّعْرِيفَاتِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ عِلْمَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِضَرُورَةٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ فَلَوْ قَالَ إنَّهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعِلْمِ الَّذِي لَمْ يَحْصُلْ بِالِاسْتِدْلَالِ لَكَانَ مُخْرِجًا لِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِي عِلْمِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام الْحَاصِلِ عَنْ اجْتِهَادٍ هَلْ يُسَمَّى فِقْهًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ لِلْحُكْمِ لَا يُسَمَّى فِقْهًا وَبِاعْتِبَارِ حُصُولِهِ عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى فِقْهًا اصْطِلَاحًا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِنَا الْفِقْهُ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ عَنْ أَدِلَّتِهَا وَيَصِحُّ تَعْرِيفُهُ بِنَفْسِ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فِي حَوَاشِيهِ أَنَّ أَسْمَاءَ الْعُلُومِ كَالْأُصُولِ وَالْفِقْهِ وَالنَّحْوِ يُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهَا تَارَةً بِإِزَاءِ مَعْلُومَاتٍ مَخْصُوصَةٍ كَقَوْلِنَا زَيْدٌ يَعْلَمُ النَّحْوَ أَيْ يَعْلَمُ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَتَارَةً بِإِزَاءِ إدْرَاكِ تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ وَهَكَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَعَرَّفَهُ فِي التَّقْوِيمِ بِأَنَّهُ اسْمٌ لِضَرْبِ عِلْمٍ أُصِيبَ بِاسْتِنْبَاطِ الْمَعْنَى وَضِدُّ الْفَقِيهِ صَاحِبُ الظَّاهِرِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِظَاهِرِ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِي مَعَانِيهَا وَلَا يَرَى الْقِيَاسَ حُجَّةً اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ لَهُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَبْ بِالِاسْتِنْبَاطِ، وَهُوَ بَعِيدٌ؛ وَلِذَا أَطْلَقُوا فِي قَوْلِهِمْ مِنْ أَدِلَّتِهَا لِيَشْمَلَ الْقِيَاسَ وَغَيْرَهُ مِنْ الدَّلَائِلِ الْأَرْبَعَةِ وَعَرَّفَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ بِأَنَّهُ مَعْرِفَةُ النَّفْسِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا لَكِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الِاعْتِقَادِيَّاتِ كَوُجُوبِ الْإِيمَانِ وَالْوِجْدَانِيَّات أَيْ الْأَخْلَاقَ الْبَاطِنَةَ وَالْمَلَكَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّاتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْبَيْعِ فَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ عِلْمُ الْكَلَامِ وَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْوِجْدَانِيَّاتِ هِيَ عِلْمُ الْأَخْلَاقِ وَالتَّصَوُّفِ كَالزُّهْدِ وَالصَّبْرِ وَالرِّضَا وَحُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعْرِفَةُ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا مِنْ الْعَمَلِيَّاتِ هِيَ الْفِقْهُ الْمُصْطَلَحُ، فَإِنْ أَرَدْت بِالْفِقْهِ هَذَا الْمُصْطَلَحَ زِدْت عَمَلًا عَلَى قَوْلِهِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا، وَإِنْ أَرَدْت عِلْمَ مَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ لَمْ تَزِدْ وَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه إنَّمَا لَمْ يَزِدْ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ الشُّمُولَ أَيْ أَطْلَقَ الْعِلْمَ عَلَى الْعِلْمِ بِمَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الِاعْتِقَادِيَّاتِ أَوْ الْوِجْدَانِيَّاتِ أَوْ الْعَمَلِيَّاتِ وَمِنْ ثَمَّ سَمَّى الْكَلَامَ فِقْهًا أَكْبَرَ كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ خُسْرو أَنَّ الْمَلَكَاتِ النَّفْسَانِيَّةَ لَيْسَتْ مِنْ الْفِقْهِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ آثَارِهَا التَّابِعَةِ لَهَا مِنْ أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ فَهِيَ مِنْ الْفِقْهِ اهـ.

هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى الْفِقْهِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَأَمَّا مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ لَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ فَمَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ أَصْحَابُ الْفَتَاوَى فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَمِنْهُمْ الْوَلْوَالِجِيُّ بِقَوْلِهِ هَلْ رَأَيْت فَقِيهًا قَطُّ إنَّمَا الْفَقِيهُ الْمُعْرِضُ عَنْ الدُّنْيَا الزَّاهِدُ فِي الْآخِرَةِ الْبَصِيرُ بِعُيُوبِ نَفْسِهِ وَأَمَّا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عِلْمِ الْخِلَافِيِّ) هُوَ الْمَرْءُ الْمَنْسُوبُ إلَى عِلْمِ الْخِلَافِ يَعْنِي الْجَدَلَ، وَهُوَ الْعَارِفُ بِآدَابِ الْبَحْثِ قَالَ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَخَرَجَ بِقَيْدِ التَّفْصِيلِيَّةِ الْعِلْمُ بِذَلِكَ الْمُكْتَسِبِ لِلْخِلَافِيِّ مِنْ الْمُقْتَضِي وَالنَّافِي الْمُثْبِتُ بِهِمَا مَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْفَقِيهِ لِيَحْفَظَهُ عَنْ إبْطَالِ خَصْمِهِ فَعِلْمُهُ مَثَلًا بِوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضَى أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ لِوُجُودِ النَّافِي لَيْسَ مِنْ الْفِقْهِ اهـ.

وَالتَّمْثِيلُ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ وَالْمُقْتَضِي فِي الْوُضُوءِ وُجُودُ الْعَمَلِ وَالنَّافِي فِي الْوِتْرِ كَوْنُهَا صَلَاةً لَا يُؤَذَّنُ لَهَا كَذَا فِي بَعْضِ حَوَاشِيه، وَالْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الدَّاخِلِ تَحْتَ حَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (قَوْلُهُ: وَوَضَّحَهُ الْكَمَالُ) يَعْنِي الْكَمَالَ بْنَ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِابْنِ السُّبْكِيّ (قَوْلُهُ: كَعِلْمِ جِبْرِيلَ وَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم) ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى عِلْمِهِمَا بِأَنَّ مَا أُوحِيَ إلَيْهِمَا هُوَ كَلَامُهُ تَعَالَى وَبِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كَذَا إلَّا الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ بِذَلِكَ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمَا عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِهِ فَهُوَ حَاصِلٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْأَدِلَّةِ لَا مُكْتَسَبٌ مِنْهَا هَذَا أَوْ قَالَ بَعْضُ: مُحَشِّي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَلَك أَنْ تَقُولَ حَيْثُ آلَ الْأَمْرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ التَّهَيُّؤُ لَزِمَ ثُبُوتُ هَذَا الْمَفْهُومِ بِأَسْرِهِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَكَذَا جِبْرِيلُ عليه السلام اهـ.

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ الْعَبَّادِيُّ: فِي حَوَاشِيهِ عَلَيْهِ بَعْدَ نَقْلِهِ لِذَلِكَ وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى قُوَّةُ هَذَا الْإِشْكَالِ (قَوْلُهُ: الزَّاهِدُ فِي الْآخِرَةِ) نَقَلَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ

ص: 6