الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَدِيثِ فِي الْهِرَّةِ مَوْجُودَةٌ بِعَيْنِهَا فِي سَوَاكِنِ الْبُيُوتِ وَهِيَ الطَّوْفُ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا، وَهُوَ سُقُوطُ النَّجَاسَةِ وَتَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ لِتَوَهُّمِهَا
فَرْعٌ تُكْرَهُ
الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ
كَذَا فِي التَّوْشِيحِ نُكْتَةٌ قِيلَ سِتٌّ تُورِثُ النِّسْيَانَ سُؤْرُ الْفَأْرَةِ وَإِلْقَاءُ الْقَمْلَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ وَالْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَقَطْعُ الْقِطَارِ وَمَضْغُ الْعِلْكِ وَأَكْلُ التُّفَّاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ حَدِيثًا لَكِنْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ: إنَّهُ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ
(قَوْلُهُ: وَالْحِمَارُ وَالْبَغْلُ مَشْكُوكٌ) أَيْ سُؤْرُهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ هَذِهِ عِبَارَةُ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى مَشْكُوكًا فِيهِ وَقَالَ سُؤْرُ: الْحِمَارِ طَاهِرٌ لَوْ غُمِسَ فِيهِ الثَّوْبُ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ إلَّا أَنَّهُ مُحْتَاطٌ فِيهِ فَأُمِرَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَمُنِعَ مِنْهُ حَالَةَ الْقُدْرَةِ وَالْمَشَايِخُ قَالُوا الْمُرَادُ بِالشَّكِّ التَّوَقُّفُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ لَا أَنْ يَعْنِيَ بِكَوْنِهِ مَشْكُوكًا الْجَهْلَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ مَعْلُومٌ، وَهُوَ وُجُوبُ الِاسْتِعْمَالِ وَانْتِفَاءُ النَّجَاسَةِ وَضُمَّ التَّيَمُّمُ إلَيْهِ، وَالْقَوْلُ بِالتَّوَقُّفِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ دَلِيلُ الْعِلْمِ وَغَايَةُ الْوَرَعِ وَبَيَانُ التَّعَارُضِ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ تَعَارُضُ الْأَخْبَارِ فِي أَكْلِ لَحْمِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمْرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ» وَرَوَى غَالِبُ بْنُ أَبْجَرَ قَالَ لَمْ يَبْقَ لِي مَالٌ إلَّا حُمَيْرَاتٌ فَقَالَ عليه السلام «كُلْ مِنْ سَمِينِ مَالِك» قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ فِي مَبْسُوطِهِ، وَهَذَا لَا يَقْوَى؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ حَرَامٌ بِلَا إشْكَالٍ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ فَغَلَبَ الْمُحَرِّمُ عَلَى الْمُبِيحِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّحْمَ ذَبِيحَةُ مَجُوسِيٍّ وَالْآخَرُ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِغَلَبَةِ الْحُرْمَةِ فَكَانَ لَحْمُهُ حَرَامًا بِلَا إشْكَالٍ، وَلُعَابُهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ فَيَكُونُ نَجِسًا بِلَا إشْكَالٍ
وَقِيلَ سَبَبُ الْإِشْكَالِ اخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ التَّوَضُّؤَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْحِمَارُ: يُعْلَفُ الْقَتَّ وَالتِّبْنَ فَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا لَا يَقْوَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ لَا يُوجِبُ الْإِشْكَالَ كَمَا فِي إنَاءٍ أَخْبَرَ عَدْلٌ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَآخَرُ أَنَّهُ نَجِسٌ فَالْمَاءُ لَا يَصِيرُ مُشْكِلًا، وَقَدْ اسْتَوَى الْخَبَرَانِ وَبَقِيَ الْعِبْرَةُ بِالْأَصْلِ، فَكَذَا هَاهُنَا، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي التَّمَسُّكِ أَنَّ دَلِيلَ الشَّكِّ هُوَ التَّرَدُّدُ فِي الضَّرُورَةِ، فَإِنَّ الْحِمَارَ يُرْبَطُ فِي الدُّورِ وَالْأَفْنِيَةِ فَيَشْرَبُ مِنْ الْأَوَانِي وَلِلضَّرُورَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي الْهِرَّةِ وَالْفَأْرَةِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ فِي الْحِمَارِ دُونَ الضَّرُورَةِ فِيهِمَا لِدُخُولِهِمَا مَضَايِقَ الْبَيْتِ بِخِلَافِ الْحِمَارِ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ الضَّرُورَةُ ثَابِتَةً أَصْلًا كَمَا فِي الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ لَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ بِلَا إشْكَالٍ
وَلَوْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ مِثْلَ الضَّرُورَةِ فِيهِمَا لَوَجَبَ الْحُكْمُ بِإِسْقَاطِ النَّجَاسَةِ فَلَمَّا ثَبَتَتْ الضَّرُورَةُ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَاسْتَوَى مَا يُوجِبُ النَّجَاسَةَ وَالطَّهَارَةَ تَسَاقَطَا لِلتَّعَارُضِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ هَاهُنَا شَيْئَانِ الطَّهَارَةُ فِي جَانِبِ الْمَاءِ وَالنَّجَاسَةُ فِي جَانِبِ اللُّعَابِ؛ لِأَنَّ لُعَابَهُ نَجِسٌ كَمَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ مُشْكِلًا نَجِسًا مِنْ وَجْهٍ طَاهِرًا مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ الْإِشْكَالُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا لِلْإِشْكَالِ فِي لَحْمِهِ وَلَا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي سُؤْرِهِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَسْئِلَةِ مِنْهَا أَنَّ الْمُحَرِّمَ وَالْمُبِيحَ إذَا اجْتَمَعَا يَغْلِبُ الْمُحَرِّمُ احْتِيَاطًا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاحْتِيَاطِ إنَّمَا يَكُونُ فِي تَرْجِيحِ الْحُرْمَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَمَّا هَاهُنَا الِاحْتِيَاطُ فِي إثْبَاتِ الشَّكِّ؛ لِأَنَّا إنْ رَجَّحْنَا الْحُرْمَةَ لِلِاحْتِيَاطِ يَلْزَمُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ سُؤْرِ الْحِمَارِ مَعَ احْتِمَالِ كَوْنِهِ مُطَهَّرًا بِاعْتِبَارِ الشَّكِّ فَكَانَ مُتَيَمِّمًا عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَذَلِكَ حَرَامٌ فَلَا يَكُونُ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَلَا بِالْمُبَاحِ وَمَا قِيلَ إنَّ فِي تَغْلِيبِ الْحُرْمَةِ تَقْلِيلَ النَّسْخِ فَذَلِكَ فِي تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ لَا فِي الضَّرُورَةِ
وَمِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ فِي سُؤْرِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْخَلَفِ، وَهُوَ التَّيَمُّمُ كَمَنْ لَهُ إنَاءَانِ أَحَدُهُمَا طَاهِرٌ وَالْآخَرُ نَجِسٌ فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَيَجِبُ التَّيَمُّمُ فَكَذَا
ــ
[منحة الخالق]
[الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ كَالْهِرَّةِ]
(قَوْلُهُ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ حَمْلِ مَا سُؤْرُهُ مَكْرُوهٌ إلَخْ) وَقَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ صَفْحَةٍ أَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ التَّوَهُّمِ فَرَاجِعْهُ لَكِنْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ سُؤْرِهَا وَحَمْلِهَا بِأَنَّ السُّؤْرَ فِيهِ ضَرُورَةٌ بِخِلَافِ الْحَمْلِ تَأَمَّلْ.
هَاهُنَا قُلْنَا الْمَاءُ هَاهُنَا طَاهِرٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَضِيَّةَ الشَّكِّ أَنْ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَزَلْ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُزِيلُ بِيَقِينٍ وَالْمَاءُ طَاهِرٌ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ اسْتِعْمَالُهُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْإِنَاءَيْنِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا نَجِسٌ يَقِينًا وَالْآخَرُ طَاهِرٌ يَقِينًا لَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِعَدَمِ عَمَلِهِ فَيُصَارُ إلَى الْخَلَفِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّعَارُضَ لَا يُوجِبُ الشَّكَّ كَمَا فِي إخْبَارِ عَدْلَيْنِ بِالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ حَيْثُ يَتَوَضَّأُ بِلَا تَيَمُّمٍ قُلْنَا فِي تَعَارُضِ الْخَبَرَيْنِ وَجَبَ تَسَاقُطُهُمَا فَرَجَّحْنَا كَوْنَ الْمَاءِ مُطَهِّرًا بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ وَالْمَاءُ كَانَ مُطَهِّرًا قَبْلَهُ وَهَاهُنَا تَعَارَضَ جِهَتَا الضَّرُورَةِ فَتَسَاقَطَتَا فَأَيْقَنَّا مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ أَيْضًا إلَّا أَنَّ هَاهُنَا مَا كَانَ ثَابِتًا عَلَى حَالِهِ قَبْلَ التَّعَارُضِ شَيْئَانِ جَانِبُ الْمَاءِ وَجَانِبُ اللُّعَابِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ الشَّكُّ.
وَمِنْهَا مَا قِيلَ فِي اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ تَرْكُ الْعَمَلِ بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ نَجِسًا فَقَدْ تَنَجَّسَ الْعُضْوُ قُلْنَا أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّ الشَّكَّ فِي كَوْنِهِ طَاهِرًا، فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُضْوَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَتَنَجَّسُ بِالشَّكِّ وَالْحَدَثُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فَيَجِبُ ضَمُّ التَّيَمُّمِ إلَيْهِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْكَافِي وَلَمْ يَتَعَارَضْ الْخَبَرَانِ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ إذْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْهِرَّةُ سَبُعٌ» لَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ السُّؤْرِ لِمَا قَدَّمْنَا اهـ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فَقِيلَ الشَّكُّ فِي طَهَارَتِهِ وَقِيلَ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَقِيلَ فِيهِمَا جَمِيعًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي طَهُورِيَّتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي الْكَافِي هَذَا مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ؛ فَلِهَذَا قَالَ فِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحِ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ إنَّ الِاخْتِلَافَ لَفْظِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ أَرَادَ أَنَّ الطَّاهِرَ لَا يَتَنَجَّسُ بِهِ وَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ لَا أَنْ لَيْسَ فِي طَهَارَتِهِ شَكٌّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ اهـ.
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ ضَعْفُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِقَوْلِ مِنْ قَالَ الشَّكُّ فِي طَهُورِيَّتِهِ بِأَنْ لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ رَأْسِهِ، فَإِنَّ وُجُوبَ غَسْلِهِ إنَّمَا يَثْبُتُ بِتَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ وَالثَّابِتُ الشَّكُّ فِيهَا فَلَا يَتَنَجَّسُ الرَّأْسُ بِالشَّكِّ فَلَا يَجِبُ وَعُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان تَفْرِيعًا عَلَى كَوْنِ الشَّكِّ فِي طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ أَفْسَدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إفْسَادَ بِالشَّكِّ وَفِي الْمُحِيطِ تَفْرِيعًا عَلَى الشَّكِّ فِي طَهُورِيَّتِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَكَانَ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يُسَاوِهِ لِمَا عَلِمْته فِي مَسْأَلَةِ الْفَسَاقِيِ وَقَدْ قَدَّمْنَا حُكْمَ عَرَقِهِ.
وَأَمَّا لَبَنُهَا فَاخْتَارَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُؤْكَلُ وَصَحَّحَهُ فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يُرَجِّحْهُ أَحَدٌ وَعَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ وَصَحَّحَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَصَحَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ نَجِسٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمُقْتَضَى الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ الْقَوْلُ بِحِلِّ أَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمَبْسُوطِ قِيلَ لِمُحَمَّدٍ لِمَ قُلْت بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَمْ تَقُلْ بِطَهَارَةِ رَوْثِهِ قَالَ كَمَا قُلْت بِطَهَارَةِ بَوْلِهِ أَبَحْت شُرْبَهُ وَلَوْ قُلْت بِطَهَارَةِ رَوْثِهِ لَأَبَحْت أَكْلَهُ وَلَا أَحَدَ يَقُولُ بِهَا. اهـ.
فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَالْحِلَّ مُتَلَازِمَانِ يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ بِأَحَدِهِمَا الْقَوْلُ بِالْآخَرِ، وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ سُؤْرِ الْحِمَارِ دُونَ الْأَتَانِ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ يُنَجَّسُ فَمُهُ بِشَمِّ الْبَوْلِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ لَا يَغْلِبُ وُجُودُهُ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الثَّابِتِ وَقَالَ قَاضِي خان: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلَمَّا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْحِمَارِ ثَبَتَ فِي الْبَغْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ نَسْلِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ أَتَانًا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ فَرَسًا فَفِيهِ إشْكَالٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّ الذِّئْبَ لَوْ نَزَا عَلَى شَاةٍ فَوَلَدَتْ ذِئْبًا حَلَّ أَكْلُهُ وَيُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَا يَقْتَضِي نَجَاسَةَ السُّؤْرِ لِمَا قَدَّمْنَا) أَيْ مِنْ سُقُوطِهَا لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ إلَخْ) بَيَانُهُ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِالسُّؤْرِ الْمَشْكُوكِ إذَا أَحْدَثَ فَقَدْ حَلَّ الْحَدَثُ بِالرَّأْسِ أَيْضًا، فَإِذَا تَوَضَّأَ بَعْدَهُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ تَكُونُ بِلَّةُ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ عَلَى رَأْسِهِ مَشْكُوكًا أَيْضًا لِإِصَابَتِهِ إيَّاهُ فَلَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ الْمُتَيَقَّنُ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ، وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْيَقِينَ فَيَجِبُ غَسْلُ رَأْسِهِ لِهَذَا الْمَعْنَى فَلَمَّا لَمْ يَجِبْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الشَّكَّ فِي طَهُورِيَّتِهِ لَا فِي طَهَارَتِهِ (قَوْلُهُ: وَعُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ إلَخْ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهُورِيَّةِ لَا يَسْتَلْزِمُ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ اهـ.
لَكِنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ؛ لِأَنَّهُ لَا إفْسَادَ بِالشَّكِّ بَقِيَ وَارِدٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ كَيْفَ يَفْسُدُ الْمَاءُ الثَّابِتَةُ طَهَارَتُهُ بِيَقِينٍ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَوَّلًا مِنْ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْمَاءَ أَيْ يَرْفَعُ طَهُورِيَّتَهُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِهَذَا لِلتَّأْوِيلِ فِي التَّتَارْخَانِيَّة مَعْزِيًّا إلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ.
(قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النِّهَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الدَّفْعَ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى تَقْدِيرِ سَبْقِ
يَكُونَ مَأْكُولًا عِنْدَهُمَا وَطَاهِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارُ لِلْأُمَّ، وَفِي الْغَايَةِ إذَا نَزَا الْحِمَارُ عَلَى الرَّمَكَةِ لَا يُكْرَهُ لَحْمُ الْبَغْلِ الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُمَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِيرُ سُؤْرُهُ مَشْكُوكًا. اهـ.
الرَّمَكَةُ، وَهِيَ الْفَرَسُ، وَهِيَ الْبِرْذَوْنَةُ تُتَّخَذُ لِلنَّسْلِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الْبَغْلَ لَمَّا كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْ الْحِمَارِ وَالْفَرَسِ فَصَارَ سُؤْرُهُ كَسُؤْرِ فَرَسٍ اخْتَلَطَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ فَصَارَ مَشْكُوكًا ذَكَرَهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَ مِسْكِينٌ فِي شَرْحِ الْكِتَابِ سُؤَالًا فَقَالَ: فَإِنْ قُلْت أَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُك الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ قُلْت ذَلِكَ إذَا لَمْ يَغْلِبْ شَبَهُهُ بِالْأَبِ أَمَّا إذَا غَلَبَ شَبَهُهُ فَلَا اهـ.
وَبِهَذَا سَقَطَ أَيْضًا إشْكَالُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ جَمَالُ الدِّينِ الرَّازِيّ شَارِحُ الْكِتَابِ: الْبِغَالُ أَرْبَعَةٌ بَغْلٌ يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَبَقَرَةٌ وَبَغْلٌ لَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ أَتَانٍ أَهْلِيٍّ وَفَحْلٌ وَبَغْلٌ يُؤْكَلُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ فَحْلٍ وَأَتَانِ حِمَارٍ وَحْشِيٍّ وَبَغْلٌ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ رَمَكَةٍ وَحِمَارٍ أَهْلِيٍّ اهـ.
وَفِي النَّوَازِلِ لَا يَحِلُّ شُرْبُ مَا شَرِبَ مِنْهُ الْحِمَارُ وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ: لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا خِلَافُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَلَوْ أَخَذَ إنْسَانٌ بِهَذَا الْقَوْلِ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ لَا يَشْرَبَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفَرَّعَ فِي الْمُحِيطِ عَلَى كَوْنِ سُؤْرِ الْحِمَارِ مَشْكُوكًا مَا لَوْ اغْتَسَلَتْ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَزْوَاجِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلَا رَجْعَةَ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَكُنْ مُطَهَّرًا فَلَهُ الرَّجْعَةُ فَإِذَا احْتَمَلَ انْقَطَعَتْ احْتِيَاطًا وَلَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ احْتِيَاطًا اهـ.
(قَوْلُهُ: تَوَضَّأَ بِهِ وَتَيَمَّمَ إنْ فُقِدَ مَاءٌ) أَيْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِمَا وَتَيَمَّمَ إنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً مُطْلَقًا يَعْنِي يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْجُمْعِ أَنْ لَا تَخْلُوَ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ عَنْهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَصَلَّى ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ أَيْضًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ فِي حَقِّ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان فَأَفَادَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافًا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَحْبُوبِيِّ وَعَنْ نُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى فِي رَجُلٍ لَمْ يَجِدْ إلَّا سُؤْرَ الْحِمَارِ قَالَ يُهْرِيقُ ذَلِكَ السُّؤْرَ يَصِيرُ عَادِمًا لِلْمَاءِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ فَعَرَضَ قَوْلَهُ هَذَا عَلَى الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ فَقَالَ هُوَ قَوْلٌ جَيِّدٌ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَوْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَصَابَ مَاءً نَظِيفًا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ حَتَّى ذَهَبَ الْمَاءُ وَمَعَهُ سُؤْرُ الْحِمَارِ فَعَلَيْهِ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُطَهِّرًا فَقَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَلَا فِي الثَّانِيَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ أَرَاقَ سُؤْرَ الْحِمَارِ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ أَنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ كَانَ طَهُورًا اهـ، فَإِنْ قِيلَ هَذَا الطَّرِيقُ يَسْتَلْزِمُ أَدَاءَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ فِي إحْدَى الْمَرَّتَيْنِ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْكُفْرِ لِتَأَدِّيهِ إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالدِّينِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ
وَيَجِبُ الْجَمْعُ فِي أَدَاءً وَاحِدٍ قُلْنَا ذَلِكَ فِيمَا أَدَّى بِغَيْرِ طَهَارَةٍ بِيَقِينٍ، فَأَمَّا إذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِطَهَارَةٍ مِنْ وَجْهٍ فَلَا لِانْتِفَاءِ الِاسْتِخْفَافِ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِالشَّرْعِ مِنْ وَجْهٍ، وَهَاهُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ السُّؤْرِ وَالتُّرَابِ مُطَهِّرٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ الْأَدَاءُ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْكُفْرُ كَمَا لَوْ صَلَّى حَنَفِيٌّ بَعْدَ الْفَصْدِ أَوْ الْحِجَامَةِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَلَا يُكَفَّرُ لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ، وَهَذَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى بَعْدَ الْبَوْلِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ (قَوْلُهُ: وَأَيًّا قَدَّمَ صَحَّ) أَيْ مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ أَيًّا بَدَأَ بِهِ جَازَ حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ تَيَمَّمَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ عَكَسَ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ هُوَ وَاجِبُ الِاسْتِعْمَالِ فَصَارَ كَالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَنَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ كَانَ طَهُورًا فَلَا مَعْنَى لِلتَّيَمُّمِ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَهُورًا فَالْمُطَهِّرُ هُوَ التَّيَمُّمُ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَوُجُودُ هَذَا الْمَاءِ وَعَدَمُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِمَّا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُطَهِّرِ مِنْهُمَا عَيْنًا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الْجَمْعِ دُونَ
ــ
[منحة الخالق]
النِّيَّةِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَفِيهِ تَرَدُّدٌ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ مِسْكِينٌ فِي شَرَحَ الْكِتَاب إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَوْ صَحَّ مَا قَالَهُ مِسْكِينٌ لَحَرُمَ أَكْلُ الذِّئْبِ الَّذِي وَلَدَتْهُ الشَّاةُ لِغَلَبَةِ شَبَهِ الْأَبِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ حَلَالٌ وَمَا فِي الْمِعْرَاجِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْأُمِّ مَمْنُوعٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ جَوَازَ الْأَكْلِ يَسْتَلْزِمُ طَهَارَةَ السُّؤْرِ.
التَّرْتِيبِ كَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الِاغْتِسَالِ بِهِ فَعِنْدَنَا لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُهُ خِلَافًا لَهُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ بِهِ عِنْدَنَا، وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَلَفُوا فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُؤْرِ الْحِمَارِ وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْوِيَ اهـ.
(تَنْبِيهٌ) فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ الْأُولَى مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِأَنَّ هَذَا اللَّحْمَ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَأَخْبَرَ عَدْلٌ آخَرُ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ الثَّانِيَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَعَدْلٌ آخَرُ بِطَهَارَتِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ الثَّالِثَةُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ كَمَا نَقَلَهُ فِي التَّوْشِيحِ لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ بِحِلِّ طَعَامٍ وَآخَرُ بِحُرْمَتِهِ، فَإِنَّهُ يُحْكَمُ بِحِلِّهِ، وَهَذَا التَّنْبِيهُ لِبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّلَاثِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُشْتَبَهُ الْأَصْلُ فِيهَا أَنَّ الْخَبَرَيْنِ إذَا تَعَارَضَا تَسَاقَطَا، وَيَبْقَى مَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الْخَبَرِ عَلَى مَا كَانَ فَفِي الْمَاءِ قَبْلَ الْخَبَرِ الثَّابِتِ إبَاحَةُ شُرْبِهِ وَطَهَارَتِهِ فَلَمَّا تَعَارَضَ الدَّلِيلَانِ تَسَاقَطَا فَبَقِيَ مَا كَانَ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالطَّهَارَةِ وَفِي الطَّعَامِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْحِلُّ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ إذْ لَوْ تَرَجَّحَ جَانِبُ الْحُرْمَةِ لَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ مَعَ تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ وَلَا يَجُوزُ تَرْجِيحُ الْحُرْمَةِ بِالِاحْتِيَاطِ لِاسْتِلْزَامِهِ تَكْذِيبَ الْخَبَرِ بِالْحِلِّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، فَأَمَّا تَعَارُضُ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ فِي حِلِّ الطَّعَامِ وَحُرْمَتِهِ فَيُوجِبُ تَرْجِيحَ الْحُرْمَةِ تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَعَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ فِي أُمُورِ الدِّينِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اللَّحْمِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ لَمَّا تَسَاقَطَ الدَّلِيلَانِ أَيْضًا بِالتَّعَارُضِ بَقِيَ مَا كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ الذَّبْحِ وَالثَّابِتُ قَبْلَهُ حُرْمَةُ الْأَكْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بِالذَّبْحِ شَرْعًا، وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ السَّبَبُ الْمُبِيحُ لِوُقُوعٍ التَّعَارُضِ فِي سَبَبِ الْإِبَاحَةِ بَقِيَ حَرَامًا كَمَا كَانَ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثِ لَكِنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ الْخَبَّازِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ تَفْصِيلًا حَسَنًا فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ تَسْكُنُ إلَيْهِ النَّفْسُ وَيَمِيلُ إلَيْهِ الْقَلْبُ فَقَالَ، فَإِنْ قِيلَ إذَا أَخْبَرَ عَدْلٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَعَدْلٌ آخَرُ بِطَهَارَتِهِ لِمَ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مَشْكُوكًا مَعَ وُقُوعِ التَّعَارُضِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ قُلْنَا لَا تَعَارُضَ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ الطَّهَارَةِ لَوْ اسْتَقْصَى فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ أَخَذْت هَذَا الْمَاءَ مِنْ النَّهْرِ وَسَدَدْت فَمَ هَذَا الْإِنَاءِ وَلَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ أَصْلًا رَجَّحْنَا خَبَرَهُ لِتَأَيُّدِهِ بِالْأَصْلِ، وَإِنْ بَنَى خَبَرَهُ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ وَقَالَ كَانَ طَاهِرًا فَيَبْقَى كَذَلِكَ رَجَّحْنَا خَبَرَ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ مَحْسُوسٍ مُشَاهَدٍ وَأَنَّهُ رَاجِحٌ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ اهـ.
وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ مُسْتَنَدَ إخْبَارِهِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ يَعْمَلُ بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الطَّهَارَةُ، وَإِنْ بَيَّنَ فَالْعِبْرَةُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَبِيذِ التَّمْرِ) يَعْنِي إنْ فَقَدَ مَاءً مُطْلَقًا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هُنَا إمَّا؛ لِأَنَّهُ مَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عَلَى رَأْيٍ أَوْ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمَّا أَوْجَبَ الْجَمْعَ صَارَ عِنْدَهُ مَشْكُوكًا فِيهِ فَشَابَهَ سُؤْرَ الْحِمَارِ كَذَا قِيلَ لَكِنْ لَا يَخْفَى ضَعْفُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ مُخَالِفًا لِسُؤْرِ الْحِمَارِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ هَاهُنَا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:
الْأَوَّلُ: فِي تَفْسِيرِهِ الثَّانِي فِي وَقْتِهِ الثَّالِثُ فِي حُكْمِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ فِي الْمَاءِ تُمَيْرَاتٍ فَيَصِيرُ رَقِيقًا يَسِيلُ عَلَى الْأَعْضَاءِ حُلْوًا غَيْرَ مُسْكِرٍ وَلَا مَطْبُوخٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا حُلْوًا؛ لِأَنَّهُ تَوَضَّأَ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْحَلَاوَةِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنَّمَا قُلْنَا غَيْرَ مُسْكِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْكِرًا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا غَيْرُ مَطْبُوخٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طُبِخَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ إذْ النَّارُ قَدْ غَيَّرَتْهُ حُلْوًا كَانَ أَوْ مُشْتَدًّا كَمَطْبُوخِ الْبَاقِلَاءِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: تَقْلِيلًا لِلنَّسْخِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ) بَيَانُهُ أَنَّ قَبْلَ الْبَعْثَةِ كَانَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةَ فَلَوْ جَعَلْنَا الْمُبِيحَ مُتَأَخِّرًا يَلْزَمُ تَكْرَارُ النَّسْخِ؛ لِأَنَّ الْحَاظِرَ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ثُمَّ الْمُبِيحُ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْحَاظِرِ وَلَوْ جَعَلْنَا الْحَاظِرَ مُتَأَخِّرًا لَا يَلْزَمُ إلَّا نَسْخٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِإِبْقَاءِ الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْحَاظِرَ نَاسِخٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّكْرَارِ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ مَبْسُوطٌ فِي حَوَاشِينَا عَلَى شَرْحِ الْمَنَارِ (قَوْلُهُ: لَكِنْ ذَكَرَ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ إلَخْ) أَقُولُ: وَعَلَيْهِ جَرَى صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ، وَفِي تَحْرِيرِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْ مَبْنَاهُ لِيُعْمَلَ بِمُقْتَضَاهُ إنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ السُّؤَالُ وَعِبَارَةُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ هَكَذَا إذَا أَخْبَرَ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ فَالطَّهَارَةُ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْيًا لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْرِفَةَ بِالدَّلِيلِ فَيَسْأَلُ، فَإِنْ بَيَّنَ وَجْهَ دَلِيلِهِ كَانَ كَالْإِثْبَاتِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَالنَّجَاسَةُ أَوْلَى وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا نَظِيرُ النَّفْيِ الَّذِي يُحْتَمَلُ مَعْرِفَتُهُ بِالدَّلِيلِ وَيُحْتَمَلُ بِنَاؤُهُ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ؛ لِأَنَّ طَهَارَةَ الْمَاءِ قَدْ تُدْرَكُ بِظَاهِرِ الْحَالِ وَقَدْ تُدْرَكُ عِيَانًا بِأَنْ غَسَلَ الْإِنَاءَ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ بِالْمَاءِ الْجَارِي وَمَلَأَهُ بِأَحَدِهِمَا وَلَمْ يَغِبْ عَنْهُ أَصْلًا وَلَمْ يُلَاقِهِ شَيْءٌ نَجِسٌ فَإِذَا أَخْبَرَ وَاحِدٌ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالْآخَرُ بِطَهَارَتِهِ، فَإِنْ تَمَسَّكَ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَإِخْبَارُ النَّجَاسَةِ أَوْلَى وَإِنْ تَمَسَّكَ بِالدَّلِيلِ كَانَ مِثْلَ الْإِثْبَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْعَمَلَ بِالْأَصْلِ) أَيْ فَالْعَمَلُ بِالْأَصْلِ أَوْلَى أَوْ فَالْأُولَى الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ أَوْ الْعَمَلُ مُبْتَدَأٌ وَالظَّرْفُ خَبَرٌ وَالْجُمْلَةُ عَلَى كُلٍّ جَوَابُ الشَّرْطِ عَلَى تَقْدِيرِ الْفَاءِ (قَوْلُهُ: وَإِنْ بَيَّنَ فَالْعِبْرَةُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّفْصِيلَ السَّابِقَ هُوَ إنْ بَيَّنَ دَلِيلَ الطَّهَارَةِ أُخِذَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فَيُقَدَّمُ إخْبَارُ النَّجَاسَةِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِنْ بَيَّنَ فَالْعِبْرَةُ لِهَذَا التَّفْصِيلِ تَأَمَّلْ.
وَالْمُحِيطِ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُقَيَّدًا بِالطَّبْخِ إذَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ بَعْدَمَا طُبِخَ وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَعَ مِنْهُ تَنَاقُضٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هُنَا أَنَّ النَّارَ إذَا غَيَّرَتْهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِجَوَازِ شُرْبِهِ وَذَكَرَ فِي بَحْثِ الْمِيَاهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ اهـ.
وَلَا يَخْفَى ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ التَّصْحِيحِ يُنْبِئُ عَنْهُ فَكَانَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ نَقْلَ الرِّوَايَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ فَلَا تَنَاقُضَ حَيْثُ أَمْكَنَ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَنْبِذَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ جَوَازَ التَّوَضُّؤِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالْحَدِيثِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
وَأَمَّا الثَّانِي: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: كُلُّ وَقْتٍ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ فِيهِ يَجُوزُ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُتَوَضَّأُ بِهِ جَزْمًا وَيُضِيفُ التَّيَمُّمَ إلَيْهِ اسْتِحْبَابًا وَالثَّانِيَةُ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ كَسُؤْرِ الْحِمَارِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَاخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَرَجَّحَهُ وَالثَّالِثَةُ أَنَّهُ يُتَيَمَّمُ وَلَا يُتَوَضَّأُ بِهِ قَوْلُهُ الْآخَرُ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ أَبِي حَنِيفَةَ لِاخْتِلَافِ الْأَسْئِلَةِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّوَضُّؤِ بِهِ إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْحَلَاوَةِ قَالَ يُتَيَمَّمُ وَلَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَسُئِلَ مَرَّةً إذَا كَانَ الْمَاءُ وَالْحَلَاوَةُ سَوَاءً قَالَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَسُئِلَ مَرَّةً إذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْمَاءِ فَقَالَ يُتَوَضَّأُ بِهِ وَلَا يُتَيَمَّمُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمَذْهَبُ الْمُصَحَّحُ الْمُخْتَارُ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا هُوَ عَدَمُ الْجَوَازِ مُوَافَقَةً لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِاشْتِغَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الدَّالِّ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ «قَوْلِهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) هُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو رَافِعٍ وَابْنُ الْقَيِّمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ثُمَّ قَالَ لِيَقُمْ مَعَنَا مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَامَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَحَمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ نَفْسِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: خَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ وَخَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَوْلِي خَطًّا وَقَالَ لَا تَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْخَطِّ، فَإِنَّك إنْ خَرَجْت مِنْهُ لَمْ تَلْقَنِي إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ ذَهَبَ يَدْعُو الْجِنَّ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَقَالَ لِي هَلْ مَعَك مَاءٌ أَتَوَضَّأُ بِهِ فَقُلْت لَا إلَّا نَبِيذُ التَّمْرِ فِي إدَاوَةٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ فَتَوَضَّأَ بِهِ وَصَلَّى الْفَجْرَ» وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْعَمَلُ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهَا تَنْقُلُ التَّطْهِيرَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ إلَى التُّرَابِ وَنَبِيذُ التَّمْرِ لَيْسَ مَاءً مُطْلَقًا فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَرْدُودًا بِهَا لِكَوْنِهَا أَقْوَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ مَنْسُوخًا بِهَا؛ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ، فَإِنْ قِيلَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ جَوَابُ أَبِي يُوسُفَ خَاصَّةً وَالْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْعَمَلُ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا؛ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى أَبِي زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَأَبُو زَيْد كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ النَّقَلَةِ؛ وَلِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ هَلْ كَانَ أَبُوك مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْجِنِّ فَقَالَ لَوْ كَانَ أَبِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْجِنِّ لَكَانَ فَخْرًا عَظِيمًا وَمَنْقَبَةً لَهُ وَلِعَقِبِهِ بَعْدَهُ فَأَنْكَرَ كَوْنَ أَبِيهِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ كَانَ لَمَا خَفِيَ عَلَى ابْنِهِ وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةٌ تَامَّةٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي انْتِسَاخِ هَذَا الْحَدِيثِ لِجَهَالَةِ التَّارِيخِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نُسِخَ ذَلِكَ بِآيَةِ التَّيَمُّمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يُنْسَخْ فَيَجِبُ احْتِيَاطًا قُلْنَا لَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ يَعْنِي أَنَّهَا تَكَرَّرَتْ قَالَ فِي التَّيْسِيرِ إنَّ الْجِنَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَفْعَتَيْنِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الدَّفْعَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَدِينَةِ بَعْدَ آيَةِ التَّيَمُّمِ فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَلِمَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ كَعَلِيٍّ رضي الله عنه رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ أَنَّهُ قَالَ «الْوُضُوءُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وُضُوءُ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ تَوَضَّئُوا بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَرُوِيَ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ الْوُضُوءَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهُمْ كِبَارُ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ مَعْمُولًا بِهِ وَبِمِثْلِهِ يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ اشْتَبَهَ كَوْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْجِنِّ قُلْنَا فِي الْبَابِ مَا يَكْفِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِوَايَةُ هَذِهِ الْكِبَارِ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَقَوْلُهُ أَبُو زَيْدٌ مَجْهُولٌ قُلْنَا لَا بَلْ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، وَكَانَ مَعْرُوفًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ: أُثْبِتُ كَوْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام بِاثْنَيْ عَشَرَ وَجْهًا وَمَعْنَى قَوْلِ ابْنِهِ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَيْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حَالَةَ الْخِطَابِ وَالدَّعْوَةِ بَلْ كَانَ دَاخِلَ الْخَطِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ