الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الطَّاهِرِ وَقَيَّدَ بِالطَّاهِرِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمَعْذُورِ صَحِيحٌ إنْ اتَّحَدَ عُذْرُهُمَا، وَأَمَّا إنْ اخْتَلَفَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ خَلْفَ مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَعَهُ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ فَكَانَ الْإِمَامُ صَاحِبَ عُذْرَيْنِ وَالْمَأْمُومَ صَاحِبُ عُذْرٍ، وَكَذَا لَا يُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ وَجُرْحٌ لَا يَرْقَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَالْجُرْحَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ، وَكَذَا سَلَسُ الْبَوْلِ وَاسْتِطْلَاقُ الْبَطْنِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَاقْتِدَاءُ الْمُسْتَحَاضَةِ بِالْمُسْتَحَاضَةِ وَالضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ لَا يَجُوزُ كَالْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِالْمُشْكِلِ اهـ.
لَعَلَّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ حَائِضًا أَمَّا إذَا انْتَفَى الِاحْتِمَالُ فَيَنْبَغِي الْجَوَازُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَإِمَامَةُ الْمُفْتَصِدِ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ صَحِيحَةٌ إذَا كَانَ يَأْمَنُ خُرُوجَ الدَّمِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ وَقَارِئٍ بِأُمِّيٍّ) أَيْ وَفَسَدَ اقْتِدَاءُ حَافِظِ الْآيَةِ مِنْ الْقُرْآنِ بِمَنْ لَا يَحْفَظُهَا وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْأُمِّيِّ فَهُوَ عِنْدَنَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ الْمَفْرُوضَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ وَإِنَّمَا فَسَدَ؛ لِأَنَّ الْقَارِئَ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُصَلِّي مَعَ عَدَمِ رُكْنِهَا لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي وَسَيَأْتِي أَنَّ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ الْإِمَامِ تَفْسُدُ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ بِالْأَوْلَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْأُمِّيِّ بِالْأَخْرَسِ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ أَقْوَى حَالًا مِنْهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ وَإِلَى جَوَازِ اقْتِدَاءِ الْأَخْرَسِ بِالْأُمِّيِّ.
(قَوْلُهُ وَمُكْتَسٍ بِعَارٍ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْعَارِي جَائِزَةٌ مَعَ فَقْدِ الشَّرْطِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَوْ قَالَ وَلَا مَسْتُورِ الْعَوْرَةِ خَلْفَ الْعَارِي لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ سَتَرَ عَوْرَتَهُ بِالسِّرْوَالِ أَوْ نَحْوِهِ لَا يُسَمَّى مُكْتَسِيًا فِي الْعُرْفِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْمُكْتَسِي خَلْفَهُ؛ لِأَنَّهُ مَسْتُورُ الْعَوْرَةِ اهـ.
لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي السَّرَاوِيلِ هَلْ يَكُونُ كِسْوَةً شَرْعًا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ؟ وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْخُلَاصَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ وَلَا لِلْمَرْأَةِ أَيْ لَا يَكُونُ كِسْوَةً، قَيَّدَ بِالْمُكْتَسِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَّ الْعَارِي عُرَاةً وَلَابِسِينَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ هُوَ مِثْلُهُ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا صَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ بِخِلَافِ الْأُمِّيِّ إذَا أَمَّ أُمِّيًّا وَقَارِئًا فَإِنَّ صَلَاةَ الْكُلِّ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْأُمِّيَّ يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ صَلَاتَهُ بِقِرَاءَةٍ إذَا اقْتَدَى بِقَارِئٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَلَيْسَتْ طَهَارَةُ الْإِمَامِ وَسُتْرَتُهُ طَهَارَةً وَسُتْرَةً لِلْمَأْمُومِ حُكْمًا فَافْتَرَقَا (قَوْلُهُ وَغَيْرِ مُومِئٍ بِمُومِئٍ) أَيْ فَسَدَ اقْتِدَاءُ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمَا لِلْعُذْرِ لِقُوَّةِ حَالِ الْمُقْتَدِي، قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ اقْتِدَاءَ الْمُومِئِ بِالْمُومِئِ صَحِيحٌ لِلْمُمَاثَلَةِ كَمَا سَيَأْتِي.
(قَوْلُهُ وَمُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ وَبِمُفْتَرِضٍ آخَرَ) أَيْ وَفَسَدَ
اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي
؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءٌ، وَوَصْفُ الْفَرْضِيَّةِ مَعْدُومٌ فِي حَقِّ الْإِمَام فِي الْأُولَى وَهُوَ مُشَارَكَةٌ وَمُوَافَقَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الِاتِّحَادِ وَهُوَ مَعْدُومٌ فِي الثَّانِيَةِ وَاَلَّذِي صَحَّ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَتَرَجَّحَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفْلًا وَبِقَوْمِهِ فَرْضًا لِقَوْلِهِ حِينَ شَكَوْا تَطْوِيلَهُ بِهِمْ يَا مُعَاذُ إمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِك كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَشَرَعَ لَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَلَا يُصَلِّي بِقَوْمِهِ أَوْ الصَّلَاةُ بِقَوْمِهِ عَلَى وَجْهِ التَّخْفِيفِ وَلَا يُصَلِّي مَعَهُ. هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ أَفَادَهُ مَنْعُهُ مِنْ الْإِمَامَةِ إذَا صَلَّى مَعَهُ عليه السلام وَلَا تَمْتَنِعُ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا بِالِاتِّفَاقِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْفَرْضِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ اتِّحَادَ الصَّلَاتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُمْكِنَهُ الدُّخُولُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مَعَهُ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى التَّعْلِيلِ أَنْ يَجُوزَ اقْتِدَاءُ مَنْ بِهِ السَّلَسُ بِمَنْ فِيهِ انْفِلَاتُ الرِّيحِ وَلَيْسَ بِالْوَاقِعِ لِاخْتِلَافِ عُذْرِهِمَا وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ بِمَحْضِ اخْتِلَافِ عُذْرِهِمَا لَا بِكَوْنِ الْإِمَامِ صَاحِبَ عُذْرَيْنِ وَالْمُقْتَدِي صَاحِبَ عُذْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.
أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ هُوَ ظَاهِرُ تَعْبِيرِهِمْ بِاتِّحَادِ الْعُذْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْهِدَايَةِ فِيمَا سَبَقَ بِأَنَّ الصَّحِيحَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْمَعْذُورِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ، وَكَذَا قَوْلُ النِّهَايَةِ الْأَصْلُ فِي جِنْس هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمُقْتَدِي إذَا كَانَ أَقْوَى حَالًا مِنْ الْإِمَامِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ أَوْ مِثْلَهُ جَازَ وَنَحْوُهُ فِي الْعِنَايَةِ. هَذَا وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي السِّرَاجِ مَا نَصُّهُ وَيُصَلِّي مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ خَلْفَ مِثْلِهِ، وَأَمَّا إذَا صَلَّى مَنْ بِهِ السَّلَسُ خَلْفَ مَنْ بِهِ السَّلَسُ وَانْفِلَاتُ رِيحٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ عُذْرَيْنِ وَالْمُؤْتَمَّ صَاحِبُ عُذْرٍ وَاحِدٍ اهـ.
فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَعَلَّهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّعْلِيلَ لِغَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ مَنْ جَوَّزَ اقْتِدَاءَ الضَّالَّةِ بِالضَّالَّةِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا لِاحْتِمَالِ اقْتِدَائِهَا بِالْحَائِضِ اهـ وَذَكَرَ رِوَايَتَيْنِ فِي اقْتِدَاءِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِمِثْلِهِ.
(قَوْلُهُ وَكَذَا صَاحِبُ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ) أَيْ وَكَذَا ائْتِمَامُ صَاحِبِ الْجُرْحِ السَّائِلِ بِمِثْلِهِ وَبِصَحِيحٍ وَالْأَوْلَى حَذْفُ الْبَاءِ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ.
[اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِإِمَامٍ مُتَنَفِّلٍ أَوْ بِإِمَامٍ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي]
(قَوْلُهُ يُصَلِّي فَرْضًا غَيْرَ فَرْضِ الْمُقْتَدِي) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ آخَرَ لَيْسَ صِفَةً لِمُفْتَرِضٍ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ فَرْضًا آخَرَ.
فِي صَلَاتِهِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَكُونَ صَلَاةُ الْإِمَامِ مُتَضَمِّنَةً لِصَلَاةِ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْإِمَامُ ضَامِنٌ» أَيْ تَتَضَمَّنُ صَلَاتُهُ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي وَأَشَارَ بِمَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ إلَى مَنْعِ اقْتِدَاءِ النَّاذِرِ بِالنَّاذِرِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ نَفْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّ الْتِزَامَهُ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ فَقَطْ إلَّا إذَا نَذَرَ أَحَدُهُمَا عَيْنَ مَا نَذَرَهُ الْآخَرُ فَاقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلِاتِّحَادِ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ أَفْسَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا التَّطَوُّعَ ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي قَضَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ لِلِاخْتِلَافِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى مَنْ أَفْسَدَ بِمَنْ يُصَلِّي مَنْذُورَةً إلَّا إذَا كَانَ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ تَطَوُّعًا ثُمَّ أَفْسَدَاهُ، ثُمَّ قَضَيَاهُ بِالِاقْتِدَاءِ يَجُوزُ لِلِاتِّحَادِ، وَمُصَلِّيَا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَالنَّاذِرَيْنِ؛ لِأَنَّ طَوَافَ هَذَا غَيْرُ طَوَافِ الْآخَرِ وَهُوَ السَّبَبُ فَهُوَ اقْتِدَاءُ الْوَاجِبِ بِالنَّفْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّةِ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ كَمَا لَا يَخْفَى
وَأَشَارَ بِمَنْعِ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُفْتَرِضٍ آخَرَ إلَى مَنْعِ اقْتِدَاءِ النَّاذِرِ بِالْحَالِفِ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ أَقْوَى مِنْ الْمَحْلُوفِ بِهَا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ قَصْدًا وَوُجُوبُ الْمَحْلُوفِ بِهَا عَارِضٌ لِتَحْقِيقِ الْبِرِّ، وَلِهَذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْحَالِفِ بِالْحَالِفِ وَالْحَالِفِ بِالنَّاذِرِ وَصُورَةُ الْحَلِفِ بِهَا كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَأُصَلِّيَنَّ رَكْعَتَيْنِ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ اقْتِدَاءَ الْحَالِفِ بِالْمُتَطَوِّعِ أَوْ الْمُفْتَرِضِ جَائِزٌ بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ النَّاذِرِ بِالْمُتَطَوِّعِ أَوْ الْمُفْتَرِضِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اهـ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْحَالِفِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا نَفْلًا بِالْحَلِفِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا وَاجِبَةٌ لِتَحَقُّقِ الْبِرِّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ خَلْفَ الْمُتَطَوِّعِ، وَلَوْ اقْتَدَى مَنْ يَرَى وُجُوبَ الْوِتْرِ فِيهِ بِمَنْ يَرَى سُنِّيَّتَهُ صَحَّ لِلِاتِّحَادِ وَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِقَادِ، وَلَوْ اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي سُنَّةً بِمَنْ يُصَلِّي سُنَّةً أُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَوْ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْقَبْلِيَّةَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُجْتَبَى وَأَطْلَقَ فِي مَنْعِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فَشَمِلَ الِاقْتِدَاءَ فِي جَمِيعِ الْأَفْعَالِ، وَفِي بَعْضِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ إنْسَانٌ فَسَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ قَبْلَ السُّجُودِ فَاسْتَخْلَفَهُ صَحَّ وَيَأْتِي بِالسَّجْدَتَيْنِ وَيَكُونَانِ نَفْلًا لِلْخَلِيفَةِ حَتَّى يُعِيدُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَفَرْضًا فِي حَقِّ مَنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الصَّلَاةِ لِمَنْعِ النَّفْلِيَّةِ فِي حَقِّ الْخَلِيفَةِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَلِذَا لَوْ تَرَكَهُمَا فَسَدَتْ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَهُ
وَكَذَا لَا يَرِدُ الْمُتَنَفِّلُ إذَا اقْتَدَى بِالْمُفْتَرِضِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُنْتَفَلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ لِكَوْنِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي أَخَذَتْ حُكْمَ الْفَرْضِ بِسَبَبِ الِاقْتِدَاءِ، وَلِذَا لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ وَلِذَا لَوْ أَفْسَدَ عَلَى نَفْسِهِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْأَرْبَعِ، وَالتَّحْقِيقُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ مَحْظُورَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهَا مَفْرُوضَةٌ؟ فَالْحَقُّ أَنَّ الْإِيرَادَ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَسْبُوقِ بِالْمَسْبُوقِ وَلَا اللَّاحِقِ بِاللَّاحِقِ، وَكَذَا الْمُقِيمَانِ إذَا اقْتَدَيَا بِالْمُسَافِرِ، ثُمَّ اقْتَدَى أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فِي الْقَضَاءِ
وَلَوْ صَلَّيَا الظُّهْرَ وَنَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إمَامَةَ صَاحِبِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا، وَلَوْ نَوَيَا الِاقْتِدَاءَ فَسَدَتْ وَمِنْ مُخْتَلِفَيْ الْفَرْضِ الظُّهْرُ خَلْفَ الْجُمُعَةِ أَوْ عَكْسُهُ، وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ مَنْ اقْتَدَى فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْفِرَادُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا اقْتَدَى بِمَسْبُوقٍ أَوْ انْفَرَدَ فِي مَوْضِعٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا إذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ، ثُمَّ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَلَمْ يَعُدْ الْمَسْبُوقُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ، ثُمَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّمَانِيَةِ فَسَدَ الِاقْتِدَاءُ، وَلَمْ يُذْكَرْ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا أَوْ لَا لِلِاخْتِلَافِ قَالُوا فِيهِ رِوَايَتَانِ وَصَحَّحَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّهُ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ وَصَحَّحَ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ
وَفِي الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ يَعْنِي عَدَمَ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَطَوِّعًا لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَذَكَرَ الشَّارِحُ أَنَّ الْأَشْبَهَ أَنْ يُقَالَ إنْ فَسَدَ لَفَقَدَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَمُصَلِّيَا) تَثْنِيَةُ مُصَلٍّ مَرْفُوعٌ بِالْأَلِفِ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَسَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإِضَافَةِ كَنُونِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ كَالنَّاذِرَيْنِ خَبَرٌ.
(قَوْلُهُ فَشَمِلَ الِاقْتِدَاءَ إلَخْ) رَدٌّ لِمَا قِيلَ إنَّمَا لَا يَجُوزُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ لَا فِي بَعْضِهِمَا مُسْتَدِلًّا بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ وَبِالْفَرْعِ الَّذِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ لِمَنْعِ النَّفْلِيَّةِ) أَيْ نَفْلِيَّةِ السَّجْدَتَيْنِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِعَدَمِ الْوُرُودِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْعَامَّةُ عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَمَنَعُوا نَفْلِيَّةَ السَّجْدَتَيْنِ بَلْ هُمَا فَرْضٌ عَلَى الْخَلِيفَةِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَالْحَقُّ أَنَّ الْإِيرَادَ سَاقِطٌ مِنْ أَصْلِهِ) أَيْ الْإِيرَادُ الثَّانِي قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ فَرْضٌ عَلَيْهِ وَحُظِرَتْ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ إيَّاهَا عَنْهُ وَلَوْ صَحَّ مَا ادَّعَاهُ لَبَطَلَ تَعْلِيلُهُمْ عَدَمَ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُسَافِرِ بِالْمُقِيمِ بَعْدَ الْوَقْتِ بِأَنَّهُ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ كَمَا سَيَأْتِي فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَعُدْ الْمَسْبُوقُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَتَأَكَّدَ انْفِرَادُهُ بِأَنْ كَانَ لَمْ يَسْجُدْ لِلرَّكْعَةِ وَإِلَّا فَلَا يُتَابِعُهُ وَإِنْ تَابَعَهُ فَسَدَتْ
شَرْطُ الصَّلَاةِ كَالطَّاهِرِ خَلْفَ الْمَعْذُورِ لَا يَكُونُ شَارِعًا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ لِلِاخْتِلَافِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ شَارِعًا فِيهِ غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِاجْتِمَاعِ شَرَائِطِهِ فَصَارَ كَالظَّانِّ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ اهـ.
وَيَرُدُّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي كَافِيهِ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا نَوَتْ الْعَصْرَ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا وَلَمْ تُفْسِدْ عَلَى الْإِمَامِ صَلَاتَهُ اهـ.
فَهُوَ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ صِحَّةِ شُرُوعِهَا لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ رَجُلٌ قَارِئٌ دَخَلَ فِي صَلَاةِ أُمِّيٍّ تَطَوُّعًا أَوْ فِي صَلَاةِ امْرَأَةٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ، ثُمَّ أَفْسَدَهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ تَامَّةٍ اهـ.
فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ تَصْحِيحُ الْمُحِيطِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الشُّرُوعِ؛ لِأَنَّ الْكَافِيَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ فِي كُتُبِهِ الَّتِي هِيَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ مِنْ الْحَائِلِ
وَذَكَرَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ أَنَّهُ إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْإِمَامِ طَرِيقٌ يَمُرُّ فِيهِ النَّاسُ أَوْ نَهْرٌ عَظِيمٌ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً عَلَى الطَّرِيقِ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ، وَقَدَّمَ قَبْلَهُ أَنَّ صَفَّ النِّسَاءِ مُفْسِدٌ لِصَلَاةِ الصُّفُوفِ الَّتِي وَرَاءَهُ كُلِّهَا اسْتِحْسَانًا فَالْمَانِعُ ثَلَاثَةٌ، وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ حَائِطٌ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ اهـ.
أَطْلَقَ فِي الْحَائِطِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَمَا يَشْتَبِهُ فِيهِ حَالُ الْإِمَامِ أَوْ لَا لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا بِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَى الْإِمَامِ فَهُوَ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَلَمْ يُشْتَبَهْ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَوْ قَامَ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ وَاقْتَدَى بِالْإِمَامِ أَوْ فِي الْمِئْذَنَةِ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمَا بَابٌ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ، فَإِنْ كَانَ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَشْتَبِهُ فَعَلَى الْخِلَافِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ اخْتَارَ الصِّحَّةَ، وَكَذَا عَلَى جِدَارٍ
ــ
[منحة الخالق]
كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَيَرُدُّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَدْ قَدَّمَ رحمه الله فِي الْمُحَاذَاةِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ الصَّحِيحَ فَسَادُ صَلَاتِهِ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِمَا سَيَأْتِي وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ كَمَا فِي الْمِنَحِ حَيْثُ قَالَ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ هَلْ يَصِيرُ شَارِعًا فِي صَلَاةِ نَفْسِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا، وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ لِلصَّلَاةِ جِهَتَيْنِ عِنْدَهُمَا وَلَهَا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَعَزَاهُ الزَّيْلَعِيُّ إلَى بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ حَيْثُ قَالَ قَالُوا فِيهِ رِوَايَتَانِ لَكِنْ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَلَامِ الْحَاكِمِ لَا يَدُلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهَا يَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَاهُ صَلَاةُ الْفَرْضِ أَيْ لَمْ تُجْزِهَا هَذِهِ الصَّلَاةُ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ الَّتِي نَوَتْهَا مَعَ الْإِمَامِ لِفَسَادِ اقْتِدَائِهَا وَإِنْ صَحَّ شُرُوعُهَا نَفْلًا، وَلِذَا قَالَ وَلَمْ تُفْسِدْ عَلَى الْإِمَامِ صَلَاتَهُ أَيْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا وَعِبَارَةُ الْحَاكِمِ الثَّانِيَةُ أَصْرَحُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ أَفْسَدَهَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ شُرُوعِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي صَلَاةٍ تَامَّةٍ يُفِيدُ دُخُولَهُ فِي صَلَاةٍ غَيْرِ تَامَّةٍ أَيْ لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ نَفْلًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ وَهَذَا يَرُدُّ تَفْصِيلَ الزَّيْلَعِيِّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْفَسَادَ فِي عِبَارَةِ الْحَاكِمِ الثَّانِيَةِ لِفَقْدِ شَرْطِ الصَّلَاةِ وَمَعَ هَذَا دَلَّتْ عَلَى صِحَّةِ شُرُوعِهِ فِي نَفْلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ كَلَامَ الْحَاكِمِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي السِّرَاجِ مِنْ تَصْحِيحِ الشُّرُوعِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَسَدَ اقْتِدَاؤُهُ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمَذْهَبَ تَصْحِيحُ السِّرَاجِ وَهُوَ مَا نَصَّ الْمُؤَلِّفُ عَلَيْهِ فِيمَا مَضَى.
(قَوْلُهُ أَطْلَقَ فِي الْحَائِطِ إلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ، فَإِنْ كَانَ قَصِيرًا ذَلِيلًا بِأَنْ كَانَ طُولُهُ دُونَ الْقَامَةِ وَعَرْضُهُ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ لَا يَمْنَعُ لِعَدَمِ الِاشْتِبَاهِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ فِيهِ بَابٌ أَوْ كُوَّةٌ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الْإِمَامِ مِنْهُ وَهُوَ مَفْتُوحٌ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ، وَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَسْدُودًا أَوْ الْكُوَّةُ صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ النُّفُوذُ مِنْهَا أَوْ مُشَبَّكَةً فَإِنْ كَانَ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ لَا يَمْنَعُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَكَذَا اخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ عَلَى خِلَافِ مَا ذُكِرَ بِأَنْ كَانَ عَرِيضًا طَوِيلًا وَلَيْسَ فِيهِ ثُقْبٌ مَنَعَ اهـ.
(قَوْلُهُ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْحَائِطُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ فِي الْخُلَاصَةِ إلَخْ) فِي الْخَانِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ كَبِيرًا وَعَلَيْهِ بَابٌ مَفْتُوحٌ أَوْ ثُقْبٌ لَوْ أَرَادَ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ يُمْكِنُهُ وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ سَمَاعًا أَوْ رُؤْيَةً صَحَّ الِاقْتِدَاءُ فِي قَوْلِهِمْ. زَادَ فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلَهُ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ بَابٌ مَسْدُودٌ أَوْ ثُقْبٌ صَغِيرٌ مِثْلُ الْبَنْجَرَةِ لَوْ أَرَادَ الْوُصُولَ إلَى الْإِمَامِ لَا يُمْكِنُهُ لَكِنْ لَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ حَالُ الْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي هَذَا لِاشْتِبَاهِ حَالِ الْإِمَامِ وَعَدَمِهِ لَا لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ مُتَابَعَةٌ وَمَعَ الِاشْتِبَاهِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُتَابَعَةُ اهـ.
وَنَحْوُهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَيْضِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَاَلَّذِي يُصَحِّحُ هَذَا الِاخْتِيَارَ مَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَتَمَكَّنُونَ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - اهـ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ.