الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا لَا عَنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ عَنْ بَوْلٍ وَغَائِطٍ» وَرُوِيَ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَرُوِيَ بِحَرْفِ النَّفْيِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ رِوَايَةُ إلَّا الِاسْتِثْنَائِيَّة وَوَقَعَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَلَكِنْ عَنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ بِأَوْ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ بِالْوَاوِ كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى سَأَلْت أُسْتَاذِي نَجْمَ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيَّ عَنْ صُورَتِهِ فَقَالَ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُدَّ خُفَّيْهِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَغْتَسِلَ وَيَمْسَحَ
وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الصُّوَرِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ.
وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَنْتَقِضُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ جُنُبًا وَتَيَمَّمَ عَادَتْ الْجَنَابَةُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا عَادَ الْحَدَثُ وَاَلَّذِي يَدُلُّك عَلَى أَنَّ الصُّورَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ تَكَلُّفٌ أَنَّهَا لَا تُنَاسِبُ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ إذْ وَضْعُهَا عَدَمُ جَوَازِ الْمَسْحِ لِلْجُنُبِ فِي الْغُسْلِ وَمَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ جَوَازِهِ فِي الْوُضُوءِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَفِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي قَوْلُهُ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ احْتِرَازًا مِنْ الْجَنَابَةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَالْحَيْضِ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ مُسَافِرَةً؛ لِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ عِنْدَهُ يَوْمَانِ وَلَيْلَتَانِ وَأَكْثَرُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَالنِّفَاسُ، فَإِنَّهُ لَا يَنُوبُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْدَاثِ عَنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ لِعَدَمِ جَعْلِ الْخُفِّ مَانِعًا مِنْ سِرَايَتِهَا إلَى الرِّجْلِ شَرْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَنَابَةِ حَدِيثُ صَفْوَانَ الْمُتَقَدِّمُ وَيُقَاسُ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فِي ذَلِكَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إجْمَاعٌ اهـ.
وَإِنَّمَا جُعِلَ الْحَيْضُ مَبْنِيًّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى عَلَى أَصْلِهِمَا، فَإِنَّهَا إذَا تَوَضَّأَتْ وَلَبِسَتْ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ أَحْدَثَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَمَسَحَتْ ثُمَّ حَاضَتْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ، فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ لِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ انْتَقَضَ الْمَسْحُ قَبْلَهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُمْنَعَ الْمَسْحُ لِأَجْلِ غُسْلِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ لِانْتِقَاضِهِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِنْ لَبِسْتهمَا فِي الْحَيْضِ فَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَاجِبٌ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْمَسْحِ، وَهُوَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ وَالْمَقْصُودُ تَصْوِيرُ الْمَسْأَلَةِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ مَانِعٌ مِنْ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ سِوَى وُجُوبِ الِاغْتِسَالِ وَصُورَةُ عَدَمِ مَسْحِ النُّفَسَاءِ أَنَّهَا لَبِسَتْ عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ نَفِسَتْ وَانْقَطَعَ قَبْلَ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ مُسَافِرَةٌ أَوْ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَهِيَ مُقِيمَةٌ.
(قَوْلُهُ: إنْ لَبِسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ وَقْتَ الْحَدَثِ) يَعْنِي الْمَسْحَ جَائِزٌ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَقْتَ الْحَدَثِ وَذِكْرُهُ التَّمَامَ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ النُّقْصَانِ الذَّاتِيِّ لَهُ كَمَا إذَا بَقِيَ لُمْعَةٌ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ طَهَارَةِ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ إذَا تَوَضَّئُوا وَلَبِسُوا مَعَ وُجُودِ الْحَدَثِ الَّذِي اُبْتُلُوا بِهِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ وَعَنْ طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ وَبِنَبِيذِ التَّمْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِتَعَيُّنِ الْوُضُوءِ بِهِ عِنْدَ وُجُودِهِ وَفَقْدِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ الطَّهُورِ، فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ لَا نَقْصَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الطَّهَارَاتِ بَلْ هِيَ مَا بَقِيَ شَرْطُهَا كَالَّتِي بِالْمَاءِ
ــ
[منحة الخالق]
تِلْكَ الْجَنَابَةِ كَمَا لَوْ غَسَلَهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَكْمَلَ الْغَسْلَ، وَإِنَّمَا حَلَّ بِهِمَا بَعْدَ الْغَسْلِ حَدَثٌ وَالْمَسْحُ لِأَجْلِ الْحَدَثِ جَائِزٌ وَصَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا اغْتَسَلَ وَبَقِيَ عَلَى جَسَدِهِ لُمْعَةٌ فَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ اللُّمْعَةَ ثُمَّ أَحْدَثَ يَمْسَحُ اهـ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَقَاءِ لُمْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فِي بَقَاءِ الْجَنَابَةِ وَقَدْ لَبِسَ الْخُفَّ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ اللُّمْعَةِ وَجَوَّزَ لَهُ الْمَسْحَ فَكَذَا يَجُوزُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
[الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْلُ]
(قَوْلُهُ: وَرُوِيَ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ) قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ تَقْرِيرُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَالِاسْتِدْرَاكِ الْحَاصِلَيْنِ بِإِلَّا وَلَكِنْ هُوَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّزْعِ؛ لِأَنَّهُ أَرْخَصَ لَهُمْ الْمَسْحَ مَعَ تَرْكِ النَّزْعِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهُ الْجَنَابَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَنْزِعُوهَا إلَّا عِنْدَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ ثُمَّ قَالَ مُسْتَدْرِكًا لَكِنْ عَنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ فَلَا تَنْزِعُوهَا وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ تَقْدِيرُهُ أُمِرْنَا أَنْ نَنْزِعَهَا مِنْ جَنَابَةٍ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ إيجَابِيَّةٌ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَسْتَدْرِكَ جَاءَ بِجُمْلَةٍ فَقَالَ لَكِنْ لَا تَنْزِعْهَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ تَبْيِينُ الْحَالَاتِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الرُّخْصَةُ وَأَنَّهَا إنَّمَا جَاءَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ خَاصَّةً لَا فِي الْجَنَابَةِ، وَهَذَا التَّقْدِيرُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادًا، فَإِنَّهُ فِي حَالَةِ الْإِيجَابِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجُمْلَةِ بِتَمَامِهَا، وَإِنَّمَا جَازَ حَذْفُهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ أُمِرْنَا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْإِيجَابَ إلَّا أَنَّهُ عَلَى نَفْيٍ وَالِاسْتِدْرَاكُ مِنْ النَّفْيِ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْجُمْلَةِ بَعْدَهُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ غَائِطٍ يَسْتَدْعِي عَامِلًا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَرْفُ الْجَرِّ وَأَقْرَبُ مَا يُضْمَرُ لَهُ مِنْ الْعَوَامِلِ فِعْلٌ دَلَّ الْفِعْلُ الظَّاهِرُ عَلَيْهِ، وَهُوَ النَّزْعُ فَكَانَ التَّقْدِيرُ لَكِنْ لَا نَنْزِعُهَا مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَهَذِهِ مَعَانٍ دَقِيقَةٌ لَا يُدْرِكُهَا كَثِيرٌ مِنْ الْأَفْهَامِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ مَعْنَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَعُودُ أَيْ جَنَابَةُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْمَغْسُولَةِ لَا تَعُودُ بِمَعْنَى أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهَا فَرْضُ الْغَسْلِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهَا ثَانِيًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَعُودُ رَدٌّ لِقَوْلِهِمْ الْمَارِّ إذَا أَحْدَثَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا وَقَوْلُهُمْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَحَاصِلُ الرَّدِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ لَا يَعُودُ الْجَنَابَةُ إذْ لَيْسَ قَادِرًا عَلَى الْمَاءِ الْكَافِي لِلْجَنَابَةِ وَلَا تَعُودُ جَنَابَةُ أَعْضَاءِ
الْمُطْلَقِ الطَّهُورِ فِي حَقِّ الْأَصِحَّاءِ وَتَحْرِيرُ الْمَسْحِ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْعُذْرُ غَيْرَ مَوْجُودٍ وَقْتَ الْوُضُوءِ وَاللُّبْسِ، فَإِنَّهُ يَمْسَحُ كَالْأَصِحَّاءِ حَتَّى إذَا كَانَ مُقِيمًا فَيَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ الْعَارِضِ لَهُ عَلَى الطَّهَارَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ اللُّبْسِ، وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا فَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهَا مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ الْمَذْكُورَ صَادَفَ لُبْسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ مُطْلَقًا فَجَازَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ بِطَهَارَةِ الْعُذْرِ بِأَنْ وُجِدَ الْعُذْرُ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ أَوْ لِلُّبْسِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا أَوْ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَبِسَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا يَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ كُلَّمَا تَوَضَّأَ الْحَدَثَ غَيْرَ مَا ابْتَلَى بِهِ وَلَا يَمْسَحُ خَارِجَ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ صَادَفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَقْتِ لُبْسًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّارِعَ أَلْحَقَ ذَلِكَ الْحَدَثَ الَّذِي ابْتَلَى بِهِ بِالْعَدَمِ فِيهِ حَتَّى جَوَّزَ لَهُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ مَعَهُ فِيهِ وَصَادَفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى خَارِجِ الْوَقْتِ لُبْسًا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُجَوِّزْ لَهُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَدَثٌ آخَرُ، فَإِنَّ هَذِهِ آيَةٌ عَمِلَ الْحَدَثُ السَّابِقُ عَمَلَهُ إذْ خُرُوجُ الْوَقْتِ لَيْسَ بِحَدَثٍ حَقِيقَةً بِالْإِجْمَاعِ فَبَانَ أَنَّ اللُّبْسَ فِي حَقِّهِ حَصَلَ لَا عَلَى طَهَارَةٍ فَلَا جَرَمَ إنْ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْوَقْتِ لَا خَارِجَهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ وَيَمْسَحُ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ
وَأَمَّا فِي الْوَقْتِ فَيَمْسَحُ مُطْلَقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَشَمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا ثُمَّ يُكْمِلُ الْوُضُوءَ وَمِنْهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَغْسِلُ وَاحِدَةً وَيَلْبَسُ خُفَّهَا ثُمَّ يَغْسِلُ الْأُخْرَى وَيَلْبَسُهُ وَمِنْهَا أَنْ يَبْدَأَ بِلُبْسِ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ إلَّا رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَخُوضُ فِي الْمَاءِ فَتَبَتُّلُ رِجْلَاهُ مَعَ الْكَعْبَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ بِأَنْ ابْتَلَّ رِجْلَاهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَفِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إذَا أَحْدَثَ لِتَمَامِ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْحَدَثِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ وَقْتُ اللُّبْسِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ وَقْتُ الْحَدَثِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا ذُكِرَ فِي التَّبْيِينِ مِنْ أَنَّهُ زِيَادَةٌ بِلَا فَائِدَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَّ لُبْسَهُمَا عَلَى وُضُوءٍ يُغْنِي عَنْهُ؛ لِأَنَّ اللُّبْسَ يُطْلَقُ عَلَى ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ وَعَلَى الدَّوَامِ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ فِي يَمِينِهِ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ لَابِسُهُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ إنْ وُجِدَ لُبْسُهُمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ اللُّبْسُ ابْتِدَاءً أَوْ بِالدَّوَامِ عِيهِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ اهـ.
وَوَجْهُ دَفْعِهِ أَنَّ الْفِعْلَ دَالٌّ عَلَى الْحَدَثِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ قَالَ الْمُحَقِّقُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي أَوَّلِ الْمُطَوَّلِ الِاسْمُ يَدُلُّ عَلَى الدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ وَالْفِعْلُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ دُونَ الِاسْتِغْرَاقِ اهـ.
فَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّرْطَ حُصُولُ اللُّبْسِ عَلَى طُهْرٍ فِي الْجُمْلَةِ عِنْدَ اللُّبْسِ بِشَرْطِ أَنْ تَتِمَّ تِلْكَ الطَّهَارَةُ عِنْدَ الْحَدَثِ وَلَوْ لَمْ يُقَيِّدْ التَّامَّ بِوَقْتِ الْحَدَثِ لِتَبَادُرِ تَقْيِيدِهِ بِوَقْتِ اللُّبْسِ وَحُصُولِ الطُّهْرِ التَّامِّ قَبْلَهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى لَفْظَةِ عَلَى وَبَعْدَمَا قَيَّدَ بِوَقْتِ الْحَدَثِ لَمْ يَبْقَ احْتِمَالُ تَقْيِيدِهِ بِوَقْتِ اللُّبْسِ وَكَوْنُ الْفِعْلِ أُطْلِقَ عَلَى الدَّوَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَالْكَلَامُ فِي تَبَادُرِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَلَوْلَا التَّقْيِيدُ بِوَقْتِ الْحَدَثِ لَتَبَادَرَ الْفَهْمُ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، فَإِنْ قِيلَ الْمَفْهُومُ مِنْ الْكِتَابِ عَدَمُ الْجَوَازِ عِنْدَ كَوْنِ اللُّبْسِ عَلَى طُهْرٍ تَامٍّ وَقْتَ اللُّبْسِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْنَا التَّامُّ وَقْتَ الْحَدَثِ أَعَمُّ مِنْ التَّامِّ فِيهِ فَقَطْ وَالتَّامُّ فِيهِ وَقَبْلَهُ أَيْضًا وَالتَّامُّ وَقْتَ اللُّبْسِ يَكُونُ تَامًّا وَقْتَ الْحَدَثِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ ابْتِدَاءً لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُغِيرَةِ «كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَهْوَيْت لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فَقَالَ دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتهمَا طَاهِرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا» وَأَهْوَيْت بِمَعْنَى قَصَدْت وَلِمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا» وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ إسْنَادَهُ صَحِيحٌ وَالْبُخَارِيُّ عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى أَدْخَلْتهمَا أَدْخَلْت كُلَّ وَاحِدَةٍ الْخُفَّ، وَهِيَ طَاهِرَةٌ
ــ
[منحة الخالق]
الْوُضُوءِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ زَوَالًا وَلَا ثُبُوتًا، وَإِنَّمَا حَلَّ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَيَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الصُّورَةِ مِنْ قَبِيلِ الْمَسْحِ لِلْحَدَثِ وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْحِ لِلْجُنُبِ فَلِذَا كَانَ مَا صَوَّرُوهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.
(قَوْلُهُ: فَلَوْلَا التَّقْيِيدُ بِوَقْتِ الْحَدَثِ إلَخْ) وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ التَّنْصِيصُ عَلَى مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَذَلِكَ شَائِعٌ ذَائِعٌ فَالْقَيْدُ لَيْسَ بِضَائِعٍ
لَا أَنَّهُمَا اقْتَرَنَا فِي الطَّهَارَةِ وَالْإِدْخَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ عَادَةً، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ دَخَلْنَا الْبَلَدَ وَنَحْنُ رُكْبَانٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ رَاكِبًا عِنْدَ دُخُولِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُمْ رُكْبَانًا عِنْدَ دُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَا اقْتِرَانُهُمْ فِي الدُّخُولِ كَذَا أَجَابَ فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ لَا يَصْدُقُ عَلَى الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ مَا إذَا بَدَأَ بِلُبْسِهِمَا ثُمَّ تَوَضَّأَ إلَى آخِرِهِ نَظَرًا إلَى ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ لَا إلَى مَا بَعْدَ الْوُضُوءِ الْكَامِلِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى غَسْلِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ لَيْسُوا بِمُعْتَدِّينَ بِابْتِدَاءِ هَذَا اللُّبْسِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ إنَّمَا هُمْ مُعْتَدُّونَ بِاسْتِمْرَارِهِ لَهُمَا بَعْدَ الْوُضُوءِ الْكَامِلِ تَنْزِيلًا لِاسْتِمْرَارِ اللُّبْسِ مِنْ وَقْتِهِ إلَى حِينِ الْحَدَثِ بَعْدَهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ لُبْسٍ جَدِيدٍ وُجِدَ الْحَدَثُ بَعْدَهُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لِعَقْلِيَّةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وُقُوعُ الْمَسْحِ عَلَى خُفٍّ يَكُونُ مَلْبُوسًا عِنْدَ أَوَّلِ حَدَثٍ يَحْدُثُ بَعْدَ اللُّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ
وَهَذَا الْمَقْصُودُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كَمَا فِي الصُّوَرِ الْأُخَرِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ الْوُضُوءَ بِتَمَامِهِ مُرَتَّبًا لَوْ نَزَعَ رِجْلَيْهِ مِنْ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَعَادَهُمَا إلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ غَسْلِهِمَا أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِعَدَمِ الْإِكْمَالِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ فِي الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ إذَا وُجِدَ الْإِكْمَالُ بَعْدَ ابْتِدَاءِ اللُّبْسِ قَبْلَ الْحَدَثِ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَيْسَ بِمُتَعَرِّضٍ لِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ اللَّهُمَّ إلَّا إنْ كَانَ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ، وَهُوَ طَرِيقٌ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَمَا ضَاهَاهُمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْبَيَانِ لِمَا هُوَ الْأَكْمَلُ فِي ذَلِكَ وَالْأَحْسَنُ وَأَهْلُ الْمَذْهَبِ قَائِلُونَ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي عَيَّنَهُ مُخَالِفُوهُمْ مَحَلًّا لِلْجَوَازِ نَظَرًا إلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ هُوَ الْوَجْهُ الْأَكْمَلُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَقْتَ الْحَدَثِ تَوَسُّعًا وَالْمُرَادُ قُبَيْلَ الْحَدَثِ أَيْ مُتَّصِلًا بِهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْحَدَثِ لَا يُجَامِعُ الطَّهَارَةَ فَكَيْفَ يَكُونُ ظَرْفًا لَهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي اتِّصَالِ الْوُضُوءِ التَّامِّ بِالْحَدَثِ حَتَّى كَأَنَّهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَذَا ذَكَرَهُ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِهِ وَقَدْ أَفْصَحَ الْمُصَنِّفُ عَنْ مُرَادِهِ فِي الْكَافِي فَقَالَ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْحَدَثُ بَعْدَ اللُّبْسِ طَارِئًا عَلَى وُضُوءٍ تَامٍّ وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّوْشِيحِ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ لِلْفَجْرِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ لِلظُّهْرِ وَصَلَّى ثُمَّ لِلْعَصْرِ كَذَلِكَ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ رَأْسَهُ فِي الْفَجْرِ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ اللُّبْسَ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ
وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ فِي الظُّهْرِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ الظُّهْرِ خَاصَّةً لِتَيَقُّنِهِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ فِي الْعَصْرِ تَامَّةٍ فَتَكُونُ طَهَارَتُهُ لِلْعَصْرِ تَامَّةً وَلَا تَرْتِيبَ عَلَيْهِ لِلنِّسْيَانِ وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى رَجُلٌ لَيْسَتْ لَهُ إلَّا رِجْلٌ وَاحِدَةٌ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى جَبَائِرَ قَدَمَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَوْ كَانَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ صَحِيحَةً فَغَسَلَهَا وَمَسَحَ عَلَى جَبَائِرَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَرِئَ الْجُرْحُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبَائِرِ لَغَسَلَ لِمَا تَحْتَهُ فَحَصَلَ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُمَا مَغْسُولَتَيْنِ حَقِيقَةً فِي الْخُفِّ، وَإِنْ كَانَ بَرِئَ الْجُرْحُ نَزَعَ خُفَّيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ فَظَهَرَ أَنَّ اللُّبْسَ حَصَلَ لَا عَلَى طَهَارَةٍ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ ثُمَّ بَرِئَ يُكْمِلُ مُدَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ غَسْلُ مَا بَرِئَ بِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ عَنْ اللُّبْسِ، وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ حَتَّى بَرِئَ فَغَسَلَ مَوْضِعَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ لِأَنَّهُ لَمَّا غَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَقَدْ كَمُلَتْ الطَّهَارَةُ فَيَكُونُ الْحَدَثُ طَارِئًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَ مَوْضِعَ الْجِرَاحَةِ بَعْدَ الْبُرْءِ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَنْزِعُ الْخُفَّ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ طَرَأَ عَلَى طَهَارَةٍ نَاقِصَةٍ اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ عَدَمَ مَسْحِ الْمُتَيَمِّمِ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْ اشْتِرَاطِ اللُّبْسِ عَلَى الْوُضُوءِ التَّامِّ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ تَامَّةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا كَالَّتِي بِالْمَاءِ مَا بَقِيَ الشَّرْطُ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَكَانَ الْخُفُّ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الَّذِي حَلَّ بِالْقَدَمِ؛ لِأَنَّ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُحِيطِ، وَإِنْ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ ثُمَّ بَرِئَ يُكْمِلُ مُدَّتَهُ) أَيْ بَرِئَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُ مُدَّةَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَوَضَّأَ بَعْدَ هَذَا الْحَدَثِ ثُمَّ بَرِئَ صَارَ مُحْدِثًا بِالْحَدَثِ السَّابِقِ وَالْحَدَثُ السَّابِقُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ اللُّبْسِ فَيَكُونُ اللُّبْسُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَكَذَا السَّابِقَةُ، فَإِنَّ الْحَدَثَ الَّذِي ظَهَرَ كَانَ قَبْلَ اللُّبْسِ فَلَا يَكُونُ لَبِسَ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَيَجِبُ نَزْعُ الْخُفِّ وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْمَسْحَ بَعْدَ اللُّبْسِ.