الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَدَثَ الَّذِي يَظْهَرُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ هُوَ الَّذِي قَدْ كَانَ حَلَّ بِهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ لَكِنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يُزِيلُ مَا حَلَّ بِالْمَمْسُوحِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْخُفِّ مَانِعًا شَرْعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ الَّذِي يَطْرَأُ بَعْدَهُ إلَى الْقَدَمَيْنِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ مِنْ جَعْلِهِ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ نَاقِصَةً كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُتَيَمِّمِ وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا) هَذَا بَيَانٌ لِمُدَّةِ الْمَسْحِ أَيْ صَحَّ الْمَسْحُ يَوْمًا وَلَيْلَة إلَخْ، وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَرِيحَةٌ يَطُولُ سَرْدُهَا وَقَدْ اخْتَلَفَ الْقَوْلُ عَنْ مَالِكٍ فِي جَوَازِهِ لِلْمُقِيمِ وَمَشَى أَبُو زَيْدٍ فِي رِسَالَتِهِ عَلَى جَوَازِهِ لِلْمُقِيمِ.
(قَوْلُهُ: مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ) بَيَانٌ لِأَوَّلِ وَقْتِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ الْأَوَّلِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ وَقَالَ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى أَحَادِيثِ الْبَابِ الصَّحِيحَةِ وَلَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ كَمَا هُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جَوَازِ الرُّخْصَةِ وَالْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ كُلَّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ جُعِلَ مَانِعًا مِنْ سِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلِ شَرْعًا فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ طَهَارَةُ الْغَسْلِ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهَا، فَإِذَنْ التَّقْدِيرُ فِي التَّحْقِيقِ إنَّمَا هُوَ لِمُدَّةِ مَنْعِهِ شَرْعًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ التَّقْدِيرَ لِلْمَسْحِ أَوْ اللُّبْسِ وَالْخُفُّ إنَّمَا مَنَعَ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ لِشَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يُحْدِثْ بَعْدَ اللُّبْسِ حَتَّى يَمُرَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَزْعُ الْخُفِّ وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْدَثَ وَلَمْ يَمْسَحْ وَلَمْ يُصَلِّ أَيَّامًا لَا إشْكَالَ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ الْعَدْلُ فِي الِاعْتِبَارِ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ اهـ.
وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ رَافِعٌ لِجَوَازِ الْمَسْحِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ مَسْحٌ أَوْ لَا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُجْعَلَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ نَاقِضًا لِلْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَسْحٌ فَلَا أَثَرَ لِمُضِيِّهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ تَوَضَّأَ بَعْدَمَا انْفَجَرَ الصُّبْحُ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ وَصَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا وَمِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ وَقْتِ الْمَسْحِ يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا وَمِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ يَمْسَحُ إلَى مَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي إنْ كَانَ مُقِيمًا وَمِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا
وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُجْتَبَى وَالْمُقِيمُ فِي مُدَّةِ مَسْحِهِ قَدْ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ وَقْتِيَّةٍ بِالْمَسْحِ كَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّاهَا وَقَعَدَ قَدْرًا لِتَشَهُّدٍ فَأَحْدَثَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ الْغَدِ عَلَى هَيْئَةِ الْأُولَى لِاعْتِرَاضِ ظُهُورِ الْحَدَثِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَقَدْ يُصَلِّي خَمْسًا وَقَدْ يُصَلِّي سِتًّا كَمَنْ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي آخِرِ وَقْتِهِ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ مِنْ الْغَدِ وَقَدْ يُصَلِّي بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَبْعًا عَلَى الِاخْتِلَافِ اهـ.
(قَوْلُهُ: عَلَى ظَاهِرِهِمَا مَرَّةً) بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَسْحِ حَتَّى لَا يَجُوزَ مَسْحُ بَاطِنِهِ أَوْ عَقِبِهِ أَوْ سَاقَيْهِ أَوْ جَوَانِبِهِ أَوْ كَعْبِهِ وَفِي الْمُبْتَغَى بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَظَهْرُ الْقَدَمِ مِنْ رُءُوسِ الْأَصَابِعِ إلَى مَعْقِدِ الشِّرَاكِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُسَنُّ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ مَعَ ظَاهِرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ شُرِعَتْ مُكَمِّلَةً لِلْفَرَائِضِ وَالْإِكْمَالُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ لَا فِي غَيْرِهِ اهـ.
وَفِي غَيْرِهِ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ، وَهُوَ الْمُرَادُ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ «وَضَّأْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
[منحة الخالق]
[بَيَان مُدَّةِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(قَوْلُهُ: فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْحَدَثِ لَا مِنْ آخِرِهِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمَا قُلْنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ عَمَلِ الْخُفِّ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُصَلَّى بِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَبْعًا عَلَى الِاخْتِلَافِ) أَيْ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَيُصَلَّى فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ الظُّهْرُ بَعْدَ الْمِثْلِ وَالْعَصْرُ بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ وَفِي الْمِثْلَيْنِ وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَلَى قَوْلِهِمَا يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ الْمِثْلِ.
[بَيَان مَحَلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]
(قَوْلُهُ: وَفِي غَيْرِهِ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ) أَيْ فِي غَيْرِ الْمُحِيطِ نَفْيُ اسْتِحْبَابِ مَسْحِ بَاطِنِ الْخُفِّ مَعَ ظَاهِرِهِ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ الْمُحِيطِ وَلَا يُسَنُّ لَكِنْ فِي النَّهْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا الْجَمْعُ بَيْنَ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِي الْمَسْحِ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ اهـ.
أَقُولُ: وَهَكَذَا رَأَيْته فِي شَرْحِ الْغَزْنَوِيَّةِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ مَعْزِيًّا لِلْبَدَائِعِ أَيْضًا لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الْبَدَائِعِ عَزْوُهُ إلَى الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْبَاطِنِ لَا يَجُوزُ وَالْمُسْتَحَبُّ عِنْدَهُ الْجَمْعُ إلَخْ وَهَكَذَا رَأَيْته فِي التَّتَارْخَانِيَّة حَيْثُ قَالَ مَحَلُّ الْمَسْحِ ظَاهِرُ الْخُفِّ دُونَ بَاطِنِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ فَرْضٌ وَعَلَى بَاطِنِهِ سُنَّةٌ وَالْأَوْلَى عِنْدَهُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَيَمْسَحَ بِهِمَا كُلَّ رِجْلِهِ اهـ.
فَضَمِيرُ عِنْدِهِ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى نَعَمْ ذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ قَوْلٌ لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا أَيْضًا
فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَمَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ» أَرَادَ أَنَّ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا طَرِيقُهَا التَّوْقِيفُ وَغَيْرُ جَائِزٍ اسْتِعْمَالُ الْقِيَاسِ فِي رَدِّ التَّوْقِيفِ
وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ يُلَاقِي الْأَرْضَ بِمَا عَلَيْهَا مِنْ طِينٍ وَتُرَابٍ وَقَذِرٍ وَلَا يُلَاقِيهَا ظَاهِرُهُ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ ظَاهِرَ الْخُفِّ دُونَ بَاطِنِهِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ كَانَ نَفْيَ الْقِيَاسِ مَعَ النَّصِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ فِي أُصُولِهِ اهـ.
كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَهَذَا يُفِيدُ كَظَاهِرِ مَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحَلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ وَتَعَقَّبَهُمْ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِهِ لَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ لَوْ كَانَ بِالرَّأْيِ بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه ذَلِكَ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ بَلْ الْحَدَثِ وَمَحَلُّ الْوَطْءِ مِنْ بَاطِنِ الرِّجْلِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِيهِ بِلَفْظٍ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ يَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَسْفَلِ الْوَجْهُ الَّذِي يُلَاقِي الْبَشَرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَسْفَلُ مِنْ الْوَجْهِ الْأَعْلَى الْمُحَاذِي لِلسَّمَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا اهـ.
وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ مَسَحَ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلَهُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ مَا يَلِي السَّاقَ وَمَا يَلِي الْأَصَابِعَ تَوْفِيقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَنْبَغِي جَوَازُ مَسْحِ الْأَسْفَلِ وَالْعَقِبِ؛ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْغَسْلِ فَيَجُوزُ فِي جَمِيعِ مَحَلِّ الْغَسْلِ كَمَسْحِ الرَّأْسِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِي جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَإِنْ ثَبَتَ مَسْحُهُ عليه السلام عَلَى النَّاصِيَةِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِعْلَهُ هُنَا ابْتِدَاءً غَيْرُ مَعْقُولٍ فَيُعْتَبَرُ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مِنْ رِعَايَةِ الْفِعْلِ وَالْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَسْحِهِ عَلَى النَّاصِيَةِ، فَإِنَّهُ بَيَانُ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ لَا نَصْبِ الشَّرْعِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِقَدْرِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ، وَهُوَ الْمِقْدَارُ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ مَعْلُومٌ بِالنَّصِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ فِعْلِهِ بَيَانًا لَهُ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْمَسْحُ إلَى السَّاقِ رِعَايَةً لِجَمِيعِ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ إلَّا بِنَصٍّ وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَبِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ بَدَأَ مِنْ السَّاقِ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا فَأَجَابَ عَنْ الثَّانِي فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ مُرَاعَاةُ جَمِيعِ مَا وَرَدَ بِهِ فِي مَحَلِّ الِابْتِدَاءِ أَوْ الِانْتِهَاءِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيقَاعُ الْبِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ
وَأَجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَدٍّ إلَى السَّاقِ كَمَا رُوِيَ الْمَدُّ فَجُعِلَ الْمَفْرُوضُ أَصْلَ الْمَسْحِ وَالْمَدُّ سُنَّةٌ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا لِوُرُودِهِمَا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَتَسَاوَيَانِ فِي الشُّهْرَةِ بَلْ الْمُطْلَقُ هُوَ الْمَشْهُورُ دُونَ الْمُقَيَّدِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا تَسَاوِيهِمَا لَا يَجِبُ الْحَمْلُ أَيْضًا لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ، فَإِنَّ مَسْحَهُ عليه السلام لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يَكُونُ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي مُتَعَدِّدٍ فِي نَفْسِهِ فَيَثْبُتُ أَصْلُ الْمَسْحِ وَسُنِّيَّةُ الْمَدِّ وَتَعَقَّبَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ الْجَمْعُ بَيْنَ مَسْحِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ لِكَوْنِهِمَا مَرْوِيَّيْنِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ فَيُثْبِتُ فَرْضِيَّةَ أَصْلِ الْمَسْحِ وَسُنِّيَّةَ الْمَسْحِ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ احْتِمَالًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا تَثْبُتُ السُّنِّيَّةُ بِالشَّكِّ، وَقَدْ يُقَالُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ مُطْلَقُ الصَّوْمِ وَاجِبٌ وَالتَّتَابُعُ سَنَةٌ وَيَكُونُ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ؛ وَلِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يَرْتَضِ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِمَا أَجَابَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَصْلُحُ جَوَابًا عَمَّا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «مَسَحَ عَلَى ظَهْرِ خُفَّيْهِ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» قَالَ: وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّفْسِيرِ لِلْمَسْحِ وَالْأَصَابِعُ اسْمُ جَمْعٍ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ الصَّحِيحِ ثَلَاثَةٌ فَكَانَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَمَعْنَاهُ مَا يَلِي السَّاقَ إلَخْ) أَيْ الْمُرَادُ بِأَعْلَاهُ فِي الْحَدِيثِ مَا ارْتَفَعَ مِنْهُ أَيْ مِنْ جِهَةِ السَّاقِ وَالْمُرَادُ بِأَسْفَلِهِ مَا نَزَلَ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ الْأَصَابِعِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ مَسَحَ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى أَعْلَى سَاقِهِ.